هل تتغير الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط؟
السبت / 29 / جمادى الأولى / 1444 هـ - 19:41 - السبت 24 ديسمبر 2022 19:41
ترجمة: أحمد شافعي -
أثار العديد من التطورات التي شهدتها الشهور الأخيرة أسئلة عما لو أن الشرق الأوسط يمر ببحر من التغير في أنماط التعاون والصراع بين دول في المنطقة وقوى خارجية. ومن أبرز ذلك ما يتمثل في زيارة الرئيس الصيني شي جينبنج للسعودية واجتماعه بالقادة العرب. وقد لوحظ بصفة خاصة بيان صادر عن الصين ودول مجلس التعاون الخليجي فسره كثيرون بأنه دليل على وقوف الصين في جانب الإمارات العربية المتحدة في نزاعها مع إيران على ملكية بعض الجزر الصغيرة في الخليج العربي.
في الوقت نفسه، أظهر تعمق واضح في الصلات بين روسيا وإيران انعكاسا جزئيا في التدفق الطبيعي للسلاح في العلاقات الروسية، إذ أصبحت الطائرات المسيرة إيرانية الصنع جزءا من هجوم روسيا الجوي على أوكرانيا. وتقوم إسرائيل حاليا بتنصيب أكثر حكوماتها اليمينية تطرفا، مثيرة أسئلة حول مستقبل علاقات إسرائيل المطورة مع بعض الدول العربية، ولكن دونما آثار واضحة على تلك العلاقات حتى الآن. فضلا عن بطولة لكرة القدم أقيمت في قطر فلم تحظ فقط بانتباه جماهير الرياضة وإنما حظيت أيضا بانتباه مراقبي المشهد السياسي الجانبي وانعكاساته المحتملة على العلاقات بين دول الخليج العربي وغيرها.
يتمثل جزء من خلفية كل ما سبقت الإشارة إليه في أمر كثر الكلام فيه وإن لم يتحقق فعليا بعد، وهو انصراف اهتمام الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط وانصبابه على شرق آسيا. وجزء آخر يتمثل في حالة الاحتضار التي تمر بها الدبلوماسية في ما يتعلق باستعادة (خطة العمل الشاملة المشتركة) المعروفة أيضا بالصفقة النووية الإيرانية.
بات النزوع إلى الإفراط في تفسير الأحداث الأخيرة اتجاها عاما. وينشأ هذا النزوع جزئيا مما يطلق عليه علماء النفس أثر الحداثة. مثلما ينشأ من احتياج المعلقين إلى التعليق على شيء ما، وإمداد مواد الأخبار لهم بما يعقلون عليه. وفي هذه الحالة، قد يؤدي الإفراط في تفسير هذه المواد إلى تأكيدات مشكوك فيها بشأن قيام الصين في ما يفترض بالانحياز إلى خصم في الشرق الأوسط، أو إلى أن العلاقات الروسية الإيرانية تنحو إلى تحالف استراتيجي عميق، أو أن العلاقات الإسرائيلية العربية سوف تستمر في التطور بسرعة، وأن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر في أكثر هذا الذي يجري.
غير أن أي فرضية بشأن إعادة ترتيب كبيرة جارية في المنطقة سرعان ما تصادف ما لا يتسق معها، شأن خطوة خاطئة في حل لغز، إذ يؤدي وضع قطعة بادية الملاءمة على جزء من اللوح إلى افتقاد الملاءمة في جزء آخر. ومن ذلك على سبيل المثال أن رؤية لتحالف يواجه فيه معسكر إسرائيل ودول الخليج معسكرا روسيا إيرانيا يجب أن يفسر الرغبة الإسرائيلية القوية في الحفاظ على علاقات طيبة مع روسيا. وتلك الرغبة لها دافع أساسي يتمثل في أن إسرائيل تريد أن تستمر آمنة ومحصنة في مهاجمة أهداف في سوريا، وتبرز عزوف إسرائيل عن تقديم أي دعم ذي شأن لأوكرانيا في ورطتها.
هناك اعتبارات قصيرة المدى، وأحداث تقع خارج المنطقة، واعتبارات محلية في بعض الأحيان، وجميعها تلعب على أقل تقدير دورا كبيرا في الأخبار التي تخرج من منطقة الشرق الأوسط شأن أي شيء يمكن وصفه بالمراجعة الأساسية للجغرافيا السياسية في المنطقة. فقد كانت زيارة شي إلى السعودية جزءا من جهود الصين لتعميق العلاقات مع عرب الخليج، لكنها أيضا كانت فرصة رحب بها الرئيس الصيني ـ الذي لم يبارح الصين في أغلب فترات وباء كوفيد ـ لأن يستعرض في الخارج حنكته في إدارة الدولة وسط اندلاع مظاهرات ومشكلات داخلية مرتبطة بكوفيد.
