أعمدة

عجزُ أينشتاين

 
- يقول أدهم شرقاوي في كتابه 'إلى المنكسرة قلوبهم' إن العبقري ألبرت أينشتاين صاحب نظرية 'النسبية' الشهيرة فشل فشلًا ذريعًا في إدارة حياته الخاصة رغم أنه نجح في فك الكثير من أسرار الكون حتى أن قيمة جائزة نوبل 'للفيزياء' التي حصل عليها في عام 1921 م صرفها في تسوية مشاكله مع زوجته.

يعتبر شرقاوي أن عبقرية أينشتاين عجزت عن التعامل مع مواقف حياتية بسيطة وعابرة ربما سيتمكن أي إنسان عادي من التعامل معها.

الإنجازات العلمية والشهادات والحضور الثقافي والاجتماعي المهووسُ به البعض إذًا قد تفشل جميعها في صناعة ربان ماهر قادر على انتشال سفينة الحياة من بين العواصف عندما تدلهِمُ الخطُوب وهذا ما يؤكد أن الحكمة قد تؤتى أشخاصا بسطاء لا يمتلكون سوى ذكائهم الاجتماعي وبصيرتهم النافذة لتحقيق النجاح.

لقد أثبتت التجارب أن كثيرًا مِمَّن يُعرِّفون أنفسهم بأنهم ناشطون في مجالات حقوق الإنسان والشأن الاجتماعي وقفوا عاجزين في التوفيق بين أدوارهم هذه وتلك التي تتعلق بحياتهم الأُسرية.

في حادثة شهيرة جاء أنه وبعد عاصفة من التصفيق في حفل أُقيم لتكريم امرأة أمضت حياتها دفاعًا عن حقوق المرأة أثنت الناشطة على الاحتفاء المُذهل بجهودها لكنها قالت باكية وهي تودع الحضور: 'ممتنة لكم جميعًا ولتقديركم لما قمت به من أعمال في هذا المجال لكنني سأعودُ إلى شقتي وأنام وحيدة وربما أموت ولن يعرف بموتي أحد'.

- مبهجُ هو احتفاء المرأة العُمانية بيومها السنوي الذي بات مُدرجًا على أجندة كل امرأة طموحة لكنني واثق من أن هذا اليوم سيكون أكثر بهجة عندما تأخذ هذه المناسبة شكلًا مختلفًا تَنفُذُ من خلاله المرأة إلى قضاياها الأكثر إلحاحًا. متأكد أن شكليات الاحتفال بهذا اليوم ستتراجع شيئا فشيئا لتحل محلها الندوات الجادة والمحاضرات وحلقات العمل التي ستقدم الأطروحات والرؤى حول 'ما يجب الالتفات إليه'. ستبحث هذه الأنشطة عن حلول حقيقية لقضايا مُغيّبة تتصل باستغلال الآباء والأزواج والإخوان لرواتب بناتهم وزوجاتهم وأخواتهم تحت مبرر 'الطاعة ورد الجميل' وما يتعلق بتسجيل حقوق الزوجات في الممتلكات المشتركة كالمنازل والعقارات والسيارات أو إجبارهن على أخذ القروض والتنازل عن الميراث ليُسمح لهن بالزواج.

ذات يوم ستختفي مشاهد أطباق الطعام المتنوعة وتبادل الهدايا ليستبدل عنها بأخرى ترصد لجانًا دؤوبة متخصصة تتعقب حقوق المرأة المسكوت عنها.

- رسخَت في ذهني مُذ كنت طالبًا في الجامعة تلك الصورة النمطية للمثقف والتي كانت تقترن بشخص متجهم ناقم كثير التشّكي لا يعجبه العجب ولا يرضى بوجهة نظر مخالِفة لدرجة أنني أُصاب بالصدمة إذا ما التقيت يومًا بشخص لديه صفات مختلفة عن تلك بل سأُشكك في ثقافته وانتمائه إلى عالم النخبة.

وهذا ما حصل تمامًا عندما تعرّفت على الصديق الراحل عن دنيانا الأديب الشاعر مبارك العامري 'رحمة الله عليه' في دائرة العلاقات العامة بشرطة عُمان السلطانية عندما كنت محررًا ثقافيًّا حينها.

منذ التسعينيات تبلورت في ذهني صورة محددة للمثقف وهو ذلك المتمرد الذي يسعى للتغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية التي يعتقد أنها مفقودة والذي يعاني تهميشًا متعمدًا وإشكالات تتفاقم كل يوم مع السلطة وأنه يعيش حالة مطاردة مستمرة لا تهدأ إلا لتبدأ من جديد.

بعد سنوات ترافقت مع أحداث كثيرة اكتشفت أن ذلك المثقف كان كما يقول المثل العُماني 'يعزي بسيف غيره' ويعيش الوجه السيئ من التجارب المستوردة وأنه ليس أكثر من مقلد يقبع في برجه العاجي ويكتفي بالتنظير وإلقاء الخُطب والانتقاد وتوجيه اللوم والتحريض الذي تأكد فيما بعد أنه لم يأتِ للمجتمعات التي ترافقت مع شعاراته سوى الخراب وتدمير البُنى والغرق في لُجة من الفشل.

لا يقبل المثقف عندنا بأي صورة من الصور أن تكون صادقًا وتقف إلى جانب حكومة بلادك لتعظم منجزاتها وتدعم جهود الإصلاح التي تقوم بها وإذا قمت بذلك سيُسميكَ بـ'المنتفع' في الوقت الذي يغيب هو فيه غيابًا لا مبرر له عن القيام بدوره كمواطن نال كل الفرص للعيش بكرامة على تراب بلده وتُبذلُ الجهود صادقة لينال ابنه ما نال هو من فرص بل ويطعن في موضوعية تلك الجهود ويشكك في مصداقيتها وقدرتها على تحقيق طموحات المستقبل رغم أن الواقع يقول غير ذلك تمامًا خاصة في ملفات مهمة كالتوظيف وتقليل الإنفاق وسداد الديون.

آخر نقطة

'ليست الفكرة في أني فائق الذكاء، بل كل ما في الأمر أني أقضي وقتًا أطول في حل المشاكل'.

أينشتاين