أفكار وآراء

بين الرياضة والسياسة حرب القيم والأفكار

هناك عبارة شهيرة قيلت منذ عقود لأحد المفكرين العرب بعد زيارته للغرب وهي أن الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا، ويبدو لي أن هذه العبارة تلخص مجمل الصراع على مدى قرون والذي انتهى بالتفوق الحضاري الغربي بعد الثورة الصناعية الأولى واختراع الآلة البخارية وبعد ذلك الآلات التي تعمل على الفحم وانطلاق موجات المواجهة الاستعمارية من الغرب إلى الشرق لتحقيق عدد من الأهداف، في مقدمتها السيطرة على المواد الأولية وأيضا التحكم في ممرات التجارة الدولية. وكانت قناة السويس وباب المندب أحد اهم المضايق البحرية التي انطلق منها الاستعمار القديم كما أن هدف التبشير كان حاضرا ليس فقط من ناحية نشر المسيحية في الشرق ولكن من خلال إدخال اللغة والقيم الليبرالية الغربية إلى المجتمعات الشرقية وفي مقدمتها الدول العربية.

ورغم أن التأثيرات بعد جلاء الاستعمار الغربي كانت محدودة على صعيد نشر الأفكار الليبرالية والتبشير إلا أن موضوع اللغة وخاصة اللغة الفرنسية حقق نجاحا ملحوظا خاصة في دول المغرب العربي حيث لا تزال المعاناة موجودة. ومن هنا ظل الغرب يحمل في عقله الباطن مسألة حرب القيم وأن الشرق لا يزال متخلفا لأنه لم يرتق لمسار الأدوات الحضارية الحديثة، وأصبح الإسلام على وجه التحديد هو العدو الأول للقيم الغربية والأفكار التي يريد الغرب من خلال النخب والمفكرين تطبيقها كما نجحت فرنسا بشكل نسبي على صعيد تمكين الفكر الفرانكفوني في دول المغرب العربي وإفريقيا.

ومن هنا، فإن المشهد الحضاري والصراع بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي سوف يتواصل من خلال جملة من القضايا المحورية والتي تمس قضايا العقيدة الإسلامية، كما أن وجود الأحداث الأخيرة في الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ قد عمقت فكرة العداء الحضاري. وعلى ضوء ذلك تصاعدت حدة الخطاب الغربي خلال أحداث كأس العالم في دولة قطر من خلال تسويق المظاهر الليبرالية التي لا تتوافق مع الأديان بشكل عام بما فيها المسيحية. لقد شهدت الأشهر الأخيرة وحتى قبل انطلاق كأس العالم في أول دولة عربية وإسلامية حملة شرسة من النخب الغربية وحتى الحكومات حول ضرورة حقوق الشواذ وجملة من القيم الدخيلة على المجتمعات العربية والإسلامية بل إن الأمر وصل إلى تسويق تلك المظاهر الشيطانية من خلال مدرجات كرة القدم ومن خلال وزراء ومسؤولين من الدول الغربية في تحد سافر للأنظمة والقوانين التي تسنها الدولة التي تستضيف الحدث الكروي الأبرز في العالم أو حتى احترام قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي ينظم الأحداث الرياضية وفق منهج محدد.

إن الغرب يرتبط بمصالح اقتصادية وعسكرية كبيرة بالعالم العربي وهناك مصالح مشتركة وأصوات معتدلة في الغرب، ومع ذلك فإن الهجمة الشرسة الأخيرة على كل ما هو إسلامي وضد القيم الإنسانية لهو أمر خطير على صعيد المواجهة بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي. وهذا يذكرنا بالحروب الصليبية في القرون الوسطى، ومن هنا، فإن على العقلاء في الغرب أن يراجعوا أمورهم تجاه الإسلام والمسلمين، خاصة أن هناك ملايين المسلمين في الغرب الذين يساهمون في المجالات المختلفة ولهم بصمات علمية كبيرة. وعليه، فإن التسامح الذي ينادي به الإسلام الحنيف هو الطريق الصحيح للتعايش بين البشر وعدم فرض الآراء والأفكار والقيم على الآخرين وهذا هو المنطق الصحيح.

إن الرياضة تبقى إحدى الأدوات الحضارية التي تساهم في التقريب بين الشعوب وتخلق مناخا من التعايش رأينا مظاهره الإيجابية في دولة قطر الشقيقة حيث التفاهم والاحترام بين الشعوب التي جاءت من كل دول العالم لتشهد هذه النسخة المميزة من كأس العالم وحيث إن ذلك النجاح المبهر لدولة عربية وإسلامية في مجال تنظيم هذا الحدث الكروي العالمي قد أثار حفيظة البعض في الغرب. ومن هنا جاءت تلك الحملات الإعلامية المنظمة وأيضا إقحام قضايا الشواذ وقضايا تتصادم والدين الإسلامي الحنيف دين الفطرة الإنسانية السوية، وإن لكل أمة قيمها وعاداتها وتقاليدها وعرفها الاجتماعي وإن فرض الأفكار والقيم هو أمر مرفوض ويتعارض أساسا مع أدوات الديمقراطية التي يتشدق بها الغرب حيث إن تحدي القوانين لأي بلد هو اعتداء صريح على السيادة والنظام، خاصة أن تلك السقطات الأخلاقية جاءت من قبل مسؤولين غربيين للأسف وأمام آلاف المشاهدين في الملاعب الرياضية وعشرات الملايين أمام شاشات التلفزة في العالم.

وفي تصوري أن تلك السلوكيات هي سقطات أخلاقية، وإن مقولة أن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا تقترب من الحقيقة على الأقل في الجانب القيمي وفرض الأفكار على الشعوب والأمم.

إن القيم الغربية تبقى للغرب بصرف النظر عن رفضها سلوكيا ودينيا. ومن هنا، فإن الرسالة الأساسية التي لا بد أن يستوعبها الغرب أن العالم العربي والإسلامي له قيمته الأصيلة المتجذرة وأن أي قيم تتعارض مع تلك القيم الرصينة هي مرفوضة شعبيا قبل أن تكون مرفوضة رسميا. ومن هنا اختلطت الرياضة بالسياسة وهناك تصريحات قطرية حاسمة لرفض تلك السلوكيات اللاأخلاقية كما تمت إدانة خلط الرياضة بالسياسة وخلق صراع حضاري بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي الذي تحاول بعض النخب الغربية فرضه على الآخرين وهذه سقطة أخلاقية لدول تدعي حرية الآراء واحترام خيارات الآخرين وعدم فرض الآراء قسرا.

إن النجاح المبهر في تنظيم كأس العالم من قبل دولة عربية وإسلامية وهي دولة قطر قد أثار حفيظة البعض في الغرب وراهنوا على فشل الحدث من خلال حملات انتهت بالفشل الذريع والسقوط الأخلاقي. ومن هنا فإن هذه القضية المحورية لا بد من إثارتها مع الجانب الآخر، حتى تأشيرة شنجن تم ربطها بتلك السلوكيات السلبية، وهنا تكمن خطورة الأساليب الغربية المرفوضة وعلى الدول الغربية أن تراجع سلوكها تجاه العرب والمسلمين لأنها بذلك تخلق عداء حضاريا سوف يكون الأخطر في هذا القرن، وسوف يظل العالم الإسلامي محافظا على سمات التسامح والحوار وقبول الآخر في الحدود المقبولة دينيا وأخلاقيا.

عوض بن سعيد باقوير - صحفي وكاتب سياسي