بلينكن ونظام "ما بعد حرب أوكرانيا"
الاحد / 6 / رجب / 1444 هـ - 20:53 - الاحد 29 يناير 2023 20:53
ترجمة قاسم مكي -
شرعت إدارة بايدن بعد اقتناعها بفشل فلاديمير بوتين في محاولته مَحْو أوكرانيا في التخطيط للتوازن العسكري اللاحق لفترة ما بعد الحرب والذي سيساعد كييف على ردع أي تكرار لغزوها.
رسم وزير الخارجية انتوني بلينكن الخطوط العريضة لإستراتيجيته الخاصة بالمرحلة الأخيرة للحرب الأوكرانية وللرَّدْع في فترة ما بعد الحرب أثناء مقابلة معه يوم الاثنين الماضي بمبنى وزارة الخارجية. النقاش الذي دار قدَّم استكشافا غير عادي لبعض القضايا الأكثر تعقيدا والمحيطة بحل الصراع الأوكراني الذي هدد النظام العالمي.
امتدح بلينكن بوضوح الدعم العسكري لأوكرانيا من ألمانيا التي واجهت انتقادات من بعض حلفاء الناتو لعدم تقديمها دبابات ليوبارد بسرعة لكييف.
قال بلينكن 'ما كان يمكن لأحد أن يتنبأ بمدى الدعم العسكري الألماني' عندما بدأت الحرب. وأضاف 'هذا تحول كبير يجب علينا أن نعترف به.'
كما أكد أيضا إصرار الرئيس بايدن على تجنب الصراع العسكري المباشر مع روسيا فيما تساعد الأسلحة الأمريكية على سحق قوات الغزو. قال بلينكن 'بايدن ظل يجزم دائما أن إحدى مطلوباته في أوكرانيا ألا تكون هنالك حرب عالمية ثالثة.'
يعتقد بلينكن أن فشل روسيا الضخم في تحقيق أهدافها العسكرية يجب أن يحفز الولايات المتحدة وحلفائها الآن على الشروع في التفكير في شكل أوكرانيا ما بعد الحرب وكيفية إيجاد سلام عادل ومستديم يحافظ على سلامة أراضيها ويمكِّنها من ردع أي عدوان مستقبلي والدفاع عن نفسها ضدَّه إذا دعت الضرورة. بكلمات أخرى يجب عدم السماح لروسيا بالتقاط أنفاسها وإعادة تجميع قواتها والهجوم مجددا.
إطار 'الردع' الذي يدور في بال بلينكن يختلف نوعا ما عن محادثات العام الماضي مع كييف حول ضمانات أمنية شبيهة بالبند الخامس في معاهدة الناتو.
(ينص هذا البند على أن أي هجوم على عضو من الحلف يعد هجوما على كل أعضائه - المترجم). فبدلا من تضمين مثل هذا التعهد في معاهدة رسمية يتعزز اعتقاد بعض المسؤولين الأمريكيين بأن المسألة المفتاحية هي تزويد أوكرانيا بالأدوات التي تحتاجها للدفاع عن نفسها. وسيتم ضمان الأمن بأنظمة تسلُّح فعَّالة خصوصا الدروع والدفاع الجوي إلى جانب اقتصاد قوي خالٍ من الفساد وعضوية الإتحاد الأوروبي.
تركيز البنتاجون الحالي على تزويد كييف بالأسلحة والتدريب لحرب المناورات يعكس هذا الهدف للردع في الأجل الطويل. أوضح ذلك مسؤول بوزارة الخارجية على دراية بأفكار بلينكن بقوله 'أهمية أسلحة المناورة ليست فقط في تمكين أوكرانيا الآن من استعادة الأراضي ولكن كرادع ضد الهجمات الروسية في المستقبل.' وأضاف حرب ' المناورة هي المستقبل.'
أتاحت المحادثة مع بلينكن تلميحات بشأن المناقشات المكثفة التي استمرت لشهور داخل الإدارة حول كيفية إنهاء الحرب في أوكرانيا والحفاظ على السلام في المستقبل. الصيغة النموذجية للإدارة الأمريكية هي أن القرارات يجب اتخاذها في نهاية المطاف بواسطة أوكرانيا وأكّد بلينكن ذلك مجددا.
وهو أيضا يؤيد رغبة أوكرانيا في تحقيق مكاسب مهمة في أرض المعركة هذا العام. لكن مسئولي وزارة الخارجية والبنتاجون ومجلس الأمن القومي أيضا يستبقون الأحداث.
القِرم موضوع خاص للنقاش. فهنالك وجهة نظر واسعة النطاق في واشنطن وكييف بأن استعادة القرم بواسطة القوة العسكرية قد تكون مستحيلة. وأي تقدم عسكري أوكراني هذا العام في مقاطعة زابوريجيا وهي الجسر البري الذي يربط القرم بروسيا يمكن أن يهدد السيطرة الروسية. لكن مسئولين أمريكيين وأوكرانيين عديدين يعتقدون بعدم واقعية شن حملة أوكرانية شاملة للاستيلاء على شبه جزيرة القرم. أحد أسباب ذلك أن بوتين أشار إلى أن الهجوم على القرم سيكون بداية لتصعيد نووي.
