وقْف نمو الصين لا يمكن أن يكون هدفا للغرب
الأربعاء / 10 / جمادى الآخرة / 1444 هـ - 17:23 - الأربعاء 4 يناير 2023 17:23
Pundits, Professors and their Predictions: Gideon Rachman
ترجمة قاسم مكي_
هل نريد من الصين أن تفشل؟ برز هذا السؤال في حلقة مُدارَسة لواضعي السياسات والمعلقين الغربيين حضرتُها مؤخرا.
كانت المجموعة تقلِّب أوراق تقرير عن العام الجديد عندما سأل أحد أفرادها لماذا كان أحدُ الأخطار المدرجة في التقرير لعام 2023 تباطؤا حادا في نمو الصين. سأل السائل: أليس ذلك (التباطؤ) هو ما نريده أن يحدث؟
هذا سؤال وجيه. فالرئيس الأمريكي ذكر مرارا أنه مستعد للذهاب إلى الحرب مع الصين للدفاع عن تايوان. ويعتبر الاتحاد الأوروبي الصين منافسا استراتيجيا. كما تدرس بريطانيا رسميا إطلاق صفة 'المهدد' على الصين. بالتأكيد إذا كنت تعتبر بلدا ما 'مهددا' لن ترغب في أن ترى اقتصاده وهو ينمو بسرعة. أو ... ربما سترغب في ذلك.
واقع الحال، أولئك الذين يعتقدون أن استمرار نجاح الاقتصادي الصيني يخدم مصالح الغرب لديهم حجج معقولة.
أولا، الصين جزء ضخم من اقتصاد العالم. وإذا أردت أن تدخُل الصين في انكماش اقتصادي فأنت إذن قريب جدا من أن ترغب في دخول اقتصاد العالم أيضا في انكماش. وإذا انهارت الصين (مثلا إذا انهار قطاعها العقاري) ستنتشر آثار ذلك الانهيار في النظام المالي العالمي.
ثم هنالك السؤال الأخلاقي. يوجَد أكثر من 1.4 بليون صيني لا يزال العديد منهم فقراء. هل أنت سعيد برغبتك في أن تراهم يزدادون فقرا؟
إلى ذلك، يشكل كل من الطلب الاستثمار من الصين أهمية بالغة لبلدان في إفريقيا والأمريكتين. هل تريد أن تزداد هذه البلدان فقرا أيضا؟
حقيقة أن مثل هذا الجدل يدور على الإطلاق تقول لنا شيئا عن التشويش الحالي في العواصم الغربية. إذا تحدثنا بشكل عام هنالك نموذجان للنظام العالمي يتعاركان في عقول واضعي السياسات الغربيين. أحدهما نموذج قديم يرتكز على العولمة. والآخر جديد يتمحور حول تنافس القوى العظمى.
النموذج القديم يؤكد على الاقتصاد وما يسميه الصينيون 'التعاون المفيد للجانبين '. حجة هذا النموذج أن الاستقرار الاقتصادي والنمو جيدان لكل أحد وأنه إضافة لذلك يشجع على العادات المفيدة للتعاون الدولي حول القضايا البالغة الأهمية مثل التغير المناخي.
أما حجة النموذج الجديد فهي أن الصين الأكثر ثراء تحولت لسوء الحظ إلى الصين الأكثر تهديدا. فبيجينج ضخَّت المال في بناء قدراتها العسكرية. ولديها طموحات في التوسع الجغرافي تشكل تهديدا لتايوان والهند واليابان والفلبين وبلدان أخرى.
حسب وجهة النظر هذه ما لم تتغير طموحات الصين أو تُكبَح سيتهدد السلم والازدهار في العالم. عزز هجوم روسيا على أوكرانيا والاصطفاف الوثيق بين صين شي جينبينج وروسيا فلاديمير بوتين الاعتقاد بأن أفضل العدسات التي يمكن أن يُرى من خلالها العالم هي تلك التي تركز على تنافس القوى العظمى.
لسوء الحظ هذا ليس جدلا يمكن الفصل فيه لأن كلا وجهتي النظر تحتويان عناصر من الحقيقة. فالصين التي تفشل يمكن أن تكون مهددا لاستقرار العالم. كما يمكن أن تهدد الصين التي تنجح استقرارَ العالم أيضا طالما ظلت تحت إدارة قومية وسلطوية.
الطريقة التي يمكن أن يحسم بها صانعو السياسات الغربيون هذا الجدل هي أن يطرحوا سؤالا مختلفا. هذا السؤال يجب ألا يكون: هل نحن نريد من الصين أن تفشل أو تنجح؟ ولكن: كيف يمكننا التعامل مع الصعود المستمر للصين؟
طرحُ السؤالِ بهذه الطريقة يتجنب وضع السياسات على أساس شيء خارج سيطرة المسؤولين الغربيين. لن يكون من الحكمة للأمريكيين والأوروبيين افتراض أن الصين تتجه نحو الفشل مثلما ليس من الواقعية للصين أن تضع سياساتها تجاه أمريكا على أساس فكرة أن أمريكا ربما تنهار.
