أفكار وآراء

تنمية اقتصاد المحافظات

تعد تنمية المحافظات أحد مرتكزات «رؤية عُمان 2040» التي تهدف للاستفادة من الميزة النسبية والتنافسية لكل محافظة من محافظات سلطنة عُمان؛ تزامنا مع النمو السكاني، وما يصاحبه من ارتفاع في الطلب على الخدمات في جميع المحافظات، إضافة إلى وجود فرص استثمارية في قطاعات السياحة واللوجستيات والصناعات التحويلية التي تسهم في التوجه الحكومي نحو تنويع مصادر الدخل، كما تتميّز بعض المحافظات بإقبال الشباب على قطاع ريادة الأعمال الأمر الذي انعكس إيجابا على قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذي يعد قطاعا واعدا لاستقطاب أكبر عدد من الباحثين عن عمل، ومساهما بنسبة مرتفعة في الناتج المحلي الإجمالي لعُمان، مدعوما بالتسهيلات المقدمة لبيئة الأعمال، والحوافز التي تقرها الحكومة بين فترة وأخرى للنهوض بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وحمايتها من مخاطر الإفلاس أو التعثر؛ إذ تضمنت أولوية تنمية المحافظات والمدن المستدامة 28 برنامجًا أبرزها اللامركزية الاقتصادية مطبقة في المحافظات، ويستهدف البرنامج إعداد خطة استراتيجية لكل محافظة؛ لتعزيز التنمية الاقتصادية، ودعم التنافسية الإقليمية، وتنمية مصادر دخل ذاتي للمحافظات، وتطبيقها ومتابعتها وتقييم نتائجها. فما تابعناه خلال الأشهر الماضية من جهود كبيرة تبذلها المحافظات تمثّلت في إقامة المهرجانات والفعاليات والمناشط المتنوعة لاستقطاب أكبر عدد من الجمهور، وإبراز المقومات المتنوعة التي تتميز بها كل محافظة عبر الاستفادة من الميزة النسبية والتنافسية لكل محافظة، إضافة إلى إسناد مكاتب المحافظين جملة من المناقصات لعدد من المشروعات الاستثمارية التي تسهم في إيجاد قيمة مضافة للاقتصاد العُماني، وتتكامل مع المشروعات التنموية التي تواصل الحكومة إنشاءها وإقرارها يعكس مدى تسارع وتيرة توزيع خطط التنمية الاقتصادية في جميع المحافظات مدعومة بالتوجيهات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - برفع المبالغ المخصصة لبرنامج تنمية المحافظات من 10 ملايين ريال عماني إلى 20 مليون ريال لكل محافظة خلال الخطة الخمسية الحالية (2021-2025) بدءًا من عام 2022 التي بدورها ستسهم في دعم توليد فرص عمل للباحثين عن عمل عبر دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومشروعات الشباب في المحافظات، وتنشيط القطاعات الاقتصادية لاسيما قطاع السياحة الذي يعد ميزة تنافسية في بعض المحافظات، ومساهما في الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان؛ فما يميّز برنامج تنمية المحافظات واقتصادها أنه سيعالج تركّز السكان في محافظة مسقط لإنجاز معاملاتهم في الوزارات الخدمية، إضافة إلى أنه سيسرّع التحول الاستراتيجي لتوجه الحكومة نحو اللامركزية الداعم لإطار الحوكمة الذي من شأنه أن يرفع كفاءة الإنفاق على مختلف المشروعات، ويحقق مبادئ التخطيط التشاركي كما صرّح سعادة الدكتور وكيل الاقتصاد في تصريح سابق لوكالة الأنباء العُمانية.

إن الدعم الذي تحظى به محافظات سلطنة عُمان من مختلف الجهات الحكومية رغم تفاوت جاهزيتها وتباين تضاريسها وتنوّع مواردها يعد عاملا محفزا لتنميتها وللنمو الاقتصادي عموما، ومع اكتمال البنى الأساسية في المحافظات وتوفير كافة الإمكانيات والأدوات لتنمية اقتصادها ينبغي على المواطنين أن يشاركوا في تعزيز اقتصاد المحافظات عبر رفع مستوى وعيهم بمدى أهمية تنمية المحافظات، والنهوض بمؤسساتهم الصغيرة والمتوسطة، والاستفادة من المقومات الطبيعية التي تزخر بها المحافظات لابتكار نماذج تساعد على الارتقاء بالمحافظات، وتوسيع قاعدة اقتصادها؛ لتحقيق أحد أهداف «رؤية عُمان 2040» بتحقيق اقتصاد مستدام، وهنا نستحضر كلمات مضيئة من خطاب جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- عندما أكد أن «نجاح الرؤية المستقبلية مسؤولية الجميع من أبناء الوطن العزيز دون استثناء كل في موقعه، وفي حدود إمكانياته ومسؤولياته، وفي إطار دعم قدرة الحكومة على القيام بمتطلبات تحقيق الرؤية»، وأرى أن تنمية اقتصاد المحافظات يجب ألا يركّز على إيجاد فرص عمل في القطاع الحكومي في المحافظات، بل ينبغي أن تركّز تنمية اقتصاداتها على تشجيع ثقافة ريادة الأعمال التي بدورها ستوّفر أعمالا وفرصا وظيفية وفرصا استثمارية واعدة، إضافة إلى ضرورة البحث عن أفكار جديدة تسهم في مساهمة القطاعات الواعدة ضمن «رؤية عُمان 2040» لا سيما قطاع السياحة في مختلف المحافظات كونه قطاعا واعدا ومساعدا في خطط التنويع الاقتصادي خاصة أن محافظات سلطنة عُمان تتميز بمقومات سياحية وتراثية جاذبة للسياح، ومن المهم إشراك الشباب في تنمية اقتصاد المحافظات عبر الاستفادة من أفكارهم ومهاراتهم في تطوير المحافظات وتنمية اقتصاداتها، فالشباب العُماني قادر على المساهمة في تسريع وتيرة تنمية المحافظات من خلال الاستفادة من توفير البيئة الاستثمارية الملائمة التي بدورها تسهم في تحفيز الاستثمار المحلي؛ ليكون رافدًا للاقتصاد الوطني، ومن المهم أن يواصل الشباب الاستفادة من الصلاحيات الموسّعة الممنوحة للمحافظات؛ لإيجاد تنمية وطنية متوازنة وشاملة في جميع المحافظات؛ لتحقيق اقتصاد متنوّع متفاعل مع المتغيرات الاقتصادية العالمية يتميّز بالصلابة والاستدامة.

أخيرا.. نود أن نوجه كلمة شكر وتقدير للجهود المبذولة من قبل الجهات المعنية؛ للتعريف ببرنامج تنمية المحافظات، ومتابعة الموقف التنفيذي للبرنامج من خلال عقد لقاءات وجلسات حوارية باستضافة عدد من المختصين في مجال الاقتصاد والمعنيين بالبرنامج من مختلف الجهات الحكومية، إضافة إلى جهود وزارة الإعلام التي تقوم بالتفاعل باستمرار مع كل ما يتعلق ببرنامج تنمية المحافظات عبر مختلف أذرعها الإعلامية، ومما لا شك فيه أن استمرار مثل هذه الجهود يشعرنا بالارتياح والاطمئنان أن البرنامج يسير وفق خطط مدروسة وإرادة قوية لنرى النتائج على أرض الواقع، فنجاح برنامج تنمية المحافظات يدفع عجلة الاقتصاد للأمام، ويحقّق التنمية الاقتصادية في سلطنة عُمان.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي