هل بوسع بايدن أن ينقذ إسرائيل؟
السبت / 27 / جمادى الآخرة / 1444 هـ - 19:07 - السبت 21 يناير 2023 19:07
ترجمة: أحمد شافعي -
لو أن بوسعي أن أضع مذكرة على طاولة الرئيس بايدن بشأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فأنا أعرف بالضبط كيف ستكون بدايتها:
عزيزي السيد الرئيس، لا أعرف إن كان لك اهتمام بالتاريخ اليهودي، لكن المؤكد أن التاريخ اليهودي له اهتمام بك أنت اليوم. فإسرائيل على شفا تحول تاريخي من ديمقراطية مكتملة إلى شيء أقل من ذلك، ومن قوة استقرار في المنطقة إلى قوة مزعزعة للاستقرار. وقد تكون أنت الشخص الوحيد القادر على إيقاف رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وائتلافه المتطرف عن تحويل إسرائيل إلى معقل للتعصب مناهض لليبرالية.
سأقول أيضا لبايدن إن إسرائيل، في ما أخشى، تقترب من صراع مدني داخلي خطير. والصراعات المدنية نادرا ما تدور حول السياسة. لكنها تنزع إلى أن تكون حول السلطة. وعلى مدار سنين، كانت الجدالات الضارية في إسرائيل حول اتفاقات أوسلو تتعلق بالسياسة. لكن اليوم، يدور هذا الصدام المضطرم حول السلطة، أي حول من الذي يملك أن يقول لمن كيف يعيش في مجتمع شديد التنوع.
القصة القصيرة: حكومة أرثوذكسية مغالية في النزعة الوطنية، تشكلت بعد أن فاز معسكر نتانياهو في الانتخابات بأضأل هامش من الأصوات (قرابة ثلاثين ألفا من إجمالي 4.7 مليون)، وتقود هذه الحكومة عملية انتزاع للسلطة لا ينظر إليها النصف الآخر من الناخبين باعتبارها عملية فاسدة فقط وإنما باعتبارها أيضا تهديدا لحقوقهم المدنية. ولهذا السبب ارتفع عدد المشاركين في مظاهرة مناهضة للحكومة في العطلة الأسبوعية من خمسمائة إلى ثمانين ألفا.
إن إسرائيل التي عرفها جو بايدن تختفي وتظهر إسرائيل جديدة. فكثير من وزراء هذه الحكومة معادون للقيم الأمريكية، وكلهم تقريبا معادون للحزب الديمقراطي. لقد دبر نتانياهو ووزيره للشؤون الاستراتيجية رون ديرمر مع الجمهوريين لتصميم خطبة نتانياهو سنة 2015 في الكونجرس ضد رغبات وسياسات بايدن والرئيس باراك أوباما. وكانا يودان لو يريان جمهوريا في البيت الأبيض ويفضلان دعم المسيحيين الإنجيلين على اليهود الليبراليين ودعم ولي العهد السعودي على دعم ألكسندريا أوكاسيو كورتيز.
ودونما أدنى شك، لا ينبغي أن ينخدع الرئيس بقولهم 'صديقنا القديم جو'.
قد يتم عرض الأزمة الحالية في إسرائيل على بايدن باعتبارها مسألة دستورية داخلية يجب أن ينأى بنفسه عنها. والأمر على العكس من ذلك. فينبغي أن يتقدم بايدن (مثلما فعل نتانياهو) لأن للنتيجة آثارا مباشرة على مصالح الأمن الوطني الأمريكي. وليست لديَّ أي أوهام حيال قدرة بايدن على تغيير أشد النزعات تطرفا مما يظهر في إسرائيل اليوم، لكن بوسعه أن يدفع الأمور إلى مسار أصح، وربما أن يمنع حدوث الأسوأ، بقليل من الحب الحازم الذي لا يملكه أي طرف خارجي آخر.
