أعمدة

القادم أجمل..

 
1- أتذكرُ أنه مُنذ سنوات قليلة مضت وبعد انتهاء أحد الاجتماعات المهمة خُصص يومها لمناقشة الوضع الاقتصادي العام في سلطنة عُمان والذي كان يعاني الأمرّين لم يتردد أحد أصحاب المعالي الوزراء في القول إن الأزمة التي تمر بها البلاد هي مجرد مرحلة وستكون من الماضي وأن «القادم أجمل».. أتذكر أنه كان يردد هذه الجملة بكل ثقة منذ اليوم الأول لتولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في البلاد.

وقد رسخت هذه العبارة في ذاكرتي منذ ذلك العام وها أنا أتيقن اليوم من أنها لم تصدر عن معاليه مصادفة إنما كانت قراءة دقيقة وفاحصة للمستقبل.. أتيقن من صحتها كُلما تم الإعلان عن ولادة مشروع وطني جديد يهدف إلى تحقيق رفاه المواطن العُماني ويعمل على نشر التنمية على كل شِبر من هذا الوطن العزيز الذي مر ويمر حاليًا بعملية إصلاح حقيقي وشامل متعافيًا من آثار أزمات اقتصادية متوالية عصفت بكل اقتصاديات العالم وما زالت دول عديدة تئن تحت تأثيراتها حتى لحظتنا هذه.

وتأكيدًا لتلك القراءة جاء خبر إقرار مجلس الوزراء إحالة مشروع قانون «الحماية الاجتماعية» إلى مجلس عُمان لاستكمال دورته التشريعية ليثبت أن حكومة سلطنة عُمان هي حكومة أفعال وأنها ماضية في مسار التجديد بروح العصر ومتطلباته وليؤكد لأبناء عُمان أن جلالة السلطان المعظم -أعزه الله- قريب من كل مواطن وهو يدرك برؤيته الثاقبة ما هي متطلبات المرحلة القادمة وما يتوجب عمله لينعم المواطن بخيرات بلاده وفق «رؤية عُمان 2040م».

وإنفاذا لتلك الرؤية خرج مشروع قانون «الحماية الاجتماعية» إلى النور، ويتضمن تخصيص منافع اجتماعية جديدة لكل فئات المجتمع من كبار السن والأطفال والأيتام والأرامل وذوي الإعاقة كما يتضمن دعم الأسر الأقل دخلًا وتمت من خلاله مراعاة المتقاعدين من فئة كبار السن.

ولأن حكومة سلطنة عُمان تدرك أن هناك حاجة ماسة إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الأمان الاجتماعي فقد تضمّن المشروع برامج تقاعدية موحدة لكل القطاعات في سوق العمل سواء كانت حكومية أم خاصة تغطي مرحلة التقاعد ومخاطر الوفاة والعجز وإصابات العمل والأمراض المهنية والأمان الوظيفي.

لقد صُمم مشروع قانون «الحماية الاجتماعية» ليؤسس لمنظومة تشمل أدوات وبرامج موجّهة لكل فئات المجتمع التي تغطيها المنظومة المقترحة لمدّ الحماية الاجتماعية والتقاعدية للمواطنين والمقيمين في سلطنة عُمان وهو يضمّ إقرار عدة منافع نقدية لبرامج الحماية الاجتماعية لا يعتمد استحقاق أغلبها على البحث الاجتماعي وبرامج التأمين الاجتماعي وبرامج الادخار والذي يدلل أن جميع المواطنين سيستفيدون من هذه المنافع.

ومما يدلل على أهمية هذا المشروع وحيويته أن مخصّصاته المالية الإضافية التي تم تخصيصها هذا العام لتطبيق البرامج والمنافع المقرّة لمنظومة الحماية بلغت نحو 400 مليون ريال عُماني.

2 - من السهل جدًا اعتبار «الحُرية» هي وحدها ما ينقص وسائل الإعلام بمختلف أجهزتها المسموعة والمرئية والمقروءة لتكون فعّالة ومؤثرة تؤدي الأدوار المطلوبة منها وأنه بزيادة مساحة هذه الحرية تصبح رسالة وسائل الإعلام مكتملة قادرة على تحقيق طموحات أفراد المجتمع من التنمية.

من السهل أيضًا الحديث عن الحرية «المُطلقة» لوسائل الإعلام الخارجية في المجتمعات الأجنبية وما وصلت إليه من « جرأة» في تناول القضايا وتقديمها للجمهور - نحن في بيوتنا نتنقل بين القنوات الفضائية - غير أن هذا الحديث سيبدو باهتًا إذا ما عرفنا طبيعة المسؤولية المُلقاة على وسائل إعلامنا المحلية تجاه الوطن من جانب ومن جانب آخر إذا ما اقتربنا من تركيبة تلك المجتمعات الاجتماعية وثقافتها وعاداتها وتقاليدها وإذا ما علمنا أنه لا توجد حرية مُطلقة في أي مكان في العالم مهما بلغت مساحة الحرية المُتاحة فيها خاصة إذا ما اصطدمت بالأمن القومي لأي دولة ودليل ذلك ما اتخذته حكومة الولايات المتحدة من إجراءات صارمة طالت الحياة الخاصة عندما تعرضت لهجمات الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001.

في إحدى التغطيات الصحفية التي حضرتها يومًا سأل صحفي من بلد عربي مسؤولا عُمانيا كبيرا في الحكومة السؤال التالي: لماذا لا توجد لديكم كما في بلادي أحزاب متعددة تتبنى أفكارا مختلفة؟ وكان رد المسؤول كالتالي: «أنتم لديكم مسميات للأحزاب لا تُعد ولا تُحصى لكن كل ذلك لم يجلب لكم الأمان ولا الاستقرار ولا التنمية، أما نحن في بلادنا فإننا نتحدث إلى بعضنا دون عوائق.. لا نحتاج لمثل هذه الأحزاب لأننا مجتمع واحد وانتماؤنا للوطن وأهدافنا مشتركة لذلك نعيش في طمأنينة ووئام».

أعادني هذا الموقف إلى التصريح الذي أدلى به معالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام الأسبوع الفائت لبرنامج «صباح الشباب» الذي تبثه إذاعة « الشباب» بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة والذي تحدث فيه عن الحرية المسؤولة لوسائل الإعلام ووصف الإعلام العُماني فيه بأنه إعلام «يدمج بين الحرية والمسؤولية» ويحمل رسالة تجاه الوطن والأجيال.

هذا التصريح يضع مفهومًا واضحًا لا لبس فيه للرسالة الإعلامية العُمانية وهو أنها رسالة تستهدف خير المجتمع ورُقيه وصلاحه وإذا كانت هناك من حرية ما فإنها يجب أن تقترن بالمسؤولية إذ يضمن هذا الارتباط تقديم هذه الوسائل للمطلوب منها وهو الفكر الحقيقي والتثقيف وتوعية المجتمع وإيصال جهود التنمية بمختلف وجوهها وتقديم التاريخ العريق لعُمان للأجيال الجديدة ليكون دافعًا ومُحفزًا لصناعة مستقبل مُشرق.

آخر نقطة

«الحرية هي فرصة أن نكون أفضل». ألبير كامو