أفكار وآراء

روافع شبكة الأمان الاجتماعي

تجد الدول اليوم نفسها أمام رهان مُلحٍ بتقوية وإرساء شبكات أمان اجتماعي فاعلة ومتكاملة العناصر ومستديمة التمويل نتيجة عدد من المتغيرات التي يتصدرها الانحرافات المباشرة وغير المباشرة التي ينتجها مسار السياسة الاقتصادية، في ظل عالم يسوده التقلب والتشابك وتقاطعات التأثير وعدم اليقين الاقتصادي. ومفهوم شبكات الأمان الاجتماعي بحسب تعريف صندوق النقد العربي هي: 'مجموعة من الآليات والأنشطة المرتبطة المستخدمة لتحقيق الاستقرار للأفراد والجماعات، وتحرير الإنسان من الحاجة والحرمان، والحد من خسائرة، وحمايته من الأخطار الداخلية والخارجية التي قد يتعرض لها، سواء كانت من صنع الإنسان 'كالأزمات المالية والركود الاقتصادي' أو طبيعية 'كالجفاف والأوبئة'. وتتجذر قوة شبكة الأمان الاجتماعي في عدة عناصر، منها قوة الإطار القانوني والتشتريعي الذي تقوم عليه، ومستوى تكاملية برامجها، وطبيعة التمويل ومدى استدامته لعناصر وبرامج الشبكة، ومدى وجود روافع اجتماعية مساندة لعمل الشبكة، وقدرتها على تحويل الأفراد المستفيدين منها إلى حالة الكفاف والانتاج والتخارج من دعم الشبكة.

وفي السياق المحلي، فإن عمل التكوينات المرتبطة بالجوانب الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة بالخدمات والرعاية الاجتماعية يعتبر أحد الروافع المهمة لمتانة شبكة الأمان الاجتماعي. ولذلك فإن جزء من التوجيهات السامية الكريمة بمناسبة تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق – أيده الله – مقاليد الحكم في البلاد جاءت مركزة على دعم الدور الذي تقوم به هذه الروافع من خلال التوجيه بـ:

- تقديم دعم مالي للفرق الخيرية التابعة للجان التنمية الاجتماعية بجميع الولايات وتكريم المتطوعين العاملين فيها.

- تقديم دعم مالي للجمعيات الخيرية الداعمة لجهود وزارة التنمية الاجتماعية.

وهذه التوجيهات تأتي امتداد لتوجيهات سابقة، شملت تقديم دعم مالي لجمعيات المرأة العُمانية والفروع التابعة لها ومبادرة لدعم الأسر المعسرة، ومساعدات إضافية لحالات المساعدات الاجتماعية، بالإضافة إلى ما تم التوجيه به لدعم أسر الضمان الاجتماعي والدخل المحدود خلال الثلاثة أعوام المنصرمة. كل هذه التوجيهات في تقديرنا تتأتى في سياق تعضيد عمل شبكة الأمان الاجتماعي والتي سيكملها قانون الحماية الاجتماعية المنتظر لتكتمل بذلك عناصر (السياسة الاجتماعية) كأحد ركائز النموذج التنموي الراهن في سلطنة عُمان والذي يمكن تحديد أبعاده في ثلاثة أبعاد رئيسية: سياسات مالية واقتصادية هادفة للتوازن والاستدامة – تنمية شاملة بصلاحيات تقودها اللامركزية – منظومة حماية اجتماعية مرنة ومتماسكة.

