حوكمة سياسات الإبداع
السبت / 8 / جمادى الأولى / 1444 هـ - 18:43 - السبت 3 ديسمبر 2022 18:43
يخبرنا تقرير 'إعادة تشكيل سياسات الإبداع. معالجة الثقافة كمنفعة عامة عالمية'، الصادر عن المنظمة العالمية للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، أن الثقافة والإبداع يمثلان '3.1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و6.2% من إجمالي العمالة، وقد تضاعفت صادرات السلع والخدمات الثقافية من حيث القيمة من عام 2005 لتصل إلى 389.1 مليار دولار أمريكي في العام 2019'، ولذلك فهو يُعد من بين القطاعات الاقتصادية الأسرع نموا في العالم، غير أن التقرير نفسه يشير إلى أن تجاهل الاستثمار العام والخاص لهذا القطاع المهم يجعله يواجه الكثير من التحديات التي تؤدي غالبا إلى ضعفه وربما انهياره كما كان أثناء الأزمة الاقتصادية والصحية خلال السنوات الماضية؛ حيث كان القطاعان الثقافي والإبداعي من بين القطاعات الأكثر تضررا أثناء وباء كوفيد(19)، فلقد فقدت القطاعات الثقافية والإبداعية 'أكثر من 10 ملايين وظيفة في عام 2020 وحده' – حسب التقرير –، على الرغم من أن أكثر العاملين في هذا القطاع والمستفيدين منه هم من فئة(النساء) و(المبدعين الشباب)، مما أدَّى إلى تحديات عدة على المستوى الاجتماعي.
يكشف التقرير البيانات الخاصة بالإبداع والثقافة بهدف تقييم مستوى التنوُّع الثقافي، وتأثير (الاختلالات) المستمرة في تداول السلع والخدمات الثقافية، وذلك انطلاقا من شعار (حان الوقت لإطلاق إمكانات الثقافة كاملة من أجل تشكيل المستقبل)، ولهذا فإن تشكيل مستقبل الثقافة يتطلَّب بناء نظام (حوكمة) خاص بها يشمل 'الأُطر المعيارية والسياسات العامة والبنية التحتية والقدرات المؤسسية والعمليات التي تشكِّل القطاعين الثقافي والإبداعي' – كما جاء في تقرير اليونسكو –، بحيث يضمن فاعلية مشاركة المؤسسات والجهات العاملة والداعمة للثقافة، وبالتالي فإن هذه الشراكة تشمل مجموعة من المرتكزات التي تقوم على (التنوُّع الإعلامي) باعتباره أحد أهم عوامل (التعبير الثقافي)، والذي يدعم ازدهاره في المجتمع، و (البيئة الرقمية) التي تعزِّز (التفاعل بين الثقافات)، و(المجتمع المدني) بوصفه (بيئة تمكينية) للممارسات والمبادرات الثقافية.
إن إيجاد السياسات الثقافية وتنفيذها وتقييمها ضمن مفاهيم الحوكمة الثقافية، يمكِّن القطاع الثقافي والإبداعي؛ ذلك لأن (تبسيط الأطر التشريعية، وهيكلة النظام البيئي الإبداعي، وتوفير إطار مستجيب لمواجهة التحديات الجديدة)، ستُسهِم في إيجاد محتوى ثقافي متنوِّع، قادر على التغلُّب على التحديات المختلفة التي تواجه هذا القطاع، لذا فإن توفير بيئة تشاركية قائم على حوكمة مرنة، هو الغاية التي ينشدها هذا القطاع في ظل المتغيرات المزايدة، وما كشفته التحديات الماضية من هشاشة القطاع وعدم استدامته، ولهذا فإن تقرير اليونسكو يوصي ببناء (قطاعات ثقافية وإبداعية نابضة بالحياة، ودعم الفنانين والمهنيين الثقافيين) بما يُسمى بـنظام (رعاية المبدعين) من خلال توفير فرص التدريب والتواصل وبرامج التمويل، التي تُسهِم في الاستفادة من إمكاناتهم الإبداعية وتمكين قدرتهم على المساهمة الفاعلة في دعم القطاع الإبداعي.
