المشروعات الثقافية في المُدن
السبت / 19 / رجب / 1444 هـ - 22:03 - السبت 11 فبراير 2023 22:03
تؤدي المدن دورا مهما في بناء الحياة الثقافية في الدول، باعتبارها أساسا في تنشيط الحياة الحضرية، وتطوير الاقتصادات المحلية القائمة على القدرات الإبداعية، ولهذا فإن برامج التنمية الثقافية تتأسَّس على أنماط الحياة في تلك المدن، وقدرة أفراد المجتمع على تقويض الحيوية الثقافية، وإنتاج نماذج الواقع الثقافي، إضافة إلى الإمكانات المحلية والبنية الأساسية لتلك المدن.
إن الثقافة في علاقتها بالمدن تقوم على تعزيز الطابع الإبداعي، لذلك فإن وجود هذا الطابع يدفع إلى بناء أماكن حيوية سواء في ردهات الشوارع والطرقات، أو الحدائق، أو الأحياء؛ حيث نجد مجموعة من الأنماط التي تُشكِّل الحياة الثقافية على المستوى اليومي، لتكون بذلك نمطا لحياة المجتمع، ولهذا فإنه لبناء مجتمع ثقافي في المدن، علينا أن نفكر في الكيفية التي يظهر خلالها ذلك المجتمع؛ إذ لا بد من إيجاد حياة ثقافية متنوعة ومستدامة، يشترك ضمنها الأفراد في تشكيل منظومتها الحيوية، القادرة على بناء المدن الإبداعية.
ولهذا فإنه عندما نفكِّر في إنشاء مشروعات ثقافية، أو تأسيس برامج إبداعية، فإن أول ما ننشده هو قدرة تلك المشروعات أو البرامج على تعزيز التنوُّع من ناحية والاستدامة من ناحية أخرى، إضافة إلى قدرتها على دعم إمكانات المبدعين في المجتمع، ومواكبتها مع تطلعاتهم وطموحاتهم المستقبلية؛ فالأمر هنا ليس عدد تلك المشروعات أو البرامج، بقدر الكيفية التي تظهر بها وإمكانات تفاعل المجتمع معها، ولذلك سنجد أن ما تقدِّمه المؤسسات والمحافظات في عُمان من مشروعات تهدف إلى تعزيز التنمية الثقافية ورفد السياحة، أو برامج تطمح إلى تمكين المبدعين، تقوم على مجموعة من المعطيات الثقافية والاجتماعية ذات البُعد المحلي، الذي يكشف عن محاولات مهمة في دعم التنمية الثقافية، والتركيز على الموارد والأصول الثقافية التي تمثل ركيزة مهمة لهذه التنمية.
والحال أن تلك المشروعات والمبادرات على أهميتها، وقدرتها على تحريك سكون المدن وإثارة حيويتها، إلاَّ أنها تقدِّم نماذج مكررة لأشكال ثقافية ذات طابع تقليدي، غير قادر على الولوج إلى قلب التحولات التي تنشدها الرؤية الوطنية؛ فهي مشروعات لا تستفيد من القدرات التقنية الهائلة والمتسارعة، وما تتميَّز به عُمان من تطورات في هذا المجال، بل أنها - باستثناء المبادرات السياحة الموسمية - لا تُقدِّم نماذج قادرة على الاستدامة. إن تلك المبادرات والمشروعات المتفرِّقة، ذات الطابع التقليدي، لا تُرضي الطموح من الناحية الإبداعية، ولا تُقدِّم نماذج حيوية للمدن، وبالتالي لا تعزِّز مفاهيم المدن الإبداعية، و لذلك فإن أثرها التنموي محدود.