هذه هي الأزمة الأكثر إلحاحا: لقد كانت محاكم إسرائيل، وعلى رأسها المحكمة العليا، هي الحامية الأشد ضراوة لحقوق الإنسان، وبخاصة حقوق الأقليات. وتتضمن هذه الأقليات المواطنين العرب، والمواطنين المثليين وحتى اليهود الإصلاحيين والمحافظين الراغبين في مثل ما ينعم به اليهود الأرثوذكس والمتطرفون من الأرثوذكس من حرية وحقوق في الممارسات الدينية. فضلا عن ذلك، ولأن المحكمة العليا تراجع أفعال جميع الفروع التنفيذية، ومنها الجيش، فقد كانت كثيرا ما تحمي حقوق الفلسطينيين، ومن ذلك توفيرها الحماية من انتهاكات المستوطنين الإسرائيليين والمصادرة غير الشرعية لأملاكهم الخاصة.
ولكن حكومة نتانياهو هذه تسعى إلى تبديل راديكالي في وضع الضفة الغربية، بضمها عمليا، ودونما إعلان رسمي عن ذلك. ولا تواجه الخطة غير عقبة كبيرة واحدة تتمثل في محكمة إسرائيل العليا والمؤسسات القانونية.
وبحسب إيجاز جريدة 'تايمز أوف إسرائيل'، فإن من شأن الإصلاح القضائي الذي يعتزم نتانياهو إجراءه من خلال الكينيست أن 'يمنح الحكومة سيطرة كاملة على تعيين القضاة، ومنهم قضاة المحكمة العليا' متبعا عملية تعيين قضائي أقل احترافية وحيادية. وسوف يؤدي الإصلاح أيضا إلى تقييد كبير 'لقدرة المحكمة العليا على إلغاء التشريعات' ـ وبخاصة التشريعات التي قد تقيد حقوق الأقليات في إسرائيل ـ 'ويمكِّن الكينيست' الخاضع حاليا لسيطرة نتانياهو 'من إعادة إصدار' قوانين ألغتها المحكمة.
ومن شأن الإصلاح أيضا أن يقلص استقلال الرقابة القانونية على كل وزارة في الحكومة: فبدلا من تقديم القضاة تقاريرهم للنائب العام سوف يكونون معينين من قبل كل وزير.
باختصار، الجناح التنفيذي في إسرائيل سوف يتولى السيطرة على القضاء. وهذا مأخوذ مباشرة من كتاب قواعد لعب الأغلبية التركي المجري، وبخاصة حينما تأخذون بعين الاعتبار أمرا آخر، وهو أن ذلك كله يجري في الوقت الذي يشهد محاكمة نتانياهو نفسه بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في ثلاث قضايا رفعها نائبه العام نفسه.
في مطلع الشهر الحالي، نشر وزير دفاع يميني سابق في حكومة لنتانياهو ورئيس سابق لأركان الجيش الإسرائيلي هو موشيه يعالون تغريدة قال فيها إن 'إصلاحات' نتانياهو القضائية كشفت 'النوايا الحقيقية لمتهم جنائي مستعد لإحراق البلد كله وقيمه... هربا من قفص الاتهام... فمن كان يصدق أنه بعد أقل من ثمانين سنة على الهولوكوست التي حلت بشعبنا أن تأتي حكومة إجرامية متعصبة فاشية فاسدة فتتشكل في إسرائيل بهدف إنقاذ مجرم متهم'.
وبالطبع يقول نتانياهو إن ذلك أبعد ما يكون عما يجول بخاطره....
لأن إسرائيل بلا دستور رسمي فهي محكومة بموجب مجموعة شديدة التعقيد من الضوابط والتوازنات القانونية التي تطورت على مدار العقود. وقد أخبرني خبراء قانونيون بأن ثمة حجة لإدخال بعض التغييرات على القضاء. ولكن القيام بذلك على طريقة نتانياهو، وليس وفقا لإجماع وطني غير حزبي، وإنما بتجريد المحكمة العليا من السلطات من خلال أكثر الحكومات تطرفا في تاريخ إسرائيل ومعرفة أن قضية نتانياهو الجنائية قد تنتهي أمام المحكمة العليا، أمر تنبعث منه رائحة كريهة فتبلغ عنان السماء.
ولتقريب الأمر للأمريكيين فإن الأمر أشبه بريتشارد نيكسن لو كان قد حاول أن يضيف إلى المحكمة العليا قضاة موالين له للتحقيق الجنائي في فضيحة ووترجيت.
