أفكار وآراء

كيف نختبر هوية التخلف في عالم السوشيال ميديا؟

في الوقت الذي تتطور فيه الاتصالات مع العالم، وطرائق ذلك الاتصال، والتسهيلات التي أعانت الناس؛ لأن يكونوا أكثر قدرةً على تحصيل المعرفة وسهلت وصولهم إليها، نجد تفاعلات شعوب المنطقة العربية مع هذه التطورات تعكس نمطا سلبيا ظاهرا من التفاعل في مستويات الثقافة والمعرفة وجودة الأداء في التحصيل الأكاديمي، مع تصنيف يتدهور باستمرار لمستويات التعليم بل وكذلك مستويات أداء متخلف حتى عن مستويات أداء الأجيال السابقة - أقله في أو آليات تعتبر بديهيات في جودة مستوى الكتابة. هذا التناسب العكسي مع تطور وسائط المعرفة والاتصال بالعالم هو في تقديرنا مؤشر خطير لا على اتجاه التطور العالمي الذي تحقق في ثورة المعلوماتية والاتصال، وإنما على مستوى تفاعل شعوب هذه المنطقة العربية السلبي مع ذلك التطور.

وحيال واقع كهذا تتطور فيه مفاهيم خطيرة في الغرب ونقاشات عميقة حول «ما بعد الحداثة» و«ما بعد الدولة القومية» وما «بعد المواطنة»، يمكننا على الأقل أن نفهم طبيعة تلك النقاشات التي تجري في الغرب من حيث إن الدواعي التي قد تطرح تلك النقاشات هي جزء من صيرورة تشكلت في ذلك الغرب الذي أنتج تلك المفاهيم وطورها وعاش تجربة التمتع بها على أكمل وجه.

لكن في المقلب الآخر، وفيما نحن نرى تفاعل شعوب المنطقة العربية مع الثورة المعلوماتية والاتصال بتلك الطريقة السالبة، سنجد أن أي تطور باتجاه التحولات الخطيرة التي يعكسها النقاش في الغرب حول تلك المفاهيم سيكون وقعه على منطقتنا كارثيا، حيث إنه حتى اليوم لم تتجسد الأدوار الكاملة لفكرة المواطنة والدولة في المنطقة العربية وما زالت تتنازعها مفاهيم وتصورات عامة في أفهام الناس مثل القبيلة والطائفة، في الوقت الذي نرى فيه نماذج أولية خطيرة لتطبيقات تلك الأفكار الجديدة، كما هو واضح في نمط شركات العولمة (الشركات العابرة للقارات برساميل تتجاوز حتى ميزانيات دول كثيرة في إفريقيا) ونرى توغلها الخطير في تدمير المشاريع الوطنية ببعض دول المنطقة كمشروعات الخصخصة التي تأثرت بها طبقات كثيرة في شعوب تلك الدول.

وإذا تأملنا في هوية السبب الذي يؤدي لذلك التفاعل السالب وبصورة عكسية لتعاطي شعوب هذه المنطقة مع تحولات عالمية خطيرة كثورة المعلوماتية والاتصال، سنجد أنه وبكلمة واحدة: «التخلف» حيث إن أقل نظرة على تاريخ يرصد مؤشر بداية التخلف في المنطقة العربية والإسلامية (مع أن بعض البلدان الإسلامية تجاوزت التخلف كماليزيا وغيرها) ستحيلنا إلى أكثر من 9 قرون منذ أن أطبق ذلك التخلف على العالم العربي والإسلامي، كما سنجد أن الظاهرة الاستعمارية -رغم عنفها وفظاعتها- كانت أقوى مؤشر لتنبيه شعوب هذه المنطقة العربية والإسلامية إلى ما كانت عليه من أحوال التخلف، وهو الأمر الذي اقترح له المفكر الجزائري «مالك بن نبي» مصطلح: «القابلية للاستعمار» بوصفها حالة أخطر من الاستعمار ذاته، في إشارة واضحة إلى مفهوم التخلف. ولا تزال اليوم تفاعلات تعبيرات التخلف هي المؤشر الواضح للتعاطي مع الواقع الراهن في ما تبرزه تحديثات مواقع التواصل كالفيسبوك وتويتر.

إن هذه المفارقة التي تطرحها طبيعة التعامل التي نراها في مجتمعات المنطقة العربية مع وسائط التواصل الاجتماعي هي اليوم مؤشر واضح ولا يحتاج إلى دليل في رصد حقيقة الأزمة وخطورتها، وأبرز ما في ذلك: الانخفاض الواضح الذي طرأ لهذه المجتمعات في وتيرة مستوى التحصيل التعليمي ونوعيته.

إن التصنيف الذي تطرحه وسائط التواصل الاجتماعي كمؤشر لحالة المعرفة وهوية الأفكار والتصورات العامة لتفاعل مجتمعات المنطقة العربية مع الوسائط المعلوماتية الحديثة لا يحيلنا، فقط إلى ترد واضح في مستويات كثيرة لمعرفة ما، وتصورات عامة كمخرجات لأنظمة تعليم لا يزال يجري اعتبارها حتى اليوم في هذه المنطقة بوصفها مخرجات متاحة، بل يحيلنا كذلك إلى وهم كبير يعشش في أذهان كثيرين ممن يمكن أن يوصفوا بـ«النخبة» مفاده: توهم سوية متكافئة مع مجتمعات العالم الأول انطلاقا من ظاهر الاستخدام المتساوي والمتاح لوسائط السوشيال ميديا دون أي تفكير في صيرورة مستوى المعرفة لأنظمة التعليم التي كرستها مجتمعات العالم الأول والتي هي التي أوصلتها إلى ابتداع الوسائط المعرفية الحديثة وإلى ثورة المعلوماتية والاتصال التي أصبح عليها حال عالمنا اليوم. وما لم تستفق تلك «النخب» من ذلك الوهم فإن تعبيرات التخلف ستبرز أكثر وأكثر كلما تعامت تلك «النخب» عن أصل المشكلة!