عمان اليوم

مختصون: 10 حالات طلاق يوميا.. والتأهيل قبل الزواج ضرورة لحياة مستقرة

برامج للإرشاد الأسري تنفذ في جميع المحافظات هذا العام

Wedding invitation card
 
Wedding invitation card
تخلف حالات الانفصال بين الزوجين آثارا نفسية واجتماعية على الفرد والمجتمع والبنية الأسرية، ما استدعى وجود جهات معنية في سلطنة عمان تقدم خدمات الإرشاد والتوجيه الأسري، تعمل على تهيئة المقبلين على الزواج للحياة الزوجية وتحقيق الغاية المرجوة وهي بناء أسرة مستقرة وآمنة تحقق الأمن الاجتماعي، والحد من حالات الطلاق، وزيادة الوعي بشؤون الحياة الزوجية، ونشر الألفة والمحبة في المجتمع، والحد من حالات العنف الأسري والجريمة في المجتمع، وحماية الأسرة من التفكك والهجران.

وأثبت برنامج "تماسك" الذي تنفذه وزارة التنمية الاجتماعية نجاحه حيث شارك فيه منذ إطلاقه 39 ألف مشارك، وأسهم البرنامج في بناء شخصية متزنة متمكّنة من الاندماج الاجتماعي والمهني، وعمل على إكساب المشاركين مهارات وأساليب ناجحة تمكّنهم من التكيف والتخطيط لحياة مستقبلية ناجحة.

آخر إحصائية لدى المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أظهرت أن 39 ألف عماني تزوجوا في 2021، منهم 34 ألف شخص لأول مرة، بمعدل 53 حالة زواج يوميًا، وحدثت 6 آلاف حالة طلاق في نفس العام حيث بلغت شهادات الطلاق المسجلة نحو 3837 ألف حالة، بارتفاع بنسبة 12% عن عام 2020 وبمعدل 10 حالات طلاق في اليوم.

برامج إرشاد وتوعية

وأوضح الدكتور جلال بن يوسف المخيني مدير دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية في وزارة التنمية الاجتماعية أن الحياة المعاصرة فرضت ظاهرة تفشي الطلاق في مجتمعات كثيرة منها المجتمع العُماني، واللجوء إلى التدريب والتأهيل قبل الزواج، يساهم في بناء علاقة زوجية مستقرة وسعيدة، والزواج الصحي يتطلب من الشريكين تحمل مسؤولية علاقتهما مع ما يصاحبها من اقتحام عنصر المفاجأة في طبيعة الشخصية المقابلة وعدم تفهمها الآخر، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الانفصال وغياب الوعي القانوني والتشريعي، واضمحلال دور القدوة في العائلة من الكبار المحايدين، كل هذا يؤكد أهمية البرامج التأهيلية.

وقال: إن برامج ما قبل الزواج تعد إجراءً وقائيا نفسيا لتقييم الذات وبناء علاقة تشاركية تتسم بمرونة التفكير والارتقاء في التعامل مع الطرف الآخر، وتعد السنوات الثلاث الأولى من أخطر سنوات الزواج، كونها تشهد مشكلات كثيرة بين الزوجين، وبعض تلك المشكلات تتعلق بطبيعة شخصية الشريك أو بالعلاقات الاجتماعية سواء أكانت مع أهل الزوجين أو مع الأصدقاء أو بطبيعة وآليات التعامل فيما بينهم، ومن هنا تأتي الأهمية لحضور هذه البرامج التدريبية التي بدورها ترشدهم بالطرق الصحيحة وآليات عملية لاختيار الشريك، فضلا عن تزويد الطرفين بالحقائق المهمة عن طبيعة الزواج، وطرق التعامل مع الخلافات وحلها وغيرها من المهارات المفيدة التي من شأنها أن تحدث تماسكًا في الأسرة وتعزز ترابطها، ومن خلال التدريب والاستشارة تزداد فرص بناء أسرة سعيدة متزنة قادرة على التطوير ومواجهة تحديات الحياة الأسرية بحب، مشيرا إلى أن وزارة التنمية الاجتماعية تسعى لتوفير عدد من الأخصائيين المدربين الذين يقدمون التدريب والاستشارة التخصصية في مختلف المحافظات الإقليمية، سواء عبر البرامج التدريبية أو جلسات الإرشاد الفردي المباشرة أو عبر الإنترنت للمقبلين على الزواج.

