أفكار وآراء

وسائل التواصل الاجتماعي وإنتاجية الموظفين

تمثّل وسائل التواصل الاجتماعي أهمية كبرى في مختلف مناحي الحياة اليومية للأفراد وللمجتمعات، فأصبحت جزءا لا يتجزأ من عمل المؤسسات اليومي في ظل التطور الرقمي الذي يشهده العالم حاليا، إذ جاءت هذه الوسائل الإلكترونية لخدمة الإنسان وسهّلت عليه الكثير من أمور حياته اليومية، إلا أن هناك ممارسات أساءت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مما سبب الضرر للآخرين، وأثّرت سلبا على إنتاجية الموظفين في مقار العمل، أو عبر نظام العمل عن بُعد الذي تنتهجه بعض الشركات منذ تفشي جائحة كوفيد19 من بين الممارسات السلبية هي الانشغال بالتفاعل مع الموضوعات والقضايا في وسائل التواصل الاجتماعي، وتبادل الأحاديث والتعارف بين مرتادي المنصات الإلكترونية ومتابعيها؛ الأمر الذي أدى إلى تشتت تركيز الموظفين على الأعمال في موقع العمل، وإنجازها وفق الخطط المتفق عليها لتحقيق الأهداف التي تخدم الصالح العام وتخدم أهداف المؤسسة، لذلك أصبح من المهم مراقبة الموظفين وسلوكياتهم في مقار العمل، وتقييم مدى حاجتهم لاستخدام الوسائل الإلكترونية؛ لضمان عدم تأثر إنتاجية الموظف، وعدم إفشاء أسرار المؤسسة، أو تبادل المعلومات والبيانات مع مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي خاصة وأنهم يتعاملون مع حسابات ليست بالضرورة تمثّل أشخاصا حقيقيين موثوقين للحديث معهم حول المؤسسة باستفاضة وأريحية، فكما هو معلوم أن وسائل التواصل الاجتماعي تساعد على إتاحة القدرة لمستخدميها التواصل فيما بينهم عبر وضع معلومات وتعليقات ورسائل وصور وغيرها، فوسائل التواصل الاجتماعي كما يعرّفها البعض بأنها مواقع الشبكات الاجتماعية على صفحة الويب التي يمكن أن تسهل التفاعل النشط بين المشتركين في هذه الشبكة الاجتماعية الموجودة بالفعل على الإنترنت؛ بهدف توفير مختلف وسائل الاهتمام، والمشاركة المساعدة على التفاعل بين الأعضاء بعضهم البعض عبر المراسلة الفورية والمقاطع المرئية والدردشة، وتبادل الملفات ومجموعات النقاش والمدونات والصور. وأسهمت تلك الأنشطة المختلفة التي يقومون بها مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي ومتابعيها في تحفيز الموظفين لقضاء أوقات أطول في الوسائل الإلكترونية للمشاركة في المساحات الحوارية، والتفاعل مع الأخبار وما يتداول فيها من معلومات وحقائق.

وفقا لعدد من الدراسات والبحوث التي أجريت وجِد أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي له تأثير إيجابي على إنتاجية الموظفين في الاتصال المتبادل والتعاون الفعال، إذ أظهرت بعض الدراسات أن الموظفين الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي منتجون أكثر بنسبة 9% من الذين لا يستخدمونها، وأن 70% من الذين استخدموا الإنترنت للتصفح الشخصي زاد لديهم التركيز في العمل، إلا أن من المخاطر المتوقّع حدوثها عبر استخدام الوسائل الإلكترونية في موقع العمل بجانب تأثر إنتاجية الموظفين هي مشاركة التحديات التي تواجه المؤسسة والموظفين في شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الحديث مع أشخاص مجهولي الهوية متخفّين خلف حسابات في بعض المنصات الإلكترونية؛ لإيجاد حلول لمشكلاتهم في مكان العمل، مما يؤثر على سمعة المؤسسة والأخطر من ذلك مشاركة البيانات والمعلومات مما قد تساعد على عمليات الاختراق الإلكتروني، فأشارت دراسات وبحوث أخرى إلى أن هناك تأثير سلبي جراء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على إنتاجية الموظفين؛ لانشغالهم بالتفاعل في الوسائل الإلكترونية، وعدم الاكتراث للأدوار المناطة بهم، بالإضافة إلى عدم تقيّدهم بموعد تسليم أعمالهم وخططهم مما أدى إلى تأخر إنجازها.