بحسب الأدبيات فإن تقوية شبكة الأمان الاجتماعي هو ضامن رئيس لتحقيق عدة مقتضيات في السياسة الاجتماعية منها: الضمانات العادلة لتوزيع الدخل على المستوى الوطني، وعدم ترك قطاع/ فئة/ شريحة اجتماعية تتخلف عن ركب النمو العادل، بالإضافة إلى الحماية من المخاطر الاجتماعية أو تقليل أثارها أو تخفيف احتمالات حدوثها بالنسبة للفئات الاجتماعية المختلفة، إضافة إلى ضمان استهداف الفئات الأكثر احتياجًا، كما أن وجود شبكة أمان اجتماعي قوية وفاعلة يضمن تقليص الفجوة بين الشرائح والفئات الاجتماعية ويوسع الفرص المتاحة لكل فئات المجتمع وتركيباته للمشاركة المتوازنة في الانتاج والتنمية. ولذلك فإن صورة المجتمع الذي تتقلص فيه الفوراق وينعم فيه كافة الأفراد بفرص النمو والمشاركة هو الهدف الأسمى لأي شبكة أمان اجتماعي. في أحدث التقارير الصادرة عن The Deloitte Center for Government Insights حول إعادة تصور دور شبكات الأمان الاجتماعي، يُجمع المؤلفون أن هناك أربعة اتجاهات تدفع اليوم نحو إعادة هيكلة شبكات الأمان الاجتماعي والتركيز عليها خاصة بعد كوفيد 19 وهي:

• الاضطراب الاقتصادي الناجم عن COVID-19 والذي ترك العديد من شرائح سكان العالم معرضة للخطر حديثًا، ولا سيما الملايين من العمال ذوي الأجور المنخفضة.

• تزايد الطلب على الرعاية الاجتماعية بسبب شيخوخة السكان ، وتزايد التشرد، وانعدام الأمن الغذائي ، فضلاً عن زيادة انتشار قضايا الصحة العقلية وتعاطي المخدرات.

• تدهور جودة الوظائف على مدى العقود القليلة الماضية.

• نظرة الحكومات إلى أهمية تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي الخاصة بها دون التضحية بأولويات مهمة أخرى.

وفي تقديرنا فإن المؤسسات المجتمعية سالفة الذكر يمكن أن تعزز دورها في خدمة شبكة الأمان الاجتماعي من خلال مقاربتين، الأولى من خلال تطويرها لبنية البيانات الخاصة بمجال عملها مما يؤهلها لدقة الاستهداف وتطوير أنشطتها ومعرفة الفجوات وتنسيق الجهود سواء كان مع المكون الرسمي لشبكة الأمان الاجتماعي أو مع التكوينات من الفرق والجمعيات واللجان الأخرى. كما أنه يمكن النظر في إيجاد حوكمة وطنية تربط (المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات القطاع الخاص والشركات الحكومية) بمجالات وأنشطة هذه المؤسسات وأن تكون هناك أجندة وطنية واضحة تحددها هذه الحكومة ومسارات دعم ممنهجة تصب في المقام الأول في خدمة أنشطتها الداعمة لتقوية شبكة الأمان الاجتماعي. ونحن لا نتحدث هنا عن حصر تدفقات المسؤولية الاجتماعية في دعم الجمعيات وحدها وإنما نتحدث عن مخصصات أو نسب معقولة سنويًا يمكن توجيهها وفق (إطار) محدد لدعم تقوية شبكة الأمان الاجتماعي.

في الواقع فإن كل الدلائل اليوم تشير إلى أن وجود شبكة أمان اجتماعي قوية وفاعلة ركيزة أساسية للنمو العادل. أشار التقييم الذي أجراه كل من جاستن شفايتزر وبرادلي هاردي والكسندرا كاوثورن جاينز حول عدالة شبكة الأمان الاجتماعية إقليميًا في الولايات المتحدة الأمريكية أن برامج شبكات الأمان الاجتماعي التي حظيت بتمويل ودعم مستمر ومستدم أسهمت في عدة نتائج على مستوى الأسر الأمريكية منها:

- تحسين النتائج الصحية والتعليمية والوظيفية الفورية والطويلة الأجل للبالغين والأطفال في تلك العائلات.

- تحسين مستويات الأمن الغذائي والتغذية.

- أظهر البالغون الذين تلقوا حزم دعم اجتماعية كأطفال نتائج صحية أفضل في مرحلة البلوغ عبر مجموعة من العوارض بما في ذلك السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم.