أفكار وآراء

انتخابات المجالس البلدية أكثر من مهمة.. لماذا ؟

ليس من المبالغة في شيء القول بأن الانتخابات هي من أهم الأدوات المعروفة في معظم دول العالم في مجال تحديد وتنظيم عملية تمثيل المواطنين، سواء على المستوى الوطني العام، من خلال الانتخابات العامة لانتخاب أعضاء المجالس البرلمانية، كمجلس الشورى العماني على سبيل المثال، أو لانتخاب أعضاء المجالس البلدية على مستوى المحافظات، وذلك وفق القوانين المنظمة لكل منها. فمن خلال عملية الانتخابات، التي تشمل كل المواطنين الذين لهم حق الترشح والانتخاب وفق القانون، تصبح عملية اختيار ممثلي الولايات في مجلس الشورى، وأعضاء المجالس البلدية على مستوى الولاية والمحافظة، مهمة ومسؤولية الناخبين على مستوى الولايات والمحافظات، وهذه مسألة ترتب في الواقع الكثير من المسؤوليات، والواجبات أيضا ليس على الحكومة فقط والتي يناط بها عادة – من خلال وزارة الداخلية واللجان المحددة داخلها – تنظيم عملية الانتخابات بكل مراحلها، في إطار القوانين والإجراءات المنظمة لذلك، بدءا من تحديد توقيتات المراحل المختلفة للترشح وفتح السجل الانتخابي وحتى إعلان النتائج النهائية للانتخابات وفعالية الإشراف القضائي عليها ومنع حدوث أية تجاوزات تحت أية ظروف ضمانا لشفافية هذه العملية. غير أن النجاح على المستوى الرسمي في قيام الحكومة بمسؤولياتها التنظيمية والإدارية، لا يمكن أن ينفصل عن قيام المواطنين، ناخبين ومترشحين بمسؤولياتهم وواجباتهم في المشاركة الفعالة والواعية في عملية الانتخابات بمختلف مراحلها، وبما يؤدي إلى الغاية المنشودة والمتمثلة في انتخاب أفضل العناصر والكوادر الوطنية القادرة على القيام بأعباء تمثيل المواطنين، والتعبير الأمين عن مصالح الولاية، ثم مصالح الوطن والمواطنين، وذلك بحكم ترابط مصالح الوطن والمواطنين على كل المستويات. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي: أولا: إنه مع إدراك الأهمية الكبيرة للجهود الملموسة والتي اتسمت بالشفافية الكاملة من جانب وزارة الداخلية والهيئات واللجان التابعة لها التي تقوم على تهيئة متطلبات أداء المراحل المختلفة لعملية الانتخابات، إداريا وتنظيميا وإجرائيا ولوجستيا والتي بدأت منذ أشهر، والتي لا يمكن التقليل منها على أي نحو، إلا أن ذلك كله وبرغم أهميته الشديدة في إنجاح عملية الانتخابات، كعملية متكاملة، يدخل في النهاية في إطار التهيئة الجيدة والضرورية أيضا لعملية الانتخابات ولنجاحها، خاصة أن الإجراءات المنظمة والحاكمة لعملية الانتخابات، لا يمكن لأية جهة أو سلطة القيام بها سوى الجهة المناط بها قانونيا تنظيم عملية الانتخابات والإشراف عليها، ومع ذلك فإن نجاح هذا الشق التنظيمي والإشرافي لا يكتمل، ولا يحقق أهدافه الوطنية إلا بتضافر وتفاعل الاستجابة والمشاركة الجماهيرية من ناحية، وبالتزام الناخبين وحرصهم الواعي على إنجاح عملية الانتخابات، وتجنب أية ممارسات أو أعمال قد تؤثر على ذلك من ناحية ثانية، سواء خلال مرحلة الدعاية الانتخابية، أو خلال عمليات الاقتراع، وحتى إعلان النتائج النهائية، والمؤكد أن الالتزام من جانب الناخبين بضمانات إنجاح عملية الانتخابات إنما يصب في النهاية في مصلحة الولاية والمحافظة والوطن والمواطن كذلك، ومن هنا فإن ذلك يعد مسؤولية وأمانة يحملها الناخب والمترشح على عاتقه، وهو في الوقت ذاته واجب عليه القيام به وأداؤه بأكبر درجة من الحرص على مقتضيات مصلحة المجتمع على مستوى الولاية والمحافظة والوطن ككل في النهاية.

جدير بالذكر أن من الأسباب التي تضفي على انتخابات المجالس البلدية في دورتها الثالثة والتي ستتم يوم 25 ديسمبر الجاري أنها تتم في ظل التعديلات التي تمت على قانون المجالس البلدية، وهي التعديلات التي أعطت للمجالس البلدية في المحافظات فرصا ومجالا واسعا لإدارة التنمية على مستوى المحافظات، بالتنسيق بالطبع مع الحكومة، وفي إطار خطط وبرامج التنمية المعتمدة، ومن ثم إطلاق فرص المبادرة أمام المجالس البلدية للنهوض بالمحافظات، ولاستغلال الموارد المتاحة فيها، والمزايا النسبية لكل منها على أفضل نحو ممكن، وفي إطار أقرب للامركزية، وبتنسيق مع الحكومة التي يظل من مهامها تخطيط وتنظيم ومواءمة جهود التنمية على المستوى الوطني العام، ضمانا للاستفادة من الموارد المتاحة، والحفاظ على الأولويات الوطنية، مع تعبئة كل الإمكانيات بما يخدم الأهداف المنشودة.

