عمان الثقافي

افتتاحية عن تجربة الإبداع في عُمان

 
إذا كان المنجز الثقافي والإبداعي العماني قبل عقدين من الزمن يبحث عن مجرد الحضور عربيا، فإن كثيره اليوم ملء السمع والبصر عربيا، ويخطو خطوات جادة في طريقه نحو الحضور العالمي عبر وسائط الترجمة بعد أن بدأت بعض دور النشر تلتفت لهذا الإبداع وتعمد إلى ترجمته ونشره بمختلف اللغات. ورغم أن الأعمال الإبداعية العمانية المترجمة إلى لغات أخرى ما زالت قليلة من حيث العدد إلا أنها استطاعت أن تفتح بابا لقراءة الإبداع العماني عبر وسائط الترجمة بالإضافة إلى قراءته العربية.

إن العقبات، أو ربما التغييب، الذي مُورس على الإبداع العماني في السياق التاريخي قد تلاشى اليوم أمام هذا الانفتاح الكبير الذي يعيشه العالم بعيدا عن الحدود الجغرافية، فأصبح المبدع العماني حاضرا في كل المناسبات الثقافية والعربية، حاضرا بثقل إبداعي يتناسب مع التراكم التاريخي للتجربة العمانية المتحققة عبر الزمن الطويل.

لقد استفاد المبدع العماني من المنجز العربي والعالمي واستطاع صهر كل تلك التجارب في تجربته الخاصة التي تكشف بالضرورة عن الهُوية العمانية، وتنطلق، تلك التجربة، في الكثير من جوانبها من البيئة المحلية لتصنع تجربتها وحضورها العربي.

وتسترعي التجربة الإبداعية العمانية الانتباه في رحلتها الطويلة التي تستحق أن تحظى برعاية مؤسسية وبخبرة تضعه في مسار صحيح؛ فتجربة النشر والترجمة العالمية مختلفة تماما عما هي عليه في السياق العربي.

ويحتفي هذا العدد من «ملحق جريدة عمان الثقافي» بالإبداع العماني شعرا وسردا ونقدا ومسرحا وسينما وتشكيلا، ورغم أن المساحة المكانية في الملحق ضيقة جدا بالنظر إلى اتساع الفضاء الإبداعي العماني فإن هذه النماذج التي يجدها القارئ تاليا تعطي صورة بانورامية عن مستوى الإبداع وأدواته ووعيه. ومن حسن الطالع أن يصدر هذا العدد بالتزامن مع بدء الدورة السابعة والعشرين من معرض مسقط الدولي للكتاب، الذي يضم -كما قال المنظمون- أكثر من 22 ألف إصدار عماني في مختلف فنون المعرفة وهو عدد ليس بسيطا بالنظر إلى تاريخ التجربة وحيثياتها التاريخية.

وسيجد القارئ أن النصوص الإبداعية العمانية إن لم تفُق فإنها لا تقل عن مستوى الإبداع العربي، وفي مختلف الفنون، أيضا.

ومرة أخرى لا بدّ من القول إن الطريق ما زال طويلا أمام المبدع العماني الذي اختار أن يكون في طليعة الحركة الإبداعية العربية وصولا إلى المشهد العالمي وهذا الطريق يحتاج إلى جهد كبير ينطلق من عمق المجتمع العماني ليستطيع التعبير عنه ونقله من سياقه المحلي إلى سياق إنساني عالمي، فالتجربة الإنسانية تجربة متقاربة والإنسان هو الإنسان وإن اختلفت تجاربه وتفاوت وعيه.

ولقد كشفت التجارب المتحققة أن ذلك ممكنا مع توفر الأدوات الحقيقية والمهنية لصناعة الكتاب ونشره. وهناك كتب عمانية، روائية بشكل خاص، صدرت أو في طريقها للصدور بلغات عالمية ليست الإنجليزية إلا واحدة منها فقط. ولعلنا في عدد قادم من أعداد هذا الملحق نطرح قضية ترجمة الأدب العماني إلى لغات العالم الحية ونناقش التحديات التي تقف أمام تحقيق ذلك، سواء تحديات المبدع نفسه أو تحديات دور النشر العالمية، ولكن أيضا نناقش الفرص المتاحة اليوم أمام وصول الإبداع العماني إلى مصاف العالمية.

سيجد القارئ في هذا العدد مجموعة من النصوص الشعرية والسردية والمقالات النقدية، ويقرأ حوارا مع الشاعر الكبير سيف الرحبي كما يقرأ شهادة للروائية جوخة الحارثي عن تجربة قراءة الآخر للإبداع العماني.