عُمان في ثوبها الوطني الجديد
الاثنين / 19 / ربيع الثاني / 1444 هـ - 23:26 - الاثنين 14 نوفمبر 2022 23:26
في خاتمة هذا الأسبوع تحتفي عُمان بعيدها الوطني الثاني والخمسين المجيد، كما أنّه الاحتفاء الثالث في عهد صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- ومن المسرّة أن يكون العيد الوطني لهذا العام متزامنا مع العيد الرمزي الديني للمسلمين في يوم الجمعة المباركة، ليجتمع عيدان لأهل عُمان في يوم واحد.
جميع الأمم لها وقفات في عامها إما دينية أو وطنية أو عرقية، كما أنّ الإنسانية اليوم بتقاربها أصبحت لها وقفات إنسانيّة مذكرة بالإنسان أو الطبيعة، كيوم الأم ويوم الشجرة، سمّيت عيدا من العود، أي يعود في السنة مرة، أو يوما لتخصيص يوم في العام تحتفي وتقف معه.
والوقفات لها ثلاثة اتجاهات، اتجاه احتفائي صرف، واتجاه تذكيري بما كان وما أنجز فيه، واتجاه نقدي وتخطيطي في الوقت ذاته لما سيكون، لهذا نجد غالب الخطب الاحتفائية مذكرة بهذه الاتجاهات الثلاثة، محتفية بيومها المحتفى المجيد، ومذكرة بما أنجز في عامها، ومراجعة لما أنجز فيه لتدرك ما يجب أن تقوم به في عامها الوطنيّ الجديد.
وعُمان اليوم تحتفي بعيدها الوطني وهي تلبس لباس الأمن والوحدة والرخاء والاستقرار، كما لها قيمتها في البيت الخليجي والعربي والإسلامي، ولها رمزيّتها في العالم الإنساني، فتجاوزت العزلة التي فرضت عليها فترة من الزمن، كما تجاوزت الجهل والفقر والمرض، هذا الثالوث الذي كان مسيطرا على غالب العالم العربي لعقود خصوصا في النصف الثاني من القرن التّاسع عشر، والنّصف الأول من القرن العشرين، لتنفتح عمان كسائر شقيقاتها في المنطقة، لنرى أثر ذلك ونحن في بدايات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، في ضوء دولة المواطنة، وما تحمله من ثقل معرفيّ وثقافيّ وإنتاجيّ بيد أبنائها.
إلا أنّ هذا لا يعني عدم وجود تحديّات في العالم وفي المنطقة، وفي الدّاخل أيضا، فآثار الحرب الأوكرانية اليوم، وشبه الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وهيمنة الدول الكبرى على قرارات الأمم وسياساتها التحيزية، والآثار الاقتصادية المترتبة على ذلك، آثار ذلك واضحة، ونحن في بدايات هذا القرن.
وإذا كان العالم وهو يودّع القرن التّاسع عشر قبل قرن من الزّمان، له من الجدليات المترتبة من آثار النّهضة الصّناعيّة، وما تبع ذلك من اختراع وسائل النّقل وتطوّرها، ثم التّلفزة والإذاعة، وسهولة انتشار الكتاب والصحف، وتأثير ذلك على الهويّات والاقتصاد في العالم الإنساني، فالمفارقة اليوم شاسعة، ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين، أمام النهضة الإعلامية التي نعيشها، والفردانية التي تسود العالم، وانفتاح الشعوب على بعضها، وتمدد الوعي الأفقي في ذلك، ولئن كان من سوء الطّالع في بدايات القرن العشرين، وهو ينفتح على حربين عالميتين أكلتا الأخضر واليابس، وجعلت العالم بلاقع من الخراب والدمار والتشريد والفقر، إلا أنّ التّعقل غلب جهلة السياسيين، ليهتدي إلى وثيقة عالميّة إنسانيّة أحدثت من الاستقرار عقودا بعدها.
فعسى أن يكون الفارق كبيرا ونحن في بدايات هذا القرن، لنعيش حالة الإحياء لا الحرب والدمار، والعدالة في المجتمعات الإنسانية لا التمييز والفقر والطبقية، وتوسع الحريّات، وتحقّق الكرامة الإنسانية بشكل أوسع، بيد من المؤسف حقّا أن نرى المجتمعات الإنسانيّة ما زالت تعيش العديد من أجزائها من الفقر والمجاعة والجهل والحروب والتشريد، وهذه الحرب الأوكرانيّة من المؤسف جدّا أن تكون في بدايات هذا القرن، فقد افتتح ببطش الإنسان وصراعه الحيوانيّ في حرب العراق وأفغانستان، ثمّ اليمن، والحرب شبه الدّوليّة المولّدة للطائفية في سورية وغيرها.
