قنبلة الطاقة البوتينية
الأربعاء / 29 / ربيع الأول / 1444 هـ - 20:33 - الأربعاء 26 أكتوبر 2022 20:33
ترجمة أحمد شافعي -
في الوقت الذي يستمر فيه ترنح الجيش الروسي في أوكرانيا، ينتاب العالم قلق من إمكانية أن يستعمل فلاديمير بوتين سلاحا نوويا تكتيكيا. وقد يكون ذلك واردا، لكنني أعتقد، في الوقت الراهن، أن بوتين يعمل على تجميع سلاح مختلف. ذلك قنبلة نفط وغاز يقوم بتهيئة فتيلها أمام أعيننا وبمساعد غير مقصودة منا، وبوسعه بسهولة أن يفجرها في هذا الشتاء.
في حال قيامه بهذا، يمكن أن يرفع أسعار نفط ووقود التدفئة المنزلية حتى طبقات الغلاف الجوي العليا. وسيكون الأثر السياسي ـ الذي يرجوه بوتين ولا شك ـ انقساما في الحلف الغربي وتشجيعا لبلاد كثيرة على السعي إلى إبرام صفقة مع الكريملين، وبسرعة، ومن هذه البلاد بلدنا الذي يشترك فيه الجمهوريون من دعاة «إرجاع عظمة أمريكا» والتقدميون في التعبير عن قلقهم من التكلفة المتزايدة للصراع الأوكراني.
باختصار: بوتين الآن يخوض حربا برية لاختراق خطوط أوكرانيا وحرب طاقة على جبهتين لكسر إرادة أوكرانيا وإرادة حلفائها. وهو يحاول أن يحطم نظام الكهرباء في أوكرانيا ليضمن شتاء باردا طويلا هناك في حين يضع نفسه (بطرق سوف أوضحها) في موضع يتيح له رفع تكاليف الطاقة على جميع حلفاء أوكرانيا. ولأننا ـ أي أمريكا والغرب ـ لا نمتلك استراتيجية طاقة قائمة لتخفيف تأثير قنبلة الطاقة البوتينية، فهذا احتمال مفزع.
في ما يتعلق بالطاقة، نريد خمسة أشياء فورا ولكنها غير متوافقة، وبوتين يلاحقنا:
1 ـ نريد إخلاء اقتصادنا من الكربون بأسرع ما نستطيع للتخفيف من أخطار تغير المناخ شديدة الواقعية.
2 ـ نريد أقل الأسعار الممكنة للبنزين ونفط التدفئة حتى نستطيع أن نسوق سياراتنا بالسرعة والوتيرة اللتين نشاؤهما، وألا نضطر مطلقا إلى ارتداء ثياب ثقيلة داخل البيت أو نفعل أي شيء للحفاظ على الطاقة.
3 ـ نريد أن نقول لطغاة النفط اذهبوا إلى الجحيم.
4 ـ نريد أن نتمكن من التعامل مع شركات النفط والغاز الأمريكية معاملة المنبوذين والديناصورات التي يجب أن تضخ ما يخرجنا من أزمة النفط الحالية ثم تمضي عنا إلى غاباتها لتنقرض فيها وتترك السيطرة لطاقة الشمس والرياح.
5 ـ وكنت سأنسى، لا نريد أي خطوط أنابيب للنفط والغاز أو أي خطوط نقل لطاقة الرياح والشمس لأننا لا نريدها أن تشوه أفنيتنا الخلفية.
أتفهم ما يجعل الناس راغبين في الخمسة جميعا، الآن. وأن يقول قائل «أريد الخمسة جميعا». ولكنها مسألة مقايضات، وهذا ما لا يكاد يريد أحد منا أن يعترف به أو يناقشه. في حرب طاقة كالتي نخوضها الآن، يجب أن تكون أهدافكم وأولوياتكم واضحة. فنحن كبلد، وكتحالف غربي، ليس لدينا سلم أولويات في ما يتعلق بالطاقة، وإنما طموحات متنافسة وتفكير سحري لا نملك رفاهية اللجوء إليه إطلاقا.
