أفكار وآراء

اليابان تُجَيِّش جيشها وهذا جيد.. وجهة نظر غربية

ترجمة: قاسم مكي -

يوم الجمعة الفائت أعلنت اليابان أنها تخطط لمضاعفة إنفاقها الدفاعي بحلول عام 2027، ذلك شيء جيد، نحن سنحتاجه إذا لزم الولايات المتحدة وحلفاؤها الديمقراطيون احتواء المشاعر العدائية للصين.

ظل أداء اليابان في الشؤون الدولية أقل من قدراتها لفترة طويلة، فعلى الرغم من اقتصادها الضخم الذي لا يزال ثالث أكبر اقتصاد في العالم إلا أن ضآلة جيشها أقعد بقدرتها على عرض القوة.

حدث هذا عن قصد، فنسبة إلى هزيمة اليابان المهينة في الحرب العالمية الثانية إلى جانب سخط جيرانها الناشئ عن حروب الغزو التي شنتها ضد بلدانهم تبنَّت نزعة سلمية استمرت إلى يومنا هذا، حتى خلال الحرب الباردة أنفقت اليابان حوالي 1% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي على قوات دفاعها الذاتي.

هذا سيتغير الآن، يقول رئيس الوزراء فوميو كيشيدا: إن اليابان سترفع تلك النسبة إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال خمس سنوات.

ستموِّل هذه المخصصات بنودا مثل رفع قدرات الدفاع السيبراني، وتحويل سفينتين إلى ناقلتي طائرات صغيرة ستكون الأولى من نوعها لليابان منذ الحرب العالمية الثانية، كما ستشمل البنود الإنفاقية أيضا شراء صواريخ توماهوك الأمريكية، وتحديث الصواريخ التي تنتجها اليابان بحيث يمكنها ضرب أهداف بعيدة، ستمنح هذه الأسلحة في مجموعها اليابان أول قدرة عسكرية هجومية حقا خلال ما يقارب من 80 عاما.

السبب الذي جعل اليابان تتخذ مثل هذا التحول الجذري واضح، إنه ذلك التحالف الفعلي بين روسيا والصين وكوريا الشمالية، فكل بلد من هذه البلدان الثلاثة انخرط في بناء القدرات العسكرية وقعقعة السيوف في السنوات الأخيرة.

كثيرا ما توعدت الصين اليابان على نحو غير مباشر في حال تحركت طوكيو للدفاع عن تايوان بما في ذلك بثها شريط فيديو على المنصة الصينية «شيجوا» هدد بشن حرب نووية، وكان واضحا أن ذلك الفيديو الذي حُذف لاحقا قُصد به تخويف اليابان البلد الوحيد الذي تعرض لهجوم نووي (أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على مدينتين يابانيتين هما هيروشيما وناجازاكي في أواخر الحرب العالمية الثانية - المترجم)، لكن بدلا عن ذلك قاد ذلك التنمُّر (على اليابان) إلى رد فعل معاكس.

على الأمريكيين الثناء على شجاعة اليابان، ففي حين تظل الولايات المتحدة ركيزة أي مشروع دفاعي آسيوي فعال إلا أنها لا يمكنها حمل العبء لوحدها، فالولايات المتحدة لديها التزامات دولية لا يمكنها التخلي عنها ووضع كل قوتها في المحيط الهادي.

أيضا اتساع مسرح العمليات (العسكرية) المحتمل في المنطقة يجعل من الصعب إقامة درع دفاعية أمريكية بحتة، فالصين تملك المبادرة الاستراتيجية إذا هاجمت، ويمكنها التحرك ضد حلفاء الولايات المتحدة في أي اتجاه في الجزء الغربي من المحيط الهادي، ويفصل 3400 ميل تقريبا اليابان حليفتنا في أقصى الشمال عن أستراليا في الجنوب، ذلك يعني أن على الولايات المتحدة الاعتماد على دفاعات هذين البلدين إذا كان ثمة أمل في نجاح استراتيجية احتواء (الصين).

خشي البعض منذ فترة طويلة من أن إعادة إحياء العسكرية اليابانية سيمكنها من العودة إلى السلوك العدواني، هذا مستبعد. والخطر البسيط الذي قد يظهر في الأجل الطويل يضمحل مقارنة بخطر تجاهل السلوك الحالي للصين، إضافة إلى ذلك اليابان تعتمد على الولايات المتحدة في الحصول على معظم أسلحتها المتقدمة كما يوضح ذلك شراء صواريخ توماهوك.

أيضا ستشتري طائرات إف 35 الأمريكية الصنع لتزويد قواتها الجوية بدلا عن إنتاج طائراتها الخاصة بها، وليس هنالك بلد يعتمد على بلد آخر يتجرأ على العمل ضد مصالح حليفه.

اليابان أيضا تعمل مع حلفائها لتعزيز الثقة وتطوير القدرة القتالية، لقد شاركت بحريَّتها في تمارين هذا العام مع سفن من الولايات المتحدة وبريطانيا، كما وقعت اتفاقية تعاون عسكري مع أستراليا في أكتوبر الماضي وهي أول معاهدة تدخل فيها بخلاف اتفاقية الدفاع المشترك بينها وبين الولايات المتحدة. وتجري اليابان وأستراليا الآن تمارين عسكرية مشتركة تمكنهما من تعلم كيفية القتال مع بعضهما البعض في أي حرب مستقبلية مع الصين، هذا أيضا يعزز أمن الولايات المتحدة إذ يمكن للقدرات العسكرية اليابانية - الأسترالية المشتركة المساهمة في صد أي اعتداء صيني في حال انصرف انتباه الولايات المتحدة إلى مكان آخر.

ستنزعج الصين من إعلان اليابان، لكن ليس عليها أن تلوم أحدا سوى نفسها قبل 15 عاما شاهد العالم النمو الاقتصادي السريع للصين، وهو يعتقد أن الصين الأكثر ثراء تعني عالما أكثر ثراء، وكان الغرب في معظمه يأمل في انضمامها إلى العالم الديمقراطي مع تقدمها، بدلا عن ذلك اختارت الصين التأكيد مجددا على دعواها التقليدية بالهيمنة باعتبارها «المملكة الوسطى للعالم» ومركز الحضارة الذي يجب أن تركع له كل البلدان الأخرى.

هذا الزعم يصطدم مباشرة بالنظام العالمي المرتكز على قواعد والذي ترغب فيه الولايات المتحدة وحليفاتها الديمقراطيات، تحرك اليابان هذا ببساطة مؤشر آخر على أن أعضاء هذا النظام العالمي على استعداد للقتال من أجل المحافظة عليه.

النزعة العدائية الصينية أدخلت العالم في فترة متاعب وبلبلة، وهذا مؤسف، لكن من الأفضل الإقرار بذلك الواقع والاستعداد للحرب بدلا عن التغافل عن التهديد والاستسلام، علينا الترحيب بتعهد اليابان (بتطوير جيشها) بأذرع مفتوحة.

هنري أوسلِن زميل أول بمركز الأخلاق والسياسات العامة وكاتب رأي بواشنطن بوست

ترجمة خاصة لـ $