وإذا كانت انتخابات الفترة الثالثة للمجالس البلدية هي الأولى في ظل تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم مقاليد الحكم في البلاد، فإنها وبحكم التغييرات التي أجراها جلالته والتي شملت إعادة تنظيم الجهاز الإداري للدولة، وتحديث وتطوير العديد من القوانين والمؤسسات، وتهيئة المناخ لانطلاق أكبر، يتواكب مع تطلعات الشباب والمواطنين بوجه عام، وعلى نحو يهيئ لنقلة نوعية مأمولة على صعيد العمل المحلي والبلدي وبمعايير وأساليب حديثة أيضا تتجاوب مع طموحات المرحلة الحالية والقادمة للجيل الجديد وتحديات المرحلة الحالية للتنمية الوطنية في المحافظات وبمعايير حددت ملامحها الرؤية المستقبلية (عمان 2040 ) ثم فإن انتخابات المجالس البلدية تفتح الباب أمام مرحلة جديدة، أكثر انطلاقا وفاعلية واتساعا للعمل البلدي ولدور المحافظات في التنمية، وهي فرصة طيبة للشباب الواعي والجاد ليتقدم إلى مقدمة الصفوف في العمل والعطاء والحفاظ على مصالح الدولة والمجتمع.

ثانيا: إن إتاحة المزيد من مرونة الحركة ومبادرات المحافظات للنهوض بالمجتمعات المحلية على مستوى الولاية والمحافظة من شأنه أن يجتذب أعدادا أكبر من الشباب ومن الطاقات العمانية الواعدة التي لديها القدرة على خدمة مجتمعاتها تنمويا واجتماعيا، وبقدر الأهمية التي ينطوي عليها ذلك فيما يتعلق باجتذاب هذه الطاقات الشابة للدخول إلى دائرة العمل والخدمة العامة لكل من يملك القدرة على القيام بذلك من الشباب وهو ما يعود بالخير على حاضر الوطن ومستقبله، بقدر أهميته للشباب ذاته، وذلك من منطلق أن العمل في المجالس البلدية، عبر النجاح في الانتخابات القادمة، وبذل الجهود المخلصة والدؤوبة للارتقاء بتنمية الولايات والمحافظات، هو في الواقع الطريق العملي والمضمون إلى حد كبير للتقدم والارتقاء إلى مقدمة صفوف العمل الوطني في المجالات المختلفة وهي فرصة حقيقية تعززها الإرادة السياسية السامية للانطلاق بمسيرة التنمية المتجددة بخطى أسرع وأكثر اتساعا وشمولا لتحقيق الطموحات والأولويات الوطنية، خاصة أن فترة الأعوام الثلاثة الأخيرة قد شهدت العديد من الخطوات للأخذ بمتطلبات الإعداد لذلك ماليا واقتصاديا واجتماعيا وتنظيميا على المستوى الوطني العام، ومما له دلالة في هذا المجال على سبيل المثال ما تحقق على صعيد خفض الديون الخارجية بل والمبادرة بتسديد بعض شرائحها قبل حلول موعدها، ونجاح خطة التوازن المالي قصير الأمد من ناحية، والفائض الذي تحقق في الميزانية العامة للدولة من ناحية ثانية، هذا فضلا عن قيام مؤسسة «ستاندرد اند بورز» العالمية للتصنيف الائتماني برفع التصنيف الائتماني للسلطنة مؤخرا من « بي بي سالب « إلى « بي بي مع نظرة مستقرة إيجابية «، وهو ما يعزز في الواقع من ثقة المستثمرين ومؤسسات التمويل الدولية في الاقتصاد العماني. وينعكس إيجابيا على المجتمع ككل.

وإذا كانت عملية انتخابات المجالس البلدية عملية متكاملة بين الحكومة والمواطنين، فإنها تعد أيضا مؤشرا بالغ الدلالة لنظرة المجتمع والمواطنين لعملية المشاركة في الشأن العام وفي جهود التنمية الوطنية والحرص على بذل كل ما يدعم تحقيق ما يتطلع إليه الشباب ويدعو إليه، وبالتالي فإن الطريق أصبح مفتوحا تماما، ولا مجال ولا مبرر لأي تكاسل أو تقاعس في المشاركة الإيجابية والجادة، خاصة أن تقييم عملية الانتخابات تحسب عادة في النهاية في ضوء البعد الاجتماعي، ومدى المشاركة الفاعلة فيها من جانب الناخبين والناخبات، ومدى اختيارهم لأفضل الكوادر لتمثيلهم، ولا سيما بعد أن هيأت الحكومة كل سبل النجاح لعملية الانتخابات وألقت بالكرة في ملعب المواطنين.