المواجهة الأمريكية الصينية لعبة التجارة والاقتصاد
الثلاثاء / 2 / جمادى الآخرة / 1444 هـ - 20:12 - الثلاثاء 27 ديسمبر 2022 20:12
المواجهة الأمريكية-الصينية سواء فيما يخص تايوان أو في بحر الصين الجنوبي أو حتى من خلال التقارب الصيني-الروسي هي مواجهة اقتصادية وتجارية في المقام الأول بصرف النظر عن التوتر بين واشنطن وبكين.
ولعل الباعث على هذا التحليل ينطلق من خلال فلسفة الصين في المقام الأول وهي أن بكين لا تحبذ المواجهات العسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا يعود إلى عوامل موضوعية أهمها أن الخطط الاستراتيجية الصينية تنطلق من مفهوم السيطرة والتمدد في مناطق جغرافية خارج حدود الصين من خلال القوة الناعمة، كما أن هناك عاملًا آخر مهما ينطلق من خلال النظرة الاستراتيجية الصينية، وهو أن تحقق الصين الريادة على مستوى الاقتصاد العالمي وتزيح الولايات المتحدة الأمريكية عن عرش الاقتصاد العالمي خاصة أن الفوارق بين عملاقي الاقتصاد العالمي لم تعد كبيرة خاصة على صعيد الناتج المحلي الإجمالي، بل إن قدرة الصين على استيعاب المصاعب الاقتصادية بسبب فيروس كورونا والتضخم والسيولة النقدية والقدرة على التكيف هي أعلى من الولايات المتحدة الأمريكية التي تعاني من التضخم وزيادة أسعار الطاقة والدخول في صراع عسكري غير مباشر مع روسيا الاتحادية.
إن من مصلحة الصين عدم الدخول في مواجهات عسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع ذلك فأن وجود قوة ردع عسكرية دفاعية هو هدف استراتيجي صيني وهو أمر مشروع في إطار الأمن القومي لأي بلد.
كما أن الصين تنظر إلى مشروعها الحضاري والتجاري في العالم عبر مسار الطريق والحزام الذي يشمل عددا من الدول في القارات الخمس، وأيضًا أصبحت الصين تقدم نفسها كشريك موثوق به لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، وهو الأمر الذي شهدناه في القمة الصينية-الخليجية والقمة العربية-الصينية في العاصمة السعودية الرياض وهذا يعطي مؤشرا مهما بأن الاستراتيجية الصينية تتجه نحو توسيع الشركاء في المنطقة العربية وفي قارات آسيا حيث تجمع رابطة جنوب شرق آسيا وأيضا على صعيد القارة الإفريقية حيث الاختراق الصيني المتواصل على صعيد القوة الناعمة حيث مزيد من الاستثمار والمشروعات المختلفة وتبادل المصالح التجارية علاوة على تنامي التعاون التجاري والاقتصادي بين بكين ودول أمريكا اللاتينية.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه مشكلات كبيرة في ظل استنزاف قدراتها المالية سواء على صعيد صراعاتها في مناطق عديدة من العالم وأيضًا التكلفة المالية الكبيرة التي خسرتها في غزوها لكل من العراق وأفغانستان، والآن تضخ المزيد من الأموال لأوكرانيا في إطار الحرب الروسية-الأوكرانية. ومن هنا فإن هناك أصواتا في الولايات المتحدة الأمريكية تحذر من هذا الاندفاع الأمريكي والانغماس المتواصل في كل قضايا الصراعات الإقليمية والدولية بشكل مباشر أو غير مباشر، وهنا يمكن استذكار العبر من التاريخ القريب حيث سقوط الإمبراطورية البريطانية التي توصف حينها بالذي لا تغيب عنها الشمس حيث كان العامل الاقتصادي والمالي هو العامل الأهم في انسحاب بريطانيا من شرق السويس، وبعد ذلك من منطقة الخليج العربي وإفريقيا وعدد من مناطق نفوذها الأساسية وخاصة من درة التاج البريطاني وهي الهند ذات الأهمية الاقتصادية لبريطانيا، كما أن الانسحاب من جنوب اليمن وبعد ذلك من هونج عجّل بنهاية النفوذ لواحدة من أهم الإمبراطوريات في العصر الحديث.
وعلى ضوء هذا المثال الحي تسير الإمبراطورية الأمريكية حيث تتواجد أكثر من ٥٠٠ قاعدة عسكرية حول العالم تستنزف مليارات الدولارات كل عام وفي القارات الخمس.