الإدارة الأمريكية تشاطر أوكرانيا إصرارها على أن القرم التي انتزعتها روسيا في عام 2014 يجب إعادتها في نهاية المطاف. لكن في الأجل القصير الشيء المهم بالنسبة لكييف ألا تشكل القرم قاعدة لشن الهجمات على أوكرانيا. إحدى الصيغ التي تثير اهتمامي (جعل القرم) منطقة منزوعة السلاح مع تأجيل أسئلة السيطرة السياسية النهائية عليها. وقد أبلغني المسئولون الأوكرانيون في العام الماضي أنهم ناقشوا مثل هذه الاحتمالات مع الإدارة الأمريكية.
فيما يَزِن بلينكن الخياراتِ في أوكرانيا يظل أقل إحساسا بالقلق من بعض المراقبين بشأن مخاطر التصعيد. وهذا يعود جزئيا إلى اعتقاده بأن قوة الناتو الكاسحة حدّت من اندفاع روسيا. شرح المسئول القريب من بلينكن ذلك بقوله 'بوتين يحتفظ ببعض الأشياء من باب الاحتياط بسبب خشيته التي في غير محلها بأن الناتو قد يهاجم روسيا'. تشمل هذه القوة الاحتياطية القاذفات الإستراتيجية وأسلحة دقيقة التوجيه معينة وبالطبع الأسلحة النووية التكتيكية والإستراتيجية.
جهود إدارة التحالف التي استمرت لما يزيد عن العام من أجل الحيلولة دون تشظي الائتلاف المناصر لأوكرانيا يمثلها رفض بلينكن انتقاد ألمانيا حول موضوع تسليم أوكرانيا دباباتِ ليوبارد. لقد أنفق وزير الخارجية الأمريكي مئات الساعات على الهاتف وفي اجتماعات عبر الفيديو وفي رحلات إلى الخارج للمحافظة على سلامة هذا الائتلاف. بل سيكون هذا التماسك أكثر أهمية مع تقدم الحرب نحو مرحلتها النهائية.
هذا العام ستواصل أوكرانيا وحلفاؤها القتال لطرد روسيا. لكن وكما في السنوات الأخيرة للحرب العالمية الثانية بدأ التخطيط لنظام ما بعد الحرب وبناء نظام تحالفات عسكرية وسياسية يمكنه استعادة والحفاظ على السلام الذي أنهته روسيا.
• ديفيد اجنيشس روائي وصحفي يكتب عن الشئون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست.
** الترجمة عن واشنطن بوست
شرعت إدارة بايدن بعد اقتناعها بفشل فلاديمير بوتين في محاولته مَحْو أوكرانيا في التخطيط للتوازن العسكري اللاحق لفترة ما بعد الحرب والذي سيساعد كييف على ردع أي تكرار لغزوها.
رسم وزير الخارجية انتوني بلينكن الخطوط العريضة لإستراتيجيته الخاصة بالمرحلة الأخيرة للحرب الأوكرانية وللرَّدْع في فترة ما بعد الحرب أثناء مقابلة معه يوم الاثنين الماضي بمبنى وزارة الخارجية. النقاش الذي دار قدَّم استكشافا غير عادي لبعض القضايا الأكثر تعقيدا والمحيطة بحل الصراع الأوكراني الذي هدد النظام العالمي.
امتدح بلينكن بوضوح الدعم العسكري لأوكرانيا من ألمانيا التي واجهت انتقادات من بعض حلفاء الناتو لعدم تقديمها دبابات ليوبارد بسرعة لكييف.
قال بلينكن 'ما كان يمكن لأحد أن يتنبأ بمدى الدعم العسكري الألماني' عندما بدأت الحرب. وأضاف 'هذا تحول كبير يجب علينا أن نعترف به.'
كما أكد أيضا إصرار الرئيس بايدن على تجنب الصراع العسكري المباشر مع روسيا فيما تساعد الأسلحة الأمريكية على سحق قوات الغزو. قال بلينكن 'بايدن ظل يجزم دائما أن إحدى مطلوباته في أوكرانيا ألا تكون هنالك حرب عالمية ثالثة.'
يعتقد بلينكن أن فشل روسيا الضخم في تحقيق أهدافها العسكرية يجب أن يحفز الولايات المتحدة وحلفائها الآن على الشروع في التفكير في شكل أوكرانيا ما بعد الحرب وكيفية إيجاد سلام عادل ومستديم يحافظ على سلامة أراضيها ويمكِّنها من ردع أي عدوان مستقبلي والدفاع عن نفسها ضدَّه إذا دعت الضرورة. بكلمات أخرى يجب عدم السماح لروسيا بالتقاط أنفاسها وإعادة تجميع قواتها والهجوم مجددا.
إطار 'الردع' الذي يدور في بال بلينكن يختلف نوعا ما عن محادثات العام الماضي مع كييف حول ضمانات أمنية شبيهة بالبند الخامس في معاهدة الناتو.