لقد أعلنت الرئيسة الحالية للمحكمة العليا في إسرائيل إستر حايوت الأسبوع الماضي أن إصلاح نتانياهو المقترح 'سوف يحطم النظام القضائي وأنه في حقيقته هجوم جامح'. فضلا عن ذلك، وقعت جماعات مؤلفة من متقاعدين من طياري القوات الجوية والمسؤولين التقنيين والمحامين والقضاة المتقاعدين من اليسار واليمين ومنهم بعض قضاة المحكمة العليا المتقاعدين على رسائل تفيد مثل ذلك.
لقد أعطت الولايات المتحدة لإسرائيل كميات استثنائية من المساعدات الاقتصادية، والمعلومات الاستخباراتية الحساسة، وأكثر أسلحتنا تقدما، ودعما فوريا دائما ضد القرارات المنحازة في الأمم المتحدة. وأنا شخصيا أدعم ذلك. كما أننا طالما عارضنا أي إجراء قانوني من المؤسسات الدولية، بناء على حجة أن لإسرائيل نظاما قضائيا مستقلا، يطبِّق بمصداقية ـ ليس في جميع الحالات ولكن في أكثرها ـ قواعد القانون الدولي على حكومة إسرائيل وجيشها، حتى حين كان معنى ذلك أن يحمي حقوق الفلسطينيين.
قبل أن ينجح نتانياهو في وضع محكمة إسرائيل العليا تحت سطوته، يحتاج بايدن إلى أن يقول له بعبارات لا لبس فيها:
بيبي، أنت تتلاعب بالمصالح والقيم الأمريكية. وينبغي أن أعرف منك بضعة أمور الآن، ويجب أن تعرف أنت مني بضعة أمور. ينبغي أن أعرف: هل سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية مسألة احتلال مؤقت أم بداية ضم مثلما يدعو بعض أعضاء ائتلافك؟ لأنني لن أتساهل في ذلك. ينبغي أن أعرف لو أنك بالفعل في طريقك إلى أن تضع المحاكم تحت سلطتك السياسة بحيث تجعل إسرائيل أشبه بتركيا أو المجر، لأنني لن أتساهل في ذلك. ينبغي أن أعرف لو أن وزراءك المتطرفين سوف يغيرون الوضع القائم في الحرم القدسي لأن من شأن ذلك أن يتسبب باضطراب في الأردن والسلطة الفلسطينية والاتفاقات الإبراهيمية وهو ما سيلحق ضررا كبيرا بالمصالح الأمريكية. وأنا لن أتساهل في هذا.
وإليكم تخميني لما قد يكون عليه رد نتانياهو:
جو، جوي، صديقي القديم، لا تضغط عليّ في هذه الأمور الآن. أنا الوحيد الذي يكبح أولئك المجانين. أنت وأنا يا جو، بوسعنا أن نصنع التاريخ معا. فلنوحد قوانا ليس فقط لردع قدرات إيران النووية، ولكن لمساعدة المتظاهرين الإيرانيين ـ بكل طريقة ممكنة ـ على الإطاحة بالنظام في طهران. ولنقم، أنت وأنا، بصياغة اتفاقية سلام بين إسرائيل والسعودية. هيا نفعل ذلك وعندئذ سوف أتخلص من هؤلاء المجانين.
وإنني أحيي هذين الهدفين من أهداف السياسة الخارجية، ولكني لا أحب أن يكون ثمنهما أن تتعامى الولايات المتحدة عن انقلاب نتانياهو القضائي. فلو أن بوسعنا أن نفعل ذلك فإننا كمن يزرع الريح لكي لا يجني إلا العاصفة.
إسرائيل والولايات المتحدة صديقتان. لكن اليوم أحد طرفي هذه الصداقة ـ أي إسرائيل ـ يغير شخصيته الأساسية. وعلى الرئيس بايدن، بأرق الطرق وأوضحها أيضا، أن يعلن أن هذه التغييرات تنتهك مصالح أمريكا وقيمها وأننا لن نكون لنتانياهو حفنة من الحمقى النافعين الذين يكتفون بالجلوس في صمت.