إن التنمية الثقافية باعتبارها محركا للاقتصاد والانتعاش الحضري، تقوم على دعم أنماط الحياة في المجتمع، بحيث تظهر من عُمق تلك الحياة لتُشكِّل نماذج قادرة على أن تكون ممارسة يومية، ذلك لأن الثقافة تنشأ من المجتمع بوصفه تأسيسا، وبالتالي فإن تطوير تلك الثقافة تحتاج إلى تشكيل أنماط تتناسب مع حياة المجتمع، وتنميتها وفقا للمعطيات الثقافية العالمية التي تتناسب مع فكر المجتمع وهُويته وأخلاقياته، إضافة إلى أهمية فكرة (الإبهار)؛ فما نقدِّمه من مشروعات ومبادرات لا تُعد ذات قيمة إذا لم تكن وفقا لفكر المجتمع مبهرة أو مدهشة. إنها معادلة ذات أبعاد مشتركة بين قدرة المؤسسة على فهم المجتمع واحتياجاته، وإمكاناتها المادية، وأهدافها التنموية، ورؤيتها المستقبلية، فهل نريد إقامة مشروعات أو مهرجانات ثقافية وسياحية ذات طابع تقليدي يخلو من الإدهاش والانبهار؟
يكشف تقرير (الثقافة والإبداع من أجل مستقبل المدن)، الصادر عن المفوضية الأوروبية بالتعاون مع مركز الفنون الجميلة في بروكسل، عن إمكانات الثقافة باعتبارها قوة في الصناعات الإبداعية، لما تمثله من عوامل تمكين ومحرك أساسي للتنمية المستدامة، إضافة إلى دورها في التماسك الاجتماعي وضبط التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بسبب ارتباطها بالحياة المجتمعية من ناحية، وإفادتها المستمرة من التقنيات والتحولات المعرفية التي يشهدها المجتمع، إضافة إلى ارتباطها بالموارد البشرية وقدرتها على الإبداع والابتكار في المنظومة الثقافية.
ولهذا فإن التقرير يراهن على قدرة الأجيال القادمة من (المهنيين المبدعين)، الذي يشكِّلون رأس المال البشري القادر وفق إمكاناته الثقافية والتقنية على تنمية الازدهار الثقافي، وتأسيس المشروعات التنموية الإبداعية التي تضيف القيمة الاجتماعية والاقتصادية للثقافة في بُعدها الحضري؛ فهي مشروعات تنظر إلى المكونات والموارد المحلية باعتبارها فرصا لتطوير القطاع الثقافي وتمكينه بحيث يكون موردا لتمكين (التواصل الثقافي والإبداعي وتعزيز التنوع)، الأمر الذي يجعل من تلك الأجيال الشابة قدرة إبداعية علينا تهيئتها وتمكين دورها الفاعل، وقبل ذلك إشراكها في التنمية الثقافية بما يدعم طموحها وتطلعاتها المستقبلية.
إن التنمية المستدامة تقوم - حسب التقرير - على (تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة)، الأمر الذي يعني لنا أن التنمية الثقافية مرتبطة بقدرتنا اليوم على تلبية احتياجاتنا الإبداعية وما يناسب آفاق فهمنا للواقع والتطورات المختلفة المحيطة بنا، فلا يمكن أن نقدِّم لمجتمع مبادرات يمكن وصفها بـ (المدرسية) باعتبارها مشروعات تنموية مجتمعية، فهي ليست سوى مضيعة للمال والجهود على الرغم من حسن نوايا من يؤسسها. إن مؤسساتنا تحتاج إلى فهَم تطلعات المجتمع، والنظر إلى أهداف الرؤية الوطنية باعتبارها مسؤولية مجتمعية مشتركة، لا يمكن تجاوزها والعودة بالمجتمع إلى مبادرات تقليدية غير قادرة على الصمود.
والحق أن محافظات سلطنة عُمان بامتيازاتها الحالية وإمكاناتها، تؤدي دورا مهما في التنمية الثقافية في الحواضر والمدن العمانية، وما نشهده من مبادرات ومشروعات وفعاليات تُسهم في رفد هذه التنمية وتعزيز تطويرها، إلا أن المرحلة التنموية المقبلة يحتاج خلالها المجتمع إلى مشروعات ذات أنماط ثقافية مغايرة، مستفيدة من التقنيات الحديثة من ناحية، وقادرة على الظهور بمستويات ابتكارية رائدة ومنافسة على المستوى المحلي على أقل تقدير، بحيث تُشكِّل واجهة حضارية للمُدن العمانية التي تحمل كل منها تاريخا ثقافيا خاصا له سماته الجغرافية والإبداعية، وله تطلعاته التنموية كما له احتياجاته المستقبلية. إن العمل على دراسة ما تحتاجه كل محافظة من تنمية ثقافية يحتاج إلى جهود تقوم بها المحافظات مع أبنائها من المختصين والمثقفين والمبدعين قبل تنفيذ أي مشروع أو مبادرة، وبالتالي فإن ما يجب أن نفكِّر به هو تأسيس مشروعات ثقافية مستدامة، لا مبادرات وفعاليات طارئة.