كفاءة البرامج

وأكد المخيني على مدى فعالية ونجاح الدراسات الاجتماعية، ففي استطلاع أجرته الوزارة تبين أن 92.4% يؤكدون على أهمية الدورات التدريبية للتأهيل قبل الزواج بالاستناد إلى المسوحات والدراسات للدول التي طبقتها، ولهذا اتجهت الكثير من المؤسسات الاجتماعية إلى تنفيذ الدورات التأهيلية للمقبلين على الزواج، وكانت النتائج مذهلة، وأثبتت دراسة أكاديمية حول برنامج الإرشاد الزواجي "تماسك" الذي تنفذه وزارة التنمية الاجتماعية أن نسبة 96.2% من عينة الدراسة تؤكد أهمية الدورات التدريبية للتأهيل قبل الزواج، لارتباطها بإعداد الشباب قبل هذه المرحلة المهمة من حياتهم.

نشر الوعي

وأشار المخيني إلى أهمية تضافر الجهود من مختلف الجهات لنشر التوعية الهادفة حول أهمية تماسك الأسرة وترابطها، وإقامة المحاضرات، وتوزيع الكتب والمطويات الخاصة بهذا الشأن، والعمل على توفير التفاهم والمودة في الأسرة من خلال تغيير السلوكيات وتحسينها، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه البرامج والدورات التدريبية لا تقتصر على قطاعات محددة بل هناك أدوار تشاركية من جميع القطاعات، بالأخص المؤسسات الإعلامية، والمؤسسات ذات الصلة، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، وعلى الجميع القيام بأدوارهم فـي توضيح الأضرار الناجمة عن الطلاق على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع وآليات التصدي لها، كما تتحمَّل الأسرة (الأب والأم)، والمؤسسات التعليمية جزءًا من المسؤولية فيما يتعلق بتهيئة الشباب والشابات لحياة زوجية مستقرة وسعيدة مبنية على المحبة والمودة، داعيًا كل أب إلى الجلوس مع ابنه، وكل أم للجلوس مع ابنتها على انفراد، ومناقشتهم فـي احتياجاتهم والتعرف على تفكيرهم والاستماع إليهم ومناقشتهم لترسيخ المفاهيم الصحيحة عن الزواج.

خطط

وبين المخيني أن الوزارة تشرف على برنامجين وطنيين يستهدفا المقبلين على الزواج والمتزوجين حديثًا، وهما برنامج للإرشاد الزواجي "تماسك " الذي انطلق في عام 2014م، واستفاد منه إلى الآن قرابة 39 ألف مشارك من الجنسين في مختلف محافظات سلطنة عُمان، والذي يستهدف المقبلين على الزواج والمتزوجين حديثا، والبرنامج الثاني هو "إعداد" للمقبلين على الزواج الذي تم تأسيسه العام الماضي وسوف ينفذ في جميع محافظات سلطنة عمان في هذا العام 2023 ويستهدف المقبلين على الزواج، وتشمل هذه البرامج محاور وموضوعات مختلفة وشاملة في النواحي الاجتماعية والنفسية والصحية والاقتصادية، وكيفية التعامل مع المشكلات، فضلًا عن الأسس السليمة لاختيار الشريك بعيدًا عن العواطف والانفعالات والتسرّع والضغوط والتدخلات.

وأوضح أن الوزارة تعاونت مع نخبة من المختصين من مختلف المحافظات لإعدادهم كمدربين في برامج الإرشاد الزواجي، وذلك لنقل أثر التدريب والعائد منه إلى محافظاتهم لتدريب المقبلين على الزواج، مع العمل المستمر على تطوير هذه البرامج عبر حلقات نقاش متخصصة التي تعيد النظر فيها بكل موضوعية.