ولعل التحدي الأكبر الذي يمر به العالم اليوم هو التحدي الاقتصادي، نتيجة الانكماش والتضخم وارتفاع الديون والفوائد، مع ضعف السّيولة، والّذي يترتب على ذلك ضعف السوق، وارتفاع معدّلات البطالة، وتضخم الطّبقيّة، وتمدد الفقر والمسكنة، وما ينتج عن ذلك من جوانب وأخلاقيّات سلبية، تؤثر على النّظام والأمن العام.
وعُمان ليست بمعزل عن هذا أبدا، ولا يمكن أن تنعزل عنه، فالفضاء اليوم مفتوح على بعضه، وهي وإن كانت أذن خير للعالم الخارجيّ، إلا أنّ الكتل السّلبيّة لها تأثيرها لمدار أوسع، إلا أنّ التحدي في الدّاخل يتطلب اهتماما أكبر، فيما يتعلّق بالأمان الاقتصاديّ والاجتماعيّ، من حيث دوران المال على شريحة أوسع، وتحقّق الأمان الوظيفي، ومحاربة البطالة بشكل واسع، مع الانتعاش الاقتصاديّ، والتّقليل من الاعتماد على النّفط والغاز، والاهتمام بشكل جدّي في البدائل الأخرى كالسّياحة بأنواعها، والاستثمار وتسهيله، والتوسع في القطاع الخاص والاهتمام به، بدل البطالة المقنعة في الجهات الحكوميّة، الّتي تستنزف الطّاقات الشّبابيّة، كما تستنزف المال العام في الوقت نفسه.
ولا أزعم لنفسي هنا أنني محلل اقتصادي، ولا أنسب ذلك إلى نفسي، ولكنني في الوقت ذاته مدرك كما يدرك عشرات ممّن لا علاقة لنا وما يتعلّق بالدولة من سياسات، فأنا اقرأ الوضع من بعيد، أو من الطّرف؛ بيد أننا ندرك في الوقت نفسه وجود الطّاقات والعقول الاقتصاديّة من أبناء عُمان، ممّن لهم القدرة مع القيادة الحكيمة من لدن جلالته في إدارة الوضع الحاليّ، وقد مرت على الدّولة جائحة كورونا، وألقت ثقلها السّلبيّ على الاقتصاد، كما أنّ الحال الاقتصادي قبل كورونا ذاته ليس جيّدا، إلا أنّ حسن الإدارة ندرك -ونحن في ذلك الطّرف البعيد- بعض حسناته ونتائجه السّليمة.
إنني أرجو أن أرى عمان اقتصاديّا واستثماريّا، ونحن في بدايات العهد الجديد؛ لا تقل عن جيرانها، إن لم تكن الأفضل والأقوى، كما أرجو ذلك لهم ولجميع المجتمعات الإنسانيّة، وأرجو أيضا أن ترى الأجيال القادمة حسنات ما يزرع اليوم، ليواصلوا المسير بهذا البلد، بأصالته وعمقه التّأريخيّ، من خلال حاضرهم ونهضتهم وواقعهم، لا أن يقتصروا عند ترديد أغاني ماضيهم، واستنساخ حكايات أجدادهم، وإعاقة نهضتهم بالوقوف عند نقطة ذلك الماضي، وإن كان حسنا، إلا أنّ الزّمن يبقى جوهره، ويتقدّم وافق واقعه، وبصورة الواقع لا الماضي، فإن كان الجوهر في الماضي يتمثل في النّهضة وتحقّق الاقتصاد والاستثمار؛ فهذا هو ذات الجوهر اليوم، ولكن لن يتحقّق ذلك إلا بعقول تعيش حاضرها، وتدرك سننيّة تقدّم ذلك في الواقع والحاضر المعيش.
