مفارقات في مساعدات المتضررين من الزلازل !!
الاثنين / 21 / رجب / 1444 هـ - 22:02 - الاثنين 13 فبراير 2023 22:02
بالرغم مما حملته صور وفيديوهات كارثة الزلازل المدمرة التي ضربت جنوب شرق تركيا وغرب سوريا يوم الاثنين، السادس من الشهر الجاري من مآس تدمي القلوب، ومن حكايات ومفارقات لأشخاص وأطفال كتب الله لهم النجاة وسط الدمار الهائل لواحد من أسوأ الزلازل التي تشهدها المنطقة والعالم على مدى سنوات وعقود طويلة، فإن الوجه الآخر المتمثل في الاستجابة الإنسانية وجهود الإغاثة والإنقاذ ومد يد العون لعشرات الآلاف من أسر الذين قضوا في الزلزال، أو أصيبوا، ويتجاوز إجماليهم المائة ألف شخص في سوريا وتركيا، فضلا عن حجم الدمار الهائل وخسائر البنية التحتية والمرافق والمخاطر المترتبة على استمرار هذه الحالة، شكّل ويشكّل في الواقع مأساة إنسانية أخرى، لا تقل في قسوتها، إن لم تكن تفوق قسوة الزلزال وما ترتب عليه من أضرار بشرية ومادية، وتعود هذه القسوة الفائقة إلى حقيقة أنه إذا كانت الزلازل هي بوجه عام من صنع الطبيعة، أو لأسباب طبيعية جيولوجية أو حتى بشرية ما، برغم الجدل الذي لم ينته بعد حول الأسباب الحقيقية وراء الزلازل التي حدثت والافتراضات المختلفة التي لم تحسم علميا بعد بهذا الخصوص، فإن مأساة ومفارقة المساعدات الإنسانية التي تم ويتم تقديمها للمتضررين تتمثل في أنها ممارسة واستجابة إنسانية تتم على أساس قرارات سياسية ووفق شعور ما بالتضامن بين بني البشر وفق مبدأ التضامن والتكافل في مواجهة الكوارث الإنسانية، طبيعية كانت أو من صنع البشر، وخطورة ذلك أنه يفضح في الواقع ما يحاول كثير من الأطراف مداراته أو إخفاؤه وراء أسباب أو مبررات مختلفة، وتأتي الكوارث لتفضح الكثير دون قصد. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:
أولا: إن التعاون والتكافل والتضامن بين البشر وعلى مختلف المستويات، وخاصة في مواجهة الكوارث الطبيعية والبشرية لا يرتكز فقط على القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية التي تحتم ذلك حفاظا على الحياة والمصالح المشتركة بين الدول والمجتمعات المختلفة وسلامتها، ولكنه يرتكز أيضا على الحاجة المتبادلة للدول والمجتمعات لمواجهة أي مخاطر قد تتجاوز قدراتها الذاتية في مواجهتها لسبب أو لآخر، وهو ما يتطلب ضرورة التعاون فيما بينها، لأن ما قد تتعرض له اليوم يمكن أن تتعرض له أنت أو غيرك غدا وأنه لا بديل عن التضامن بين البشر، سواء داخل المجتمع الواحد أو على المستويات الإنسانية المختلفة، وفي هذا الإطار تكونت العديد من المنظمات والهيئات الإغاثية، الدولية والحكومية والأهلية، ومنظمات المجتمع المدني العابرة للحدود، ومنها على سبيل المثال منظمات الهلال الأحمر والصليب الأحمر وأطباء بلاحدود والخوذ البيضاء وغيرها وحتى البنك الدولي واللجان التابعة للاتحاد الأوروبي ومنظمات الإغاثة الوطنية مثل الهيئة العمانية للأعمال الخيرية وغيرها التي تقدم مساعدات ومنح إغاثة متفاوتة للمتضررين في حالات مختلفة، سواء في حالات الزلازل أو الفيضانات أو الأوبئة أو غيرها من الكوارث المختلفة التي يتعرض لها البشر والمجتمعات في الظروف المختلفة. وبقدر ما تحمل هذه الجهود الإغاثية من شعور نبيل من جانب المانحين، ومن امتنان من جانب المتلقين، بقدر ما يصاحبها أحيانا من مفارقات ومواقف تعكس بشكل ما رواسب علاقات، أو حسابات سياسة، أو رسائل بين أطراف معنية، بل وفرصة لتجاوز خلافات أو التعبير عن الرغبة في التقارب على نحو أو آخر، والأمثلة في هذا المجال عديدة، ليس فقط بين سوريا وبعض فصائل المعارضة السورية وبين دمشق وعواصم عربية عديدة، ولكن أيضا بين اليونان وتركيا، وتعبير وزيري خارجية البلدين عن رغبة كل منهما في تجاوز الخلافات مع الدولة الأخرى والاتجاه إلى بدء صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين وذلك على سبيل المثال.