وعن حالات العنف بين الأزواج والمطلقين التي انتشرت هذه الأيام أوضح المخيني: إنها ترجع في الغالب إلى تغيّر القيم والثوابت التي نشأ عليها المجتمع منذ سنوات طويلة، وتلك الحوادث تتكرر كل فترة من الزمن، لكن زادت هذه الأيام بسبب سهولة وسرعة تداول الأخبار، ويرجع ذلك لكثرة الضغوط وضعف مهارات التعامل معها بين الأزواج وعدم التفريغ الانفعالي والتنفيس من خلال التعبير اللفظي والحوار، وقد يرجع العنف بين الأزواج كذلك إلى اضطرابات شخصية لدى بعض الأزواج مثل السيكوباتية والشخصية المندفعة، وكذلك تهوين الحدث لدى أحد الطرفين مثل أخذ الأمر بسخرية واستهتار، وقد يرجع العنف بين الأزواج أيضًا إلى أمراض القلق والاكتئاب خاصة بعد الولادة، وبعض الأزواج اعتاد رؤية العنف ضد الأزواج في دراما الأفلام والمسلسلات، ومثل تلك المشاهد تزيد من جرأة المشاهدين للإقدام على العنف، كما أن اختراق الخصوصية بين الأزواج يسبب مشاكل ومشاحنات كبيرة، ودائما هناك توتر بين الزوجة وأهل الزوج ونفس الوضع للزوج، حيث يتقبل من أهله التدخل ولا يتقبله من قبل أهل زوجته، ومن هنا تبدأ المشكلات بين أفراد الأسرة، وقد يرجع إلى العنف الأسري لزيادة طموح الزوجة برغبة الحصول على إمكانيات أكبر من وضعها المادي.

وأشار إلى أن مفهوم الرضا اختفى في مستوى العلاقات الزوجية، وللمجتمع دور كبير في نشر عمليات القتل بين أفراد الأسرة وخاصة أن الدراما والسينما أصبحت تتجه مؤخرًا لنشر العنف والتوتر وعدم الاقتناع وشيوع الأنانية وزيادة الطموح المادي، كما ظهر أن الأسرة حالياً تختلف عن الماضي فهناك حالة من فقدان الحوار العائلي داخل الأسرة الواحدة، ويرجع ذلك بسبب وجود التكنولوجيا وتطبيقات التواصل الاجتماعي التي أثرت بالسلب على المجتمع، كما يرجع السبب أيضا في تصعيد العنف بين الزوجين بسبب أمور تافهة وخلافات عادية، وهنا يبرز دور التوعية من خلال البرامج الإعلامية والمقالات الأدبية لتوعية الشباب قبل الزواج عن طرق التدريب والمشورة المتخصصة لحل الخلاف بدون عنف ومراعاة مشاعر الطرف الآخر.

التأهيل ضرورة ملحة

من جانبه أكد المحامي ياسر بن عبدالله السناني على أن تأهيل الرجل والمرأة ما بعد الطلاق أصبحت ضرورة ملحة جدا خاصة في ظل الظواهر المتقاربة والجرائم التي نسمع عنها ما بعد الطلاق أو ما بعد فسخ الخطبة بين الخاطب ومخطوبته متناسين قول الله تعالى "ولا تنسوا الفضل بينكم"، فيتبين بجلاء تغلغل الشقاق والخلاف حتى يصل بهم الأمر إلى عدم تقبل الواقع فيبدأ كل منهما يفكر في كيفية الانتقام والتشفي من الآخر، إما من خلال إقامة العديد من الدعاوى القضائية على مختلف أنواعها، أو عن طريق التفكير بجريمة القتل بدافع الخلاص والانتقام، وهذا كله يقع ضحيته الأطفال بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، وحتى لا يزيد الشقاق والخلاف والذي قد يدفع أحد الطرفين للوقوع في المحظورات شرعا وقانونا، لذلك لابد من إعادة تأهيل الزوجين بعد الانفصال من خلال عقد دورات تختص في هذا الجانب التأهيلي، وهنا يقع الدور الإعلامي وبعض الجهات مثل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ووزارة التنمية الاجتماعية والمجلس الأعلى للقضاء ممثلا في أقسام البحث الاجتماعي، إذ إن التقبل النفسي بين الطرفين للواقع ما بعد الطلاق مهم خاصة في تربية الأطفال إن كان بينهم أولاد.

وأضاف السناني: ليس على كل طرف أن يجبر على تقبل الطرف الآخر، ويعد الأثر النفسي مهم جدا.. إن الزواج شرع بين الرجل والمرأة ليكون سكنا ومودة ورحمة بينهما، وما كان من شأنه تبديل هذه الغاية دون تحققها هو بلا شك غرض مخالف لمقاصد التشريع.