ولذلك فإن احتياجات المحافظات باعتبارها مجتمعات حضرية ينبني على قدرتها للاستفادة من الموارد البشرية الإبداعية التي لا تخلو منها كل محافظة، والتي قدَّم لها الوطن الإمكانات التعليمية والمعرفية والإبداعية عبر مراحل النهضة الحديثة، لهذا علينا الاستفادة منها في التطوير والتنمية الثقافية التي تقي المجتمع من آفات فكر العولمة والانفتاح غير المسؤول الذي تشهده الكثير من المجتمعات، ففي عُمان موارد بشرية وطبيعية يمكن إذا ما استُثمرت أن تحقق التنمية الثقافية المنشودة، التي نطمح إليها جميعا، وأن تؤسس المشروعات الثقافية الرائدة والمنافسة. إنها طاقات إبداعية قادرة على العطاء، وعلينا أن نمكِّنها بالبنية الأساسية وأن نفتح المجال للإبداع والابتكار، فليس الدعم المالي هو العائق بقدر ما يكون القدرة على الانفتاح على الجديد والحديث والخروج من الدوائر الضيقة إلى رحابة المستقبل وفكر الشباب المتطلِّع.
إن الحكومة بفكرها الحكيم منحت الصلاحيات للمحافظات لتمكِّنها من العمل التنموي المبدع، القادر على الولوج إلى قلب المجتمع وشبابه، والاستفادة من الخبرات والمبدعين لتطوير المدن وتنميتها بما يتوافق والتطلعات الوطنية، ولهذا فإن تحقيق هذا الفكر يحتاج إلى دمج الثقافة في أهداف التنمية في الحواضر والمدن لتكون أساسا يمثِّل الهُوية الوطنية والتطوير وداعما للقيمة المضافة للأفراد والمجتمع، ولن يتحقق ذلك سوى بالمشروعات والمبادرات التنموية الحيوية المستدامة، القائمة على التقنيات الحديثة والفكر المستنير.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة في مجلس الدولة
إن الثقافة في علاقتها بالمدن تقوم على تعزيز الطابع الإبداعي، لذلك فإن وجود هذا الطابع يدفع إلى بناء أماكن حيوية سواء في ردهات الشوارع والطرقات، أو الحدائق، أو الأحياء؛ حيث نجد مجموعة من الأنماط التي تُشكِّل الحياة الثقافية على المستوى اليومي، لتكون بذلك نمطا لحياة المجتمع، ولهذا فإنه لبناء مجتمع ثقافي في المدن، علينا أن نفكر في الكيفية التي يظهر خلالها ذلك المجتمع؛ إذ لا بد من إيجاد حياة ثقافية متنوعة ومستدامة، يشترك ضمنها الأفراد في تشكيل منظومتها الحيوية، القادرة على بناء المدن الإبداعية.
ولهذا فإنه عندما نفكِّر في إنشاء مشروعات ثقافية، أو تأسيس برامج إبداعية، فإن أول ما ننشده هو قدرة تلك المشروعات أو البرامج على تعزيز التنوُّع من ناحية والاستدامة من ناحية أخرى، إضافة إلى قدرتها على دعم إمكانات المبدعين في المجتمع، ومواكبتها مع تطلعاتهم وطموحاتهم المستقبلية؛ فالأمر هنا ليس عدد تلك المشروعات أو البرامج، بقدر الكيفية التي تظهر بها وإمكانات تفاعل المجتمع معها، ولذلك سنجد أن ما تقدِّمه المؤسسات والمحافظات في عُمان من مشروعات تهدف إلى تعزيز التنمية الثقافية ورفد السياحة، أو برامج تطمح إلى تمكين المبدعين، تقوم على مجموعة من المعطيات الثقافية والاجتماعية ذات البُعد المحلي، الذي يكشف عن محاولات مهمة في دعم التنمية الثقافية، والتركيز على الموارد والأصول الثقافية التي تمثل ركيزة مهمة لهذه التنمية.
