بشت "الشيخ" ميسي
السبت / 29 / جمادى الأولى / 1444 هـ - 19:15 - السبت 24 ديسمبر 2022 19:15
يحق لنا أن نضع كل نجاحات قطر في تنظيم مونديال 2022م في كفة، وصورة البشت الذي ألبسه الشيخ تميم لميسي في كفة أخرى.
في النهاية ستظل هذه الصورة علامة النجاح الفارقة للمونديال، وسيتذكر الملايين على مدار السنين أن أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم تَوّج مشواره الرياضي برمز من رموز الثقافة العربية، مثلما يتذكر كثيرون من عشاق الساحرة المستديرة اليوم، بعد أكثر من خمسين عاما على فوز البرازيل بكأس العالم في المكسيك، قبعة السومبيرو Sombrero الشعبية التي ارتداها بيليه، والتي ترمز للثقافة المكسيكية.
صاحب هذه الفكرة العبقرية كان يدرك أهمية الصورة في هذا العصر الذي بات يحمل اسمها: 'عصر الصورة'، وأن لها سلطة وسطوة تجعلها تخترق الآفاق وتختصر مجلدات من الكلام، أو كما قالت سوزان سونتاج؛ الكاتبة الأمريكية: 'إن النصوص تستطيع أن تجعلنا نفهم، أما الصور فهي تفعل شيئًا آخر، إنها تسكننا'. لم تكن صحيفة 'الجارديان' البريطانية مبالِغة إذن حين وصفت لحظة البشت بأنها “لحظة لاسترجاع استثمار قطر البالغ قيمته 220 مليار دولار'.
إنها أيضا لحظة استعادة شيء من صورتنا الحقيقية نحن العرب، تلك التي أمعنت في تشويهها كتابات المستشرقين وأفلام هوليود. يبدو العرب 'متخلفين وخطِرين عند النظر إليهم عبر عدسات هوليود المشوهة' كما يخلص الناقد السينمائي الأمريكي لبناني الأصل جاك شاهين في كتابه 'العرب الأشرار في السينما: كيف تشوّه هوليود سُمعة أمة'. لكنهم هنا يمزقون هذه الصورة؛ ها هم يتوِّجون أهم لاعب في العالم ملكا على اللعبة، واضِعين على كتفيه حِملًا خفيفًا في الشكل، فهو مجرد رداء خفيف شفاف، لكنه ثقيل في المضمون لأن في طياته ثقافة أمّة كبيرة يحملها ميسي على كاهله ليوصلها إلى كل مكان في العالم. ها هم يجعلون البشت رمزًا للانتصار، فيتهافت غير العرب على ارتدائه، والبحث عنه في محلات البشوت في قطر، لا للسخرية من العرب وثقافتهم هذه المرة، بل ليجربوا لحظة الفرح التي عاشها ميسي.
ولا أظنني مبالِغًا إذا قلت إن لقطة 'الشيخ' ميسي (كما وصفه المعلق عصام الشوالي) وهو يرفع الكأس ويرقص بالبشت العربي، قادرة على محو لقطة الشيخ رودلف فالنتينو في فيلم 'الشيخ' The Sheik لجورج ميلفورد وهو يخلع البشت قبل أن يشرع في الاعتداء على الحسناء البريطانية الجميلة التي ذهبت سائحة إلى صحراء العرب، وإن الأغنية التي يمكن أن تكون لسان حال ميسي وهو يهبط بكأس العالم من الطائرة في مطار إيسيسا في بيونس آيرس، هي أبعد ما تكون عن أغنية فيلم 'علاء الدين': 'أتيتُ من أرض بعيدة حيث تتجول الجِمال مع رغائها، وحيث تُقطَع أذنك إذا لم يعجبهم وجهك، فالمجتمع بربري، لكنه الوطن'.