وإن أصررنا على ذلك، فسوف نجد أنفسنا في عالم أليم إذا ما ألقى بوتين بقنبلة الطاقة التي أعتقد أنه يجهزها للكريسماس. وإليكم استراتيجيته مثلما أتصورها: تبدأ بحمل الولايات المتحدة على سحب احتياطيها النفطي الاستراتيجي، وهو عبارة عن مخزون هائل من النفط الخام المختزن في كهوف عملاقة يمكن أن نسحب منها في الطوارئ لتعويض أي انقطاع في الإنتاج المحلي أو الواردات. وقد أعلن الرئيس بايدن الأربعاء الماضي الإفراج عن 15 مليون برميل إضافي من الاحتياطي في ديسمبر، مكملا خطة وضعها من قبل للإفراج عن إجمالي 180 مليون برميل في محاولة للحفاظ على أقل سعر ممكن للوقود في المحطات، استباقا لانتخابات التجديد النصفي. (وهو لم يشر إلى هذا الجزء الأخير، ولم يكن بحاجة إلى ذلك).
وفقا لتقرير في واشنطن بوست، احتوى الاحتياطي «405.1 مليون برميل في 14 أكتوبر، وذلك يمثل قرابة 57% من السعة التخزينية القصوى المسموح بها والبالغة 714 مليون برميل».
وإنني متعاطف مع الرئيس. فالناس كانوا متضررين أصلا من وصول سعر جالون البنزين إلى خمسة دولارات وستة. ولكن استعمال الاحتياطي ـ الذي كان مخصصا لحمايتنا في مواجهة النقص الفجائي في الإنتاج المحلي أو العالمي ـ لتقليل ما لا يزيد عن ربع دولار من سعر البنزين قبل الانتخابات عمل لا يخلو من مخاطرة، حتى لو أن لدى الرئيس خطة لإعادة ملء الاحتياطي في الشهور القادمة.
يريد بوتين أن تستعمل أمريكا أكبر كم ممكن من احتياطيها النفطي الاستراتيجي الآن، تماما مثلما تخلى الألمان عن الطاقة النووية إذ حملهم على إدمان الغاز الطبيعي الرخيص، حتى إذا ما انقطع الغاز الروسي بسبب حرب أوكرانيا، اضطرت البيوت والمصانع الألمانية إلى التدافع المحموم إلى البدائل الأغلى ثمنا.
بعد ذلك، يتابع بوتين الاتحاد الأوربي وهو يستعد لحظر واردات النفط الروسية المنقولة بحرا، اعتبارا من الخامس من ديسمبر. وهذا الحظر، بجانب خطوة ألمانيا وبولندا لإيقاف واردات خطوط الأنابيب ، ينبغي أن يغطي قرابة 90% من واردات الاتحاد الأوربية الحالية من النفط الروسي.
ومثلما أشار تقرير صادر عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن فإن «العقوبات تحظر أيضا، وبشكل حاسم، على شركات الاتحاد الأوربي توفير تأمين الشحن، وخدمات الوساطة، وتمويل صادرات النفط من روسيا إلى أي بلد ثالث».
تعتقد وزارة الخزانة الأمريكية والاتحاد الأوربي أنه دونما تأمين، سوف يتقلص عدد مشتري النفط الروسي بشكل كبير، ولذلك يقولون للروس إن بوسعهم الحصول على تأمين لحاوياتهم النفطية من شركات التأمين الغربية القليلة المسيطرة على الصناعة فقط في حال تخفيض سعر نفطهم الخام إلى الحد الذي وضعه الأوربيون والأمريكيون.