أما بيان الصين ودول مجلس التعاون فقد كان في ظاهره معتدلا وحياديا في ما يتعلق بجزر الخليج العربي ولم يقل أكثر من أن تسوية النزاع ينبغي أن تتم من خلال مفاوضات ثنائية بما يتسق والقانون الدولي. وقد اعترضت إيران على البيان لأنها ـ شأن بلاد كثيرة أخرى تسيطر على أراض متنازع عليها ـ تزعم على سبيل الدعاية أنه ما من نزاع أصلا، وأن الجزر ملك مستحق لإيران. وثمة أسباب كثيرة للاعتقاد بأن الصين لم تزل تريد علاقات موسعة مع جانبي الخليج العربي معا. فقد كانت إيران مصدرا أساسيا للنفط بالنسبة للصين ومستوردا للسلع الصينية المصنعة. وقد حدث في العام الماضي فقط أن وقعت إيران مع الصين 'اتفاقية استراتيجية' لمدة خمسة وعشرين عاما.
بالنسبة لروسيا، يدور كل شيء تقريبا في هذه الأيام في فلك حربها في أوكرانيا، ولكن الحرب لن تستمر إلى الأبد. ويمثل شكل العلاقات مع إيران بما فيه من شراء هذه الطائرات المسيرة ظاهرة ثانوية، وراهنة، لجهود روسيا من أجل إنقاذ حملتها العسكرية المشؤومة ولا يمثل أي إعادة تفكير استراتيجية في سياسة موسكو تجاه الشرق الأوسط. ولقد كانت العلاقات الروسية الإيرانية دائما مزيجا معقدا من الصراع والتعاون ومن المحتمل أنها سوف تبقى كذلك.
أما عن الصفة النووية الإيرانية، ومنع الانتشار النووي، والدبلوماسية الأمريكية المتصلة بذلك، فها هنا هو المجال الذي تؤدي فيه الخطوات قصيرة المدى إلى الآثار الأساسية. ولا شيء مما يجري اليوم في الجبهة النووية الإيرانية ـ التي تقترب من أزمة انتشار ـ كان ليجري لو أن دونالد ترامب ـ الذي كان مصمما على محو أي شيء مهم سبق أن فعله باراك أوباما ـ لم يتراجع عن الاتفاقية في 2018.
إن جغرافيا الشرق الأوسط السياسية الإجمالية لم تتغير تغيرا ذا شأن خلال السنوات العديدة الماضية وليس متوقعا أن تتغير تغيرا أساسيا في الشهور القادمة. والصورة الإقليمية تظهر خصومات قائمة جزئيا على انقسامات عرقية ودينية لكنها تعكس أيضا في بعض الأحيان طموحات من شأنها زعزعة الاستقرار، وهي طموحات لدى بعض القادة المنفردين أو تعكس صراعات قديمة (مثل التحالف الإيراني السوري الذي يمثل جزئيا تركة لخصومات قديمة بين كلا الطرفين ونظام صدام حسين العراقي).
وهناك، من بعد، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لم يحل. فبرغم بذل إسرائيل أفضل الجهود لدفع الصراع بعيدا عن وعي العالم فإن الأصداء الشعبية لهذه القضية لم تزل مستمرة. ومظاهر التعبير القوية عن التضامن مع الفلسطينيين خلال بطولة كأس العالم كانت دليلا جديدا على هذا.
كما أن صورة مشاركة القوى الخارجية لم تتغير هي الأخرى تغيرا كبيرا. فروسيا على الرغم من العقوبات المرتبطة بالعدوان على أوكرانيا، مستمرة في إظهار براعتها في العمل مع جميع الأطراف في صراعات الشرق الأوسط، من إسرائيل إلى إيران وكثير مما بينهما. ورحلة شي الأخيرة جزء من جهود الصين لمحاكاة روسيا بسياسة خارجية شاملة الجميع في الشرق الأوسط. وتركيا قوة خارجية نشطة أخرى، برغم أن سياستها محدودة لأنها ليست سياسة خارجية بالكامل إذ ثمة مخاوف خاصة بأن النشاط الكردي في سوريا والعراق وكذلك بعض الاعتبارات الأيديولوجية المرتبطة بصلات الحزب الحاكم بالإخوان المسلمين.