(ينص هذا البند على أن أي هجوم على عضو من الحلف يعد هجوما على كل أعضائه - المترجم). فبدلا من تضمين مثل هذا التعهد في معاهدة رسمية يتعزز اعتقاد بعض المسؤولين الأمريكيين بأن المسألة المفتاحية هي تزويد أوكرانيا بالأدوات التي تحتاجها للدفاع عن نفسها. وسيتم ضمان الأمن بأنظمة تسلُّح فعَّالة خصوصا الدروع والدفاع الجوي إلى جانب اقتصاد قوي خالٍ من الفساد وعضوية الإتحاد الأوروبي.
تركيز البنتاجون الحالي على تزويد كييف بالأسلحة والتدريب لحرب المناورات يعكس هذا الهدف للردع في الأجل الطويل. أوضح ذلك مسؤول بوزارة الخارجية على دراية بأفكار بلينكن بقوله 'أهمية أسلحة المناورة ليست فقط في تمكين أوكرانيا الآن من استعادة الأراضي ولكن كرادع ضد الهجمات الروسية في المستقبل.' وأضاف حرب ' المناورة هي المستقبل.'
أتاحت المحادثة مع بلينكن تلميحات بشأن المناقشات المكثفة التي استمرت لشهور داخل الإدارة حول كيفية إنهاء الحرب في أوكرانيا والحفاظ على السلام في المستقبل. الصيغة النموذجية للإدارة الأمريكية هي أن القرارات يجب اتخاذها في نهاية المطاف بواسطة أوكرانيا وأكّد بلينكن ذلك مجددا.
وهو أيضا يؤيد رغبة أوكرانيا في تحقيق مكاسب مهمة في أرض المعركة هذا العام. لكن مسئولي وزارة الخارجية والبنتاجون ومجلس الأمن القومي أيضا يستبقون الأحداث.
القِرم موضوع خاص للنقاش. فهنالك وجهة نظر واسعة النطاق في واشنطن وكييف بأن استعادة القرم بواسطة القوة العسكرية قد تكون مستحيلة. وأي تقدم عسكري أوكراني هذا العام في مقاطعة زابوريجيا وهي الجسر البري الذي يربط القرم بروسيا يمكن أن يهدد السيطرة الروسية. لكن مسئولين أمريكيين وأوكرانيين عديدين يعتقدون بعدم واقعية شن حملة أوكرانية شاملة للاستيلاء على شبه جزيرة القرم. أحد أسباب ذلك أن بوتين أشار إلى أن الهجوم على القرم سيكون بداية لتصعيد نووي.
الإدارة الأمريكية تشاطر أوكرانيا إصرارها على أن القرم التي انتزعتها روسيا في عام 2014 يجب إعادتها في نهاية المطاف. لكن في الأجل القصير الشيء المهم بالنسبة لكييف ألا تشكل القرم قاعدة لشن الهجمات على أوكرانيا. إحدى الصيغ التي تثير اهتمامي (جعل القرم) منطقة منزوعة السلاح مع تأجيل أسئلة السيطرة السياسية النهائية عليها. وقد أبلغني المسئولون الأوكرانيون في العام الماضي أنهم ناقشوا مثل هذه الاحتمالات مع الإدارة الأمريكية.
فيما يَزِن بلينكن الخياراتِ في أوكرانيا يظل أقل إحساسا بالقلق من بعض المراقبين بشأن مخاطر التصعيد. وهذا يعود جزئيا إلى اعتقاده بأن قوة الناتو الكاسحة حدّت من اندفاع روسيا. شرح المسئول القريب من بلينكن ذلك بقوله 'بوتين يحتفظ ببعض الأشياء من باب الاحتياط بسبب خشيته التي في غير محلها بأن الناتو قد يهاجم روسيا'. تشمل هذه القوة الاحتياطية القاذفات الإستراتيجية وأسلحة دقيقة التوجيه معينة وبالطبع الأسلحة النووية التكتيكية والإستراتيجية.
جهود إدارة التحالف التي استمرت لما يزيد عن العام من أجل الحيلولة دون تشظي الائتلاف المناصر لأوكرانيا يمثلها رفض بلينكن انتقاد ألمانيا حول موضوع تسليم أوكرانيا دباباتِ ليوبارد. لقد أنفق وزير الخارجية الأمريكي مئات الساعات على الهاتف وفي اجتماعات عبر الفيديو وفي رحلات إلى الخارج للمحافظة على سلامة هذا الائتلاف. بل سيكون هذا التماسك أكثر أهمية مع تقدم الحرب نحو مرحلتها النهائية.
هذا العام ستواصل أوكرانيا وحلفاؤها القتال لطرد روسيا. لكن وكما في السنوات الأخيرة للحرب العالمية الثانية بدأ التخطيط لنظام ما بعد الحرب وبناء نظام تحالفات عسكرية وسياسية يمكنه استعادة والحفاظ على السلام الذي أنهته روسيا.
• ديفيد اجنيشس روائي وصحفي يكتب عن الشئون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست.
** الترجمة عن واشنطن بوست