أعمدة

كلام فنون.. أول ندوة علمية للموسيقى في الجزيرة العربية (2)

 
تكنولوجيا ودبلوماسية موسيقية:

في هذا المقال الثاني والأخير تحت العنوان الرئيسي أعلاه، أتابع التعريف والتعليق على بعض ما جاء في أوراق العمل التي قُدمت في ندوة موسيقى عُمان التقليدية أكتوبر 1985، وذلك بقصد إثارة بعض المسائل المجاورة من جهة، وتذكير أنفسنا نحن المشتغلين في مجال الموسيقى في بلادنا العزيزة بهذه الفعالية البارزة من جهة أخرى.

وكما ذكرت في المقال السابق فإن تكنولوجيا الموسيقى مجال لم نطرق بابه بعد في موسيقانا العُمانية، والمحاولات في هذا السياق فردية ومحدودة حسب علمي وتنحصر في صناعة آلة العود الكهربائي. ولكن اكتساب المزيد من هذه المهارات التقنية وامتلاكها وإنتاجها مرهون في كثير من الحالات بتحقيق نتائج واضحة في علم الموسيقى (الموزيكولوجي) العُمانية والعربية. ومن المعلوم إن هذا العلم يدرس النغمات وعلاقاتها ونسبها والأوزان والضروب الإيقاعية وغير ذلك من المسائل التي من شأنها أن تؤدي إلى تحسين طابع الأصوات النغمية، وضبط سلالم مقاماتها، ورفع مستوى صناعة الآلات الموسيقية والأداء الفني. وقد تطرقت إلى بعض هذه الموضوعات في مقالات سابقة في هذه الزاوية، علما بأن هذا العلم ممتد في الحضارة العربية الإسلامية، وله أعلامه من الفلاسفة والعلماء المنظرين والموسيقيين منذ القرن التاسع الميلادي وربما قبل ذلك. وفي هذه المناسبة أرى إنه قد حان الوقت لتهيئة الواقع التعليمي لنشوء هذه العلوم النظرية والتكنولوجية والبرمجية الموسيقية في بلادنا العزيزة. ولا يوجد حسب علمي في الموسيقى العربية عامة برامج موسيقية حاسوبية خاصة بها للتدوين والتأليف والتوزيع الموسيقي، وهذه البرامج الحاسوبية المستعملة من قبل الموسيقيين العُمانيين والعرب هي تلك المستعملة في الموسيقى الغربية وتهمش قواعد الموسيقى العربية. إن الاهتمام ببرمجيات الموسيقى حاجة عصرية من شأنها أن تسهل على الموسيقيين أمور كثيرة منها مثلا: التدوين والتأليف والتوزيع الموسيقي وحتى التعليم.

معظم أوراق العمل التي قدمت في تلك الندوة التي انعقدت في إطار احتفالات سلطنة عمان بالعيد الوطني الخامس عشر المجيد مهمة، وتحتاج أن يتجدد النقاش فيها، وتطوير بعض الأفكار، وتطبيق ما يلزم منها أو تهيئة الظروف لتطبيقها، ولا بأس أن يأتي ذلك متأخرا فهذا خير ألا يأتي أبدا.

ومن المحاضرات أو أوراق العمل المهمة تلك التي قدمتها الدكتورة روث.م.ستون من الولايات المتحدة الأمريكية بعنوان: ' عُمان والغربة الأفريقية في الغناء والرقص والتعبير الجمالي '. تستعرض الباحثة في ورقتها محطات بارزة من العلاقات التاريخية بين عُمان وشرق أفريقيا منذ القرن العاشر الميلادي، وتركز بشكل خاص على المؤثرات الأفريقية في الموسيقى العُمانية، وتعطي أمثلة باللغة السواحلية من الليوا والمكوارة. وفي الغالب معظم هذه المفردات حسب معلوماتي قديمة جدا لدرجة إن الذين يرددونها لا يعرفون معظم معاني كلماتها أو لا يعرفون معانيها إطلاقا، ولكنها في الوقت نفسه ظلت تتردد وتتوارث من جيل لآخر مع ألحانها وإيقاعاتها وأساليب أدائها، ومن الشلات التي أوردتها الباحثة مثلا:

' يومبو ليو، يومبو

بوانا يومبو ناليا كوسيما سواكي '

علما بأن أرشيف مركز عُمان للموسيقى التقليدية مليء بمثل هذه الشلات ومعظمها في الشوباني والمكوارة والليوا، وقد اعتمدت الباحثة على بعض منها إلى جانب ما حصلت عليه من زيارتها الميدانية لمدينة صحار وصور.

وفي هذه المناسبة أرى أهمية كبيرة وفائدة عظيمة لهذا التراث القديم الذي يمكن استثماره في الدبلوماسية الموسيقية بحيث يمكن أن يشكل مدخلاً مهما لتجديد التواصل مع أفريقيا الشرقية بصفة خاصة عبر إقامة مهرجانات سنوية متبادلة لهذا النوع من الموسيقى بين الطرفين العُماني والأفريقي في سياق توطيد العلاقات الثقافية والتجارية التي بدأت تزداد في الفترة الأخيرة من خلال الزيارات الرسمية المتبادلة التي لاحظناها بين الطرفين العُماني والأفريقي في الفترة الأخيرة.