التنبؤات المستقبلية.. من المعتقد إلى العلم
الاثنين / 14 / رجب / 1444 هـ - 20:12 - الاثنين 6 فبراير 2023 20:12
مطلع عام 2023م.. استمعت في إذاعة BBC إلى برنامج حواري عن التنبؤات المستقبلية، وجاء في التقديم؛ بأن كل عام جديد يستهله المنجمون بقراءة طوالعه، فهل هذه التنبؤات خرافة، أم لها أساس علمي؟ معظم آراء المداخلين؛ ذهبت إلى أنها لا رصيد علمي لها. ومع هذا؛ فالناس لا يقلعون عن عادة التطلع على المستقبل، والتي تبدو أبعد غورًا من الحصول على المعرفة، فهي ترتكز على أسس نفسية، دافعها امتلاك المستقبل ذاته.
ذكرّني الحوار بقصة حصلت منذ 15 عامًا تقريبًا، كنت في دولة عربية، فذهبت للمشي على شاطئ البحر، وكنت بلباسي العماني. وبينما أنا أستحث الخطى؛ استوقفتني امرأة مسنة، عارضةً عليّ بأن تقرأ طالعي، ولأني كنت واعيًا بالأمر، اعتذرت عن قبول عرضها السخي، لكنها ألحت عليّ، فسألتها فجأةً: من أي بلد أنا؟ فأجابت: وما يدريني؟ فقلت: إذا كنتِ لا تعرفين بلادي، وهيئتي غالبًا معروفة في البلاد العربية، فكيف لكِ أن تعلمي مستقبلي؟ فسكتت حائرة. إن ما دفع هذه المرأة وأمثالها ليس قناعتهم بما يعملون، وإنما لأجل حاجتهم المعيشية، ولأن الناس فعلًا يأتون إليهم. مددت لها بما تيسر عندي من مبلغ، وانصرفت عنها، وهي تدعو لي بخير. هذا المشهد.. ليس قليل الحدوث، بل هو مطرد بين البشر، وإنما يأتي بطرائق متنوعة.
لقد ولع الإنسان بالتكهن بالخوافي منذ القدم، لا نعرف كيف بدأ استشرافه للمستقبل، ولكننا نعرف بأنه لم يخلُ زمن من متنبئين، كما نعرف بأن الإنسان لم يملك الأدوات العلمية لذلك، وإنما كان يلجأ إلى طرق متناسبة مع طوره العقلي وتجربته الحسية في الحياة. وعلم الحضارة.. يقرر بأن الإنسان القديم روحاني في تعبده، يتصور الكون مسكونًا بالأرواح، فهو يعتقد بأنه يمتلك وعيًا، وقادر على مخاطبته. كان يتحدث مع الشجر في أفيائها والأحجار في جبالها والحيوانات في مراتعها والأجرام في أفلاكها، فهي تسمح له أن يعرف أسرارها، مما أطمعه أن يعلم منها ما تخفي له الأيام في قوادمها، وتعلق بها حتى اعتقد بأن لها خصائص ألوهية، فغدا يستشيرها فيما يأتي ويذر، بل كثيرًا ما استدر عطفها بالنذور.
هذه الحالة المستكنة في النفس الإنسانية؛ تتمظهر لدى البشر بصور مختلفة على تعاقب معتقداتهم وتقلب أفكارهم وتطور مجتمعاتهم، لكنها لا تكاد تختفي، فمنهم من يتنبأ لحركته بالطيرة، إن أطلق طائره واتجه يمينًا، تفاءل به وخرج في مقصده، وإن أطلقه واتجه شمالًا، تشاءم منه وأحجم عن مسيره. ومنهم من يلجأ إلى الحجارة طالبًا منها الشفاء، وآخر يطلب البركة من بهيمته، وغيره يقرأ طالعه في الفنجان، ومنهم من يستله من بين خطوط الكف، ومنهم من يعتكف مع جنه ليخرجوا له الكنوز ويظهروا الغيوب.