* توماس فريدمان كاتب عمود رأي في الشؤون الخارجية في جريدة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب 'الطريق من بيروت إلى القدس'
** 'خدمة نيويورك تايمز' ترجمة خاصة بجريدة عمان
لو أن بوسعي أن أضع مذكرة على طاولة الرئيس بايدن بشأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فأنا أعرف بالضبط كيف ستكون بدايتها:
عزيزي السيد الرئيس، لا أعرف إن كان لك اهتمام بالتاريخ اليهودي، لكن المؤكد أن التاريخ اليهودي له اهتمام بك أنت اليوم. فإسرائيل على شفا تحول تاريخي من ديمقراطية مكتملة إلى شيء أقل من ذلك، ومن قوة استقرار في المنطقة إلى قوة مزعزعة للاستقرار. وقد تكون أنت الشخص الوحيد القادر على إيقاف رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وائتلافه المتطرف عن تحويل إسرائيل إلى معقل للتعصب مناهض لليبرالية.
سأقول أيضا لبايدن إن إسرائيل، في ما أخشى، تقترب من صراع مدني داخلي خطير. والصراعات المدنية نادرا ما تدور حول السياسة. لكنها تنزع إلى أن تكون حول السلطة. وعلى مدار سنين، كانت الجدالات الضارية في إسرائيل حول اتفاقات أوسلو تتعلق بالسياسة. لكن اليوم، يدور هذا الصدام المضطرم حول السلطة، أي حول من الذي يملك أن يقول لمن كيف يعيش في مجتمع شديد التنوع.
القصة القصيرة: حكومة أرثوذكسية مغالية في النزعة الوطنية، تشكلت بعد أن فاز معسكر نتانياهو في الانتخابات بأضأل هامش من الأصوات (قرابة ثلاثين ألفا من إجمالي 4.7 مليون)، وتقود هذه الحكومة عملية انتزاع للسلطة لا ينظر إليها النصف الآخر من الناخبين باعتبارها عملية فاسدة فقط وإنما باعتبارها أيضا تهديدا لحقوقهم المدنية. ولهذا السبب ارتفع عدد المشاركين في مظاهرة مناهضة للحكومة في العطلة الأسبوعية من خمسمائة إلى ثمانين ألفا.
إن إسرائيل التي عرفها جو بايدن تختفي وتظهر إسرائيل جديدة. فكثير من وزراء هذه الحكومة معادون للقيم الأمريكية، وكلهم تقريبا معادون للحزب الديمقراطي. لقد دبر نتانياهو ووزيره للشؤون الاستراتيجية رون ديرمر مع الجمهوريين لتصميم خطبة نتانياهو سنة 2015 في الكونجرس ضد رغبات وسياسات بايدن والرئيس باراك أوباما. وكانا يودان لو يريان جمهوريا في البيت الأبيض ويفضلان دعم المسيحيين الإنجيلين على اليهود الليبراليين ودعم ولي العهد السعودي على دعم ألكسندريا أوكاسيو كورتيز.
ودونما أدنى شك، لا ينبغي أن ينخدع الرئيس بقولهم 'صديقنا القديم جو'.
قد يتم عرض الأزمة الحالية في إسرائيل على بايدن باعتبارها مسألة دستورية داخلية يجب أن ينأى بنفسه عنها. والأمر على العكس من ذلك. فينبغي أن يتقدم بايدن (مثلما فعل نتانياهو) لأن للنتيجة آثارا مباشرة على مصالح الأمن الوطني الأمريكي. وليست لديَّ أي أوهام حيال قدرة بايدن على تغيير أشد النزعات تطرفا مما يظهر في إسرائيل اليوم، لكن بوسعه أن يدفع الأمور إلى مسار أصح، وربما أن يمنع حدوث الأسوأ، بقليل من الحب الحازم الذي لا يملكه أي طرف خارجي آخر.