تُعدُّ رعاية المبدعين من بين تلك الأسس التي يقوم عليها ازدهار القطاع الثقافي، وتؤسس للإمكانات الإبداعية التي يتميَّز بها المبدعون، بحيث تُسِهم في تطوير تلك الإمكانات بما يتوافق مع القيم الثقافية والتنموية في المجتمعات، ولهذا فإن (حوكمة الثقافة) تعتمد على قدرة الشركاء على تأسيس نموذجا من السياسات والقدرات المؤسسية القائمة على الأهداف الوطنية للثقافة والإبداع، وبالتالي قدرتها على تمكين القطاع بالمهارات الرقمية ودعمها بالتنوع الإعلامي المهني، الذي يُسِهم في بناء الصورة الذهنية لثقافة المجتمع؛ فما تقدمه وسائل الإعلام عن ثقافة المجتمع يؤطر تلك الثقافة ويدعم فهم الآخر لها ضمن نطاقها المحلي والإقليمي وكذلك الدولي، وبالتالي يُسهم مباشرة في تأسيس النماذج الثقافية لصورة المجتمع.
يقدِّم (تقرير حوكمة الفنون والثقافة)، الصادر عن معهد مديري المجتمع (ICDA) في أستراليا، الحالة الراهنة للفنون، ويسلِّط الضوء على 'رؤى جديدة بشأن ممارسات الحوكمة التي يجب أن نستيجب لها'؛ ذلك لأن الحوكمة (القوية) للفنون تُسِم في ازدهار القطاع الإبداعي، وتحقيق إمكانات تنوعه على مستوى الابتكار، وبالتالي فإن قدرة الدول على حوكمة الفنون والثقافة بشكل عام، هي أساس إجراءات تحسين الإمكانات الاقتصادية لهذا القطاع وتطويرها؛ حيث يكشف التقرير أن 'تصنيف ثلث المؤسسات الفنية والثقافية أي 33% على أنها صغيرة جدا (مع إيرادات سنوية أقل من 50.000 دولار)، وأن 30% من تلك المؤسسات صغيرة (50.000 دولار – 250.000 دولار من حجم التداول)، و30% الأخرى متوسطة (250.000 دولار – مليون دولار)، فيما يمكن تصنيف 7% فقط من المؤسسات على أنها كبيرة (تتجاوز مليون دولار من الإيرادات السنوية'.
ولهذا فإن التقرير يُصنِّف القطاع الثقافي بشكل عام في مساهمته الاقتصادية بأنها ما زالت ضمن (غير الربحية)؛ فما تقدمه الدول من دعم لهذا القطاع وللمبدعين والمهنيين العاملين فيه، أو المستفيدين منه، لا يمثِّل المنتَج النهائي أو لا يشير إلى تلك الجهود المبذولة لدعمه وتطويره، والسبب في ذلك نظام (الحوكمة) الذي يمكِّن هذا القطاع من النمو والمساهمة في الازدهار الاقتصادي والاجتماعي؛ فالحوكمة باعتبارها مرتكزا أساسيا، تقدِّم إمكانات لقياس مستوى القطاع وقدرته من ناحية، وتطويره وإنمائه من ناحية ثانية، و تيسير إيجاد وسائل وبرامج استدامته من ناحية ثالثة.
يكشف تقرير (ICDA) أن المؤسسات الثقافية تعتمد على (الخطط الاستراتيجية) باعتبارها نظام حوكمة أكثر من أي نظام آخر، وبالتالي فإنها تتتّبع تقدمها وفقا لتحقيق مؤشرات تلك الخطط، ولأن هذه المؤسسات (غير ربحية) بالمعنى الذي قدّمه التقرير، فإنها نادرا ما تعتمد على المؤشرات المالية، ومدى مساهمة هذا القطاع في النمو الاقتصادي، ولهذا فإنها تركِّز على متابعة تطورَّها وفقا للأهداف الاستراتيجية ومؤشرات الأداء الخاصة بها، وعلى ذلك فإن تقييم أدائها يرتكز على التطوير الذي يشمله القطاع وقدرته على تحسين أداء المبدعين، أي أنه يتوجَّه نحو الازدهار الإبداعي أكثر من الابتكار في الصناعات المرتبطة بالقطاع.
إن نظام الحوكمة الثقافية يعتمد على (البيئة التمكينية) الذي تمثله مؤسسات المجتمع المدني، ومدى مرونة أنظمة تلك الحوكمة في تعزيز دورها، ومساهمتها الفاعلة في تطوير القطاع وإنمائه، بما يتناسب مع السياسات الوطنية التنموية، ولذلك فإنه يشمل مراجعة خطط تلك المؤسسات بُغية بناء منظومة بيئة ثقافية قادرة على دعم سياسات المرونة والاستدامة لهذا القطاع من ناحية، وتمكين المبدعين وتدريبهم بما يتناسب ومتطلبات مستقبل الثقافة الوطنية، وآفاق قدرتها الإبداعية من ناحية ثانية؛ ذلك لأن هذه المراجعة تقدِّم مؤشرات بشأن إمكانات أنظمة حوكمة تلك المؤسسات وسياساتها، وما تقدمه من تطوير للمهارات الإبداعية وتحسين رؤى الثقافة وتطلعاتها، وقدرتها على تأسيس منظومة حماية وتمكين للمبدعين، وبالتالي بيئة قادرة على التطوير والإنماء.