وأما أكثر التنبؤات انتشارًا فهي التنجيم، حيث يناضل ممارسوه لأجل تصديق الناس لهم، ويؤكدون بأن طريقتهم صحيحة، يحاولون إثباتها تارة عن طريق الدين، وتارة بالفلسفة، وأخرى من خلال علوم الأولين، وأحيانًا يموهون بأنها سر خفي لا يعلمه إلا من امتلك زمام ناصيته، وبلغ بهم الأمر أن يتأولوا تحليلات علم النفس، ويترصدوا احتمالات حدوث الوقائع، فما وافق منها اتخذوه مصداقًا لسلامة عملهم، وأما ما لم يقع فقد أوكلوه إلى النسيان، ليمحوه من ذاكرة الإنسان.
الفرنسي نوستراداموس.. أشهر مَن عُرف بالتنجيم؛ واسمه ميشيل دي نوسترادام (ت:1566م)، كان يعمل صيدلانيًّا، مما جعل الناس تلجأ إليه لتخفيف أوجاعها، لا سيما؛ أن في زمنه نزل بفرنسا طاعون، أودى بحياة الكثيرين، بمن فيهم أسرته. ونوستراداموس.. ذو نزعة إنسانية وحلية أخلاقية، ضرب مثالًا رائعًا في وقوفه مع المصابين والمرضى والفقراء. وقراءة حياته مهمة لمعرفة تطور التنجيم. ورأيي المبدئي.. أن نوستراداموس لم يكن منجمًا بالمعنى الذي يروّج له، بل إن التداخل بين الطب والتنجيم في ذلك العصر هو ما أدى إلى تصور هذا عنه. وأما رباعياته الشعرية، والتي تعد قاموس التنبؤات منذ أن وضعها عام 1555م حتى اليوم، والتي أشار فيها إلى الأحداث حتى عام 3797م، فهي أدب عبّر فيه عن رؤيته إلى الحياة، واستشرافه لأحداثها، ليس على سبيل الكشف عن غيبياتها الآتية، وإنما عن تقدير لـ «معاناة الإنسان» فيها، مع أخذ الاعتبار بأنها تعرضت للتحريف الأدبي والاستغلال السياسي. ولذلك؛ لا أحد يقرأ الأحداث نصًّا ظاهرًا من هذه الرباعيات، وإنما من أتى بعده هو مَن تكلّف تأويلها بالتنبؤات، ومع هذا التكلّف؛ فمعظمها لا يجد انسجامه مع الواقع.
المقال.. لا يقف عند نوستراداموس، إلا بمقدار ما يشير إلى أنه من أهم محطات خط التنبؤات، وليؤكد على إفلاسها من رصيد التحقيق، وليبين أن أوروبا حينذاك غارقة في بحر طام من الأوهام، بيد أنها انتشلت نفسها من لجيّه إلى بر العلم وجودي التنوير الذي غرس حضارتها العظيمة، التي يقطف الناس ثمارها في عصرنا.
مع الطبيعة التي جُبل عليها الإنسان بفضوله في استكناه المستقبل؛ ترسخت معتقداته من خلال الأساطير، فكان هذا أعتى مقاوم لتغيير محاولة فهم المستقبل بواسطة مكتشفات العلم وتعاليم الوحي. فقد جاء الوحي الخاتم مؤيدًا للعلم ومسددًا للعقل، ولم أجد كتابًا كالقرآن عمل على توجيه العقول في ذلك نحو واقع مدرَك ومقصد سامٍ وهدف نافع. فأما الواقع.. فإن الإنسان لا يعلم الغيب، الذي استأثر به الله وحده: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) «النمل:65»، وفي المقصد.. وجّه الله بصائر عباده إلى الآخرة؛ وهي غيب آتٍ، ففضول الإنسان المستقبلي يجب أن يستثمر في تحقيق دوافع العمل الصالح، فبدلًا من التخمين الذي يذرو العمل هباءً؛ على الإنسان أن يتعلق قلبه بما هو أنفع له، حيث الإيمان بالآخرة بوصلة المؤمن التي يرجو فيها تحقق العدالة، بضبط سلوكه في الدنيا، ابتغاء ما عند الله: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) «الأعلى:17». وأما الهدف النافع.. فعندما بيّن الله أنه وحده يعلم الغيب؛ وجّه عباده إلى العمل الصالح، فبالعمل.. يتحقق للإنسان استعماره الصحيح للكون، ومن خلال نواميسه يتمكن من استشراف الظواهر التي قد تحدث في قادم الأيام: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) «التوبة:105».