ولعل الولايات المتحدة كانت، ولم تزل، القوة الخارجية الأكثر تقييدا ذاتيا في تعاملات المنطقة. والتقييد الذاتي يرتبط بسياسات داخلية وبتركة من صراعات سابقة، وتتجلي بصفة خاصة في الدعم غير المشروط لإسرائيل والعداء غير المشروط لإيران.
يجب ألا تقوم سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط في الشهور والسنين القادمة على تصورات عن تغير الجغرافيا السياسية في المنطقة. وبوسعها بدلا من ذلك أن تقوم على العمل بالدروس المستخلصة من السنين الماضية. ومن هذه الدروس أنه من أجل توسيع نفوذ الولايات المتحدة، يجب أن تحاكي الولايات المتحدة الروس (والصينيين حاليا) في العمل مع الجميع بدلا من النظر إلى الشرق الأوسط باعتباره منقسما إلى أصدقاء وخصوم. وثمة درس آخر هو أنه ما دام ثمة أسباب وجيهة لأن تبقى الولايات المتحدة منخرطة في المنطقة، فليس من اللازم أن يتخذ هذا الانخراط أشكالا عسكرية ثقيلة استنزفت موارد ضخمة وأدت إلى انتكاسات جعلت الناس في شوق إلى 'انصراف' الولايات المتحدة عن المكان. فالصينيون لا يقرنون دبلوماسيتهم النشطة واسعة النطاق بافتراض عبء أمني ثقيل في الشرق الأوسط، وهذا ما يجب على الولايات المتحدة.
• بول آر بيلار رجل مخابرات أمريكي متقاعد وكان آخر مناصبه ضابط المخابرات الوطنية في الشرق الأدني وجنوب آسيا. وسبق له العمل في العديد من المناصب التحليلية والإدارية، ومنها رئيس وحدات التحليل في المخابرات المركزية الأمريكية المعنية بتغطية أقسام من تشرق الأدنى، والخليج العربي وجنوب آسيا. كما عمل في مجلس المخابرات الوطني عضوا في مجموعة التحليل. وهو محرر مشارك لمجلة ذي ناشونال إنتريست
• عن ذي ناشونال إنتريست ترجمة خاصة بجريدة عمان.
أثار العديد من التطورات التي شهدتها الشهور الأخيرة أسئلة عما لو أن الشرق الأوسط يمر ببحر من التغير في أنماط التعاون والصراع بين دول في المنطقة وقوى خارجية. ومن أبرز ذلك ما يتمثل في زيارة الرئيس الصيني شي جينبنج للسعودية واجتماعه بالقادة العرب. وقد لوحظ بصفة خاصة بيان صادر عن الصين ودول مجلس التعاون الخليجي فسره كثيرون بأنه دليل على وقوف الصين في جانب الإمارات العربية المتحدة في نزاعها مع إيران على ملكية بعض الجزر الصغيرة في الخليج العربي.
في الوقت نفسه، أظهر تعمق واضح في الصلات بين روسيا وإيران انعكاسا جزئيا في التدفق الطبيعي للسلاح في العلاقات الروسية، إذ أصبحت الطائرات المسيرة إيرانية الصنع جزءا من هجوم روسيا الجوي على أوكرانيا. وتقوم إسرائيل حاليا بتنصيب أكثر حكوماتها اليمينية تطرفا، مثيرة أسئلة حول مستقبل علاقات إسرائيل المطورة مع بعض الدول العربية، ولكن دونما آثار واضحة على تلك العلاقات حتى الآن. فضلا عن بطولة لكرة القدم أقيمت في قطر فلم تحظ فقط بانتباه جماهير الرياضة وإنما حظيت أيضا بانتباه مراقبي المشهد السياسي الجانبي وانعكاساته المحتملة على العلاقات بين دول الخليج العربي وغيرها.
يتمثل جزء من خلفية كل ما سبقت الإشارة إليه في أمر كثر الكلام فيه وإن لم يتحقق فعليا بعد، وهو انصراف اهتمام الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط وانصبابه على شرق آسيا. وجزء آخر يتمثل في حالة الاحتضار التي تمر بها الدبلوماسية في ما يتعلق باستعادة (خطة العمل الشاملة المشتركة) المعروفة أيضا بالصفقة النووية الإيرانية.