من الواضح أن الصين وأمريكا تواجهان تحديات داخلية كبيرة. وهي تحديات من الممكن في حال تحقق السيناريو الأسوأ أن تفوق قدراتهما. لكن سيكون من الحمق لأي من الجانبين افتراض تلك النتيجة.
بدلا من محاولة جعل الصين أكثر فقرا أو عرقلة نموِّها يجب أن تركز السياسة الغربية على البيئة الدولية التي تبرز فيها الصين الأكثر ثراء وقوة. يجب أن يكون الهدف صياغة نظام عالمي يجعل اتباع سياسات عدائية أقل جاذبية للصين.
تلك المقاربة لديها عناصر عسكرية وتقنية واقتصادية ودبلوماسية. لقد كانت الولايات المتحدة أكثر فعالية في تقوية شبكة روابطها الأمنية مع بلدان مثل اليابان والهند وأستراليا.
جهود واشنطن لمنع الصين من أن تكون واضعة المعايير التقنية تكتسب زخما. لكن تنسيق هذه الجهود مع الحلفاء الذين يخشون على مصالحهم الاقتصادية سيكون بالغ الصعوبة.
الولايات المتحدة أضعف ما تكون في مجالي الاقتصاد والتجارة. والصين صارت أكبر شريك تجاري لمعظم البلدان في منطقة المحيط الهندو- باسيفيكي. إلى ذلك، المزاج 'الحمائي' المتزايد لأمريكا وعجزها عن عقد صفقات تجارية جديدة ومهمة في آسيا يجعلان عرض واشنطن المضاد (لعرض الصين) يبدو أقل إقناعا.
كذلك معركة الأفكار مهمة. فكما أوضحت حرب أوكرانيا عمليا هنالك شكوك عميقة في أجزاء كبيرة من العالم بشأن الدوافع الغربية حتى في معارضة الحرب التي تشنها روسيا.
هذا هو السبب في ضرورة أن تكون الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي واضحة لنفسها وللآخرين بأن هدفها ليس منع الصين من أن تكون أكثر ثراء ولكن منع استخدام ثروتها المتزايدة لتهديد جيرانها أو ترويع شركائها التجاريين. هذه السياسة لها ميزتان. فهي يمكن الدفاع عنها. كما أنها ذات جدوى.
جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز.
ترجمة خاصة لـ 'عمان'
هل نريد من الصين أن تفشل؟ برز هذا السؤال في حلقة مُدارَسة لواضعي السياسات والمعلقين الغربيين حضرتُها مؤخرا.
كانت المجموعة تقلِّب أوراق تقرير عن العام الجديد عندما سأل أحد أفرادها لماذا كان أحدُ الأخطار المدرجة في التقرير لعام 2023 تباطؤا حادا في نمو الصين. سأل السائل: أليس ذلك (التباطؤ) هو ما نريده أن يحدث؟
هذا سؤال وجيه. فالرئيس الأمريكي ذكر مرارا أنه مستعد للذهاب إلى الحرب مع الصين للدفاع عن تايوان. ويعتبر الاتحاد الأوروبي الصين منافسا استراتيجيا. كما تدرس بريطانيا رسميا إطلاق صفة 'المهدد' على الصين. بالتأكيد إذا كنت تعتبر بلدا ما 'مهددا' لن ترغب في أن ترى اقتصاده وهو ينمو بسرعة. أو ... ربما سترغب في ذلك.
واقع الحال، أولئك الذين يعتقدون أن استمرار نجاح الاقتصادي الصيني يخدم مصالح الغرب لديهم حجج معقولة.
أولا، الصين جزء ضخم من اقتصاد العالم. وإذا أردت أن تدخُل الصين في انكماش اقتصادي فأنت إذن قريب جدا من أن ترغب في دخول اقتصاد العالم أيضا في انكماش. وإذا انهارت الصين (مثلا إذا انهار قطاعها العقاري) ستنتشر آثار ذلك الانهيار في النظام المالي العالمي.
ثم هنالك السؤال الأخلاقي. يوجَد أكثر من 1.4 بليون صيني لا يزال العديد منهم فقراء. هل أنت سعيد برغبتك في أن تراهم يزدادون فقرا؟
إلى ذلك، يشكل كل من الطلب الاستثمار من الصين أهمية بالغة لبلدان في إفريقيا والأمريكتين. هل تريد أن تزداد هذه البلدان فقرا أيضا؟
حقيقة أن مثل هذا الجدل يدور على الإطلاق تقول لنا شيئا عن التشويش الحالي في العواصم الغربية. إذا تحدثنا بشكل عام هنالك نموذجان للنظام العالمي يتعاركان في عقول واضعي السياسات الغربيين. أحدهما نموذج قديم يرتكز على العولمة. والآخر جديد يتمحور حول تنافس القوى العظمى.