قبل المباراة النهائية بيوم، تناقلت وسائل الإعلام العالمية تصريح وزيرة الرياضة الفرنسية أميلي أوديا كاستيرا لشبكة 'rmcsport' الفرنسية عن نيّة قائد المنتخب الفرنسي هوجو لوريس (الذي كانت قطر قد جهزت له بشتا بمقاسه هو الآخر) ارتداء الشارة الملونة الخاصة بالمثليين خلال التتويج إذا ما فازت فرنسا بالمونديال. 'أعرف ما يفكّر به، أعرف قيمه، قيم جيدة، لديّ ثقة، أنا أعرف أنهم سيعبّرون عن أشياء مهمة'؛ هكذا قالت كوستيرا، دون أن تعتبر هذا 'تشويشا على اللحظة السحرية' كما قيل عن إلباس ميسي البشت. ولنركّز على عبارة 'أعرف قيمه، قيم جيدة'، إنه الغرب الاستعلائي المنافق، الذي يتوهم أن القيم الجيدة لا تخرج إلا منه، وما عداها عارٌ وقبض ريح.
خلاصة القول إن قطر لم تكن الدولة الوحيدة في العالم التي تنثر شيئًا من ثقافتها في تنظيم حدث رياضي عالمي، ولن تكون الأخيرة، فقد شاهدنا عام 2004م في دورة الألعاب الأولمبية في أثينا كيف أن الثقافة اليونانية كانت حاضرة في لحظات تتويج اللاعبين الفائزين بالميداليات الثلاث في كل مسابقة، من خلال وضع إكليل من ورق الزيتون على رؤوسهم، ولم يُثِر هذا حفيظة أي أحد حينها. بل إن الكويت سبقت قطر بسنوات في إلباس البشت العديد من نجوم كرة القدم الذين كانوا على أرضها -كما ميسي- في بطولة كروية وهي بطولة الروضان الرمضانية، منهم النجمان الفرنسيان زين الدين زيدان وكريم بنزيمة، ونجما إسبانيا أنييستا وكاسياس، والنجم البرازيلي ريكاردو كاكا. كما تجول لاعب ريال مدريد الإسباني السابق سيرجيو راموس في شوارع أبوظبي بالبشت عام 2018م، ولم نر أو نسمع حينها أي احتجاجات أو امتعاضات، لسببين مهمين يتعلقان بالشخص وبالمناسبة؛ فليس هؤلاء جميعهم – على أهميتهم ونجوميتهم- ليونيل ميسي، الذي بات يُنظر إليه اليوم كأسطورة حية، ولا ارتداؤهم للبشت كان في لحظة التتويج في أهم حدث شعبي في العالم.
في النهاية ستظل هذه الصورة علامة النجاح الفارقة للمونديال، وسيتذكر الملايين على مدار السنين أن أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم تَوّج مشواره الرياضي برمز من رموز الثقافة العربية، مثلما يتذكر كثيرون من عشاق الساحرة المستديرة اليوم، بعد أكثر من خمسين عاما على فوز البرازيل بكأس العالم في المكسيك، قبعة السومبيرو Sombrero الشعبية التي ارتداها بيليه، والتي ترمز للثقافة المكسيكية.
صاحب هذه الفكرة العبقرية كان يدرك أهمية الصورة في هذا العصر الذي بات يحمل اسمها: 'عصر الصورة'، وأن لها سلطة وسطوة تجعلها تخترق الآفاق وتختصر مجلدات من الكلام، أو كما قالت سوزان سونتاج؛ الكاتبة الأمريكية: 'إن النصوص تستطيع أن تجعلنا نفهم، أما الصور فهي تفعل شيئًا آخر، إنها تسكننا'. لم تكن صحيفة 'الجارديان' البريطانية مبالِغة إذن حين وصفت لحظة البشت بأنها “لحظة لاسترجاع استثمار قطر البالغ قيمته 220 مليار دولار'.
إنها أيضا لحظة استعادة شيء من صورتنا الحقيقية نحن العرب، تلك التي أمعنت في تشويهها كتابات المستشرقين وأفلام هوليود. يبدو العرب 'متخلفين وخطِرين عند النظر إليهم عبر عدسات هوليود المشوهة' كما يخلص الناقد السينمائي الأمريكي لبناني الأصل جاك شاهين في كتابه 'العرب الأشرار في السينما: كيف تشوّه هوليود سُمعة أمة'. لكنهم هنا يمزقون هذه الصورة؛ ها هم يتوِّجون أهم لاعب في العالم ملكا على اللعبة، واضِعين على كتفيه حِملًا خفيفًا في الشكل، فهو مجرد رداء خفيف شفاف، لكنه ثقيل في المضمون لأن في طياته ثقافة أمّة كبيرة يحملها ميسي على كاهله ليوصلها إلى كل مكان في العالم. ها هم يجعلون البشت رمزًا للانتصار، فيتهافت غير العرب على ارتدائه، والبحث عنه في محلات البشوت في قطر، لا للسخرية من العرب وثقافتهم هذه المرة، بل ليجربوا لحظة الفرح التي عاشها ميسي.
