أفكار وآراء

سيكولوجية الرأي العام

تعددت المفاهيم والمصطلحات حول الرأي العام وكيفية تشكله وإثبات وجوده إلا أن ما يمكن استنتاجه بأن الرأي العام هو مجموعة من الآراء تجاه قضية أو موضوع ما سواء كانت تلك الآراء مؤيدة أو معارضة أو محايدة بغرض التأثير سلبا أو إيجابا بطرق مباشرة أو غير مباشرة على الأحداث ربما يسعى أفراد المجتمع من خلال تلك الآراء لتعديل سلوك ما أو تغيير قرارات غير مدروسة ومثبت ضررها على المجتمع فهو ردة فعل الناس تجاه حدث أو موقف معين، لكن الآراء السطحية والمبنية على حقائق غير صحيحة أو غير دقيقة لا تصنع رأيا عاما بل هي محاولة للفت النظر لا أكثر، إذ إنه لا يمكن وهم المتلقي بوجود رأي عام إذا لم تشكل تلك الآراء غالبية الناس تجاه قضية ما، ولمعالجة هذه الآراء السطحية والوهم الناجم عنها بتشكل الرأي العام لا بد من تهيئة الرأي العام الحقيقي للحصول على نتائج دقيقية وعميقة لاتخاذ القرارات وبناء الخطط والاستراتيجيات عبر تكامل مختلف العلوم لقياس الرأي العام وهي علوم الاتصال والإعلام والعلاقات العامة والسياسة وعلم النفس والاجتماع.

وجه لي سؤال يوما هل ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي من تفاعل مع بعض الموضوعات والقضايا يمثل الرأي العام العماني؟ وهل الشهرة الناجمة عن إثارة متابعي تلك الوسائل تجاه بعض القضايا يمكن الاعتداد به في إثبات وجود الرأي العام وقياسه؟ إلا أنني لا أزال أرى أن كثيرا من الجماهير في وسائل التواصل الاجتماعي هم تحت تأثير آراء المشاهير والمؤثرين أو تحت تأثير المتخصصين بالعلوم المختلفة مما يشير إلى عدم وجود نخبة من المتفاعلين الحقيقيين لتكوين رأي عام سائد.

وأرى من الضروري إبعاد المجتمع عن وهم وجود الرأي العام في وسائل التواصل الاجتماعي في ظل عدم إثبات وجود وأركان تشكله إذ إنه وفقا لكتاب سيكولوجية الجماهير لجوستاف لوبون فإن «الناس ينحازون للرأي الذي يتمتع بشعبية حتى لو كان خاطئا أكثر من انحيازهم لرأي صادق ليس له شعبية» والأهم من ذلك معرفة من هم المؤثرون الذين يحاولون توجيه الجماهير نحو صور ذهنية معينة وما هي مآربهم ودوافعهم عبر تكثيف الدراسات والبحوث لتقييم الرأي العام من حيث حقيقته من عدمه وكيفية التصدي للآراء في وسائل التواصل الاجتماعي التي تسعى لتأكيد وجود الرأي العام.

إن ما نلحظه في وسائل التواصل الاجتماعي من حيث المساس بالشخوص بدلا من نقد الأفكار، وادعاء الموضوعية عند التفاعل مع الأحداث والمواقف، وعدم التعرض للأفكار السائدة وتفاصيلها ومنطلقاتها، والتظاهر بمنح فرص الحوار بالرغم من إقصاء آراء الآخرين والتقزيم من جهودهم بالإضافة إلى التعبير عن الرأي لجميع الاتجاهات دون إفساح المجال للآخرين تعد أساليب سيكولوجية للتأثير على الرأي العام وإثارته والتأثير عليه لإبعاده عن حريته في التعبير والنقاش البناء وكذلك إبعاده عن الاستفادة إيجابا من وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع الآخرين وتلقي المعلومات المفيدة وتمرير الرسائل التوعوية والتربوية للمتابعين، فالرأي العام يتشكل من الإطار الاجتماعي الذي يتحرك داخل الأشخاص ومرتبط ارتباطا وثيقا بالوعي لتتجاوز القضايا والموضوعات المطروحة بتأثيرها نطاق العواطف لتدخل نطاق الوعي وهذا التجاوز هو الذي يتيح فرصة ضمان ثبات الرأي العام ووضوحه.