النموذج القديم يؤكد على الاقتصاد وما يسميه الصينيون 'التعاون المفيد للجانبين '. حجة هذا النموذج أن الاستقرار الاقتصادي والنمو جيدان لكل أحد وأنه إضافة لذلك يشجع على العادات المفيدة للتعاون الدولي حول القضايا البالغة الأهمية مثل التغير المناخي.
أما حجة النموذج الجديد فهي أن الصين الأكثر ثراء تحولت لسوء الحظ إلى الصين الأكثر تهديدا. فبيجينج ضخَّت المال في بناء قدراتها العسكرية. ولديها طموحات في التوسع الجغرافي تشكل تهديدا لتايوان والهند واليابان والفلبين وبلدان أخرى.
حسب وجهة النظر هذه ما لم تتغير طموحات الصين أو تُكبَح سيتهدد السلم والازدهار في العالم. عزز هجوم روسيا على أوكرانيا والاصطفاف الوثيق بين صين شي جينبينج وروسيا فلاديمير بوتين الاعتقاد بأن أفضل العدسات التي يمكن أن يُرى من خلالها العالم هي تلك التي تركز على تنافس القوى العظمى.
لسوء الحظ هذا ليس جدلا يمكن الفصل فيه لأن كلا وجهتي النظر تحتويان عناصر من الحقيقة. فالصين التي تفشل يمكن أن تكون مهددا لاستقرار العالم. كما يمكن أن تهدد الصين التي تنجح استقرارَ العالم أيضا طالما ظلت تحت إدارة قومية وسلطوية.
الطريقة التي يمكن أن يحسم بها صانعو السياسات الغربيون هذا الجدل هي أن يطرحوا سؤالا مختلفا. هذا السؤال يجب ألا يكون: هل نحن نريد من الصين أن تفشل أو تنجح؟ ولكن: كيف يمكننا التعامل مع الصعود المستمر للصين؟
طرحُ السؤالِ بهذه الطريقة يتجنب وضع السياسات على أساس شيء خارج سيطرة المسؤولين الغربيين. لن يكون من الحكمة للأمريكيين والأوروبيين افتراض أن الصين تتجه نحو الفشل مثلما ليس من الواقعية للصين أن تضع سياساتها تجاه أمريكا على أساس فكرة أن أمريكا ربما تنهار.
من الواضح أن الصين وأمريكا تواجهان تحديات داخلية كبيرة. وهي تحديات من الممكن في حال تحقق السيناريو الأسوأ أن تفوق قدراتهما. لكن سيكون من الحمق لأي من الجانبين افتراض تلك النتيجة.
بدلا من محاولة جعل الصين أكثر فقرا أو عرقلة نموِّها يجب أن تركز السياسة الغربية على البيئة الدولية التي تبرز فيها الصين الأكثر ثراء وقوة. يجب أن يكون الهدف صياغة نظام عالمي يجعل اتباع سياسات عدائية أقل جاذبية للصين.
تلك المقاربة لديها عناصر عسكرية وتقنية واقتصادية ودبلوماسية. لقد كانت الولايات المتحدة أكثر فعالية في تقوية شبكة روابطها الأمنية مع بلدان مثل اليابان والهند وأستراليا.
جهود واشنطن لمنع الصين من أن تكون واضعة المعايير التقنية تكتسب زخما. لكن تنسيق هذه الجهود مع الحلفاء الذين يخشون على مصالحهم الاقتصادية سيكون بالغ الصعوبة.
الولايات المتحدة أضعف ما تكون في مجالي الاقتصاد والتجارة. والصين صارت أكبر شريك تجاري لمعظم البلدان في منطقة المحيط الهندو- باسيفيكي. إلى ذلك، المزاج 'الحمائي' المتزايد لأمريكا وعجزها عن عقد صفقات تجارية جديدة ومهمة في آسيا يجعلان عرض واشنطن المضاد (لعرض الصين) يبدو أقل إقناعا.
كذلك معركة الأفكار مهمة. فكما أوضحت حرب أوكرانيا عمليا هنالك شكوك عميقة في أجزاء كبيرة من العالم بشأن الدوافع الغربية حتى في معارضة الحرب التي تشنها روسيا.
هذا هو السبب في ضرورة أن تكون الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي واضحة لنفسها وللآخرين بأن هدفها ليس منع الصين من أن تكون أكثر ثراء ولكن منع استخدام ثروتها المتزايدة لتهديد جيرانها أو ترويع شركائها التجاريين. هذه السياسة لها ميزتان. فهي يمكن الدفاع عنها. كما أنها ذات جدوى.
جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز.
ترجمة خاصة لـ 'عمان'