بات النزوع إلى الإفراط في تفسير الأحداث الأخيرة اتجاها عاما. وينشأ هذا النزوع جزئيا مما يطلق عليه علماء النفس أثر الحداثة. مثلما ينشأ من احتياج المعلقين إلى التعليق على شيء ما، وإمداد مواد الأخبار لهم بما يعقلون عليه. وفي هذه الحالة، قد يؤدي الإفراط في تفسير هذه المواد إلى تأكيدات مشكوك فيها بشأن قيام الصين في ما يفترض بالانحياز إلى خصم في الشرق الأوسط، أو إلى أن العلاقات الروسية الإيرانية تنحو إلى تحالف استراتيجي عميق، أو أن العلاقات الإسرائيلية العربية سوف تستمر في التطور بسرعة، وأن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر في أكثر هذا الذي يجري.
غير أن أي فرضية بشأن إعادة ترتيب كبيرة جارية في المنطقة سرعان ما تصادف ما لا يتسق معها، شأن خطوة خاطئة في حل لغز، إذ يؤدي وضع قطعة بادية الملاءمة على جزء من اللوح إلى افتقاد الملاءمة في جزء آخر. ومن ذلك على سبيل المثال أن رؤية لتحالف يواجه فيه معسكر إسرائيل ودول الخليج معسكرا روسيا إيرانيا يجب أن يفسر الرغبة الإسرائيلية القوية في الحفاظ على علاقات طيبة مع روسيا. وتلك الرغبة لها دافع أساسي يتمثل في أن إسرائيل تريد أن تستمر آمنة ومحصنة في مهاجمة أهداف في سوريا، وتبرز عزوف إسرائيل عن تقديم أي دعم ذي شأن لأوكرانيا في ورطتها.
هناك اعتبارات قصيرة المدى، وأحداث تقع خارج المنطقة، واعتبارات محلية في بعض الأحيان، وجميعها تلعب على أقل تقدير دورا كبيرا في الأخبار التي تخرج من منطقة الشرق الأوسط شأن أي شيء يمكن وصفه بالمراجعة الأساسية للجغرافيا السياسية في المنطقة. فقد كانت زيارة شي إلى السعودية جزءا من جهود الصين لتعميق العلاقات مع عرب الخليج، لكنها أيضا كانت فرصة رحب بها الرئيس الصيني ـ الذي لم يبارح الصين في أغلب فترات وباء كوفيد ـ لأن يستعرض في الخارج حنكته في إدارة الدولة وسط اندلاع مظاهرات ومشكلات داخلية مرتبطة بكوفيد.
أما بيان الصين ودول مجلس التعاون فقد كان في ظاهره معتدلا وحياديا في ما يتعلق بجزر الخليج العربي ولم يقل أكثر من أن تسوية النزاع ينبغي أن تتم من خلال مفاوضات ثنائية بما يتسق والقانون الدولي. وقد اعترضت إيران على البيان لأنها ـ شأن بلاد كثيرة أخرى تسيطر على أراض متنازع عليها ـ تزعم على سبيل الدعاية أنه ما من نزاع أصلا، وأن الجزر ملك مستحق لإيران. وثمة أسباب كثيرة للاعتقاد بأن الصين لم تزل تريد علاقات موسعة مع جانبي الخليج العربي معا. فقد كانت إيران مصدرا أساسيا للنفط بالنسبة للصين ومستوردا للسلع الصينية المصنعة. وقد حدث في العام الماضي فقط أن وقعت إيران مع الصين 'اتفاقية استراتيجية' لمدة خمسة وعشرين عاما.
بالنسبة لروسيا، يدور كل شيء تقريبا في هذه الأيام في فلك حربها في أوكرانيا، ولكن الحرب لن تستمر إلى الأبد. ويمثل شكل العلاقات مع إيران بما فيه من شراء هذه الطائرات المسيرة ظاهرة ثانوية، وراهنة، لجهود روسيا من أجل إنقاذ حملتها العسكرية المشؤومة ولا يمثل أي إعادة تفكير استراتيجية في سياسة موسكو تجاه الشرق الأوسط. ولقد كانت العلاقات الروسية الإيرانية دائما مزيجا معقدا من الصراع والتعاون ومن المحتمل أنها سوف تبقى كذلك.