رغم هذه الواقعية التي نبّه عليها القرآن، والبدائل النافعة التي وجّه إليها، إلا أن عموم المسلمين لم يتحرروا من أوهام انكشاف الغيب، فظل كثير منهم يلجؤون إلى العرافين وقرّاء الطالع والأبراج، واعتمدوا الأحلام إحدى طرق معرفة ما سيقع لهم، وآمنوا بطرق غير علمية كالسحر والحسد والعين، وتأولوا في ذلك نصوصًا شرعية، وحملوها غصبًا على سفينة معتقداتهم. «انظر: الإيمان بين الغيب والخرافة، خميس العدوي وخالد الوهيبي».
لقد استفادت المدنية المعاصرة كثيرًا من النزعة النفسية للإنسان بمعرفة مستقبله، فحولوا معتقدات الأقدمين وأساطير الأولين من خلال العلم إلى مادة سينمائية مبهرة، أداروا بها اقتصادًا ضخمًا. كما أن تطلعات الإنسان للسيطرة على المستقبل دفعته إلى إيجاد أدوات قادرة على فك الغوامض، ووضع مناهج تمكنه من التنبؤ علميًّا بكثير من الأحوال والأحداث قبل وقوعها.
لقد استفاد العلم من تطلع الإنسان لما هو آتٍ، واستثمره في جوانب حيوية لا تحصى، بيد أنه لم يتمكن من القضاء على المعتقدات الواهمة، فالحياة.. أكبر من أن تهيمن عليها دوائر محددة. سوف يقوم العلم بعمله العظيم، لكن تظل هناك مجاميع بشرية قاصرة عن إدراك القوة الهائلة له. ويظل لدى الطرفين قدرة على التعايش، وأن يستفيد أحدهما من الآخر، فكأن قَدَرَ العالَم أن يتعايش فيه المعتقد والعلم.
ذكرّني الحوار بقصة حصلت منذ 15 عامًا تقريبًا، كنت في دولة عربية، فذهبت للمشي على شاطئ البحر، وكنت بلباسي العماني. وبينما أنا أستحث الخطى؛ استوقفتني امرأة مسنة، عارضةً عليّ بأن تقرأ طالعي، ولأني كنت واعيًا بالأمر، اعتذرت عن قبول عرضها السخي، لكنها ألحت عليّ، فسألتها فجأةً: من أي بلد أنا؟ فأجابت: وما يدريني؟ فقلت: إذا كنتِ لا تعرفين بلادي، وهيئتي غالبًا معروفة في البلاد العربية، فكيف لكِ أن تعلمي مستقبلي؟ فسكتت حائرة. إن ما دفع هذه المرأة وأمثالها ليس قناعتهم بما يعملون، وإنما لأجل حاجتهم المعيشية، ولأن الناس فعلًا يأتون إليهم. مددت لها بما تيسر عندي من مبلغ، وانصرفت عنها، وهي تدعو لي بخير. هذا المشهد.. ليس قليل الحدوث، بل هو مطرد بين البشر، وإنما يأتي بطرائق متنوعة.