وتخبرني مصادري في صناعة النفط بأنهم يستبعدون كثيرا أن يفلح تثبيت السعر الغربي. فمن المؤكد أن السعودية ـ شريكة روسيا في أوبك بلس ـ غير مهتمة برؤية سابقة لتحديد السعر لأولئك المشترين. وأهم من ذلك أن تجارة النفط الدولية مليئة بشخصيات غامضة (هل يوحي لكم اسم مارك ريتش Marc Rich بشيء؟) تزدهر في اضطرابات الأسواق. إن حاويات النفط تحمل أجهزة إرسال واستقبال تحدد مواقعها. لكن الحاويات المنخرطة في أنشطة مشبوهة تطفئ أجهزتها هذه وتظهر بعد أيام من إجرائها نقلا من سفينة إلى سفينة أو تسلم شحنتها إلى حاويات تخزين في مكان ما من آسيا ليعاد تصديره، فذلك فعليا بمثابة غسيل للنفط الروسي. وبوسع حاوية شديدة الضخامة أن تحتوي من النفط ما تبلغ قيمته 250 مليون دولار، ومن ثم فالدوافع ضخمة.
أضيفوا الآن إلى المزيج لاعبا أشد مراوغة: هو الصين. لديها جميع أنواع العقود طويلة الأجل ثابتة السعر لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من الشرق الأوسط بقرابة مائة دولار للبرميل من مكافئ النفط. لكن بسبب نهج الرئيس شي جينبنج الجنوني في احتواء كوفيد ـ في الشهور الأخيرة عاش نحو 300 مليون مواطن رهن الحظر المنزلي الكامل أو الجزئي ـ تباطأ الاقتصاد الصيني بشكل ملحوظ، وكذلك استهلاكه للغاز. ونتيجة لذلك، بحسب ما ينبئني مصدر في صناعة النفط، فإن الصين تأخذ بعض هذا الغاز الطبيعي المسال المباع لها وفق عقود مثبتة الأسعار بهدف الاستعمال المحلي وتعيد بيعه لأوربا وبلاد أخرى عطشى للغاز بسعر 300 دولار لبرميل مكافئ النفط.
والآن وقد انتهى الرئيس شي من أمر ولايته الثالثة أمينا عاما للحزب الشيوعي، يتوقع كثير من الخبراء أنه سوف يخفف سياسات الحظر. وفي حال رجوع الصين بأي شكل من الأشكال إلى مستويات استهلاكها الطبيعية للغاز وتوقفها عن إعادة تصدير الفائض، فإن سوق الغاز العالمي سوف يصبح أشد توترا.
وأخيرا، مثلما أشرت، يحاول بوتين أن يحطم قدرة أوكرانيا على توليد الكهرباء. واليوم يعيش أكثر من مليون أوكراني بلا طاقة، ومثلما كتب أحد النواب الأوكرانيين في تغريدة الأسبوع الماضي: «العتمة التامة والبرد في الطريق».
فأضيفوا ذلك كله إلى بعضه بعضا ثم افترضوا عند مجيء ديسمبر أن يعلن بوتين إيقاف جميع صادرات النفط والغاز الروسيين لثلاثين يوما أو ستين للدول الداعمة لأوكرانيا، بدلا من الالتزام بتثبيت الاتحاد الأوربي لسعر نفطه. وبوسعه أن يحتمل ذلك لفترة قصيرة. وسوف تكون هذه هي قنبلة الطاقة البوتينية وهديته للغرب في الكريسماس. وفي هذا السوق المأزوم، قد يصعد برميل النفط إلى مائتي دولار مع صعود مكافئ في سعر الغاز الطبيعي. أي أننا نتكلم عما بين 10 و12 دولارا للجالون في محطات الوقود الأمريكية.
جمال قنبلة الطاقة بالنسبة لبوتين هو أن تفجيرها سوف يفصل الغرب عن أوكرانيا ـ خلافا لتفجير قنبلة نووية الذي من شأنه أن يوحد العالم كله ضده.
