أفكار وآراء

قمة الجزائر.. هل تحرّك المشهد العربي؟

تختتم في العاصمة الجزائرية القمة العربية الاعتيادية التي تأجلت بسبب فيروس كورونا، حيث إن الآمال الرسمية والشعبية بحدوث اختراق للمشهد السياسي العربي المتأزم منذ سنوات هي آمال متدنية وليس ذلك من باب التشاؤم ولكن هناك ظروفا موضوعية تجعل تلك التوقعات صحيحة ولعل من المؤشرات الأولية التي سبقت القمة العربية هي عدم حضور عدد من القادة العرب لأسباب مختلفة.

ومنذ عام ٢٠١١ وعاصفة الثورات العربية والوضع العربي في حالة تدني في العلاقات العربية-العربية وكانت القمم العربية هي أشبه بقمم تقليدية يصدر عنها البيان الختامي التوافقي الذي يضاف عادة إلى البيانات السابقة في أرشيف جامعة الدول العربية في مقرها في القاهرة.

ومن هنا فإن قمة الجزائر لن تخرج عن هذا السياق في العمل العربي المشترك الذي شهد تأزم العلاقات ووجود مشروعات استراتيجية متباينة علاوة على وجود حروب وصراعات لم تجد طريقها للحل، وهناك دول عربية تعاني الأمرين على صعيد شعوبها فهناك الحرب المتواصلة في اليمن التي دخلت عامها الثامن دون وجود مؤشرات إيجابية رغم الجهود التي تبذلها الدبلوماسية العمانية والمبعوث الأممي والأمريكي والمملكة العربية السعودية.

كما أن الوضع الليبي لا يزال معقدا بين طرفين متناقضين أحدهما في شرق ليبيا والآخر في غربها، وأن الوضع في سوريا لا يزال غير مستقر رغم تراجع حدة الصراع، كما أن الأوضاع في لبنان والعراق والصومال ليست مستقرة حيث يعاني الصومال من أزمة غذاء حادة الصراع المسلح، والوضع في العراق لا يزال غير مستقر على صعيد العملية السياسية وكذلك الحال في لبنان.

ومن هنا فإن القمة العربية لا تستطيع حقيقة أن تخترق هذا المشهد السياسي العربي خلال يومين من القمة وأغلب الظن أن البيان الختامي الذي سوف يصدر عن القمة العربية اليوم سوف يخرج بقرارات عامة لن تغير من الواقع العربي المرير للأسف.

إن الوضع العربي المتردي يحتاج إلى إرادة سياسية من القيادات العربية وأن يكون هناك اقتناع تام بأن المشهد السياسي العربي يحتاج إلى تغيير ونقلة نوعية لما يخدم مصالح الشعوب العربية، وأن يكون التجمع العربي هو تجمع حقيقي تكاملي على صعيد العمل العربي المشترك كما هو في بقية التجمعات الإقليمية في أوروبا وآسيا على وجه التحديد.

أما مسألة عقد القمم العربية كل عام والأوضاع على الأرض لم تتغير فهذا سوف يعمق الخلافات ويجعل شعور الشعوب العربية وخاصة الأجيال الجديدة أكثر إحباطا في ظل الظروف الاقتصادية، حيث تنامت أعداد الباحثين عن عمل التي تتجه إلى أرقام كبيرة في أوساط الشباب العربي في ظل غياب المنهجية العربية للتعامل مع هذا الملف المعقد الذي يدخل في إطار الأمن الوطني لكل دولة علاوة على تعطيل قوة بشرية لصالح تقدم الدول العربية وعلى ضوء ذلك فإن المطلوب مواجهة الواقع العربي المرير، وأن تكون هناك مصارحة حقيقية في ظل وجود المتغيرات الحديثة وفي ظل السموات المفتوحة على صعيد نقل المعلومة والحراك المتواصل في شبكات التواصل الاجتماعي.

إن القمم العربية ومنذ سنوات أصبحت لا تلقى الاهتمام الشعبي ولا حتى الإعلامي لأن هناك قناعة بأن تلك القمم على الأقل خلال العقدين الأخيرين لم تغير من الواقع العربي الذي نتحدث عنه اليوم حتى مع وجود علاقات ثنائية بين عدد من الدول العربية في المجالات المختلفة، ومع ذلك فإن ملامح التعاون والعمل العربي المشترك لا يزال دون الطموح، وهناك على سبيل المثال السوق العربية المشتركة وهناك التواصل البري والاستثمار المشترك وعدد من المشروعات متوقفة بسبب الحالة العربية الراهنة.

ومن هنا فإن القمم العربية ينبغي أن تطرح تساؤلات حقيقية عن الوضع العربي وأن تكون هناك خارطة طريق لتغيير الوضع العربي إلى الأفضل وأن تنطلق استراتيجية عربية موحدة في مجال الأمن الغذائي وفي مجال التجارة الحرة وفي مجال التشريعات والقوانين المشتركة وفي مجال الأمن القومي والدفاع المشترك والاستفادة من القدرات البشرية خاصة أن هجرة العقول العربية إلى الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وحتى آسيا شهدت تناميا كبيرا في العقود الأخيرة وهذه خسارة كبيرة للتنمية والتحديث في الوطن العربي.

إن العرب بشكل عام في مفترق طرق في ظل متغيرات جيوسياسية وفي ظل صراعات وحروب كبرى كما هو الحال الآن في الحرب الروسية-الأوكرانية وتبعاتها الاستراتيجية والاقتصادية. ومن هنا فإن هناك عالما متعدد الأقطاب يتشكل وعلى العرب أن يدركوا حقيقة تلك المتغيرات من خلال تقوية أواصر التعاون بينهم ومن خلال كتلة عربية تستطيع أن تدافع عن مصالحها ومصالح شعوبها وهذا ما يفرض على القيادات العربية أن تناقش ربما في قمة خاصة عن الوضع العربي الراهن وكيف يمكن الانطلاق من خلال فكر مختلف ورؤية مختلفة لأن عقد القمم في ظل التقليدية الحالية لا يغير من الأمور بل قد يعمّق الخلافات العربية-العربية وقد ظهرت بعض ملامحها حتى قبل عقد قمة الجزائر وخلالها علاوة على التراشق الإعلامي الذي يعد أكثر الوسائل التي استخدمت بشكل سلبي وأسهمت مع الأسف في تعميق تلك الخلافات في ظل غياب رؤية استراتيجية إعلامية عربية منذ عقود.

ولقد رأينا كيف ساهم الإعلام خلال الأزمة الخليجية الأخيرة.. كيف أدى ذلك الإعلام دورا سلبيا بدل أن يكون عاملا إيجابيا يساعد على تخفيف تلك الأزمة، وفي المحصلة الأخيرة فإن بيان قمة الجزائر اليوم لن يغير من الوضع العربي المتردي في إطاره الكلي والمطلوب هو إرادة سياسية من القيادات العربية للاعتراف بأن العمل العربي المشترك والوضع العربي يحتاج إلى معالجة كبيرة وشفافية واضحة بعيدا عن المجاملات لأن استمرار الوضع العربي على ما هو سوف يؤدي إلى مشكلات أكبر وأعمق في ظل تنامي المتغيرات وفي ظل الإحباط الذي يعيشه ملايين الشباب العربي من المحيط إلى الخليج.