هذه هي الأزمة الأكثر إلحاحا: لقد كانت محاكم إسرائيل، وعلى رأسها المحكمة العليا، هي الحامية الأشد ضراوة لحقوق الإنسان، وبخاصة حقوق الأقليات. وتتضمن هذه الأقليات المواطنين العرب، والمواطنين المثليين وحتى اليهود الإصلاحيين والمحافظين الراغبين في مثل ما ينعم به اليهود الأرثوذكس والمتطرفون من الأرثوذكس من حرية وحقوق في الممارسات الدينية. فضلا عن ذلك، ولأن المحكمة العليا تراجع أفعال جميع الفروع التنفيذية، ومنها الجيش، فقد كانت كثيرا ما تحمي حقوق الفلسطينيين، ومن ذلك توفيرها الحماية من انتهاكات المستوطنين الإسرائيليين والمصادرة غير الشرعية لأملاكهم الخاصة.
ولكن حكومة نتانياهو هذه تسعى إلى تبديل راديكالي في وضع الضفة الغربية، بضمها عمليا، ودونما إعلان رسمي عن ذلك. ولا تواجه الخطة غير عقبة كبيرة واحدة تتمثل في محكمة إسرائيل العليا والمؤسسات القانونية.
وبحسب إيجاز جريدة 'تايمز أوف إسرائيل'، فإن من شأن الإصلاح القضائي الذي يعتزم نتانياهو إجراءه من خلال الكينيست أن 'يمنح الحكومة سيطرة كاملة على تعيين القضاة، ومنهم قضاة المحكمة العليا' متبعا عملية تعيين قضائي أقل احترافية وحيادية. وسوف يؤدي الإصلاح أيضا إلى تقييد كبير 'لقدرة المحكمة العليا على إلغاء التشريعات' ـ وبخاصة التشريعات التي قد تقيد حقوق الأقليات في إسرائيل ـ 'ويمكِّن الكينيست' الخاضع حاليا لسيطرة نتانياهو 'من إعادة إصدار' قوانين ألغتها المحكمة.
ومن شأن الإصلاح أيضا أن يقلص استقلال الرقابة القانونية على كل وزارة في الحكومة: فبدلا من تقديم القضاة تقاريرهم للنائب العام سوف يكونون معينين من قبل كل وزير.
باختصار، الجناح التنفيذي في إسرائيل سوف يتولى السيطرة على القضاء. وهذا مأخوذ مباشرة من كتاب قواعد لعب الأغلبية التركي المجري، وبخاصة حينما تأخذون بعين الاعتبار أمرا آخر، وهو أن ذلك كله يجري في الوقت الذي يشهد محاكمة نتانياهو نفسه بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في ثلاث قضايا رفعها نائبه العام نفسه.
في مطلع الشهر الحالي، نشر وزير دفاع يميني سابق في حكومة لنتانياهو ورئيس سابق لأركان الجيش الإسرائيلي هو موشيه يعالون تغريدة قال فيها إن 'إصلاحات' نتانياهو القضائية كشفت 'النوايا الحقيقية لمتهم جنائي مستعد لإحراق البلد كله وقيمه... هربا من قفص الاتهام... فمن كان يصدق أنه بعد أقل من ثمانين سنة على الهولوكوست التي حلت بشعبنا أن تأتي حكومة إجرامية متعصبة فاشية فاسدة فتتشكل في إسرائيل بهدف إنقاذ مجرم متهم'.
وبالطبع يقول نتانياهو إن ذلك أبعد ما يكون عما يجول بخاطره....
لأن إسرائيل بلا دستور رسمي فهي محكومة بموجب مجموعة شديدة التعقيد من الضوابط والتوازنات القانونية التي تطورت على مدار العقود. وقد أخبرني خبراء قانونيون بأن ثمة حجة لإدخال بعض التغييرات على القضاء. ولكن القيام بذلك على طريقة نتانياهو، وليس وفقا لإجماع وطني غير حزبي، وإنما بتجريد المحكمة العليا من السلطات من خلال أكثر الحكومات تطرفا في تاريخ إسرائيل ومعرفة أن قضية نتانياهو الجنائية قد تنتهي أمام المحكمة العليا، أمر تنبعث منه رائحة كريهة فتبلغ عنان السماء.
ولتقريب الأمر للأمريكيين فإن الأمر أشبه بريتشارد نيكسن لو كان قد حاول أن يضيف إلى المحكمة العليا قضاة موالين له للتحقيق الجنائي في فضيحة ووترجيت.