أما عن الصفة النووية الإيرانية، ومنع الانتشار النووي، والدبلوماسية الأمريكية المتصلة بذلك، فها هنا هو المجال الذي تؤدي فيه الخطوات قصيرة المدى إلى الآثار الأساسية. ولا شيء مما يجري اليوم في الجبهة النووية الإيرانية ـ التي تقترب من أزمة انتشار ـ كان ليجري لو أن دونالد ترامب ـ الذي كان مصمما على محو أي شيء مهم سبق أن فعله باراك أوباما ـ لم يتراجع عن الاتفاقية في 2018.
إن جغرافيا الشرق الأوسط السياسية الإجمالية لم تتغير تغيرا ذا شأن خلال السنوات العديدة الماضية وليس متوقعا أن تتغير تغيرا أساسيا في الشهور القادمة. والصورة الإقليمية تظهر خصومات قائمة جزئيا على انقسامات عرقية ودينية لكنها تعكس أيضا في بعض الأحيان طموحات من شأنها زعزعة الاستقرار، وهي طموحات لدى بعض القادة المنفردين أو تعكس صراعات قديمة (مثل التحالف الإيراني السوري الذي يمثل جزئيا تركة لخصومات قديمة بين كلا الطرفين ونظام صدام حسين العراقي).
وهناك، من بعد، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لم يحل. فبرغم بذل إسرائيل أفضل الجهود لدفع الصراع بعيدا عن وعي العالم فإن الأصداء الشعبية لهذه القضية لم تزل مستمرة. ومظاهر التعبير القوية عن التضامن مع الفلسطينيين خلال بطولة كأس العالم كانت دليلا جديدا على هذا.
كما أن صورة مشاركة القوى الخارجية لم تتغير هي الأخرى تغيرا كبيرا. فروسيا على الرغم من العقوبات المرتبطة بالعدوان على أوكرانيا، مستمرة في إظهار براعتها في العمل مع جميع الأطراف في صراعات الشرق الأوسط، من إسرائيل إلى إيران وكثير مما بينهما. ورحلة شي الأخيرة جزء من جهود الصين لمحاكاة روسيا بسياسة خارجية شاملة الجميع في الشرق الأوسط. وتركيا قوة خارجية نشطة أخرى، برغم أن سياستها محدودة لأنها ليست سياسة خارجية بالكامل إذ ثمة مخاوف خاصة بأن النشاط الكردي في سوريا والعراق وكذلك بعض الاعتبارات الأيديولوجية المرتبطة بصلات الحزب الحاكم بالإخوان المسلمين.
ولعل الولايات المتحدة كانت، ولم تزل، القوة الخارجية الأكثر تقييدا ذاتيا في تعاملات المنطقة. والتقييد الذاتي يرتبط بسياسات داخلية وبتركة من صراعات سابقة، وتتجلي بصفة خاصة في الدعم غير المشروط لإسرائيل والعداء غير المشروط لإيران.
يجب ألا تقوم سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط في الشهور والسنين القادمة على تصورات عن تغير الجغرافيا السياسية في المنطقة. وبوسعها بدلا من ذلك أن تقوم على العمل بالدروس المستخلصة من السنين الماضية. ومن هذه الدروس أنه من أجل توسيع نفوذ الولايات المتحدة، يجب أن تحاكي الولايات المتحدة الروس (والصينيين حاليا) في العمل مع الجميع بدلا من النظر إلى الشرق الأوسط باعتباره منقسما إلى أصدقاء وخصوم. وثمة درس آخر هو أنه ما دام ثمة أسباب وجيهة لأن تبقى الولايات المتحدة منخرطة في المنطقة، فليس من اللازم أن يتخذ هذا الانخراط أشكالا عسكرية ثقيلة استنزفت موارد ضخمة وأدت إلى انتكاسات جعلت الناس في شوق إلى 'انصراف' الولايات المتحدة عن المكان. فالصينيون لا يقرنون دبلوماسيتهم النشطة واسعة النطاق بافتراض عبء أمني ثقيل في الشرق الأوسط، وهذا ما يجب على الولايات المتحدة.
• بول آر بيلار رجل مخابرات أمريكي متقاعد وكان آخر مناصبه ضابط المخابرات الوطنية في الشرق الأدني وجنوب آسيا. وسبق له العمل في العديد من المناصب التحليلية والإدارية، ومنها رئيس وحدات التحليل في المخابرات المركزية الأمريكية المعنية بتغطية أقسام من تشرق الأدنى، والخليج العربي وجنوب آسيا. كما عمل في مجلس المخابرات الوطني عضوا في مجموعة التحليل. وهو محرر مشارك لمجلة ذي ناشونال إنتريست
• عن ذي ناشونال إنتريست ترجمة خاصة بجريدة عمان.