أعمدة

هوامش... ومتون: مراجعات على عتبة عام جديد

 
ذات يوم دُعيت لحضور اجتماع عقدته مؤسسة صغيرة لمناقشة مشكلة افتراضيّة عمد إلى اختيارها الرئيس التنفيذي للمؤسسة، وطلب من العاملين أن يأتي كل منهم بحلّ لها عن طريق وضع تصور مطبوع يسلّم إلى مكتبه في يوم حدّده، ثم يلتقي بهم ليقدّم كل منهم عرضا مرئيّا (برزنتيشن) لا تتجاوز مدّته ٥ دقائق و٣ دقائق وترك للعاملين حريّة اختيار اللغة المناسبة لتقديم العرض، والتصور مؤكّدا على ارتداء الزيّ المناسب، وتقديم العرض بشكل احترافي، مختتما رسالته التي وجهها لهم عبر البريد الإلكتروني 'سأعتمد على اجتهادكم في تحديد الكثير مما يحتاجه كل منكم لمستقبل العمل، وعليه سأبنى قرارات مستقبلية، فرجاء أن تولوا الموضوع كل اهتمامكم'.

حين حضرت العرض وجدت القاعة الصغيرة التي تتّسع لحوالي 15 شخصا مجهّزة بشاشة عرض و'لاب توب' وموصلات، البعض حضر، مرتديا ملابس رسميّة، وجلس صاحبي على جانب، ثمّ بدأ بمناداة كلّ موظف في المؤسسة، وكان معظمهم من الشباب، ليقدّم عرضه خلال الوقت المحدّد، فيما كان صاحبي يتابع العروض باهتمام، ويدوّن ملاحظاته، وعندما انتهى الجميع من تقديم عرضه، وقف موجّها الشكر على الجهد الذي بذلوه، منبّها إلى نقاط القوّة والضعف التي وجدها في عروضهم المرئيّة.

وصار من الواضح لي أن هدفه من كلّ ذلك تحفيز العاملين في المؤسّسة، وحثّهم على البحث، والتفكير، والقراءة، ومنحهم الثقة بالنفس، والانتماء لبيئة العمل، فالخير الذي يدخل ميزانية المؤسسة يستفيد منه الجميع، والضرر الذي تتعرّض له، يؤذيهم جميعا، فالبحث عن حلول للمشاكل الافتراضية التي تعترض المؤسسة، هي تمارين وقائية، تجعل العاملين على استعداد عند حدوث أية مشكلة حقيقية، فالكلّ في مركب واحد، وحين تكون المفاتيح في أيدي الجميع، فإن الحلول ستصبح ممكنة، خصوصا أن العاملين هم أكثر دراية بها، ومثل هذه اللقاءات الدورية من شأنها أن تؤهّل هذه الكوادر، وتجعلها تفكّر، وكذلك تتيح لها فرصة التدريب على تقديم عروض مرئيّة عبر استخدام برنامج 'البوربوينت' عندما ترسل المؤسسة مندوبين للتسويق لمنتجات تلك المؤسسة، أو عند زيارة أحد المسؤولين أو رجال الأعمال للمؤسسة.

إنّ هذه المراجعات أصبحت ضرورية لكلّ مؤسسة وشركة، فالمؤسسات اليوم مع التقدّم العلمي والتكنولوجي، لم تعد تدار بطريقة عشوائيّة، بل تستند إلى خطط مسبقة وبرامج، وعلى العاملين فيها البحث والدراسة ومعرفة ما يجري في السوق، من مستجدّات، ولابدّ لهم من معرفة علوم التسويق، وطرائقه، ومراجعة الأشواط التي قطعتها المؤسسة، من خلال قراءة الأرقام وما أنجزته المؤسّسة وتقييم أداء العاملين خلال العام الحالي (2022) الذي يجرّ هذه الأيام أذياله مخليا الساحة لعام جديد مليء بالطموحات، والتطلعات، لتجاوز الكبوات والإخفاقات، من خلال فتح باب الحوار، ليخرج الجميع بعد ذلك بروحية جديدة، لأنّها تنتمي لبيئة عمل صحية، فضاءاتها مفتوحة على مستقبل مشرق، وحتى على مستوى الصعيد الشخصي: لماذا فقدنا الرغبة في مراجعة الذات وتقييم ما تحقّق وما لم يتحقق، والبحث عن أسباب الإخفاقات التي حالت دون تحقيق تلك الأهداف؟

من المؤسف، أن الكثيرين لا يضعون خططا شهرية لحياتهم ولا حتى سنوية، ولا يفكرون بتحقيق أي إنجاز، ولو كان صغيرا، وهذا الجانب ينعكس على بيوتهم وعملهم وحياتهم.

هذا النوع من الناس لا يجعلون ليلة رأس السنة مناسبة لمراجعة شريط أحداث عام كامل من حياة قصيرة، بل يعتبرونها مناسبة للاحتفالات، وتلقي وتقديم الهدايا، وإذا كان ماكلولين يوصي بوضع خطّة دقيقة لكلّ نهار يسلخ من عمرنا، عندما قال 'لحياة سعيدة خطّط لنهارك بدقة' فكيف يكون الحال لو وضعنا خطة لعام كامل؟ تلك الخطة بالتأكيد تتطلّب منّا أن نكون أكثر دقّة، ونسعى لتنفيذها لكي لا تكون مجرّد حبر على ورق، فما الجدوى من وضع أفكار لا تخرج إلى حيّز التنفيذ!؟

كما ينبغي علينا أن نتوقّف عند إخفاقاتنا، ونتعلّم من أخطائنا، ونجعلها طريقا لنجاحات قادمة، يقول بورخس:

'أفضل معلم لك آخر أخطائك

ستعرف أنك حقا قوي

وتستحق

ستتعلم وتتعلم

مع كل وداع ستتعلم'

وها نحن نودّع عاما لنفتح الصفحة الأولى من عام جديد لنتعلّم من تجارب العام المنصرم، واضعين خططا جديدة.