لقد ولع الإنسان بالتكهن بالخوافي منذ القدم، لا نعرف كيف بدأ استشرافه للمستقبل، ولكننا نعرف بأنه لم يخلُ زمن من متنبئين، كما نعرف بأن الإنسان لم يملك الأدوات العلمية لذلك، وإنما كان يلجأ إلى طرق متناسبة مع طوره العقلي وتجربته الحسية في الحياة. وعلم الحضارة.. يقرر بأن الإنسان القديم روحاني في تعبده، يتصور الكون مسكونًا بالأرواح، فهو يعتقد بأنه يمتلك وعيًا، وقادر على مخاطبته. كان يتحدث مع الشجر في أفيائها والأحجار في جبالها والحيوانات في مراتعها والأجرام في أفلاكها، فهي تسمح له أن يعرف أسرارها، مما أطمعه أن يعلم منها ما تخفي له الأيام في قوادمها، وتعلق بها حتى اعتقد بأن لها خصائص ألوهية، فغدا يستشيرها فيما يأتي ويذر، بل كثيرًا ما استدر عطفها بالنذور.
هذه الحالة المستكنة في النفس الإنسانية؛ تتمظهر لدى البشر بصور مختلفة على تعاقب معتقداتهم وتقلب أفكارهم وتطور مجتمعاتهم، لكنها لا تكاد تختفي، فمنهم من يتنبأ لحركته بالطيرة، إن أطلق طائره واتجه يمينًا، تفاءل به وخرج في مقصده، وإن أطلقه واتجه شمالًا، تشاءم منه وأحجم عن مسيره. ومنهم من يلجأ إلى الحجارة طالبًا منها الشفاء، وآخر يطلب البركة من بهيمته، وغيره يقرأ طالعه في الفنجان، ومنهم من يستله من بين خطوط الكف، ومنهم من يعتكف مع جنه ليخرجوا له الكنوز ويظهروا الغيوب.
وأما أكثر التنبؤات انتشارًا فهي التنجيم، حيث يناضل ممارسوه لأجل تصديق الناس لهم، ويؤكدون بأن طريقتهم صحيحة، يحاولون إثباتها تارة عن طريق الدين، وتارة بالفلسفة، وأخرى من خلال علوم الأولين، وأحيانًا يموهون بأنها سر خفي لا يعلمه إلا من امتلك زمام ناصيته، وبلغ بهم الأمر أن يتأولوا تحليلات علم النفس، ويترصدوا احتمالات حدوث الوقائع، فما وافق منها اتخذوه مصداقًا لسلامة عملهم، وأما ما لم يقع فقد أوكلوه إلى النسيان، ليمحوه من ذاكرة الإنسان.
الفرنسي نوستراداموس.. أشهر مَن عُرف بالتنجيم؛ واسمه ميشيل دي نوسترادام (ت:1566م)، كان يعمل صيدلانيًّا، مما جعل الناس تلجأ إليه لتخفيف أوجاعها، لا سيما؛ أن في زمنه نزل بفرنسا طاعون، أودى بحياة الكثيرين، بمن فيهم أسرته. ونوستراداموس.. ذو نزعة إنسانية وحلية أخلاقية، ضرب مثالًا رائعًا في وقوفه مع المصابين والمرضى والفقراء. وقراءة حياته مهمة لمعرفة تطور التنجيم. ورأيي المبدئي.. أن نوستراداموس لم يكن منجمًا بالمعنى الذي يروّج له، بل إن التداخل بين الطب والتنجيم في ذلك العصر هو ما أدى إلى تصور هذا عنه. وأما رباعياته الشعرية، والتي تعد قاموس التنبؤات منذ أن وضعها عام 1555م حتى اليوم، والتي أشار فيها إلى الأحداث حتى عام 3797م، فهي أدب عبّر فيه عن رؤيته إلى الحياة، واستشرافه لأحداثها، ليس على سبيل الكشف عن غيبياتها الآتية، وإنما عن تقدير لـ «معاناة الإنسان» فيها، مع أخذ الاعتبار بأنها تعرضت للتحريف الأدبي والاستغلال السياسي. ولذلك؛ لا أحد يقرأ الأحداث نصًّا ظاهرًا من هذه الرباعيات، وإنما من أتى بعده هو مَن تكلّف تأويلها بالتنبؤات، ومع هذا التكلّف؛ فمعظمها لا يجد انسجامه مع الواقع.