من الواضح أنني أخمن لا أكثر أن هذا ما يتهيأ له بوتين، وفي حال اتجاه العالم إلى كساد، فإنه سوف يهبط معه بأسعار الطاقة. ولكن سيكون من الحكمة أن نمتلك استراتيجية مضادة قائمة، وبخاصة لأنه في حين أن البعض في أوربا قد تمكنوا من تخزين غاز طبيعي كاف للشتاء القادم، فإن إعادة ملء هذه المخازن لعام 2023 دونما غاز روسي وفي ظل رجوع الصين إلى مستوى الاستهلاك الطبيعي سوف تكون باهظة التكلفة.
لو أن بايدن يريد أمريكا أن تكون ترسانة الديمقراطية لحمايتنا وحماية حلفائنا الديمقراطيين، وألا يتركنا نتسول لإنتاج المزيد من النفط والغاز، فنحن بحاجة إلى ترسانة طاقة قوية بقدر قوة ترسانة الجيش. لأننا في حرب طاقة. على بايدن أن يلقي خطابا أساسيا، يوضح فيه أننا، في المستقبل المنظور، بحاجة إلى المزيد من كل نوع نمتلكه من الطاقة. فالمستثمرون في قطاع النفط والغاز الأمريكي بحاجة إلى أن يعلموا أنهم ما بقوا ينتجون بأنظف الطرق الممكنة، ويستثمرون في تقليل الكربون ويضمون أن تكون خطوط الأنابيب الجديدة التي يقيمونها صالحة لنقل الهيدروجين ـ الذي قد يكون أنظف وقود ممكن قادم خلال العقد التالي ـ فإن لهم مكانا مرحبا به في مستقبل الطاقة الأمريكي، بجانب منتجي الطاقة النظيفة الأخرى من الهيدروجين والرياح والشمس الذين دعمهم بايدن دعما بطوليا خلال تشريعه المناخي.
أعرف. ليس هذا بالمثالي. وأعرف أن منكم من يقول: «لم أكن أرجو أن نكون في هذا الموضع في 2022». لكن ها نحن في هذا الموضع، وأي كلام آخر إن هو إلا تفكير سحري، والوحيد الذي لن ينطلي عليه هذا التفكير السحري هو فلاديمير بوتين.
توماس فريدمان كاتب مقال في الشؤون الخارجية بصحيفة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».
«خدمة نيويورك تايمز» ترجمة خاصة بجريدة «$»
في الوقت الذي يستمر فيه ترنح الجيش الروسي في أوكرانيا، ينتاب العالم قلق من إمكانية أن يستعمل فلاديمير بوتين سلاحا نوويا تكتيكيا. وقد يكون ذلك واردا، لكنني أعتقد، في الوقت الراهن، أن بوتين يعمل على تجميع سلاح مختلف. ذلك قنبلة نفط وغاز يقوم بتهيئة فتيلها أمام أعيننا وبمساعد غير مقصودة منا، وبوسعه بسهولة أن يفجرها في هذا الشتاء.
في حال قيامه بهذا، يمكن أن يرفع أسعار نفط ووقود التدفئة المنزلية حتى طبقات الغلاف الجوي العليا. وسيكون الأثر السياسي ـ الذي يرجوه بوتين ولا شك ـ انقساما في الحلف الغربي وتشجيعا لبلاد كثيرة على السعي إلى إبرام صفقة مع الكريملين، وبسرعة، ومن هذه البلاد بلدنا الذي يشترك فيه الجمهوريون من دعاة «إرجاع عظمة أمريكا» والتقدميون في التعبير عن قلقهم من التكلفة المتزايدة للصراع الأوكراني.
باختصار: بوتين الآن يخوض حربا برية لاختراق خطوط أوكرانيا وحرب طاقة على جبهتين لكسر إرادة أوكرانيا وإرادة حلفائها. وهو يحاول أن يحطم نظام الكهرباء في أوكرانيا ليضمن شتاء باردا طويلا هناك في حين يضع نفسه (بطرق سوف أوضحها) في موضع يتيح له رفع تكاليف الطاقة على جميع حلفاء أوكرانيا. ولأننا ـ أي أمريكا والغرب ـ لا نمتلك استراتيجية طاقة قائمة لتخفيف تأثير قنبلة الطاقة البوتينية، فهذا احتمال مفزع.
