أعمدة

أفعال فردية وليست "ظاهرة"

 
شاء الله سبحانه وتعالى أن يُنكب المجتمع في فترات متقاربة بجريمتين مؤسفتين بحق مواطنتين بريئتين ترتبت عليهما ردات فعل متباينة في أوساط المجتمع امتدت إلى منصات التواصل الاجتماعي التقت جميعها في نقطة واحدة وهي أن هناك مشكلة ما تقف خلف هذه النوعية من الأفعال ويجب تشخيصها وبحث مسبباتها وعلاجها.

ورغم أنه لا مسوغ لوصف جرائم القتل التي تحدث بين الحين والآخر بأنها 'ظاهرة' كما يحلو للبعض وصفها، من باب أنه لا يوجد في الكون مجتمع ملائكي وعلى اعتبار أن الجريمة وُجدت منذ بدء الخليقة عندما قتل قابيل أخاه هابيل غدرًا فإن تفاصيل الجريمتين الأخيرتين تُعدان مؤشرًا لمشكلة ما تُوجُب على كل من يصله أي تهديد أخذه بجدية وإبلاغ أسرته بمضمونه وكذلك الجهات المختصة لتفادي ما يمكن تفاديه.

وللتأكيد على أن مثل هذه الأفعال التي تقشعر لها الأبدان أفعال 'فردية' مدفوعة بأسباب مختلفة ولا ترقى لأن توصف بالظاهرة أُورد هنا معلومات صادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات حول 'التطور الزمني للجرائم والجناة (2016 - 2020م)'.

تشير الإحصائيات إلى أن عدد الجرائم المسجلة في سلطنة عُمان في عام 2020م انخفض بنسبة (21%) عن عام 2016م ليكون أقل الأعوام تسجيلا للجرائم في السنوات الخمس الأخيرة، كما انخفض عدد الجناة بنسبة (19%) للفترة نفسها.

وجاء في مؤشرات الجرائم والجناة على مستوى المحافظات لعام 2020م أن معدل الجرائم بلغ 3 جرائم لكل 1,000 من السكان، كما بلغ معدل الجناة 4 جناة لكل 1,000 من السكان وهو معدل يعدُ -ولله الحمد- منخفضًا.

ولأنه من الأهمية بمكان إعداد خطة استباقية تُبقي على هذا الانخفاض بل وتمنع حدوث أي جريمة 'إن أمكن' تقع على الأُسرة أولًا تتبعها مختلف المؤسسات ذات العلاقة بالتنشئة والتربية والتعليم والترفيه والتثقيف والتوعية مسؤوليات كبيرة من شأنها تحقيق هذه الغاية.

لا غرو أن الأسرة مسؤولة مسؤولية كاملة عن تنشئة الفرد التنشئة السليمة التي تقوم على الصلاح والاستقامة وحب الحياة والتفاؤل وبنائه البناء النفسي والبدني الصحيح وتوثيق ترابطه مع أفراد الأسرة الآخرين والاقتراب من عالمه وبناء جسور متينة للتواصل معه عبر الحوار الشفاف وكسر الحواجز لأن كل ذلك من شأنه حل أصعب المعضلات التي قد تواجهه مع ذاته أولًا أو في محيط مجتمعه الصغير كالحي أو المدرسة أو البلدة أو المجتمع أو الحياة بصفة عامة.

تقع على عاتق هذه الأسرة مسؤولية التدقيق فيما يقرأه ابنها أو ابنتها وما يشاهدونه من مواد تُعرض عبر التلفزيونات أو في دُور السينما ومنصات التواصل الاجتماعي وما تنتجه شركات الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو وما قد تسببه الهواتف المحمولة من كوارث نفسية لمساعدتهم على اختيار ما هو نافع ومفيد، فكم من أطفال وشباب في مختلف دول العالم راحوا ضحية ألعاب إلكترونية خطِرة كـ 'الحوت الأزرق' و'الببجي' ومرد ذلك غياب رقابة أولياء الأمور وكم منهم من ارتكب جرائم لا تُصدق بسبب الإشكالات النفسية وغياب المُرشد والمُوجِه.

وإذا كانت للأسرة النسبة الأعلى من المسؤولية في التربية فإن المؤسسات الأخرى الدينية والتربوية والشبابية والإعلامية تتحّمل مسؤوليات مشابهة في هذا الجانب؛ إذ مناط بها تكوين جيل واثق متمسك بدينه وقيم مجتمعه الصالحة.. جيل متوثب قادر على مواجهة صعوبات الحياة والتكيُّف مع متغيراتها.

على هذه الجهات أن تضطلع مجتمعة بمسؤوليتها عن صناعة جيل شغوف بالحياة مليء بالطموح له سماته الشخصية الإيجابية المتفردة قادر من خلال وعيه وإدراكه لما يحصل حوله على التمييز بين ما هو بنّاء وما يساعد على الهدم.. كما يقع على عاتقها واجب غرس الأخلاق الفضيلة في نفوس الأبناء والإفادة من قدراتهم وتوظيفها بما يخدم المجتمع عبر تحفيز مخيلتهم وإقامة المسابقات الثقافية وإيجاد الجوائز التي تشجع الإبداع ودعم الأندية الرياضية وزيادة جرعات التوعية والتثقيف والمعرفة لمختلف فئات المجتمع سواء من خلال الحوارات بين فئات الشباب وهذه الجهات أو عبر البرامج الإذاعية أو المسلسلات والمقابلات والتقارير التلفزيونية أو التحقيقات والاستطلاعات الصحفية بما يدعم ويقوي ويعظم الجوانب الإيجابية لديهم.

تقول نظرية 'النوافذ المحطمة' التي وضعها كل من جيمس ويلسون وجورج كيلنج إنه من الأهمية تعزيز السلوك الإيجابي لدى الفرد والوقوف دون صعود أي سلوك سلبي قد يصدر عنه لأن تلك الإرادة ستغير المشهد بصورة تدريجية فمعظم النار من مستصغَر الشرر.

بعض المشكلات لا يجب أن يُنظر إليها إلى أنها تقع ضمن الحراك الطبيعي للمجتمعات ولا يجب اعتبارها أكثر من ذلك، لذا لا حاجة لتضخيمها فتتضخم.

نقطة أخيرة

لمن يربطون في تحليلهم لدوافع حدوث مثل هذه الأحداث المؤلمة بنوعية الجنس وأن المرأة هي المستهدف أقول إن المرأة في المجتمع العُماني كانت وستظل مُحاطة بكل الرعاية كونها تعيش في كنف والد حنون أو زوج مُحب أو ابن بار أو أخ غيور تحت سقف مجتمع محافظ للأسرة فيه حضورها، أما ما قد تتعرض له فهو عرضيّ قد يُطال أخاها الرجل وربما بنسبة أعلى.