أعمدة

انفصالٌ عن عجلة الزمن!

 
كما يسقطُ الوهم سقطت اللُعبة على راكبيها! وإن بدا لنا حدثٌ كهذا مُمكن الحدوث في أي بقعة من العالم -كما فضّل البعض أن يُهوّن الأمر- فإنّه من جهة أخرى حدثٌ ملائم أيضا لإزاحة الغشاوة عن الأعين، فصناعة الترفيه ليست أن نُغير الاسم من 'مهرجان' إلى 'ليالي' لنُحدث فرقا، وليست تباهيا مكرورا بالتراث، أو خُبزة تختطفُ من فوق 'الطوبج'، أو ثورا يجرّ الزاجرة، وحميرا يركبها الأطفال، الترفيه صناعة شديدة التعقيد!

عندما نسافر ونلتقي بالناس ونخبرهم أنّنا من عُمان، يتحدثون دوما عن طيبتنا وكرمنا وحالة الأمان والاعتدال السياسي الذي نتمتعُ به، وأرى أنّ هذه التصورات التي يختزنها الآخر عنا لم تُستثمر كما ينبغي، وهي أهم ما يمكن أن يجلب السائح إلى أيّ بلد. فالسائح بالتأكيد لن يكتفي بطيبتنا ومحبتنا! ففي هذا الزمن الذي يحملُ فيه كلٌ منا العالم بين يديه، لا يمكن أن نكون مُقنعين بالحد الأدنى الذي نُقدمه، ما دمنا مفصولين عن عجلة الزمن!

يرى مايكل وولف مُؤلف كتاب 'اقتصاد الترفيه': 'إنّ الترفيه بات يتحكم في كلّ اختيارات الناس؛ ابتداء من المراكز التجارية التي يتبضعون منها، ومطاعم الوجبات التي يتناولون فيها غداءهم، ونوع ملابس النوم التي يشترونها لأطفالهم، وخطوط الطيران التي يقررون السفر خلالها'.

المدن الترفيهية لم تعد لتمضية الوقت، وإنّما هي صناعة ضخمة للمال ومحركٌ اقتصادي باتت تُراهن عليه الكثير من الدول دون أن تعرقلها فكرة واهية من قبيل الطقس الحار أو من قبيل عدد السكان القليل، لأنّها ببساطة تُراهنُ على تحولها إلى أداة استقطاب كبرى للسياح، بالشراكة مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتُراهنُ على أن تكون شريكا حقيقيا لخلق فرص جيدة لشركات الطيران وخدمات الفندقة والرحلات السياحية، وخلق فرص توظيف للشباب والمنتجات المحلية.

زيادة الإنفاق على الترفيه لا تعني أن تخسر، وإنما تعني أن تُعزز اقتصادك، ضمن حلقة لا تنفصل عن الإعلام الذي يمكن أن يكون الشريك الحقيقي لجذب العالم إليك.

ثمّة تجارب صغيرة يمكن أن نستقرئ منها أننا لو امتلكنا الإرادة والقرار، يمكن أن نُغير حقا واقعنا، وسأضرب مثالا على ذلك: 'مقهى القلعة' في قلعة مطرح، الذي استطاع أن يُحوّل مكانا شبه مهجور إلى مكان حيوي يعج بالناس، والبيوت الطينية القديمة التي تربو أعمار بعضها على ٣٠٠ سنة في ولاية نزوى، أصبحت قِبلة السياحة الشتوية رغم العراقيل، فكل ما نأمله هو أن يشتبك هذا الماضي العتيد بروح العصر الجديد.

قبل سنة من الآن فقط، كان الذاهب إلى السعودية ما إن يعود، يقال له 'عُمرة مقبولة' أو 'حجا مبرورا'، وفي ظرف زمني قصير جدا صرنا نحج إلى السعودية لأسباب ترفيهية أخرى جوار السياحة الدينية. وهذا لم يأتِ إلا جراء قرار وإيمان عميق بما قد تفعله صناعة الترفيه.

ولكي نُصبح جزءا من الوجهات العالمية الواعدة في قطاع الترفيه والسياحة والتراث والفن، علينا البدء بتهيئة البُنى الأساسية أولا، فلا بد أن تكون هنالك استراتيجية تدرس الواقع جيدا، وتخصص أماكن لصناعة هذا الترفيه، لا أن يُحشر في حدائق عامّة غير مُهيأة أساسا إلا لإحداث المزيد من الزحام. لدينا مساحات شاسعة في هذا البلد، ولسنا بحاجة لمعجزات، كما هو حال بعض البلدان التي تردم بحارها لتُنشئ مُدنها الترفيهية، لدينا كل شيء، الطبيعة المتنوعة والأمان والبشر الطيبون والتاريخ الطويل والإرث من الحكايات والأساطير والقصص الشعبية والبطولات، لكن جُلّ ما نحتاجه هو العقول التي تخرج من صناديق المألوف!