ثانيا: إنه إذا كان من الطبيعي أن المنح والمساعدات الإنسانية والإغاثية في حالات الكوارث، ترتبط في العادة بظروف الدول المانحة وإمكاناتها المتاحة والتي تريد تقديمها لطرف أو أطراف محددة في ظروف معينة، فإن الأمر هنا يفتح المجال في العادة أمام تدخل السياسة في مثل هذه القرارات والمواقف، وهو ما حذر منه مارتن جريفيث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإغاثة الدولية، وانتقده مسؤولون دوليون آخرون. وفي الوقت الذي ضرب فيه الزلزال المدمر تركيا وسوريا، وتفاوتت أحجام الدمار والخسائر البشرية والمادية بشكل كبير بين البلدين (بلغ إجمالي المتضررين من الزلزال ما يتجاوز 30 مليون شخص منهم نحو 25 مليونا في تركيا وحوالي 5 ملايين في سوريا وارتفع عدد المعرّضين للتشرد في سوريا إلى ما يزيد على 5.5 مليون شخص حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية وتقديراتها) وهي أرقام ستزيد بالضرورة خلال الأيام القادمة عندما يتم حصر الخسائر بشكل دقيق، فإن التفاوت في الإمكانيات الاقتصادية، وفي الظروف والعلاقات الإقليمية والدولية بالنسبة لسوريا وتركيا انعكست على نحو واضح، ليس فقط على حجم الإغاثات التي تم تقديمها إلى دمشق، وهي محدودة إلى حد كبير، ولكن أيضا على موعد تقديمها، وعلى مدى سهولة نقلها إلى داخل سوريا، وعلى شروط ذلك أيضا، حتى إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة دعت دمشق، كل بطريقتها، إلى تقديم خطابات رسمية تطلب فيها تقديم مساعدات إغاثة للمتضررين من الزلازل، وكأنهم لا يرون ما حدث ويحدث في ظل الحصار والعقوبات المفروضة على سوريا الشقيقة والتشدد في الشروط المطلوبة من دمشق لتوصيل مساعدات الإغاثة للمتضررين في المناطق التابعة لسيطرة دمشق والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، وبالرغم من موافقة السلطات السورية على نقل المساعدات إلى فصائل المعارضة، فإن جبهة النصرة المعارضة قامت بعرقلة نقل هذه المساعدات بمبررات مختلفة.
وإذا كانت المأساة مشتركة بين سوريا وتركيا، مع تفاوت حجمها والقدرة على مواجهتها والتعامل معها، خاصة أن سوريا تعيش حالة حرب وصراع، وتدخل سافر في شؤونها منذ 2011، فإن مسؤولا في منظمة الصحة العالمية، قال «إن العالم نسي سوريا» وإن الزلزال «واجهة للأزمة المنسية»، وقال برنامج الغذاء العالمي إن «مخزوننا من الغذاء ينفد في شمال غرب سوريا، وقال الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته لمدينة حلب الجمعة الماضية انظر «نفتقد للإنسانية»، وفي حين طلبت منظمة الصحة العالمية جمع 8ر42 مليون دولار لتغطية احتياجاتها، بعد أن استخدمت 16 مليونا من صندوق الطوارئ الخاص بها، فإن من المفارقات الصارخة أن واشنطن قدمت مساعدات إغاثة لتركيا وسوريا بقيمة 85 مليون دولار، وقدمت ألمانيا 20 مليون دولار لسوريا، وقال مازن علوش المسؤول الإعلامي في منفذ باب الهوى الحدودي وهو المنفذ الوحيد الذي تدخل منه المساعدات إلى سوريا يوم الجمعة الماضي إن «المساعدات لم تدخل شمال غرب سوريا إلا بعد أربعة أيام على وقوع الزلزال، وإنه حتى يوم الجمعة الماضي دخلت