في ما يتعلق بالطاقة، نريد خمسة أشياء فورا ولكنها غير متوافقة، وبوتين يلاحقنا:
1 ـ نريد إخلاء اقتصادنا من الكربون بأسرع ما نستطيع للتخفيف من أخطار تغير المناخ شديدة الواقعية.
2 ـ نريد أقل الأسعار الممكنة للبنزين ونفط التدفئة حتى نستطيع أن نسوق سياراتنا بالسرعة والوتيرة اللتين نشاؤهما، وألا نضطر مطلقا إلى ارتداء ثياب ثقيلة داخل البيت أو نفعل أي شيء للحفاظ على الطاقة.
3 ـ نريد أن نقول لطغاة النفط اذهبوا إلى الجحيم.
4 ـ نريد أن نتمكن من التعامل مع شركات النفط والغاز الأمريكية معاملة المنبوذين والديناصورات التي يجب أن تضخ ما يخرجنا من أزمة النفط الحالية ثم تمضي عنا إلى غاباتها لتنقرض فيها وتترك السيطرة لطاقة الشمس والرياح.
5 ـ وكنت سأنسى، لا نريد أي خطوط أنابيب للنفط والغاز أو أي خطوط نقل لطاقة الرياح والشمس لأننا لا نريدها أن تشوه أفنيتنا الخلفية.
أتفهم ما يجعل الناس راغبين في الخمسة جميعا، الآن. وأن يقول قائل «أريد الخمسة جميعا». ولكنها مسألة مقايضات، وهذا ما لا يكاد يريد أحد منا أن يعترف به أو يناقشه. في حرب طاقة كالتي نخوضها الآن، يجب أن تكون أهدافكم وأولوياتكم واضحة. فنحن كبلد، وكتحالف غربي، ليس لدينا سلم أولويات في ما يتعلق بالطاقة، وإنما طموحات متنافسة وتفكير سحري لا نملك رفاهية اللجوء إليه إطلاقا.
وإن أصررنا على ذلك، فسوف نجد أنفسنا في عالم أليم إذا ما ألقى بوتين بقنبلة الطاقة التي أعتقد أنه يجهزها للكريسماس. وإليكم استراتيجيته مثلما أتصورها: تبدأ بحمل الولايات المتحدة على سحب احتياطيها النفطي الاستراتيجي، وهو عبارة عن مخزون هائل من النفط الخام المختزن في كهوف عملاقة يمكن أن نسحب منها في الطوارئ لتعويض أي انقطاع في الإنتاج المحلي أو الواردات. وقد أعلن الرئيس بايدن الأربعاء الماضي الإفراج عن 15 مليون برميل إضافي من الاحتياطي في ديسمبر، مكملا خطة وضعها من قبل للإفراج عن إجمالي 180 مليون برميل في محاولة للحفاظ على أقل سعر ممكن للوقود في المحطات، استباقا لانتخابات التجديد النصفي. (وهو لم يشر إلى هذا الجزء الأخير، ولم يكن بحاجة إلى ذلك).
وفقا لتقرير في واشنطن بوست، احتوى الاحتياطي «405.1 مليون برميل في 14 أكتوبر، وذلك يمثل قرابة 57% من السعة التخزينية القصوى المسموح بها والبالغة 714 مليون برميل».
وإنني متعاطف مع الرئيس. فالناس كانوا متضررين أصلا من وصول سعر جالون البنزين إلى خمسة دولارات وستة. ولكن استعمال الاحتياطي ـ الذي كان مخصصا لحمايتنا في مواجهة النقص الفجائي في الإنتاج المحلي أو العالمي ـ لتقليل ما لا يزيد عن ربع دولار من سعر البنزين قبل الانتخابات عمل لا يخلو من مخاطرة، حتى لو أن لدى الرئيس خطة لإعادة ملء الاحتياطي في الشهور القادمة.