لقد أعلنت الرئيسة الحالية للمحكمة العليا في إسرائيل إستر حايوت الأسبوع الماضي أن إصلاح نتانياهو المقترح 'سوف يحطم النظام القضائي وأنه في حقيقته هجوم جامح'. فضلا عن ذلك، وقعت جماعات مؤلفة من متقاعدين من طياري القوات الجوية والمسؤولين التقنيين والمحامين والقضاة المتقاعدين من اليسار واليمين ومنهم بعض قضاة المحكمة العليا المتقاعدين على رسائل تفيد مثل ذلك.
لقد أعطت الولايات المتحدة لإسرائيل كميات استثنائية من المساعدات الاقتصادية، والمعلومات الاستخباراتية الحساسة، وأكثر أسلحتنا تقدما، ودعما فوريا دائما ضد القرارات المنحازة في الأمم المتحدة. وأنا شخصيا أدعم ذلك. كما أننا طالما عارضنا أي إجراء قانوني من المؤسسات الدولية، بناء على حجة أن لإسرائيل نظاما قضائيا مستقلا، يطبِّق بمصداقية ـ ليس في جميع الحالات ولكن في أكثرها ـ قواعد القانون الدولي على حكومة إسرائيل وجيشها، حتى حين كان معنى ذلك أن يحمي حقوق الفلسطينيين.
قبل أن ينجح نتانياهو في وضع محكمة إسرائيل العليا تحت سطوته، يحتاج بايدن إلى أن يقول له بعبارات لا لبس فيها:
بيبي، أنت تتلاعب بالمصالح والقيم الأمريكية. وينبغي أن أعرف منك بضعة أمور الآن، ويجب أن تعرف أنت مني بضعة أمور. ينبغي أن أعرف: هل سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية مسألة احتلال مؤقت أم بداية ضم مثلما يدعو بعض أعضاء ائتلافك؟ لأنني لن أتساهل في ذلك. ينبغي أن أعرف لو أنك بالفعل في طريقك إلى أن تضع المحاكم تحت سلطتك السياسة بحيث تجعل إسرائيل أشبه بتركيا أو المجر، لأنني لن أتساهل في ذلك. ينبغي أن أعرف لو أن وزراءك المتطرفين سوف يغيرون الوضع القائم في الحرم القدسي لأن من شأن ذلك أن يتسبب باضطراب في الأردن والسلطة الفلسطينية والاتفاقات الإبراهيمية وهو ما سيلحق ضررا كبيرا بالمصالح الأمريكية. وأنا لن أتساهل في هذا.
وإليكم تخميني لما قد يكون عليه رد نتانياهو:
جو، جوي، صديقي القديم، لا تضغط عليّ في هذه الأمور الآن. أنا الوحيد الذي يكبح أولئك المجانين. أنت وأنا يا جو، بوسعنا أن نصنع التاريخ معا. فلنوحد قوانا ليس فقط لردع قدرات إيران النووية، ولكن لمساعدة المتظاهرين الإيرانيين ـ بكل طريقة ممكنة ـ على الإطاحة بالنظام في طهران. ولنقم، أنت وأنا، بصياغة اتفاقية سلام بين إسرائيل والسعودية. هيا نفعل ذلك وعندئذ سوف أتخلص من هؤلاء المجانين.
وإنني أحيي هذين الهدفين من أهداف السياسة الخارجية، ولكني لا أحب أن يكون ثمنهما أن تتعامى الولايات المتحدة عن انقلاب نتانياهو القضائي. فلو أن بوسعنا أن نفعل ذلك فإننا كمن يزرع الريح لكي لا يجني إلا العاصفة.
إسرائيل والولايات المتحدة صديقتان. لكن اليوم أحد طرفي هذه الصداقة ـ أي إسرائيل ـ يغير شخصيته الأساسية. وعلى الرئيس بايدن، بأرق الطرق وأوضحها أيضا، أن يعلن أن هذه التغييرات تنتهك مصالح أمريكا وقيمها وأننا لن نكون لنتانياهو حفنة من الحمقى النافعين الذين يكتفون بالجلوس في صمت.
* توماس فريدمان كاتب عمود رأي في الشؤون الخارجية في جريدة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب 'الطريق من بيروت إلى القدس'
** 'خدمة نيويورك تايمز' ترجمة خاصة بجريدة عمان