أفكار وآراء

الإفراط في السرية عن خطورة عادة الأزمنة السوفييتية

ترجمة عن الروسية: يوسف نبيل-

أعادت السلطات قرارها القريب بشأن تصنيف بعض الإحصاءات الاقتصادية بوصفها سرية إلى أشكال الحرب الهجينة التي تتعرض لها روسيا من جانب الغرب. دعونا نفترض أنه كلما قلت معرفة خصومنا بشؤوننا، صعب عليهم التخطيط وفرض عقوبات جديدة.

مع ذلك لدى المواطنين شكوك حيال هذا الأمر. إذا كانت الأوضاع الاقتصادية كلها جيدة - كما يخبروننا في القنوات التلفزيونية – فما حاجتنا إلى الأسرار؟ الإنجازات لا تخفي؛ لا عن الأصدقاء ولا عن الأعداء. تثير الصين - مثلا - ضجيجًا حول نجاحاتها بالرغم من أي أشكال هجينة من الحرب.

عن تقارير النجاح: لقد ورثنا عن النظام السوفياتي ميلا إلى السرية. لأكثر من 70 عامًا انغمست البلاد في مثل هذا الضباب المعلوماتي، لدرجة أن الناس لم يبدؤوا التعرف على الحالة الحقيقية للأمور إلا مع بداية سياسة المصارحة الجورباتشيفية.

اعتادت الصحافة الكتابة عن «مسيرة الاشتراكية الظافرة» و «الآفاق الاقتصادية الجديدة» و «النمو غير المسبوق لنفوذ الاتحاد السوفييتي في بلدان أفريقيا وأمريكا اللاتينية». في هذه الأثناء كانت القطارات تصل من الأقاليم إلى موسكو سعيًا وراء النقانق والجبن والمعكرونة. لا تزال الأجيال القديمة تذكر كيف اعتادوا الوقوف في الطوابير من أجل الدجاج، ولا ينالون في النهاية أكثر من قطعة.

بفضل الموارد الضخمة من الأراضي اشترت البلاد ملايين الأطنان من الحبوب من الخارج. لكن تقرر ألا يعرف الشعب السوفييتي شيئًا عن هذا الأمر. بسبب هذه السرية جاء انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 مفاجأة إلى حد ما؛ ليس فقط للسكان، ولكن أيضًا للنخبة المطمئنة بتقارير النجاح.

استخلاص الحقيقة: ماذا عن اليوم؟ هل الأمور مفهومة تمامًا؟

للأسف الشديد تظل الرغبة في عرض الحقيقة الملائمة للناس، وعدم القدرة على التحدث مع الناس بلغة بسيطة وصادقة، إرثًا لا يمحى لدى جزء من النخبة الروسية الحالية.

الصورة المُجمَّلة التي ترسمها هذه النخبة للناس، بل ونقص المعلومات يمكن أن يفضيا؛ حتى بالقطاع المتنور من الناس، إلى درجة عالية من عدم الثقة في المستقبل.

اليوم، وبعد أكثر من 30 عامًا من إلغاء الرقابة، يجب استخلاص حقيقة الوضع، كما يُستخلص الفحم تقريبًا من منجم شديد العمق، بل وأحيانًا يكون الأمر أشبه بلعبة الغميضة.

تُرسم الصورة الحقيقية ببقع لونية تبدو عشوائية وطفيفة. على سبيل المثال، إذا خشت السلطات الإقليمية إزعاج موسكو بالأخبار السيئة، تظل هذه الأخبار تتسرب عبر جهود الصحفيين والمدونين المحليين، وبالرغم من حواجز المعلومات يعرفها الجميع.

هذه هي الطريقة التي نعرف بها – مثلا - أن التعريفات الجمركية على المياه والتدفئة والغاز وجمع القمامة في بعض المناطق قد زادت بمقدار ثلاثة أو أربعة أضعاف. تشهد البيانات غير المباشرة أيضًا على وجود مشاكل في الاقتصاد. على سبيل المثال، زاد عدد المواطنين المفلسين بنسبة 44٪ خلال العام الماضي.

مؤخرًا ظهرت تقارير عن انخفاض الطلب على الأراضي للبناء. على ما يبدو، لا عجلة للاستثمار في مشاريع جديدة. لكن، بحسب البنك المركزي، ازداد حجم ودائع الروس في الخارج في عام 2022 ليصل إلى 60 مليار دولار.

يشتري بعض المواطنين الأثرياء سبائك ذهبية خوفًا على مدخراتهم. اشتروا 6 أطنان في عام 2021، ويبدو أنهم في عام 2022 اشتروا ما يقرب من عشرة أضعاف.

الوضع ضبابي بدرجة غير مسبوقة: تبدو توقعات عام 2023 مثيرة للجدل. تتوقع وزارة التنمية الاقتصادية انخفاضًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.8٪ والبنك المركزي - بنسبة 1٪ ، كما يرى الاقتصاديون من بعض البنوك التجارية أن الانخفاض سيصل إلى 6.5٪. من يمكنه أن يصدق هذه التكهنات؟

تحدث سكرتير مجلس الأمن في الاتحاد الروسي نيكولاي باتروشيف مؤخرًا بقلق حول «الإخفاقات الخطيرة في صناعة الطيران». يعود السبب جزئيًا إلى أن الناس؛ خاصة الشباب، يغادرون المناطق التي توجد فيها المصانع الأساسية لهذه الصناعة.

بشكل عام، كما قالت رئيسة البنك المركزي: إلفيرا نابيولينا: «المستقبل اليوم أكثر غموضًا من أي وقت مضى». في حالة ضباب مثل هذه يصعب تحديد المسار ثلاثة أضعاف صعوبته في الوضع الطبيعي. لا يتبقى لنا سوى الاعتماد على خبرة وحدس الملاح.

فياتشيسلاف كوستيكوف دبلوماسي وصحفي وكاتب روسي شغل منصب السكرتير الصحفي للرئيس الروسي بوريس يلتسين.

الترجمة عن aif.ru