أعمدة

نوافذ : يكفي أن نفهم

 
shialoom@gmail.com

بين أن تعرف وبين أن تفهم ثمة فاصل دقيق، وإن شكل مفارقة نوعية في النتائج المتوقعة نتيجة أن نفهم أو نتيجة أن نعرف، فالمعرفة كم هائل من المعلومات، قد نحتاج إلى اليسير منها فقط؛ بينما ما يتيسر من فهم من هذا الكم الهائل من المعرفة هو ما يجب أن يحصل، أو أن يكون؛ فهو خلاصة ما نتلقاه، وما نوظفه في حياتنا العامة والخاصة على حد سواء، فجميعنا أمام أنفسنا، وأمام الآخرين بما نعيه من فهم، وليس بما نملكه من معرفة، فقد يكون جزء كبير من المعرفة واقعا تحت مظلة الحفظ، ولكن الفهم هو تلك الرؤية الاستشرافية لما وراء الأفق، ولما تذهب إليه المخيلة، وبما سوف يتحقق على الواقع.

لماذا يكفي أن نفهم؟ لأن الفهم هو الذي يعزز قدرة الإنسان على تشكيل حياته، ومتطلباته، وما يود الوصول إليه، فمن خلال الفهم يمكن أن يتخطى الكثير من العقبات التي تعترض حياته اليومية، مع اليقين الموجود أن المعرفة متجددة، وقابلة للتغير والتبدل، وإحلال أخرى أكثر حداثة وحيوية محل معرفة أخرى عفا عليها الزمن، بينما يظل الفهم هو سيد الموقف، والمعبر عن قدرة الإنسان على توظيف المعرفة التي يحتاجها في لحظته الآنية، ويوظفها التوظيف الصحيح، فكلما أشرق وعي فوراءه فهم عميق، فالمركبة؛ على سبيل المثال؛ فيها كم هائل من المعلومات، فهل نحتاج إلى أن نفهم كل هذه التفاصيل المعرفية التي تحتويها؟ لا أعتقد، وما ينطبق على المركبة، ينطبق على الهاتف النقال، الذي لا تخلو يد جميع الناس صغار وكبار من حمله، فهذا الجهاز الصغير؛ الذي لا يتجاوز قبضة اليد لبعض أشكاله به من المعلومات والبرامج لا تحصى، وما يستخدمه معظمنا؛ لا يتجاوز الـ (50%) من محتوى هذه البرامج المتاح استخدامها للغالبية العظمى من المستخدمين، فمن هذا الكم الهائل من هذه البرامج هناك اليسير جدا هو ما نفهمه، وهو ما يكفينا في لحظة الاستخدام، وهذا ما يذهب إليه مفهوم «الرغبة والحاجة».

والإنسان بطبيعته ينحاز إلى الرغبة التي بها الكم الكبير من المعرفة، ولكن حقيقته تختزل كل هذا الكم من الرغبة في المعرفة، إلى هذا الجزء اليسير من الفهم، لمواصلة حياته بكل يسر وسهولة، ولعلنا نقع في نقاشاتنا اليومية في سياقات الفهم، أكثر من سياقات المعرفة، فكثيرًا ما نردد -على سبيل المثال-: «يا أخي افهمني»، «هل تفهم ما أقول؟»، ولا نقول؛ في المقابل: «يا أخي اعرفني» فالفهم أهم من المعرفة.

وهناك من ينظر إلى سياقات المعرفة على أنها ترف زائد على الفهم، بينما ينظر إلى الفهم على أنه ضرورة لتوظيف المعرفة بصورة واقعية، ولذلك يحرص المربون، والمنظرون على أن تكون رسائلهم للطرف الآخر تحظى بالفهم، أكثر من أنها تحظى لتراكم المعرفة، فما الفائدة من ملء السجلات بكم هائل من المعارف، دون أن يكون لهذه المعارف توظيف قائم على الفهم؟ ولذلك هناك من يشدد على ضرورة الحرص على استيعاب معاني آيات القرآن الكريم أثناء التلاوة، وهذا الاستيعاب لن يتحقق إلا بفهم النص القرآني، فضلًا عن أن تكون القراءة كمية محسوبة بعدد من السور، أو الأجزاء، في القراءة الواحدة، وهذا الأمر ينطبق على كل القراءات للكتب، وذلك للخروج بفائدة نوعية من هذه القراءات بالجمل، ولعلنا نعيش هذا التحدي مع كل القراءات، سواء للقرآن الكريم، أو للكتب الأخرى، وإلا ما أهمية أن نخصص جزءًا من أوقاتنا للقراءة؟