أعمدة

كلام فنون.. عن بعض وظائف آلات الموسيقى التقليدية العُمانية

 
آلات الموسيقى العُمانية التقليدية الوترية والهوائية، أقل عدد من الآلات الإيقاعية، وهذا في اعتقادي يستدعي دراسة الأسباب، وتطوير هذه الصناعة.

في كتابي 'آلات موسيقى عُمان التقليدية' حصرت عدد خمسة وثلاثين آلة موسيقية، منها عشرة آلات نغمية (نفخ ووترية).

ومن الواضح إن هذا العدد الضخم من الآلات الإيقاعية بنوعيها: الجلدية والمصوتة بذاتها (خمسة وعشرون) بالمقارنة مع غيرها من الآلات يجعلنا نقول دائما أن موسيقانا التقليدية إيقاعية من الطراز الأول، وهي ميزة ثقافية وفنية.

ولكن في هذا السياق يمكن تصنيف هذه الآلات الإيقاعية إلى أربعة أصناف بناء على وظيفتها الأدائية، وهي: أنواع الكاسر، وأنواع الرحماني، وآلات الأداء الزخرفي ومعظمها من المصوتات بذاتها، وأنواع المسندوات وهذه الآلات الإيقاعية مخروطية الشكل تجمع بين الوظائف الثلاثة المشار إليها، ولذلك تعددت أحجامها.

وفي هذه السياق من الممكن إضافة آلتي النفخ: الجم والبرغوم بسبب وظيفتهما غير اللحنية كصنف منفصل.

وفي كتاب: 'الموسيقى التقليدية العُمانية مقاربة تعريفية وتحليلية'، وقفت على مسائل عدّة تتعلق بآلات الموسيقى العُمانية، وللتعريف بذلك فإنني في هذا المقال أقتبس بعض مما ورد في الكتابين المشار إليهما هنا وخاصة ما يتعلق بذكر بعض استعمالاتها في الحروب التي خاضها العُمانيون في فترات تاريخية مختلفة.

والحقيقة أن للآلة الموسيقية مكانة هامة في الحياة الاجتماعية والثقافية التقليدية العُمانية، فلو تصفحنا مثلا: بعض مصادر التاريخ العُماني المكتوب نجد الكثير من الإشارات الدّالة على ذلك.

والجدير بالذكر إن مسألة استعمال الآلات الموسيقية وخاصة الوترية والهوائية كانت مثار جدل في الثقافة العُمانية التقليدية.

وفي جميع الأحوال كانت هذه الآلات الموسيقية موجودة في الممارسة الموسيقية ولو في أدنى مستوى من الصناعة أو الأداء.

وتزودنا المصادر التاريخية بالكثير من الأخبار عن استعمال أنواع متعددة من الآلات الموسيقية سواء من الطرف العُماني أو خصومهم من الغزاة، وفي هذا السياق نجد إشارات مهمة عند المؤرخ نور الدين السالمي في كتابه ' تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان ' مثل: ' ضرب طبل في الحصن ومعه مناد ينادي.. وضربت البَرَاغِيم وزحف القوم على الكوت، فطلبوا الأمان فأمنوا '. وهكذا، فالضرب أو النفخ على أنواع معينة من الآلات الموسيقية: كالطبول والأبواق، والبَرَاغيم، يكون إذانا بالحرب، والقتال.

ومن المعلوم أن المسلمين عرفوا 'قيمة الضوضاء في إثارة الذهول والحيرة في المعركة أحسن معرفة، (فقد) زينوا البغال والجمال بالجلاجل والقلاقيل والأجراس لإثارة الفزع؛ والمجموعات الموسيقية العسكرية الإسلامية تعرف بـ'النوبة' كانت تلعب دورا هاما في وقت الحرب. وكان من نظام المعارك أن تعزل النوبة بعيدا عن الصراع المتشابك حيث تأخذ في العزف المستمر أثناء الكفاح، ويستمر الجيش في القتال ما دامت الموسيقى تصدح، بل كانت الفرق تكر على العدو بعد أن اضطرها إلى التقهقر لأن نوبتها ما زالت تعزف موسيقاها 'اقتباس من كتاب الدكتور جورج فارمر:'الموسيقى والغناء في ألف ليلة وليلة'.

وهكذا فإن الأمر مشابه في عُمان، فدعوات الهجوم على العدو، أو الإبلاغ عن أشياء مهمة والتجمع في الحصون والقلاع ومقرات الولاة، كانت تعلن بالضرب على أنواع من طبول الرَحْمَاني التي قد تطلق عليها تسميات وأوصاف معينة للدلالة على أن الطبل يتمتع بأهمية خاصة لدى صاحبه. وفي معظم الأحوال كانت هذه الآلات الإيقاعية تحضا باهتمام أصحابها في الحرب والسلم بسبب طابع صوتها وبعض الرواسب الثقافية عن أسرار هذا الصوت.

وقد أورد الأستاذ الدكتور يوسف شوقي مصطفى في كتاب: معجم موسيقى عُمان التقليدية عدد من أسماء الطبول وألقابها منها مثلا (لا الحصر): أبو دَجّة (من طبول مسُندو المَكْوارة)؛ تشَابوا (من طبول مسُندو المَكْوارة).

الذئب (طبل رَحْمَاني مصنوع من خشب الصدر سمي بالذئب لأن صوته يعوي). ضَبْعُون، ( طبل رَحْمَاني ذي خاصرة فَنْجا ولاية بِدْبِد يستخدم في الرّزْحَة).

والكَافر (طبل رَحْمَاني مزخرف من ولاية إزكي). والمفارق (طبل رَحْمَاني من ولاية عِبري، مغطى بقماش مزخرف). والشاعر، والأغبر، وولد الذيب، والدمّام، والدنّان، والسواحلي، والصُّفرد..