والحال أن تلك المشروعات والمبادرات على أهميتها، وقدرتها على تحريك سكون المدن وإثارة حيويتها، إلاَّ أنها تقدِّم نماذج مكررة لأشكال ثقافية ذات طابع تقليدي، غير قادر على الولوج إلى قلب التحولات التي تنشدها الرؤية الوطنية؛ فهي مشروعات لا تستفيد من القدرات التقنية الهائلة والمتسارعة، وما تتميَّز به عُمان من تطورات في هذا المجال، بل أنها - باستثناء المبادرات السياحة الموسمية - لا تُقدِّم نماذج قادرة على الاستدامة. إن تلك المبادرات والمشروعات المتفرِّقة، ذات الطابع التقليدي، لا تُرضي الطموح من الناحية الإبداعية، ولا تُقدِّم نماذج حيوية للمدن، وبالتالي لا تعزِّز مفاهيم المدن الإبداعية، و لذلك فإن أثرها التنموي محدود.
إن التنمية الثقافية باعتبارها محركا للاقتصاد والانتعاش الحضري، تقوم على دعم أنماط الحياة في المجتمع، بحيث تظهر من عُمق تلك الحياة لتُشكِّل نماذج قادرة على أن تكون ممارسة يومية، ذلك لأن الثقافة تنشأ من المجتمع بوصفه تأسيسا، وبالتالي فإن تطوير تلك الثقافة تحتاج إلى تشكيل أنماط تتناسب مع حياة المجتمع، وتنميتها وفقا للمعطيات الثقافية العالمية التي تتناسب مع فكر المجتمع وهُويته وأخلاقياته، إضافة إلى أهمية فكرة (الإبهار)؛ فما نقدِّمه من مشروعات ومبادرات لا تُعد ذات قيمة إذا لم تكن وفقا لفكر المجتمع مبهرة أو مدهشة. إنها معادلة ذات أبعاد مشتركة بين قدرة المؤسسة على فهم المجتمع واحتياجاته، وإمكاناتها المادية، وأهدافها التنموية، ورؤيتها المستقبلية، فهل نريد إقامة مشروعات أو مهرجانات ثقافية وسياحية ذات طابع تقليدي يخلو من الإدهاش والانبهار؟
يكشف تقرير (الثقافة والإبداع من أجل مستقبل المدن)، الصادر عن المفوضية الأوروبية بالتعاون مع مركز الفنون الجميلة في بروكسل، عن إمكانات الثقافة باعتبارها قوة في الصناعات الإبداعية، لما تمثله من عوامل تمكين ومحرك أساسي للتنمية المستدامة، إضافة إلى دورها في التماسك الاجتماعي وضبط التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بسبب ارتباطها بالحياة المجتمعية من ناحية، وإفادتها المستمرة من التقنيات والتحولات المعرفية التي يشهدها المجتمع، إضافة إلى ارتباطها بالموارد البشرية وقدرتها على الإبداع والابتكار في المنظومة الثقافية.
ولهذا فإن التقرير يراهن على قدرة الأجيال القادمة من (المهنيين المبدعين)، الذي يشكِّلون رأس المال البشري القادر وفق إمكاناته الثقافية والتقنية على تنمية الازدهار الثقافي، وتأسيس المشروعات التنموية الإبداعية التي تضيف القيمة الاجتماعية والاقتصادية للثقافة في بُعدها الحضري؛ فهي مشروعات تنظر إلى المكونات والموارد المحلية باعتبارها فرصا لتطوير القطاع الثقافي وتمكينه بحيث يكون موردا لتمكين (التواصل الثقافي والإبداعي وتعزيز التنوع)، الأمر الذي يجعل من تلك الأجيال الشابة قدرة إبداعية علينا تهيئتها وتمكين دورها الفاعل، وقبل ذلك إشراكها في التنمية الثقافية بما يدعم طموحها وتطلعاتها المستقبلية.
