أعمدة

نوافذ: مونديال قطر وانتفاضة "الأطراف"

 
أمور كثيرة تبهج المتابع لمونديال قطر الحالي، الذي يسير حتى الآن كما تنبأ له جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA بأن يكون النسخة الأفضل لكأس العالم في تاريخه. أهم هذه الأمور من وجهة نظري تراجع نظرية المركز والأطراف في اللعبة الشعبية الأولى في العالم. فلم تعد منتخبات أوروبا وأمريكا الجنوبية هي 'مراكز' اللعبة، والمسيطرة على نتائجها، كما كان سابقا عبر تاريخ كأس العالم الممتد منذ عام 1930م. ولَكم شاهدنا في مونديالات ماضية أنها كانت تصول وتجول فيه بكل أريحية، وإذا ما شذ منتخب آخر قادم من خارج هاتين القارتين فقدم عرضًا جميلًا ونتائج مُبهرة عُدّ ذلك مفاجأة كبيرة، كما حصل مع الجزائر في مونديال إسبانيا عام 1982م، ومع الكاميرون في مونديال إيطاليا سنة 1990م.

في مونديال 2022م انتفضت 'الأطراف' وتحولت إلى 'مركز'، فرأينا المغرب تتصدّر مجموعتها القوية التي تضم كرواتيا (وصيفة المونديال الماضي)، وبلجيكا (صاحبة المركز الثالث في المونديال الماضي)، وكندا، وشاهدنا الأرجنتين بطلة العالم مرتين وهي تنهزم بقضّها وقضيضها و'ميسّيها' أمام أبطال السعودية، ورأينا البرازيل سيدة الكرة في العالم وهي تتعلّم فنون القتال من أسود الكاميرون، الذين هزموها في النهاية وأفسدوا فرحتها بالتأهل. وتفرجنا على فرنسا وهي تقع لقمة سائغة أمام نسور قرطاج، لتودع تونس البطولة بفوز تاريخي جعلها تخرج وهي مرفوعة الرأس. وعاينّا كيف تمكن الكمبيوتر الياباني من تعطيل الماكينة الألمانية وهزيمة الماتادور الإسباني معًا باللعب الرجولي والمنظم. أما رونالدو وزملاؤه البرتغاليون فقد كانوا كالتلاميذ في حصة الدرس أمام أبطال كوريا الذين سيطروا طوال المباراة وفرضوا إيقاعهم عليها حتى تحقق لهم الفوز والتأهل، على الرغم من محاولات الأروغواي – بطلة العالم مرتين – المستميتة لأن تخطف مقعد كوريا في الدور الثاني، لكنها لم تنل في النهاية إلا دموع سواريز. هذه النتائج تثبت أن الكرة –كما الحياة- تعطي من يعطيها، وأن الركون إلى الماضي التليد والأمجاد الغابرة دون عمل من أجل المستقبل لا يمكن أن يؤدي إلى البعيد.

تتضاعف الفرحة بتألق هذه الفرق المحسوبة على 'الأطراف' عندما نعلم أن معظمها كان بقيادة مدرب وطني، فالمغرب كان يقودها المغربي خالد الركراكي، وتونس كانت بقيادة التونسي جلال القادري، والكاميرون قادها الكاميروني ريجوبيرت سونج، واليابان قادها إلى الدور الثاني باقتدار المدرب الياباني هاجيمي موريياسو، ما يعني أن هذه الدول قادرة على الاعتماد على نفسها حين تتوفر لها الإرادة والإمكانيات.

كما أن نجاح قطر الباهر حتى الآن في تنظيم هذا المونديال، وهي الدولة الصغيرة إذا ما قورنت بدول أخرى سبق لها تنظيم كأس العالم، أعطى رسالة مهمة أن 'الأطراف' قادرة أيضًا على تنظيم مثل هذه التظاهرات الضخمة، ليس مثل 'المركز' فحسب، بل أفضل منه بمراحِل، حتى وإن استكثر بعض المسكونين بعقدة 'المركز والأطراف' على قطر هذا التنظيم، وحاولوا النيل من نجاحها بطرق بائسة، وحجج واهية.