بالرغم من أهمية الرأي العام ودوره في المشاركة في عملية صنع القرار في المجتمعات الحديثة إلا أنه ليس ضرورة أن يكون الرأي العام المتكون تجاه قضية معينة صحيحا ودقيقا وذلك لأسباب عديدة منها أن الرأي العام شديد الحساسية بالإضافة إلى تأثره سريعا بالمتغيرات السيكولوجية وتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي، فهو محصلة جملة من عوامل وحيثيات ومؤثرات ووسائل متعددة تؤثر في قضية معينة أو عدة قضايا مما يؤثر على قوته وتشكله وصعوبة قياسه ودراسته، ولذلك فإن وجود وسائل التواصل الاجتماعي ربما تكون محركا للرأي العام وإثارته أو إحدى الطرق للفت النظر بوجود التفاعل تجاه موضوع أو قضية معينة لا صناعته وتكوينه، فالرأي الذي ينتهي إليه الفرد من خلال عملية الإدراك تجاه موقف أو مشكلة معينة يطلق عليه رأي شخصي وإن اتفقت عليه الآراء الأخرى ومع كثرة الآراء والمناقشات حول الموقف أو المشكلة يتكون الإدراك العام عبر طرح مقترحات وآراء أشخاص آخرين مدعومة بقيام وسائل الإعلام والاتصال بتوسيع دائرة المشاركين في النقاش بحسب أهمية القضية، ومن ثم يتشكل الرأي العام أو ما يسمى الاتفاق العام.

من الجيد الإشارة في هذا المقال إلى أن هناك ممارسات خاطئة في التعامل مع الرأي العام أوجدت مشكلات وتحديات للحكومات في التعامل مع الموضوعات والقضايا، هذه الممارسات ناتجة عن سلوكيات متعمدة أحيانا هدفها تضليل الرأي العام ورسم صور ذهنية خاطئة عن القرارات الحكومية وجدواها عبر إصدار الشائعات وإضافة جزء من الحقيقة ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي والترويج لها وكأنها صحيحة ليضع المتابع أمام حيرة من أمره في إنكار الشائعة أو إثبات محتواها لصناعة رأي عام مضلل يتبعه انخفاض مستوى الثقة في الجمهور تجاه بعض الجهود التي تبذل مما يؤدي إلى نشوء تحديات اجتماعية وأمنية مثل نشر الأخبار الكاذبة عن الوضع الاقتصادي للدول بهدف تقزيم التعديلات الاقتصادية وإضعاف تقبلها من قبل أفراد المجتمع، إلا أن الحكومات أدركت خطورة الرأي العام المضلل وخطورة الشائعات المحفزة له عبر سن قوانين صارمة وإقرار عقوبات مغلظة للتعامل مع ناشري الشائعات ومروجيها في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت بيئة خصبة لتداول الأخبار المغلوطة وإرباكا لنتائج قياس الرأي العام وتوجهاته وذلك لأسباب مرتبطة بصعوبة السيطرة على تدفق المعلومات في تلك الوسائل وتصحيحها؛ فحدة وجهات النظر وردود الأفعال السلبية عند التفاعل مع بعض الموضوعات والقضايا التي بنيت على معلومات غير صحيحة أو أحكام آنية ربما تسهم في تشكيل رأي عام مضلل مدعوما بسرعة انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة بدعم من وسائل التواصل الاجتماعي.

راشد بن عبدالله الشيذاني - باحث اقتصادي عما ني