وقوّة الأمم بقوّة اقتصادها، وانفتاحها الإيجابيّ على الآخر لا يتحقّق إلا باستقلالها واعتمادها على ذاتها، وإدراكها لعقول وطاقات أبنائها، لهذا لا يمكن تحقّق نهضة اقتصاديّة أو حضارية من خلال المادة الصّرفة وإن عانقت السّماء؛ إنّما ينطلق ذلك ابتداء من خلال الإنسان، فهو مدار الحضارة والاستثمار والاقتصاد، فالاعتناء بالإنسان صحة وتعليما وإبداعا وريادة ينطلق من الاعتماد على الذّات، والاعتماد على الذات نهضة لما يتعلّق بالذات في الواقع الخارجي من عوامل نهضويّة أيّا كانت مجالاتها ومشاربها.
لهذا ونحن نحتفي بالعيد الوطنيّ الثّاني والخمسين المجيد بحاجة ماسّة -كما كنّا- أن نلتفت إلى الإنسان وواقعه في تحقّق النّهضة في رؤيتها القادمة، ابتداء من إصلاح التّعليم، فهو المنصة الأكبر لبناء الإنسان بعد الأسرة والمجتمع، ثمّ توسعة الحريّات من خلال توفير المناخ الأكبر للإبداع الإنساني في المجتمع، فالإنسان لا يولد على صورة مواهبيّة واحدة، فهناك عوالم من المواهب تتدافع في المجتمع الواحد، وجميعها تخدم الذات الإنسانية، وترقي بالوطن وعيا واقتصادا وتقدّما، ولا يمكن الاستفادة من هذه المواهب إلا إذا ارتبطت بالإبداع ثمّ الريادة، ولن تصل إلى ذلك إلا بمناخ يسّهل لها ذلك، ولا يرهنها بصورة دائريّة ضيّقة.
وهذا ما أرجوه لعمان، فأيّ نهضة بعيدا عن بناء الإنسان لا تكتمل، وكلّ فرد في المجتمع طاقة إيجابيّة لا ينبغي أن يكون تفكيرها الذّات بمعنى الأنا المحدود، بل يكون همّها الوطن والرّقيّ والإبداع فيه، ولا يقلّل الفرد من ذاته، ذكرا كان أم أنثى، فكلّ فرد يحمل في داخله طاقة إبداعيّة على أيّ صورة كانت، هذه الطّاقة بحاجة إلى أن يستفيد منها المجتمع والوطن، لا أن يكبتها الفرد، فيحرم مجتمعه بالتّقليل من ذاته وقدراته، كما ينبغي أي يوّسع في مساحة إبداع الذّات وحركتها، وأن تشجّع وتدعم، لتكتمل ثمرة نهضة هذا الوطن جيلا بعد جيل، وكلّ عام وعُمان بخير في عيدها الوطنيّ المجيد.
جميع الأمم لها وقفات في عامها إما دينية أو وطنية أو عرقية، كما أنّ الإنسانية اليوم بتقاربها أصبحت لها وقفات إنسانيّة مذكرة بالإنسان أو الطبيعة، كيوم الأم ويوم الشجرة، سمّيت عيدا من العود، أي يعود في السنة مرة، أو يوما لتخصيص يوم في العام تحتفي وتقف معه.
والوقفات لها ثلاثة اتجاهات، اتجاه احتفائي صرف، واتجاه تذكيري بما كان وما أنجز فيه، واتجاه نقدي وتخطيطي في الوقت ذاته لما سيكون، لهذا نجد غالب الخطب الاحتفائية مذكرة بهذه الاتجاهات الثلاثة، محتفية بيومها المحتفى المجيد، ومذكرة بما أنجز في عامها، ومراجعة لما أنجز فيه لتدرك ما يجب أن تقوم به في عامها الوطنيّ الجديد.
وعُمان اليوم تحتفي بعيدها الوطني وهي تلبس لباس الأمن والوحدة والرخاء والاستقرار، كما لها قيمتها في البيت الخليجي والعربي والإسلامي، ولها رمزيّتها في العالم الإنساني، فتجاوزت العزلة التي فرضت عليها فترة من الزمن، كما تجاوزت الجهل والفقر والمرض، هذا الثالوث الذي كان مسيطرا على غالب العالم العربي لعقود خصوصا في النصف الثاني من القرن التّاسع عشر، والنّصف الأول من القرن العشرين، لتنفتح عمان كسائر شقيقاتها في المنطقة، لنرى أثر ذلك ونحن في بدايات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، في ضوء دولة المواطنة، وما تحمله من ثقل معرفيّ وثقافيّ وإنتاجيّ بيد أبنائها.