وعليه فإن تطوير حوكمة القطاع الثقافي وتحسينه بما يتوافق والرؤى الوطنية، وما يُراد من الثقافة وما ينبغي لها أن تكون في المستقبل، من أهم المرتكزات التي تُسِهم في إنماء هذا القطاع، وتنمية قدرته على تطوير ممكَّناته ونظامه البيئي، بحيث يكون أكثر قدرة على الصمود، وأكثر قابلية على تأسيس برامج إبداعية قادرة على الابتكار والإنتاج ضمن الصناعات الإبداعية.
يكشف التقرير البيانات الخاصة بالإبداع والثقافة بهدف تقييم مستوى التنوُّع الثقافي، وتأثير (الاختلالات) المستمرة في تداول السلع والخدمات الثقافية، وذلك انطلاقا من شعار (حان الوقت لإطلاق إمكانات الثقافة كاملة من أجل تشكيل المستقبل)، ولهذا فإن تشكيل مستقبل الثقافة يتطلَّب بناء نظام (حوكمة) خاص بها يشمل 'الأُطر المعيارية والسياسات العامة والبنية التحتية والقدرات المؤسسية والعمليات التي تشكِّل القطاعين الثقافي والإبداعي' – كما جاء في تقرير اليونسكو –، بحيث يضمن فاعلية مشاركة المؤسسات والجهات العاملة والداعمة للثقافة، وبالتالي فإن هذه الشراكة تشمل مجموعة من المرتكزات التي تقوم على (التنوُّع الإعلامي) باعتباره أحد أهم عوامل (التعبير الثقافي)، والذي يدعم ازدهاره في المجتمع، و (البيئة الرقمية) التي تعزِّز (التفاعل بين الثقافات)، و(المجتمع المدني) بوصفه (بيئة تمكينية) للممارسات والمبادرات الثقافية.
إن إيجاد السياسات الثقافية وتنفيذها وتقييمها ضمن مفاهيم الحوكمة الثقافية، يمكِّن القطاع الثقافي والإبداعي؛ ذلك لأن (تبسيط الأطر التشريعية، وهيكلة النظام البيئي الإبداعي، وتوفير إطار مستجيب لمواجهة التحديات الجديدة)، ستُسهِم في إيجاد محتوى ثقافي متنوِّع، قادر على التغلُّب على التحديات المختلفة التي تواجه هذا القطاع، لذا فإن توفير بيئة تشاركية قائم على حوكمة مرنة، هو الغاية التي ينشدها هذا القطاع في ظل المتغيرات المزايدة، وما كشفته التحديات الماضية من هشاشة القطاع وعدم استدامته، ولهذا فإن تقرير اليونسكو يوصي ببناء (قطاعات ثقافية وإبداعية نابضة بالحياة، ودعم الفنانين والمهنيين الثقافيين) بما يُسمى بـنظام (رعاية المبدعين) من خلال توفير فرص التدريب والتواصل وبرامج التمويل، التي تُسهِم في الاستفادة من إمكاناتهم الإبداعية وتمكين قدرتهم على المساهمة الفاعلة في دعم القطاع الإبداعي.
تُعدُّ رعاية المبدعين من بين تلك الأسس التي يقوم عليها ازدهار القطاع الثقافي، وتؤسس للإمكانات الإبداعية التي يتميَّز بها المبدعون، بحيث تُسِهم في تطوير تلك الإمكانات بما يتوافق مع القيم الثقافية والتنموية في المجتمعات، ولهذا فإن (حوكمة الثقافة) تعتمد على قدرة الشركاء على تأسيس نموذجا من السياسات والقدرات المؤسسية القائمة على الأهداف الوطنية للثقافة والإبداع، وبالتالي قدرتها على تمكين القطاع بالمهارات الرقمية ودعمها بالتنوع الإعلامي المهني، الذي يُسِهم في بناء الصورة الذهنية لثقافة المجتمع؛ فما تقدمه وسائل الإعلام عن ثقافة المجتمع يؤطر تلك الثقافة ويدعم فهم الآخر لها ضمن نطاقها المحلي والإقليمي وكذلك الدولي، وبالتالي يُسهم مباشرة في تأسيس النماذج الثقافية لصورة المجتمع.