المقال.. لا يقف عند نوستراداموس، إلا بمقدار ما يشير إلى أنه من أهم محطات خط التنبؤات، وليؤكد على إفلاسها من رصيد التحقيق، وليبين أن أوروبا حينذاك غارقة في بحر طام من الأوهام، بيد أنها انتشلت نفسها من لجيّه إلى بر العلم وجودي التنوير الذي غرس حضارتها العظيمة، التي يقطف الناس ثمارها في عصرنا.
مع الطبيعة التي جُبل عليها الإنسان بفضوله في استكناه المستقبل؛ ترسخت معتقداته من خلال الأساطير، فكان هذا أعتى مقاوم لتغيير محاولة فهم المستقبل بواسطة مكتشفات العلم وتعاليم الوحي. فقد جاء الوحي الخاتم مؤيدًا للعلم ومسددًا للعقل، ولم أجد كتابًا كالقرآن عمل على توجيه العقول في ذلك نحو واقع مدرَك ومقصد سامٍ وهدف نافع. فأما الواقع.. فإن الإنسان لا يعلم الغيب، الذي استأثر به الله وحده: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) «النمل:65»، وفي المقصد.. وجّه الله بصائر عباده إلى الآخرة؛ وهي غيب آتٍ، ففضول الإنسان المستقبلي يجب أن يستثمر في تحقيق دوافع العمل الصالح، فبدلًا من التخمين الذي يذرو العمل هباءً؛ على الإنسان أن يتعلق قلبه بما هو أنفع له، حيث الإيمان بالآخرة بوصلة المؤمن التي يرجو فيها تحقق العدالة، بضبط سلوكه في الدنيا، ابتغاء ما عند الله: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) «الأعلى:17». وأما الهدف النافع.. فعندما بيّن الله أنه وحده يعلم الغيب؛ وجّه عباده إلى العمل الصالح، فبالعمل.. يتحقق للإنسان استعماره الصحيح للكون، ومن خلال نواميسه يتمكن من استشراف الظواهر التي قد تحدث في قادم الأيام: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) «التوبة:105».
رغم هذه الواقعية التي نبّه عليها القرآن، والبدائل النافعة التي وجّه إليها، إلا أن عموم المسلمين لم يتحرروا من أوهام انكشاف الغيب، فظل كثير منهم يلجؤون إلى العرافين وقرّاء الطالع والأبراج، واعتمدوا الأحلام إحدى طرق معرفة ما سيقع لهم، وآمنوا بطرق غير علمية كالسحر والحسد والعين، وتأولوا في ذلك نصوصًا شرعية، وحملوها غصبًا على سفينة معتقداتهم. «انظر: الإيمان بين الغيب والخرافة، خميس العدوي وخالد الوهيبي».
لقد استفادت المدنية المعاصرة كثيرًا من النزعة النفسية للإنسان بمعرفة مستقبله، فحولوا معتقدات الأقدمين وأساطير الأولين من خلال العلم إلى مادة سينمائية مبهرة، أداروا بها اقتصادًا ضخمًا. كما أن تطلعات الإنسان للسيطرة على المستقبل دفعته إلى إيجاد أدوات قادرة على فك الغوامض، ووضع مناهج تمكنه من التنبؤ علميًّا بكثير من الأحوال والأحداث قبل وقوعها.
لقد استفاد العلم من تطلع الإنسان لما هو آتٍ، واستثمره في جوانب حيوية لا تحصى، بيد أنه لم يتمكن من القضاء على المعتقدات الواهمة، فالحياة.. أكبر من أن تهيمن عليها دوائر محددة. سوف يقوم العلم بعمله العظيم، لكن تظل هناك مجاميع بشرية قاصرة عن إدراك القوة الهائلة له. ويظل لدى الطرفين قدرة على التعايش، وأن يستفيد أحدهما من الآخر، فكأن قَدَرَ العالَم أن يتعايش فيه المعتقد والعلم.