إلا أنّ هذا لا يعني عدم وجود تحديّات في العالم وفي المنطقة، وفي الدّاخل أيضا، فآثار الحرب الأوكرانية اليوم، وشبه الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وهيمنة الدول الكبرى على قرارات الأمم وسياساتها التحيزية، والآثار الاقتصادية المترتبة على ذلك، آثار ذلك واضحة، ونحن في بدايات هذا القرن.
وإذا كان العالم وهو يودّع القرن التّاسع عشر قبل قرن من الزّمان، له من الجدليات المترتبة من آثار النّهضة الصّناعيّة، وما تبع ذلك من اختراع وسائل النّقل وتطوّرها، ثم التّلفزة والإذاعة، وسهولة انتشار الكتاب والصحف، وتأثير ذلك على الهويّات والاقتصاد في العالم الإنساني، فالمفارقة اليوم شاسعة، ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين، أمام النهضة الإعلامية التي نعيشها، والفردانية التي تسود العالم، وانفتاح الشعوب على بعضها، وتمدد الوعي الأفقي في ذلك، ولئن كان من سوء الطّالع في بدايات القرن العشرين، وهو ينفتح على حربين عالميتين أكلتا الأخضر واليابس، وجعلت العالم بلاقع من الخراب والدمار والتشريد والفقر، إلا أنّ التّعقل غلب جهلة السياسيين، ليهتدي إلى وثيقة عالميّة إنسانيّة أحدثت من الاستقرار عقودا بعدها.
فعسى أن يكون الفارق كبيرا ونحن في بدايات هذا القرن، لنعيش حالة الإحياء لا الحرب والدمار، والعدالة في المجتمعات الإنسانية لا التمييز والفقر والطبقية، وتوسع الحريّات، وتحقّق الكرامة الإنسانية بشكل أوسع، بيد من المؤسف حقّا أن نرى المجتمعات الإنسانيّة ما زالت تعيش العديد من أجزائها من الفقر والمجاعة والجهل والحروب والتشريد، وهذه الحرب الأوكرانيّة من المؤسف جدّا أن تكون في بدايات هذا القرن، فقد افتتح ببطش الإنسان وصراعه الحيوانيّ في حرب العراق وأفغانستان، ثمّ اليمن، والحرب شبه الدّوليّة المولّدة للطائفية في سورية وغيرها.
ولعل التحدي الأكبر الذي يمر به العالم اليوم هو التحدي الاقتصادي، نتيجة الانكماش والتضخم وارتفاع الديون والفوائد، مع ضعف السّيولة، والّذي يترتب على ذلك ضعف السوق، وارتفاع معدّلات البطالة، وتضخم الطّبقيّة، وتمدد الفقر والمسكنة، وما ينتج عن ذلك من جوانب وأخلاقيّات سلبية، تؤثر على النّظام والأمن العام.
وعُمان ليست بمعزل عن هذا أبدا، ولا يمكن أن تنعزل عنه، فالفضاء اليوم مفتوح على بعضه، وهي وإن كانت أذن خير للعالم الخارجيّ، إلا أنّ الكتل السّلبيّة لها تأثيرها لمدار أوسع، إلا أنّ التحدي في الدّاخل يتطلب اهتماما أكبر، فيما يتعلّق بالأمان الاقتصاديّ والاجتماعيّ، من حيث دوران المال على شريحة أوسع، وتحقّق الأمان الوظيفي، ومحاربة البطالة بشكل واسع، مع الانتعاش الاقتصاديّ، والتّقليل من الاعتماد على النّفط والغاز، والاهتمام بشكل جدّي في البدائل الأخرى كالسّياحة بأنواعها، والاستثمار وتسهيله، والتوسع في القطاع الخاص والاهتمام به، بدل البطالة المقنعة في الجهات الحكوميّة، الّتي تستنزف الطّاقات الشّبابيّة، كما تستنزف المال العام في الوقت نفسه.
ولا أزعم لنفسي هنا أنني محلل اقتصادي، ولا أنسب ذلك إلى نفسي، ولكنني في الوقت ذاته مدرك كما يدرك عشرات ممّن لا علاقة لنا وما يتعلّق بالدولة من سياسات، فأنا اقرأ الوضع من بعيد، أو من الطّرف؛ بيد أننا ندرك في الوقت نفسه وجود الطّاقات والعقول الاقتصاديّة من أبناء عُمان، ممّن لهم القدرة مع القيادة الحكيمة من لدن جلالته في إدارة الوضع الحاليّ، وقد مرت على الدّولة جائحة كورونا، وألقت ثقلها السّلبيّ على الاقتصاد، كما أنّ الحال الاقتصادي قبل كورونا ذاته ليس جيّدا، إلا أنّ حسن الإدارة ندرك -ونحن في ذلك الطّرف البعيد- بعض حسناته ونتائجه السّليمة.