ولا أظنني مبالِغًا إذا قلت إن لقطة 'الشيخ' ميسي (كما وصفه المعلق عصام الشوالي) وهو يرفع الكأس ويرقص بالبشت العربي، قادرة على محو لقطة الشيخ رودلف فالنتينو في فيلم 'الشيخ' The Sheik لجورج ميلفورد وهو يخلع البشت قبل أن يشرع في الاعتداء على الحسناء البريطانية الجميلة التي ذهبت سائحة إلى صحراء العرب، وإن الأغنية التي يمكن أن تكون لسان حال ميسي وهو يهبط بكأس العالم من الطائرة في مطار إيسيسا في بيونس آيرس، هي أبعد ما تكون عن أغنية فيلم 'علاء الدين': 'أتيتُ من أرض بعيدة حيث تتجول الجِمال مع رغائها، وحيث تُقطَع أذنك إذا لم يعجبهم وجهك، فالمجتمع بربري، لكنه الوطن'.
قبل المباراة النهائية بيوم، تناقلت وسائل الإعلام العالمية تصريح وزيرة الرياضة الفرنسية أميلي أوديا كاستيرا لشبكة 'rmcsport' الفرنسية عن نيّة قائد المنتخب الفرنسي هوجو لوريس (الذي كانت قطر قد جهزت له بشتا بمقاسه هو الآخر) ارتداء الشارة الملونة الخاصة بالمثليين خلال التتويج إذا ما فازت فرنسا بالمونديال. 'أعرف ما يفكّر به، أعرف قيمه، قيم جيدة، لديّ ثقة، أنا أعرف أنهم سيعبّرون عن أشياء مهمة'؛ هكذا قالت كوستيرا، دون أن تعتبر هذا 'تشويشا على اللحظة السحرية' كما قيل عن إلباس ميسي البشت. ولنركّز على عبارة 'أعرف قيمه، قيم جيدة'، إنه الغرب الاستعلائي المنافق، الذي يتوهم أن القيم الجيدة لا تخرج إلا منه، وما عداها عارٌ وقبض ريح.
خلاصة القول إن قطر لم تكن الدولة الوحيدة في العالم التي تنثر شيئًا من ثقافتها في تنظيم حدث رياضي عالمي، ولن تكون الأخيرة، فقد شاهدنا عام 2004م في دورة الألعاب الأولمبية في أثينا كيف أن الثقافة اليونانية كانت حاضرة في لحظات تتويج اللاعبين الفائزين بالميداليات الثلاث في كل مسابقة، من خلال وضع إكليل من ورق الزيتون على رؤوسهم، ولم يُثِر هذا حفيظة أي أحد حينها. بل إن الكويت سبقت قطر بسنوات في إلباس البشت العديد من نجوم كرة القدم الذين كانوا على أرضها -كما ميسي- في بطولة كروية وهي بطولة الروضان الرمضانية، منهم النجمان الفرنسيان زين الدين زيدان وكريم بنزيمة، ونجما إسبانيا أنييستا وكاسياس، والنجم البرازيلي ريكاردو كاكا. كما تجول لاعب ريال مدريد الإسباني السابق سيرجيو راموس في شوارع أبوظبي بالبشت عام 2018م، ولم نر أو نسمع حينها أي احتجاجات أو امتعاضات، لسببين مهمين يتعلقان بالشخص وبالمناسبة؛ فليس هؤلاء جميعهم – على أهميتهم ونجوميتهم- ليونيل ميسي، الذي بات يُنظر إليه اليوم كأسطورة حية، ولا ارتداؤهم للبشت كان في لحظة التتويج في أهم حدث شعبي في العالم.