أفكار وآراء

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جعلها رجل أوروبا المريض مرة أخرى

ترجمة: بدر بن خميس الظّفري -

عندما طُلب مؤخرًا من (مايكل جوف) وزير الدولة للإسكان والمجتمعات والحكومة المحلية في المملكة المتحدة في برنامج توداي (Today) أن يذكر شيئا عن «الفرص» التي منحها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان حالُ الوزير بائسا ووقع في حيرة من أمره.

ومع ذلك، كان بإمكان الوزير أن يستخدم حيلة للخروج من مأزقه، فكل ما كان عليه قوله، هو إن «الفرصة» الوحيدة التي نشأت عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كانت إجراء تجربة علمية لإثبات أن الفكرة برمتها كانت خاطئة، ولكنه لم يستطع التصريح بذلك لأنه كان من المؤيدين لعملية الخروج، علاوة على ذلك، كانت تلك خدعة ثقة وقع فيها الشعب البريطاني، الذي يدرك غالبيته الآن أنهم تعرضوا لها.

وبينما يعاني قطاع الأعمال والصناعة من عواقب فرض عقوبات على قدرتنا على التبادل مع أكبر أسواقنا التجاريّة (الاتحاد الأوروبي)، ويصارع المواطنون -الذين يسميهم الاقتصاديون «المستهلكين»- ارتفاع أسعار الواردات الناتج عن تخفيض قيمة العملة بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن استطلاعات الرأي تدلل على رأي واضح للناس حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

يوضّحُ استطلاع أجرته مؤخرا مجموعة يو جوف (YouGov) مؤخرًا أن 56% من الناس يعتقدون أننا كنا مخطئين في مغادرة الاتحاد الأوروبي، وأن 32% فقط يعتقدون أننا كنا على حق، وحتى 19% ممن وافقوا على التصويت يعتقدون أنهم مخطئون، والفئة العمرية الوحيدة التي لا تزال أغلبيتها تؤيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هم الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا، ويعتقد 88% ممن صوتوا لحزب العمال في 2019 أن المغادرة كانت قرارًا خاطئًا.

من الواضح أن الأعضاء الأكثر ذكاءً في مجلس وزراء (سوناك/ هانت) قد تلقوا رسالة من الاتحاد البريطاني للصناعة ومن أماكن أخرى أننا بحاجة، من أجل مصلحة اقتصادنا والمصلحة العامة، إلى الانضمام إلى السوق الموحدة، إلا أنّهم لا يستطيعون التصريح بذلك، رغم ما يبدو من تغيير في المواقف تجاه الهجرة وحرية التنقل منذ عام 2016، عندما قام (بوريس جونسون)، وهو نفسه من أصل تركي، بإثارة المشاعر المناهضة للمهاجرين بشأن تدفق وشيك للمهاجرين الأتراك.

تلقى (سوناك) رسالة مفادها أن مزيج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والفوضى في حزب المحافظين وحزب بريكست دفع المراقبين الأجانب إلى نتيجة مفادها أن بريطانيا تغرق بسرعة، ووفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن أداء روسيا فقط هو أسوأ من أداء المملكة المتحدة من مجموعة الاقتصادات العشرين الرائدة. نعم، لقد كان يطلق علينا اسم «رجل أوروبا المريض» حتى انضممنا إلى الاتحاد الأوروبي، ثمّ غادرنا الاتحاد الأوروبي واستعدنا هذا الوضع المضطرب.

لقد أدت عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي إلى فوائد عظيمة لهذا البلد، حيث قاتلت حكومتا حزب العمال والمحافظين، وحصلتا على ما تريدان، وقامت (مارجريت تاتشر) وذراعها الأيمن في التفاوض (اللورد كوكفيلد) بدور مهم في إنشاء السوق الموحدة، وحقق (جون ميجور) العجائب في مدينة ماستريخت مع إلغاء المملكة المتحدة للعملة الموحدة. أما بالنسبة لمخاوف اليمين بشأن اتحاد «أقرب من أي وقت مضى»، فقد أُزيلت بشكل ملائم. وبمختصر الكلام، فإن ما حققه أصحاب النفوذ من المؤيدين للخروج ليس سوى خروج بريطانيا غير الضروري على الإطلاق من الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى تراجع الاقتصاد.

وبحسب المكتب المسؤول عن إعداد الميزانية فإن الضرر التراكمي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون كافيا لضرب 4% كل عام من الناتج المحلي الإجمالي المحتمل، وكما قال (مايكل سوندرز) العضو السابق في لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا: «لن تكون هناك حاجة إلى زيادات ضريبية [و] خفض الإنفاق لو لم يخفض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الناتج المحتمل للاقتصاد بشكل كبير». وأفادت صحيفة فايننشال تايمز مؤخرًا أن العديد من مديري الأصول الذين كان (سوناك وهانت) يحاولون تهدئتهم بعد فشل فريق (تروس-كوارتنج) الذريع كانوا قلقين من مخاطر المبالغة في التقشف!

وفي إحدى المناسبات كنتُ مع المؤرخ (اللورد هينيسي)، وقد أخبرنا وزير الخزانة الدائم السابق، (اللورد كروهام) أنّ: «ما يهم ليس موازنة الميزانية بل موازنة الاقتصاد». ومع ذلك، مع الميزانية الأخيرة وبيان (سوناك) «الصادم والمرعب»، يبدو أننا نعود إلى عصر السياسة الاقتصاديّة النقديّة السادية، وبالتالي نحن بالتأكيد بعيدين كل البُعد عن تحقيق التوازن في الاقتصاد.

يقول الخبير الاقتصادي (جيم بول) إنه دائما ما يشعر بالريبة من الأشخاص الذين يقدمون تفسيرًا واحدًا كبيرًا، وبالنسبة لهذه الحكومة، كان التفسير الواحد الكبير لمشاكلنا الاقتصادية في البداية كوفيد، ثم أوكرانيا. أنا لا أقول إنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو سبب كل مشاكلنا ولكنني أقول إنه فاقم هذه المشاكل، ومع الاحترام الواجب لذكرى البروفيسور (بول) الراحل، أود القول بأنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو التفسير الكبير الوحيد لأداء هذا الاقتصاد بشكل أسوأ بكثير من بقية دول مجموعة العشرين.

وليام كيجان كبير المعلقين الاقتصاديين في جريدة الأوبزرفر البريطانية

عن جريدة الجارديان البريطانية