قافلتان فقط، كانت القافلة الأخيرة مكونة من 14 شاحنة فقط تكفي 910 عائلات ولم تتضمن أية أغذية». أما المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس ادهانوم جيبريسيوس فقد كانت تغريدته بالغة الدلالة لدى زيارته إلى حلب السبت الماضي حيث قال «قلبي مفطور لرؤية الظروف التي يواجهها الناجون»، مشيرا إلى البرد القارس والمحدودية الكبيرة لمراكز الإيواء والطعام والمياه والتدفئة والرعاية الصحية، كما انتقدت منظمة «أطباء بلا حدود» ومنظمة «الخوذ البيضاء» منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة لتباطؤ تقديم المساعدات إلى سوريا. وإذا كان تقديم المساعدات لأطراف تواجه كوارث، هو في النهاية قرار تتخذه الدولة المانحة في ضوء مصالحها وتقييم علاقاتها مع الأطراف المتلقية، وهو ما يختلف عن آلية عمل منظمات الإغاثة الدولية، إلا أن السياسة تجد طريقها عادة للتسلل والتأثير على القرارات ويظل التعويل على الأشقاء والأصدقاء ولكن هل يكفي ذلك لإنقاذ المتضررين أو الحد من معاناتهم على الأقل؟
أولا: إن التعاون والتكافل والتضامن بين البشر وعلى مختلف المستويات، وخاصة في مواجهة الكوارث الطبيعية والبشرية لا يرتكز فقط على القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية التي تحتم ذلك حفاظا على الحياة والمصالح المشتركة بين الدول والمجتمعات المختلفة وسلامتها، ولكنه يرتكز أيضا على الحاجة المتبادلة للدول والمجتمعات لمواجهة أي مخاطر قد تتجاوز قدراتها الذاتية في مواجهتها لسبب أو لآخر، وهو ما يتطلب ضرورة التعاون فيما بينها، لأن ما قد تتعرض له اليوم يمكن أن تتعرض له أنت أو غيرك غدا وأنه لا بديل عن التضامن بين البشر، سواء داخل المجتمع الواحد أو على المستويات الإنسانية المختلفة، وفي هذا الإطار تكونت العديد من المنظمات والهيئات الإغاثية، الدولية والحكومية والأهلية، ومنظمات المجتمع المدني العابرة للحدود، ومنها على سبيل المثال منظمات الهلال الأحمر والصليب الأحمر وأطباء بلاحدود والخوذ البيضاء وغيرها وحتى البنك الدولي واللجان التابعة للاتحاد الأوروبي ومنظمات الإغاثة الوطنية مثل الهيئة العمانية للأعمال الخيرية وغيرها التي تقدم مساعدات ومنح إغاثة متفاوتة للمتضررين في حالات مختلفة، سواء في حالات الزلازل أو الفيضانات أو الأوبئة أو غيرها من الكوارث المختلفة التي يتعرض لها البشر والمجتمعات في الظروف المختلفة. وبقدر ما تحمل هذه الجهود الإغاثية من شعور نبيل من جانب المانحين، ومن امتنان من جانب المتلقين، بقدر ما يصاحبها أحيانا من مفارقات ومواقف تعكس بشكل ما رواسب علاقات، أو حسابات سياسة، أو رسائل بين أطراف معنية، بل وفرصة لتجاوز خلافات أو التعبير عن الرغبة في التقارب على نحو أو آخر، والأمثلة في هذا المجال عديدة، ليس فقط بين سوريا وبعض فصائل المعارضة السورية وبين دمشق وعواصم عربية عديدة، ولكن أيضا بين اليونان وتركيا، وتعبير وزيري خارجية البلدين عن رغبة كل منهما في تجاوز الخلافات مع الدولة الأخرى والاتجاه إلى بدء صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين وذلك على سبيل المثال.