إن التنمية المستدامة تقوم - حسب التقرير - على (تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة)، الأمر الذي يعني لنا أن التنمية الثقافية مرتبطة بقدرتنا اليوم على تلبية احتياجاتنا الإبداعية وما يناسب آفاق فهمنا للواقع والتطورات المختلفة المحيطة بنا، فلا يمكن أن نقدِّم لمجتمع مبادرات يمكن وصفها بـ (المدرسية) باعتبارها مشروعات تنموية مجتمعية، فهي ليست سوى مضيعة للمال والجهود على الرغم من حسن نوايا من يؤسسها. إن مؤسساتنا تحتاج إلى فهَم تطلعات المجتمع، والنظر إلى أهداف الرؤية الوطنية باعتبارها مسؤولية مجتمعية مشتركة، لا يمكن تجاوزها والعودة بالمجتمع إلى مبادرات تقليدية غير قادرة على الصمود.
والحق أن محافظات سلطنة عُمان بامتيازاتها الحالية وإمكاناتها، تؤدي دورا مهما في التنمية الثقافية في الحواضر والمدن العمانية، وما نشهده من مبادرات ومشروعات وفعاليات تُسهم في رفد هذه التنمية وتعزيز تطويرها، إلا أن المرحلة التنموية المقبلة يحتاج خلالها المجتمع إلى مشروعات ذات أنماط ثقافية مغايرة، مستفيدة من التقنيات الحديثة من ناحية، وقادرة على الظهور بمستويات ابتكارية رائدة ومنافسة على المستوى المحلي على أقل تقدير، بحيث تُشكِّل واجهة حضارية للمُدن العمانية التي تحمل كل منها تاريخا ثقافيا خاصا له سماته الجغرافية والإبداعية، وله تطلعاته التنموية كما له احتياجاته المستقبلية. إن العمل على دراسة ما تحتاجه كل محافظة من تنمية ثقافية يحتاج إلى جهود تقوم بها المحافظات مع أبنائها من المختصين والمثقفين والمبدعين قبل تنفيذ أي مشروع أو مبادرة، وبالتالي فإن ما يجب أن نفكِّر به هو تأسيس مشروعات ثقافية مستدامة، لا مبادرات وفعاليات طارئة.
ولذلك فإن احتياجات المحافظات باعتبارها مجتمعات حضرية ينبني على قدرتها للاستفادة من الموارد البشرية الإبداعية التي لا تخلو منها كل محافظة، والتي قدَّم لها الوطن الإمكانات التعليمية والمعرفية والإبداعية عبر مراحل النهضة الحديثة، لهذا علينا الاستفادة منها في التطوير والتنمية الثقافية التي تقي المجتمع من آفات فكر العولمة والانفتاح غير المسؤول الذي تشهده الكثير من المجتمعات، ففي عُمان موارد بشرية وطبيعية يمكن إذا ما استُثمرت أن تحقق التنمية الثقافية المنشودة، التي نطمح إليها جميعا، وأن تؤسس المشروعات الثقافية الرائدة والمنافسة. إنها طاقات إبداعية قادرة على العطاء، وعلينا أن نمكِّنها بالبنية الأساسية وأن نفتح المجال للإبداع والابتكار، فليس الدعم المالي هو العائق بقدر ما يكون القدرة على الانفتاح على الجديد والحديث والخروج من الدوائر الضيقة إلى رحابة المستقبل وفكر الشباب المتطلِّع.
إن الحكومة بفكرها الحكيم منحت الصلاحيات للمحافظات لتمكِّنها من العمل التنموي المبدع، القادر على الولوج إلى قلب المجتمع وشبابه، والاستفادة من الخبرات والمبدعين لتطوير المدن وتنميتها بما يتوافق والتطلعات الوطنية، ولهذا فإن تحقيق هذا الفكر يحتاج إلى دمج الثقافة في أهداف التنمية في الحواضر والمدن لتكون أساسا يمثِّل الهُوية الوطنية والتطوير وداعما للقيمة المضافة للأفراد والمجتمع، ولن يتحقق ذلك سوى بالمشروعات والمبادرات التنموية الحيوية المستدامة، القائمة على التقنيات الحديثة والفكر المستنير.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة في مجلس الدولة