أعمدة

هوامش ومتون :مناظرات آسيوية بلسان عربي

 
حين تكون اللغة العربية لغة الحوار الذي يجمع شبابا قدموا من آسيا والتقوا في مسقط ليتناقشوا ويتناظروا بشتى الموضوعات السياسية والاقتصادية والفنية والرياضية، وغيرها، فهذا تعزيز للغة الضاد باعتبارها لغة الحوار الحضاري والفكري على مدى عصور.

من هنا غمرني شعور بالسعادة والفخر حين جعل منظّمو البطولة الآسيوية للمناظرات اللغة العربية لغة المتناظرين، وهي اللغة التي لم تقف في يوم من الأيّام عاجزة عن مواكبة علوم العصر، وعالم الحداثة، التي قال على لسانها الشاعر حافظ إبراهيم:

وسـعــتُ كتــاب الله لفظـــا وغايــة

وما ضقتُ عن آيٍ به وعظاتِ

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلةٍ

وتنـسـيــق أسمــاء لمختـرعــات

وتأتي أهميّة الفعاليّة التي احتضنتها مسقط، وفاز بها فريق جامعة تكساس إي أند أم قطر باللقب، كونها تقام على مستوى قارة آسيا لطلبة قدموا من 18 دولة، من بينها: المملكة العربية السعودية، والعراق، والأردن واليمن والكويت ولبنان وماليزيا (التي احتضنت الدورة الأولى من المسابقة) وباكستان وفلسطين وقطر وكوريا الجنوبية وتايلند وفيتنام واستراليا وأذربيجان والهند وأندونيسيا والدولة المستضيفة سلطنة عُمان، ولم تقتصر المسابقة على الناطقين باللغة العربية، بل فسحت المجال لغير الناطقين بالعربية وعلى هذا الأساس تم اختيار الفرق المتنافسة، وفي ذلك تعزيز للغة العربية والفصاحة واستخدامها باعتبارها «وسيطا للحوار الحضاري القائم على أسس احترام الآخر» كما وصف عبدالرحمن السبيعي مدير البرامج بمركز مناظرات قطر، وهذا يجعل الطلبة العرب يعتزّون بلغتهم، وتشجّع الطلبة غير العرب على تعلّم اللغة العربية، وتعزّز ثقافة الحوار باللغة العربية ورفع مستواه.

وكلنا نعرف أهمّيّة المناظرات باعتبارها وسيلة تعليمية تحثّ المتناظرين على الاطّلاع والبحث، والتنقيب عن المعلومات، ولها دور في نشر ثقافة الحوار، وإبراز المهارات الفردية، والمساهمة في اتّساع الأفق المعرفي، وإظهار نقاط القوّة في الشخصية، واتساع مساحة المعرفة، وتطوير التفكير النقدي، والتحليل والتعبير الحر وتقبّل الرأي الآخر، وتعدّديّة وجهات النظر، وبناء الأفكار بشكل متسلسل، وتطوير مهارة الإلقاء.

وكثيرا ما كان المعلمون في مراحلنا المدرسية الأولى ينظّمون لنا مثل هذه المناظرات، فكشفت عن كثير من المواهب التي خرجت من معاطف المسابقات الطلّابيّة، وكان لها دور كبير في التنبيه لأصحابها، والأخذ بأيديهم، ووضعهم على الجادّة الصحيحة، وتقديم الدعم اللازم لهم، رغم أنّ تلك المناظرات كانت تقام بشكل محدود وبين المدارس المجاورة، أما اليوم فقد صار المتناظرون يشاركون بمسابقات تقام خارج الحدود، وينالون تكريمات ويحصدون جوائز قيّمة.

لقد كان عدد المشاركين كبيرا في المسابقة في دورتها الثانية التي احتضنها مركز عمان للمؤتمرات والمعارض بالسيب، كونها دولية، فقد شارك فيها أكثر من 320 مشاركا منهم 165 متناظرا من طلبة الجامعات المجيدين، و75 محكما من بينهم 20 محكما عُمانيا، ومثل هذه المسابقات تحتاج إلى تنظيم دقيق، لذا فسحت الجهة المنظمة للمسابقة (وزارة الثقافة والرياضة والشباب ومركز مناظرات عُمان ومركز مناظرات قطر) المجال لمشاركة 50 شابا عمانيا متطوعا في تنظيم المسابقة، وقد أتيح للمشاركين التجوّل في مسقط والاطلاع على معالم النهضة، والتطوّر العمراني الذي تشهده سلطنة عمان، والتعرّف على ثقافة البلد، وقد عكست مواقع التواصل الاجتماعي انبهار المشاركين بما شاهدوا، وهذا تعزيز للجانب السياحي.

إنّ نقل مثل هذه المناظرات تلفزيونيا مهم، كما جرى في الحفل الختامي الذي قامت به القناة الثقافية بتلفزيون عُمان، وضرورة عرضها على طلبة المدارس وحضورهم، بشكل واسع، ليستفيدوا مما يُطرح، لتشكّل حافزا لهم، ولمعلّميهم لكي ينظّموا مثل هذه المناظرات باستمرار.