الين يتجه إلى الهبوط
الثلاثاء / 28 / ربيع الأول / 1444 هـ - 23:04 - الثلاثاء 25 أكتوبر 2022 23:04
في الثاني والعشرين من سبتمبر، اشترت الحكومة اليابانية الين من سوق الصرف الأجنبي لأول مرة منذ عام 1998. كانت وزارة المالية تحاول وقف انزلاق الين السريع، ولفترة من الوقت بدا الأمر وكأن التدخل بضخ 20 مليار دولار أمريكي نجح في أداء الغرض منه: فقد ارتفعت قيمة الين من نحو 146 ين للدولار إلى أقل قليلًا من 141 ين. ولكن بعد فترة وجيزة من انتهاء التدخل، بدأ الين يتراجع. ظل سعر الدولار مقابل الين أقل من 164 ين، أي عند مستوى نقطة التدخل، لمدة ثلاثة أسابيع تقريبا، قبل أن يهبط إلى ما يقرب من 150 ين في التاسع عشر من أكتوبر.
قد يتساءل المرء ما إذا كان هذا التطور أمرا سيئا. لكن العملة الضعيفة من المفترض أن تعود بالفائدة على الصادرات -وتعزز النمو الاقتصادي بالتالي. تكمن المشكلة في أن شركات التصنيع اليابانية اتجهت على نحو متزايد إلى تحويل مرافق إنتاجها إلى الخارج في العقود الأخيرة. ورغم أن انخفاض قيمة الين يؤدي إلى تضخم أرباح الشركات التابعة الأجنبية، فإنه لا يعزز حجم الصادرات أو مستويات تشغيل القوى العاملة المحلية، على الأقل ليس على الفور.
الواقع أن انخفاض قيمة الين لا يجلب القليل من الفوائد فحسب؛ بل ينطوي أيضا على تكاليف عالية، في هيئة تضخم مستورد. فقد بلغ معدل تضخم المستهلك في اليابان 3% في أغسطس. ورغم أن هذا قد يبدو متواضعا مقارنة بالتضخم في أماكن أخرى -في الولايات المتحدة على سبيل المثال ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 8.2% في سبتمبر- فإنه أعلى معدل تشهده اليابان منذ عام 1991. وقد فَـرَضَ هذا ضغوطا شديدة على حكومة رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، التي جعلت مكافحة التضخم وتخفيف تأثيره على رأس أولوياتها.
وكانت محاولة الحد من انخفاض قيمة الين -الذي يعتبره عامة الناس مسؤولا عن زيادات الأسعار- خطوة طبيعية في هذه العملية. من المؤكد أن التدخلات في أسواق الصرف الأجنبي تكون عادة مشحونة سياسيا، ويؤكد الإجماع بين دول مجموعة السبع على أن تحركات سعر الصرف يجب أن تحددها قوى السوق. لكن مجموعة السبع تتفق أيضا على أن التقلب المفرط أمر غير مرغوب. ويبدو أن تحركات سعر صرف الين -أو على وجه التحديد انخفاض قيمته بأكثر من 25% مقابل الدولار الأمريكي هذا العام- تلبي هذا الشرط. في الثاني والعشرين من سبتمبر، انخفضت قيمة الين بمقدار 2 من الينات لكل دولار قبل إغلاق يوم العمل، عندما بدأ التدخل. ومع نـمو انحراف سعر الصرف بعيدا عن الاتجاه طويل الأجل، ينمو أيضًا الحافز للتدخل.
مع ذلك، يزعم كثيرون أن محاولات اليابان دعم الين يحبطها بنكها المركزي. يتمثل أحد الأسباب الرئيسية وراء انخفاض قيمة الين في حرص بنك اليابان على الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة للغاية -يبلغ السعر الرسمي 0.1% بالسالب، في حين يبلغ سعر الفائدة على السندات لأجل عشر سنوات 0.25%- حتى في حين ترفع بنوك مركزية أخرى أسعار الفائدة. لذا، كانت رؤوس أموال الـمَـحافِظ تتدفق إلى خارج اليابان باتجاه اقتصادات مثل الولايات المتحدة.
ولا يزال بنك اليابان ملتزما بهذا النهج. ففي يوم التدخل في سوق الصرف الأجنبي -بعد يوم من رفع سعر الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بمقدار 75 نقطة أساس- أعلن محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا أن البنك المركزي «لن يرفع أسعار الفائدة في المستقبل المنظور». يزعم كورودا أن الاقتصاد الياباني لا يزال في وضع التعافي، وأن معدل التضخم «المرتفع» الذي بلغ 3% حالة مؤقتة.
