أفكار وآراء

مؤتمر القدس واستشعار الخطر

عقد مؤخرا في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة مؤتمر وزاري عربي حول القدس الشريف التي تحتلها إسرائيل منذ عام ١٩٦٧ حيث تكبد العرب أكبر النكسات في تاريخهم الحديث مع الكيان الإسرائيلي، ومنذ ذلك التاريخ والمدينة المقدسة تتعرض ومسجدها المبارك وهو المسجد الأقصى إلى الانتهاكات المتواصلة والتضييق على سكان القدس، بل وتعرض المسجد المبارك إلى الحريق في عقد الستينيات من القرن الماضي ورغم كل تلك التعديات والانتهاكات وعمليات القتل والاعتقال التي مارستها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ظلت القدس صامدة كل تلك العقود ومع ذلك فإن خطة الاحتلال الإسرائيلي نحو تهويد المدينة وبناء المزيد من المستوطنات حولها متواصلة خاصة أن وصول حكومة متطرفة يترأسها نتنياهو سوف يصعد الأمور. ولعل ما حدث مؤخرا في مدينة جنين هو مثال على ذلك، علاوة على الانتهاكات التي يشهدها المسجد الأقصى المبارك من قبل المتطرفين من حكومة نتنياهو وأيضا المستوطنين.

وعلى ضوء ذلك فإن مؤتمر القدس بالقاهرة جاء كحالة عربية استشعرت الخطر الذي تواجهه مدينة القدس من خلال المحاولات الإسرائيلية المتكررة لطمس الهوية التاريخية والحضارية للمدينة المقدسة وتواصل الحفريات تحت أسوار المسجد الأقصى علاوة على السلوك الإسرائيلي العدواني تجاه مواطني القدس، ولعل السؤال الأهم بعد نهاية مؤتمر القدس بالقاهرة الذي حضره عدد من وزراء الخارجية العرب وبعد صدور البيان الختامي والتوصيات هل استشعار ذلك الخطر على مدينة القدس وهويتها العربية والإسلامية سوف يترجم إلى أفعال أم تبقى تلك القرارات والتوصيات في مقر أرشيف الجامعة العربية؟! والسؤال الآخر المهم أين هي لجنة القدس وما هو دورها عند حدوث أي أزمة صعبة تواجه المدينة المقدسة ومسجدها المبارك؟ ومن هنا فإن تلك التساؤلات تحتاج إلى إجابات قاطعة خاصة أن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي متواصلة في عموم فلسطين المحتلة وليس هناك إشارات بأن حكومة نتنياهو تريد تحقيق السلام الشامل والعادل للقضية الفلسطينية بل إن هناك تشددا وانتهاكات وتهديدات متواصلة ضد الشعب الفلسطيني وحتى ضد السلطة الوطنية الفلسطينية مما يعطي انطباعا بأن أمام العرب مرحلة مفصلية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. ورغم أن خطوة عقد مؤتمر عربي خاص بالقدس يعد خطوة إيجابية من الناحية الشكلية لكن المهم مخرجات ذلك المؤتمر في ظل إحباط فلسطيني وعربي متواصل وهو يرى تلك الانتهاكات الخطيرة التي تتعرض لها مدينة القدس المحتلة ومسجدها المبارك من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومن هنا فإن المصداقية تقتضي من مؤتمر القدس أن يتخذ قراراته وتوصياته وألا تكون تلك الخطوة مجرد ردة فعل آنية بسبب حدث هنا أو هناك، فوضع القدس الشريف يعد في غاية الحساسية وهذا يتطلب تنفيذ قرارات عربية فعّالة تدرك معها إسرائيل بأن العرب لن يظلوا صامتين أمام ما تتعرض له مقدساتهم. ومن هنا فإن لجنة القدس عليها مسؤولية كبيرة نحو القيام بدورها المغيب وأن إصدار البيانات لن يجدي لأن إسرائيل لا تعطي أي أهمية للبيانات ولكن من المهم اتخاذ خطوات عملية من خلال دعم عربي مباشر على صعيد دعم سكان القدس ودعم صندوق القدس ومتابعة قضايا التهويد التي تقوم بها إسرائيل لشراء العقارات وهي من الخطوات الخطيرة نحو تهويد المدينة المقدسة، كما أن أمام العرب مرحلة معقدة في ظل حالات التطبيع التي قامت بها عدد من الدول العربية وهي حالات سلبية ضد نضال الشعب الفلسطيني وضربة ضد القضية الفلسطينية ومن هنا فإن الاهتمام الشعبي بمؤتمر القدس كان منخفضا كتوقعات وهذا يعود إلى الإحباط الذي يسود الرأي العام العربي والفلسطيني من نتائج تلك المؤتمرات العربية حول فلسطين بشكل عام وحول القدس بشكل خاص.

إن الوضع الحساس لمدينة القدس يتطلب تحركا عربيا يتخطى البيانات العربية وليس هناك شك أن هناك مشاعر عربية صادقة تجاه القضية الفلسطينية على الصعيد الرسمي والشعبي ولكن هذا لا يكفي في ظل المخططات الإسرائيلية التي يقودها نتنياهو من خلال حكومة متطرفة تعتمد على العنف والانتهاكات ولا تؤمن بحل الدولتين ولا قرارات الشرعية الدولية، كما أن إسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي الذي يعد أحد معضلات الصراع العربي الإسرائيلي، فالوسيط الأمريكي فشل لعقود وأظهر انحيازه السافر من خلال الدعم الاقتصادي والعسكري وحماية أمن إسرائيل كما أن الوضع العربي على صعيد العلاقات هو في وضع صعب ومعقد علاوة على تواصل الصراعات والحروب ووجود توتر في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وتعثر مفاوضات الملف النووي الإيراني. وأمام هذا المشهد العربي يأتي مؤتمر القدس ليضع تساؤلات حقيقية حول فاعلية القرار العربي، وهل يستطيع العرب إنقاذ مدينة القدس من الانتهاكات الخطيرة التي تتعرض لها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك فإن الدعم المباشر للقدس من خلال الصندوق والمحافظة على هويتها التاريخية والحضارية أمر ممكن علاوة على أن يلعب الإعلام العربي دورا محوريا في كشف زيف الاحتلال الإسرائيلي وفضح ممارساته أمام الرأي العام الدولي وهذه الخطوات ممكنة وسوف يكون لها تأثير إيجابي على المشهد الفلسطيني والعربي ويسود شعور بالثقة بأن مؤتمر القدس كان مؤتمرا بالفعل لنصرة القدس والمحافظة على هويتها وعلى خصوصيتها الحضارية وسوف تكون المرحلة القادمة مرحلة حاسمة وهناك ترقب لتنفيذ ما خرج به مؤتمر القدس الذي يعد رغم كل التحديات خطوة إيجابية واستشعارا عربيا ورسميا بخطر تهويد المدينة المقدسة.