وعلى ضوء ذلك فإن الصين ليس من مصلحتها الدخول في صراع عسكري مع القوة العسكرية الأولى في العالم من خلال حسابات اقتصادية وتجارية. ومع ذلك فإن المناوشة والتوتر يبقى إحدى المقاربات السياسية للصين، كما أن المصالح التجارية بين واشنطن وبكين كبيرة حيث تقدر التجارة البينية بينهما بعشرات المليارات علاوة على وجود استثمارات صينية كبيرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في ولايات الساحل الغربي الأمريكي، وأن عشرات من كبرى الشركات الأمريكية الصناعية تعمل في الصين وتحقق أرباحا كبيرة بسبب الحجم الكبير للسوق الصيني وأيضًا لوجود القوى العاملة الرخيصة.
ومن هنا فإن المواجهة العسكرية في تصوري مستبعدة لكن تظل المناوشات متواصلة خاصة أن هناك قلقًا أمريكيًا متزايدًا من النفوذ الصيني التجاري في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى في منطقة الشرق الأوسط، كما أن الصين تطور منظومتها العسكرية خاصة على صعيد القدرات النووية، والتقارب الصيني-الروسي يقلق واشنطن خاصة أن مجموعة بريكس تهدف إلى إيجاد منظومة دولية جديدة، وهناك دول عربية مرشحة للدخول في عضوية مجموعة بريكس خاصة المملكة العربية السعودية.
وعلى ضوء هذه الظروف السياسية والمتغيرات الاستراتيجية تظل المواجهة الاستراتيجية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية متواصلة وتبقى تايوان هي مجرد أداة للضغط الأمريكي على الصين كما هو الحال بالنسبة لأوكرانيا على صعيد المواجهة الأمريكية مع روسيا الاتحادية حاليا.
الاستراتيجية الصينية تقوم على فكرة التمدد التجاري والاستثماري في العالم يدفعها في ذلك الإنتاج الوفير ورخص أسعار المنتجات كما يدفعها تاريخها القديم باعتبارها دولة حضارية لها امتداد حضاري كبير مع الشرق وهي ليست دولة استعمارية قديمة وتقدم نفسها كشريك وخيار إيجابي من خلال ثوابت الحوار وتبادل المصالح والمنافع بعيد عن الغطرسة الأمريكية والغربية.
وهذا يجعل من الصين اللاعب الاقتصادي الأول في العالم خلال عدة عقود وفي الجانب الآخر فإن الولايات المتحدة الأمريكية وعلى ضوء الدراسات من داخل مراكز البحوث الاستراتيجية والاقتصادية تتجه إلى الانحسار خلال العقود القليلة القادمة وربما يكون النموذج البريطاني هو النموذج الأقرب للأمبراطورية الأمريكية.
______________
عوض بن سعيد باقوير - صحفي وكاتب سياسي
ولعل الباعث على هذا التحليل ينطلق من خلال فلسفة الصين في المقام الأول وهي أن بكين لا تحبذ المواجهات العسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا يعود إلى عوامل موضوعية أهمها أن الخطط الاستراتيجية الصينية تنطلق من مفهوم السيطرة والتمدد في مناطق جغرافية خارج حدود الصين من خلال القوة الناعمة، كما أن هناك عاملًا آخر مهما ينطلق من خلال النظرة الاستراتيجية الصينية، وهو أن تحقق الصين الريادة على مستوى الاقتصاد العالمي وتزيح الولايات المتحدة الأمريكية عن عرش الاقتصاد العالمي خاصة أن الفوارق بين عملاقي الاقتصاد العالمي لم تعد كبيرة خاصة على صعيد الناتج المحلي الإجمالي، بل إن قدرة الصين على استيعاب المصاعب الاقتصادية بسبب فيروس كورونا والتضخم والسيولة النقدية والقدرة على التكيف هي أعلى من الولايات المتحدة الأمريكية التي تعاني من التضخم وزيادة أسعار الطاقة والدخول في صراع عسكري غير مباشر مع روسيا الاتحادية.
إن من مصلحة الصين عدم الدخول في مواجهات عسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع ذلك فأن وجود قوة ردع عسكرية دفاعية هو هدف استراتيجي صيني وهو أمر مشروع في إطار الأمن القومي لأي بلد.
