أفكار وآراء

حصاد اقتصاد عُمان 2022

استكمالا لمقالات سابقة تحدّثنا فيها عن خطط الحكومة الاقتصادية الناجحة والفاعلة التي ساعدت الاقتصاد العُماني على عبور مرحلة الأزمات الاقتصادية والعجوزات المالية التي أثرت على أدائه ونموّه وتطوّره خلال السنوات الماضية، لنبدأ مقالات عام 2023م بالحديث عن حصاد اقتصاد عُمان لعام 2022م والنتائج العظيمة التي تحققت، والمؤشرات الإيجابية التي واصل الاقتصاد حصادها عبر تفعيل أدوات السياسات الاقتصادية، مما مكّن الاقتصاد العُماني على عبور المرحلة الحرجة والعصيبة التي مرّ بها خلال السنوات الماضية جراء سلسلة من الأزمات الاقتصادية بدءًا من أزمة انخفاض أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 لأكثر من 70% مرورا بتفشي جائحة كورونا (كوفيد19) وصولا إلى نشوب الصراع الروسي-الأوكراني الذي أربك مساعي الإصلاحات الاقتصادية للدول مما قوّض من فاعلية بعض الخطط الاقتصادية والمالية، إلا أن ارتفاع أسعار النفط عالميا ساعد في تسريع وتيرة التعافي الاقتصادي في الدول المصدّرة للنفط تمثّل في تقليل العجوزات المالية المستمرة في ميزانياتها، وإعادة جدولة الديون الأخرى كون التصنيف الائتماني تحسّن كثيرا مما ساعد على انخفاض كلفة الدين وتسديد دفعات مستحقة قبل موعدها.

سلطنة عُمان نجحت في الاستفادة من الوفورات المالية جراء ارتفاع أسعار النفط لأكثر من 100% مقارنة بالسعر المعتمد في الميزانية العامة للدولة لعام 2022 في تخفيض الدين العام للدولة إلى نحو 17 مليار ريال عُماني بنسبة 43% من الناتج المحلي الإجمالي عبر تسديد نحو 3 مليارات ريال عُماني ليتحسّن تصنيف سلطنة عُمان الائتماني كثيرا مع نظرة مستقبلية مستقرة، إذ أصبح الاقتصاد العُماني من أسرع الاقتصادات نموا في المنطقة، وتحسّن الوضع المالي والاقتصادي ليرتفع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بنسبة 32.4% ليبلغ نحو 45 مليار ريال عُماني عام 2022م مقارنة بنحو 34 مليار ريال عُماني عام 2021م نتيجة فاعلية أدوات السياسات النقدية والمالية المتبعة للعبور بالاقتصاد إلى مرحلة الأمان والاستدامة، ومع استمرار فاعلية خطط الحكومة الاقتصادية والمالية للتعامل مع الصدمات الاقتصادية الناتجة عن مختلف الأزمات واصلت الميزانية العامة للدولة لعام 2022م تحقيق وفورات مالية بأكثر من مليار ريال عُماني لأول مرة منذ سنوات طويلة مدعومة بسياسة الحكومة في تجويد الإنفاق الحكومي، وإعادة توجيه دعم المحروقات والكهرباء والمياه للفئات المستهدفة في نظام الدعم الوطني في إطار توفير الحماية الاجتماعية لهم من المتغيرات الاقتصادية عالميا مثل ارتفاع معدّل التضخم الناتج عن الارتفاع العام لأسعار المنتجات الاستهلاكية المستوردة.

أما فيما يتعلّق بالاستثمارات الأجنبية المباشرة في سلطنة عُمان، فقد ارتفعت بنسبة 17.4% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي 2021م ليبلغ 18 مليار ريال عُماني حتى نهاية النصف الأول من العام الجاري 2022م بفضل الجهود الحكومية المستمرة في تهيئة المناخ المناسب للمستثمرين عبر إطلاق جملة من الحوافز لجلب الاستثمارات الأجنبية، وإطلاق برامج عدد من البرامج مثل البرنامج الوطني للاستثمار، وتنمية الصادرات العُمانية 'نزدهر'، وبرنامج إقامة مستثمر إضافة إلى إطلاق بوابة 'استثمر بسهولة'، إذ من المتوقع أن تسهم هذه البرامج في تحفيز الاستثمار في مختلف المحافظات خاصة، وأن الحكومة تواصل استكمال المشروعات التنموية، إضافة إلى إنشاء مشروعات تنموية أخرى.