لقد أظهرت دراسة أجريت من قبل نيكلوس ريسيرج مع 237 موظفا متعاونا أن 77% من الموظفين الذين يتصفحون مواقع التواصل الاجتماعي خلال ساعات العمل انخفضت إنتاجيتهم بنسبة 1.5% في المؤسسات التي تسمح فيها للموظفين بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي في مكان العمل، وكانت النتائج واضحة جدا أن انخفاض الإنتاجية كان بسبب الإدمان والإفراط في تصفح وتحميل الصور التي لم يكن لها علاقة بمكان العمل.

إن استخدام الموظفين لوسائل التواصل الاجتماعي في مقار العمل لساعات طويلة يوميا ينبغي أن يرافقه رقابة مستمرة من قبل مسؤولي المؤسسات والقائمين على متابعة الأداء وتقييمه كون أن الأخطار المترتبة على الاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي ربما يسهم في تداول معلومات مغلوطة وغير صحيحة عن المؤسسة مما ينتقص من حجم الجهود التي تُبذل من قبل القائمين عليها في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتحقيق الأهداف المرجوة من وجودها، فوسائل التواصل الاجتماعي بالرغم من إيجابياتها الكثيرة ومنافعها لتقريب التواصل بين الأفراد، وسهولة تبادل الآراء والمعلومات عبرها، إلا أنه من الضروري تقييم الاحتياج لها في مقار العمل، ودراسة حاجة العمل لها وفق الاختصاصات الوظيفية مع تقنين استخدام الإنترنت إلا لضرورة العمل عبر استحداث منصة إلكترونية تقوم بإرسال تقارير يومية للمسؤول المباشر تتضمّن استخدام كل موظف للإنترنت لضمان عدم انشغاله بوسائل التواصل الاجتماعي، وانشغاله بتطبيقات ومواقع إلكترونية أخرى؛ لتجويد العمل وإنجاز أكبر قدر من الأعمال خلال فترة الدوام الرسمي.

أرى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عموما تحفز على التعاون ومشاركة المعرفة بين الأفراد والموظفين لزيادة إنتاجيتها أو تحسّنها على أقل تقدير، لكن من الجيد توجيه الموظفين للاستفادة منها بطريقة فعّالة لخدمة أهداف المؤسسة ولضمان عدم انتهاج ممارسات خاطئة ربما تضر بسمعة المؤسسة والعاملين فيها، فكما هو معلوم أن المحاولة في إيقاف أمرا ما فجأة دون مقدّمات أو طرق للإقناع يعد تهورا وطريقة غير مضمونة لضمان التقيّد به، لكن من الممكن أن تقوم المؤسسة بتحديد استراتيجياتها وتحديثها بشأن استخدام الإنترنت عموما، ووسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، ووضع قوانين لاستخدامها وتعظيم الاستفادة من المزايا التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي، والتخفيف من المخاطر التي ربما تنشأ من استخدامها السيىء وغير الضروري، فكما يقول هوتلي في كتابه الشبكات الاجتماعية كأداة عمل: 'إنه من الحكمة أن تحتضن المنظمات وسائل التواصل الاجتماعي، وترعى منصات التواصل الاجتماعي وأن تنشئ قوانين وإجراءات مؤمنة للسيطرة على كيفية استخدامها داخل مكان العمل، فوسائل التواصل الاجتماعي غير الخاضعة للرقابة خطر أمني، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي الخاضعة للرقابة ستزيد من عمل المنظمة، وتعزز التعاون في نهاية المطاف'.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي عماني