يريد بوتين أن تستعمل أمريكا أكبر كم ممكن من احتياطيها النفطي الاستراتيجي الآن، تماما مثلما تخلى الألمان عن الطاقة النووية إذ حملهم على إدمان الغاز الطبيعي الرخيص، حتى إذا ما انقطع الغاز الروسي بسبب حرب أوكرانيا، اضطرت البيوت والمصانع الألمانية إلى التدافع المحموم إلى البدائل الأغلى ثمنا.
بعد ذلك، يتابع بوتين الاتحاد الأوربي وهو يستعد لحظر واردات النفط الروسية المنقولة بحرا، اعتبارا من الخامس من ديسمبر. وهذا الحظر، بجانب خطوة ألمانيا وبولندا لإيقاف واردات خطوط الأنابيب ، ينبغي أن يغطي قرابة 90% من واردات الاتحاد الأوربية الحالية من النفط الروسي.
ومثلما أشار تقرير صادر عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن فإن «العقوبات تحظر أيضا، وبشكل حاسم، على شركات الاتحاد الأوربي توفير تأمين الشحن، وخدمات الوساطة، وتمويل صادرات النفط من روسيا إلى أي بلد ثالث».
تعتقد وزارة الخزانة الأمريكية والاتحاد الأوربي أنه دونما تأمين، سوف يتقلص عدد مشتري النفط الروسي بشكل كبير، ولذلك يقولون للروس إن بوسعهم الحصول على تأمين لحاوياتهم النفطية من شركات التأمين الغربية القليلة المسيطرة على الصناعة فقط في حال تخفيض سعر نفطهم الخام إلى الحد الذي وضعه الأوربيون والأمريكيون.
وتخبرني مصادري في صناعة النفط بأنهم يستبعدون كثيرا أن يفلح تثبيت السعر الغربي. فمن المؤكد أن السعودية ـ شريكة روسيا في أوبك بلس ـ غير مهتمة برؤية سابقة لتحديد السعر لأولئك المشترين. وأهم من ذلك أن تجارة النفط الدولية مليئة بشخصيات غامضة (هل يوحي لكم اسم مارك ريتش Marc Rich بشيء؟) تزدهر في اضطرابات الأسواق. إن حاويات النفط تحمل أجهزة إرسال واستقبال تحدد مواقعها. لكن الحاويات المنخرطة في أنشطة مشبوهة تطفئ أجهزتها هذه وتظهر بعد أيام من إجرائها نقلا من سفينة إلى سفينة أو تسلم شحنتها إلى حاويات تخزين في مكان ما من آسيا ليعاد تصديره، فذلك فعليا بمثابة غسيل للنفط الروسي. وبوسع حاوية شديدة الضخامة أن تحتوي من النفط ما تبلغ قيمته 250 مليون دولار، ومن ثم فالدوافع ضخمة.
أضيفوا الآن إلى المزيج لاعبا أشد مراوغة: هو الصين. لديها جميع أنواع العقود طويلة الأجل ثابتة السعر لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من الشرق الأوسط بقرابة مائة دولار للبرميل من مكافئ النفط. لكن بسبب نهج الرئيس شي جينبنج الجنوني في احتواء كوفيد ـ في الشهور الأخيرة عاش نحو 300 مليون مواطن رهن الحظر المنزلي الكامل أو الجزئي ـ تباطأ الاقتصاد الصيني بشكل ملحوظ، وكذلك استهلاكه للغاز. ونتيجة لذلك، بحسب ما ينبئني مصدر في صناعة النفط، فإن الصين تأخذ بعض هذا الغاز الطبيعي المسال المباع لها وفق عقود مثبتة الأسعار بهدف الاستعمال المحلي وتعيد بيعه لأوربا وبلاد أخرى عطشى للغاز بسعر 300 دولار لبرميل مكافئ النفط.
والآن وقد انتهى الرئيس شي من أمر ولايته الثالثة أمينا عاما للحزب الشيوعي، يتوقع كثير من الخبراء أنه سوف يخفف سياسات الحظر. وفي حال رجوع الصين بأي شكل من الأشكال إلى مستويات استهلاكها الطبيعية للغاز وتوقفها عن إعادة تصدير الفائض، فإن سوق الغاز العالمي سوف يصبح أشد توترا.