كما أن الصين تنظر إلى مشروعها الحضاري والتجاري في العالم عبر مسار الطريق والحزام الذي يشمل عددا من الدول في القارات الخمس، وأيضًا أصبحت الصين تقدم نفسها كشريك موثوق به لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، وهو الأمر الذي شهدناه في القمة الصينية-الخليجية والقمة العربية-الصينية في العاصمة السعودية الرياض وهذا يعطي مؤشرا مهما بأن الاستراتيجية الصينية تتجه نحو توسيع الشركاء في المنطقة العربية وفي قارات آسيا حيث تجمع رابطة جنوب شرق آسيا وأيضا على صعيد القارة الإفريقية حيث الاختراق الصيني المتواصل على صعيد القوة الناعمة حيث مزيد من الاستثمار والمشروعات المختلفة وتبادل المصالح التجارية علاوة على تنامي التعاون التجاري والاقتصادي بين بكين ودول أمريكا اللاتينية.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه مشكلات كبيرة في ظل استنزاف قدراتها المالية سواء على صعيد صراعاتها في مناطق عديدة من العالم وأيضًا التكلفة المالية الكبيرة التي خسرتها في غزوها لكل من العراق وأفغانستان، والآن تضخ المزيد من الأموال لأوكرانيا في إطار الحرب الروسية-الأوكرانية. ومن هنا فإن هناك أصواتا في الولايات المتحدة الأمريكية تحذر من هذا الاندفاع الأمريكي والانغماس المتواصل في كل قضايا الصراعات الإقليمية والدولية بشكل مباشر أو غير مباشر، وهنا يمكن استذكار العبر من التاريخ القريب حيث سقوط الإمبراطورية البريطانية التي توصف حينها بالذي لا تغيب عنها الشمس حيث كان العامل الاقتصادي والمالي هو العامل الأهم في انسحاب بريطانيا من شرق السويس، وبعد ذلك من منطقة الخليج العربي وإفريقيا وعدد من مناطق نفوذها الأساسية وخاصة من درة التاج البريطاني وهي الهند ذات الأهمية الاقتصادية لبريطانيا، كما أن الانسحاب من جنوب اليمن وبعد ذلك من هونج عجّل بنهاية النفوذ لواحدة من أهم الإمبراطوريات في العصر الحديث.
وعلى ضوء هذا المثال الحي تسير الإمبراطورية الأمريكية حيث تتواجد أكثر من ٥٠٠ قاعدة عسكرية حول العالم تستنزف مليارات الدولارات كل عام وفي القارات الخمس.
وعلى ضوء ذلك فإن الصين ليس من مصلحتها الدخول في صراع عسكري مع القوة العسكرية الأولى في العالم من خلال حسابات اقتصادية وتجارية. ومع ذلك فإن المناوشة والتوتر يبقى إحدى المقاربات السياسية للصين، كما أن المصالح التجارية بين واشنطن وبكين كبيرة حيث تقدر التجارة البينية بينهما بعشرات المليارات علاوة على وجود استثمارات صينية كبيرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في ولايات الساحل الغربي الأمريكي، وأن عشرات من كبرى الشركات الأمريكية الصناعية تعمل في الصين وتحقق أرباحا كبيرة بسبب الحجم الكبير للسوق الصيني وأيضًا لوجود القوى العاملة الرخيصة.
ومن هنا فإن المواجهة العسكرية في تصوري مستبعدة لكن تظل المناوشات متواصلة خاصة أن هناك قلقًا أمريكيًا متزايدًا من النفوذ الصيني التجاري في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى في منطقة الشرق الأوسط، كما أن الصين تطور منظومتها العسكرية خاصة على صعيد القدرات النووية، والتقارب الصيني-الروسي يقلق واشنطن خاصة أن مجموعة بريكس تهدف إلى إيجاد منظومة دولية جديدة، وهناك دول عربية مرشحة للدخول في عضوية مجموعة بريكس خاصة المملكة العربية السعودية.
وعلى ضوء هذه الظروف السياسية والمتغيرات الاستراتيجية تظل المواجهة الاستراتيجية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية متواصلة وتبقى تايوان هي مجرد أداة للضغط الأمريكي على الصين كما هو الحال بالنسبة لأوكرانيا على صعيد المواجهة الأمريكية مع روسيا الاتحادية حاليا.
الاستراتيجية الصينية تقوم على فكرة التمدد التجاري والاستثماري في العالم يدفعها في ذلك الإنتاج الوفير ورخص أسعار المنتجات كما يدفعها تاريخها القديم باعتبارها دولة حضارية لها امتداد حضاري كبير مع الشرق وهي ليست دولة استعمارية قديمة وتقدم نفسها كشريك وخيار إيجابي من خلال ثوابت الحوار وتبادل المصالح والمنافع بعيد عن الغطرسة الأمريكية والغربية.
وهذا يجعل من الصين اللاعب الاقتصادي الأول في العالم خلال عدة عقود وفي الجانب الآخر فإن الولايات المتحدة الأمريكية وعلى ضوء الدراسات من داخل مراكز البحوث الاستراتيجية والاقتصادية تتجه إلى الانحسار خلال العقود القليلة القادمة وربما يكون النموذج البريطاني هو النموذج الأقرب للأمبراطورية الأمريكية.
______________
عوض بن سعيد باقوير - صحفي وكاتب سياسي