إنني أرجو أن أرى عمان اقتصاديّا واستثماريّا، ونحن في بدايات العهد الجديد؛ لا تقل عن جيرانها، إن لم تكن الأفضل والأقوى، كما أرجو ذلك لهم ولجميع المجتمعات الإنسانيّة، وأرجو أيضا أن ترى الأجيال القادمة حسنات ما يزرع اليوم، ليواصلوا المسير بهذا البلد، بأصالته وعمقه التّأريخيّ، من خلال حاضرهم ونهضتهم وواقعهم، لا أن يقتصروا عند ترديد أغاني ماضيهم، واستنساخ حكايات أجدادهم، وإعاقة نهضتهم بالوقوف عند نقطة ذلك الماضي، وإن كان حسنا، إلا أنّ الزّمن يبقى جوهره، ويتقدّم وافق واقعه، وبصورة الواقع لا الماضي، فإن كان الجوهر في الماضي يتمثل في النّهضة وتحقّق الاقتصاد والاستثمار؛ فهذا هو ذات الجوهر اليوم، ولكن لن يتحقّق ذلك إلا بعقول تعيش حاضرها، وتدرك سننيّة تقدّم ذلك في الواقع والحاضر المعيش.
وقوّة الأمم بقوّة اقتصادها، وانفتاحها الإيجابيّ على الآخر لا يتحقّق إلا باستقلالها واعتمادها على ذاتها، وإدراكها لعقول وطاقات أبنائها، لهذا لا يمكن تحقّق نهضة اقتصاديّة أو حضارية من خلال المادة الصّرفة وإن عانقت السّماء؛ إنّما ينطلق ذلك ابتداء من خلال الإنسان، فهو مدار الحضارة والاستثمار والاقتصاد، فالاعتناء بالإنسان صحة وتعليما وإبداعا وريادة ينطلق من الاعتماد على الذّات، والاعتماد على الذات نهضة لما يتعلّق بالذات في الواقع الخارجي من عوامل نهضويّة أيّا كانت مجالاتها ومشاربها.
لهذا ونحن نحتفي بالعيد الوطنيّ الثّاني والخمسين المجيد بحاجة ماسّة -كما كنّا- أن نلتفت إلى الإنسان وواقعه في تحقّق النّهضة في رؤيتها القادمة، ابتداء من إصلاح التّعليم، فهو المنصة الأكبر لبناء الإنسان بعد الأسرة والمجتمع، ثمّ توسعة الحريّات من خلال توفير المناخ الأكبر للإبداع الإنساني في المجتمع، فالإنسان لا يولد على صورة مواهبيّة واحدة، فهناك عوالم من المواهب تتدافع في المجتمع الواحد، وجميعها تخدم الذات الإنسانية، وترقي بالوطن وعيا واقتصادا وتقدّما، ولا يمكن الاستفادة من هذه المواهب إلا إذا ارتبطت بالإبداع ثمّ الريادة، ولن تصل إلى ذلك إلا بمناخ يسّهل لها ذلك، ولا يرهنها بصورة دائريّة ضيّقة.
وهذا ما أرجوه لعمان، فأيّ نهضة بعيدا عن بناء الإنسان لا تكتمل، وكلّ فرد في المجتمع طاقة إيجابيّة لا ينبغي أن يكون تفكيرها الذّات بمعنى الأنا المحدود، بل يكون همّها الوطن والرّقيّ والإبداع فيه، ولا يقلّل الفرد من ذاته، ذكرا كان أم أنثى، فكلّ فرد يحمل في داخله طاقة إبداعيّة على أيّ صورة كانت، هذه الطّاقة بحاجة إلى أن يستفيد منها المجتمع والوطن، لا أن يكبتها الفرد، فيحرم مجتمعه بالتّقليل من ذاته وقدراته، كما ينبغي أي يوّسع في مساحة إبداع الذّات وحركتها، وأن تشجّع وتدعم، لتكتمل ثمرة نهضة هذا الوطن جيلا بعد جيل، وكلّ عام وعُمان بخير في عيدها الوطنيّ المجيد.