ثانيا: إنه إذا كان من الطبيعي أن المنح والمساعدات الإنسانية والإغاثية في حالات الكوارث، ترتبط في العادة بظروف الدول المانحة وإمكاناتها المتاحة والتي تريد تقديمها لطرف أو أطراف محددة في ظروف معينة، فإن الأمر هنا يفتح المجال في العادة أمام تدخل السياسة في مثل هذه القرارات والمواقف، وهو ما حذر منه مارتن جريفيث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإغاثة الدولية، وانتقده مسؤولون دوليون آخرون. وفي الوقت الذي ضرب فيه الزلزال المدمر تركيا وسوريا، وتفاوتت أحجام الدمار والخسائر البشرية والمادية بشكل كبير بين البلدين (بلغ إجمالي المتضررين من الزلزال ما يتجاوز 30 مليون شخص منهم نحو 25 مليونا في تركيا وحوالي 5 ملايين في سوريا وارتفع عدد المعرّضين للتشرد في سوريا إلى ما يزيد على 5.5 مليون شخص حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية وتقديراتها) وهي أرقام ستزيد بالضرورة خلال الأيام القادمة عندما يتم حصر الخسائر بشكل دقيق، فإن التفاوت في الإمكانيات الاقتصادية، وفي الظروف والعلاقات الإقليمية والدولية بالنسبة لسوريا وتركيا انعكست على نحو واضح، ليس فقط على حجم الإغاثات التي تم تقديمها إلى دمشق، وهي محدودة إلى حد كبير، ولكن أيضا على موعد تقديمها، وعلى مدى سهولة نقلها إلى داخل سوريا، وعلى شروط ذلك أيضا، حتى إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة دعت دمشق، كل بطريقتها، إلى تقديم خطابات رسمية تطلب فيها تقديم مساعدات إغاثة للمتضررين من الزلازل، وكأنهم لا يرون ما حدث ويحدث في ظل الحصار والعقوبات المفروضة على سوريا الشقيقة والتشدد في الشروط المطلوبة من دمشق لتوصيل مساعدات الإغاثة للمتضررين في المناطق التابعة لسيطرة دمشق والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، وبالرغم من موافقة السلطات السورية على نقل المساعدات إلى فصائل المعارضة، فإن جبهة النصرة المعارضة قامت بعرقلة نقل هذه المساعدات بمبررات مختلفة.
وإذا كانت المأساة مشتركة بين سوريا وتركيا، مع تفاوت حجمها والقدرة على مواجهتها والتعامل معها، خاصة أن سوريا تعيش حالة حرب وصراع، وتدخل سافر في شؤونها منذ 2011، فإن مسؤولا في منظمة الصحة العالمية، قال «إن العالم نسي سوريا» وإن الزلزال «واجهة للأزمة المنسية»، وقال برنامج الغذاء العالمي إن «مخزوننا من الغذاء ينفد في شمال غرب سوريا، وقال الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته لمدينة حلب الجمعة الماضية انظر «نفتقد للإنسانية»، وفي حين طلبت منظمة الصحة العالمية جمع 8ر42 مليون دولار لتغطية احتياجاتها، بعد أن استخدمت 16 مليونا من صندوق الطوارئ الخاص بها، فإن من المفارقات الصارخة أن واشنطن قدمت مساعدات إغاثة لتركيا وسوريا بقيمة 85 مليون دولار، وقدمت ألمانيا 20 مليون دولار لسوريا، وقال مازن علوش المسؤول الإعلامي في منفذ باب الهوى الحدودي وهو المنفذ الوحيد الذي تدخل منه المساعدات إلى سوريا يوم الجمعة الماضي إن «المساعدات لم تدخل شمال غرب سوريا إلا بعد أربعة أيام على وقوع الزلزال، وإنه حتى يوم الجمعة الماضي دخلت قافلتان فقط، كانت القافلة الأخيرة مكونة من 14 شاحنة فقط تكفي 910 عائلات ولم تتضمن أية أغذية». أما المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس ادهانوم جيبريسيوس فقد كانت تغريدته بالغة الدلالة لدى زيارته إلى حلب السبت الماضي حيث قال «قلبي مفطور لرؤية الظروف التي يواجهها الناجون»، مشيرا إلى البرد القارس والمحدودية الكبيرة لمراكز الإيواء والطعام والمياه والتدفئة والرعاية الصحية، كما انتقدت منظمة «أطباء بلا حدود» ومنظمة «الخوذ البيضاء» منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة لتباطؤ تقديم المساعدات إلى سوريا. وإذا كان تقديم المساعدات لأطراف تواجه كوارث، هو في النهاية قرار تتخذه الدولة المانحة في ضوء مصالحها وتقييم علاقاتها مع الأطراف المتلقية، وهو ما يختلف عن آلية عمل منظمات الإغاثة الدولية، إلا أن السياسة تجد طريقها عادة للتسلل والتأثير على القرارات ويظل التعويل على الأشقاء والأصدقاء ولكن هل يكفي ذلك لإنقاذ المتضررين أو الحد من معاناتهم على الأقل؟