فقد شهد عام 2022م تحسنا كبيرا للاقتصاد العُماني بفضل سياسات الحكومة وجهودها المتواصلة للتعامل مع الأزمات الاقتصادية التي أثّرت على نموّه وتطوّره خلال السنوات الماضية مدعوما بالتعديلات في هيكلية الاقتصاد العُماني، وارتفاع أسعار النفط عالميا، مما أدى إلى تحسّن مؤشرات الاقتصاد الكلي في سلطنة عُمان، إضافة إلى تحسّن أداء المالية العامة للدولة مع التوقعات باستمرار تحسّن الأوضاع الاقتصادية والمالية والتصنيف الائتماني للسلطنة خلال العام الجاري 2023م مع استمرار مبادرات الاستدامة المالية وخطة التحفيز الاقتصادي، إذ أشار سعادة الدكتور وكيل وزارة الاقتصاد خلال حوار مع صحيفة أثير الإلكترونية حديثا للحديث حول أداء الاقتصاد العُماني خلال عام 2022م خاصة بعد تأثره بجائحة كوفيد19 خلال عامي 2020م و 2021م إلى أن سلطنة عُمان أحرزت تقدما في مؤشر الصرف العام على البحث والتطوير من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي نتيجة تحسّن منظومة البحث العلمي والابتكار بالسلطنة، إضافة إلى تحسّن المؤشرات المرتبطة بتقنية المعلومات، فحصلت على المركز الخامس عشر في مؤشر الوصول لتقنية المعلومات، وحافظت سلطنة عُمان على ترتيبها بمؤشر الابتكار العالمي ضمن أفضل 10 دول عالميا، وبإذن الله سيشهد عام 2023م مزيدا من التحسن، والنمو للاقتصاد العُماني، وهو العام الثالث للخطة الخمسية العاشرة (2021-2025) التي تعد انطلاقة حقيقية نحو النهوض بالاقتصاد وتطوّره وتوسّعه بفضل السياسات والخطط الاقتصادية والمالية التي أقرتها الحكومة قبل عامين، إضافة إلى الحزم الاقتصادية التحفيزية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ للتخفيف من الآثار السلبية جراء تفشّي جائحة كوفيد19، وارتفاع المديونية العامة للدولة نتيجة العجوزات المالية التي تعرّضت لها الميزانية العامة للدولة منذ سنوات طويلة.

إن توجيه الفائض من الإيرادات المالية العامة للدولة جراء ارتفاع أسعار النفط عالميا بأكثر من 50% من السعر المعتمد في الميزانية العامة للدولة للعام الماضي 2022م، وتحسّن مؤشرات تنويع مصادر الدخل لتشكّل نحو 23% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة للعام الماضي للتقليل من الدين العام للدولة يعد توجها حكيما لخفض الأعباء المالية، ورفع تصنيف سلطنة عُمان الائتماني لمستويات قوية تسهم في جلب المزيد من الاستثمارات الخارجية خاصة وأن الحكومة وجّهت الإيرادات المالية الإضافة في الميزانية العامة للدولة للعام الماضي 2022م نحو تحفيز الاقتصاد العُماني، وتعزيز الإنفاق الاجتماعي مثل دعم تثبيت أسعار الوقود، ودعم مجموعة من السلع الغذائية الاستهلاكية، إذ كان له مردود في تعزيز القوة الشرائية في مختلف منافذ البيع الغذائية، إضافة إلى ثبات معدّل التضخم (المعدل العام للأسعار)، ومع استمرار الدعوم المالية وزيادة الإنفاق لعام 2023م من المتوقع أن يواصل معدل التضخم ثباته، فوفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي أن معدّل التضخم في سلطنة عُمان لن يتجاوز 2%، وتعد النسبة الأقل بين الدول العربية والخليجية.