يقدِّم (تقرير حوكمة الفنون والثقافة)، الصادر عن معهد مديري المجتمع (ICDA) في أستراليا، الحالة الراهنة للفنون، ويسلِّط الضوء على 'رؤى جديدة بشأن ممارسات الحوكمة التي يجب أن نستيجب لها'؛ ذلك لأن الحوكمة (القوية) للفنون تُسِم في ازدهار القطاع الإبداعي، وتحقيق إمكانات تنوعه على مستوى الابتكار، وبالتالي فإن قدرة الدول على حوكمة الفنون والثقافة بشكل عام، هي أساس إجراءات تحسين الإمكانات الاقتصادية لهذا القطاع وتطويرها؛ حيث يكشف التقرير أن 'تصنيف ثلث المؤسسات الفنية والثقافية أي 33% على أنها صغيرة جدا (مع إيرادات سنوية أقل من 50.000 دولار)، وأن 30% من تلك المؤسسات صغيرة (50.000 دولار – 250.000 دولار من حجم التداول)، و30% الأخرى متوسطة (250.000 دولار – مليون دولار)، فيما يمكن تصنيف 7% فقط من المؤسسات على أنها كبيرة (تتجاوز مليون دولار من الإيرادات السنوية'.
ولهذا فإن التقرير يُصنِّف القطاع الثقافي بشكل عام في مساهمته الاقتصادية بأنها ما زالت ضمن (غير الربحية)؛ فما تقدمه الدول من دعم لهذا القطاع وللمبدعين والمهنيين العاملين فيه، أو المستفيدين منه، لا يمثِّل المنتَج النهائي أو لا يشير إلى تلك الجهود المبذولة لدعمه وتطويره، والسبب في ذلك نظام (الحوكمة) الذي يمكِّن هذا القطاع من النمو والمساهمة في الازدهار الاقتصادي والاجتماعي؛ فالحوكمة باعتبارها مرتكزا أساسيا، تقدِّم إمكانات لقياس مستوى القطاع وقدرته من ناحية، وتطويره وإنمائه من ناحية ثانية، و تيسير إيجاد وسائل وبرامج استدامته من ناحية ثالثة.
يكشف تقرير (ICDA) أن المؤسسات الثقافية تعتمد على (الخطط الاستراتيجية) باعتبارها نظام حوكمة أكثر من أي نظام آخر، وبالتالي فإنها تتتّبع تقدمها وفقا لتحقيق مؤشرات تلك الخطط، ولأن هذه المؤسسات (غير ربحية) بالمعنى الذي قدّمه التقرير، فإنها نادرا ما تعتمد على المؤشرات المالية، ومدى مساهمة هذا القطاع في النمو الاقتصادي، ولهذا فإنها تركِّز على متابعة تطورَّها وفقا للأهداف الاستراتيجية ومؤشرات الأداء الخاصة بها، وعلى ذلك فإن تقييم أدائها يرتكز على التطوير الذي يشمله القطاع وقدرته على تحسين أداء المبدعين، أي أنه يتوجَّه نحو الازدهار الإبداعي أكثر من الابتكار في الصناعات المرتبطة بالقطاع.
إن نظام الحوكمة الثقافية يعتمد على (البيئة التمكينية) الذي تمثله مؤسسات المجتمع المدني، ومدى مرونة أنظمة تلك الحوكمة في تعزيز دورها، ومساهمتها الفاعلة في تطوير القطاع وإنمائه، بما يتناسب مع السياسات الوطنية التنموية، ولذلك فإنه يشمل مراجعة خطط تلك المؤسسات بُغية بناء منظومة بيئة ثقافية قادرة على دعم سياسات المرونة والاستدامة لهذا القطاع من ناحية، وتمكين المبدعين وتدريبهم بما يتناسب ومتطلبات مستقبل الثقافة الوطنية، وآفاق قدرتها الإبداعية من ناحية ثانية؛ ذلك لأن هذه المراجعة تقدِّم مؤشرات بشأن إمكانات أنظمة حوكمة تلك المؤسسات وسياساتها، وما تقدمه من تطوير للمهارات الإبداعية وتحسين رؤى الثقافة وتطلعاتها، وقدرتها على تأسيس منظومة حماية وتمكين للمبدعين، وبالتالي بيئة قادرة على التطوير والإنماء.
وعليه فإن تطوير حوكمة القطاع الثقافي وتحسينه بما يتوافق والرؤى الوطنية، وما يُراد من الثقافة وما ينبغي لها أن تكون في المستقبل، من أهم المرتكزات التي تُسِهم في إنماء هذا القطاع، وتنمية قدرته على تطوير ممكَّناته ونظامه البيئي، بحيث يكون أكثر قدرة على الصمود، وأكثر قابلية على تأسيس برامج إبداعية قادرة على الابتكار والإنتاج ضمن الصناعات الإبداعية.