وأخيرا، مثلما أشرت، يحاول بوتين أن يحطم قدرة أوكرانيا على توليد الكهرباء. واليوم يعيش أكثر من مليون أوكراني بلا طاقة، ومثلما كتب أحد النواب الأوكرانيين في تغريدة الأسبوع الماضي: «العتمة التامة والبرد في الطريق».
فأضيفوا ذلك كله إلى بعضه بعضا ثم افترضوا عند مجيء ديسمبر أن يعلن بوتين إيقاف جميع صادرات النفط والغاز الروسيين لثلاثين يوما أو ستين للدول الداعمة لأوكرانيا، بدلا من الالتزام بتثبيت الاتحاد الأوربي لسعر نفطه. وبوسعه أن يحتمل ذلك لفترة قصيرة. وسوف تكون هذه هي قنبلة الطاقة البوتينية وهديته للغرب في الكريسماس. وفي هذا السوق المأزوم، قد يصعد برميل النفط إلى مائتي دولار مع صعود مكافئ في سعر الغاز الطبيعي. أي أننا نتكلم عما بين 10 و12 دولارا للجالون في محطات الوقود الأمريكية.
جمال قنبلة الطاقة بالنسبة لبوتين هو أن تفجيرها سوف يفصل الغرب عن أوكرانيا ـ خلافا لتفجير قنبلة نووية الذي من شأنه أن يوحد العالم كله ضده.
من الواضح أنني أخمن لا أكثر أن هذا ما يتهيأ له بوتين، وفي حال اتجاه العالم إلى كساد، فإنه سوف يهبط معه بأسعار الطاقة. ولكن سيكون من الحكمة أن نمتلك استراتيجية مضادة قائمة، وبخاصة لأنه في حين أن البعض في أوربا قد تمكنوا من تخزين غاز طبيعي كاف للشتاء القادم، فإن إعادة ملء هذه المخازن لعام 2023 دونما غاز روسي وفي ظل رجوع الصين إلى مستوى الاستهلاك الطبيعي سوف تكون باهظة التكلفة.
لو أن بايدن يريد أمريكا أن تكون ترسانة الديمقراطية لحمايتنا وحماية حلفائنا الديمقراطيين، وألا يتركنا نتسول لإنتاج المزيد من النفط والغاز، فنحن بحاجة إلى ترسانة طاقة قوية بقدر قوة ترسانة الجيش. لأننا في حرب طاقة. على بايدن أن يلقي خطابا أساسيا، يوضح فيه أننا، في المستقبل المنظور، بحاجة إلى المزيد من كل نوع نمتلكه من الطاقة. فالمستثمرون في قطاع النفط والغاز الأمريكي بحاجة إلى أن يعلموا أنهم ما بقوا ينتجون بأنظف الطرق الممكنة، ويستثمرون في تقليل الكربون ويضمون أن تكون خطوط الأنابيب الجديدة التي يقيمونها صالحة لنقل الهيدروجين ـ الذي قد يكون أنظف وقود ممكن قادم خلال العقد التالي ـ فإن لهم مكانا مرحبا به في مستقبل الطاقة الأمريكي، بجانب منتجي الطاقة النظيفة الأخرى من الهيدروجين والرياح والشمس الذين دعمهم بايدن دعما بطوليا خلال تشريعه المناخي.
أعرف. ليس هذا بالمثالي. وأعرف أن منكم من يقول: «لم أكن أرجو أن نكون في هذا الموضع في 2022». لكن ها نحن في هذا الموضع، وأي كلام آخر إن هو إلا تفكير سحري، والوحيد الذي لن ينطلي عليه هذا التفكير السحري هو فلاديمير بوتين.
توماس فريدمان كاتب مقال في الشؤون الخارجية بصحيفة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».
«خدمة نيويورك تايمز» ترجمة خاصة بجريدة «$»