علاوة على ذلك، إذا استثنينا الأغذية الطازجة والطاقة، يصبح معدل التضخم في اليابان أقل كثيرا -1.6% في أغسطس. وهذا أقل من معدل التضخم المستهدف 2% الذي كان ساريا منذ يناير 2013. ما دام معدل التضخم في اليابان مختلفا بشدة عن نظيره في الولايات المتحدة وأوروبا، فسوف تظل هذه أيضا حال سياستها النقدية. يُـعَـد ضمان استقرار سعر الصرف جزءا من تفويض وزارة المالية، وليس بين تفويضات بنك اليابان.
عندما تتدخل وزارة المالية في أسواق الصرف الأجنبي لكبح جماح التقلبات، فإنها بهذا تقوم بوظيفتها، تماما كما يقوم بنك اليابان بوظيفته عندما يعدل أسعار الفائدة لضمان استقرار الأسعار. وتجسد سلطة كل من الهيئتين تقسيما تكميليا للمسؤولية. في كل الأحوال، تقع الدوافع الرئيسية وراء انخفاض قيمة الين خارج نطاق سيطرة كل من وزارة المالية وبنك اليابان. فقد ارتفعت أسعار الطاقة بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، بسبب القرار الذي اتخذته منظمة أوبك بلس بخفض إنتاج النفط. كما تعززت قيمة الدولار الأمريكي مقابل كل العملات الرئيسية بفعل إحكام السياسات النقدية التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. إذا انخفضت قيمة الين على نحو مفاجئ مقابل الدولار -وليكن ذلك بسبب أنشطة المضاربة- فقد تتدخل وزارة المالية مرة أخرى. لكن ما دامت الأساسيات الاقتصادية الحالية والظروف الخارجية قائمة، فسوف تستمر قيمة الين في الانخفاض، وسوف تستمر اليابان في استيراد التضخم. وليس لليابان أن تتوقع عكس اتجاه انخفاض قيمة الين بأي طريقة دائمة، إلا إذا تغيرت الظروف -وخاصة إذا انخفض التضخم في الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، قد يتسنى لليابان أن تجد طريقة لتخفيف آلام التضخم. بوسع الشركات اليابانية متعددة الجنسيات أن تمرر الأرباح التي تجنيها من شركاتها الأجنبية، بفضل ضعف الين، إلى العمال في اليابان.
بهذا، يتحول التضخم الذي يدفع التكلفة إلى الارتفاع إلى تضخم يجتذب الطلب، وقد يقرر بنك اليابان، في الأمد المتوسط، رفع التضخم أخيرًا إلى الهدف 2% بطريقة مستدامة. آنئذ يحين وقت البدء في زيادة السعر الرسمي وسعر الفائدة طويل الأجل، مما يساعد في إبطاء انحدار قيمة الين دون إلحاق الأذى بالاقتصاد المحلي.
تاكاتوشي إيتو - نائب وزير المالية الياباني الأسبق، وأستاذ بكلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا وأستاذ بارز في المعهد الوطني للدراسات العليا للدراسات السياسية في طوكيو.
قد يتساءل المرء ما إذا كان هذا التطور أمرا سيئا. لكن العملة الضعيفة من المفترض أن تعود بالفائدة على الصادرات -وتعزز النمو الاقتصادي بالتالي. تكمن المشكلة في أن شركات التصنيع اليابانية اتجهت على نحو متزايد إلى تحويل مرافق إنتاجها إلى الخارج في العقود الأخيرة. ورغم أن انخفاض قيمة الين يؤدي إلى تضخم أرباح الشركات التابعة الأجنبية، فإنه لا يعزز حجم الصادرات أو مستويات تشغيل القوى العاملة المحلية، على الأقل ليس على الفور.
الواقع أن انخفاض قيمة الين لا يجلب القليل من الفوائد فحسب؛ بل ينطوي أيضا على تكاليف عالية، في هيئة تضخم مستورد. فقد بلغ معدل تضخم المستهلك في اليابان 3% في أغسطس. ورغم أن هذا قد يبدو متواضعا مقارنة بالتضخم في أماكن أخرى -في الولايات المتحدة على سبيل المثال ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 8.2% في سبتمبر- فإنه أعلى معدل تشهده اليابان منذ عام 1991. وقد فَـرَضَ هذا ضغوطا شديدة على حكومة رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، التي جعلت مكافحة التضخم وتخفيف تأثيره على رأس أولوياتها.
وكانت محاولة الحد من انخفاض قيمة الين -الذي يعتبره عامة الناس مسؤولا عن زيادات الأسعار- خطوة طبيعية في هذه العملية. من المؤكد أن التدخلات في أسواق الصرف الأجنبي تكون عادة مشحونة سياسيا، ويؤكد الإجماع بين دول مجموعة السبع على أن تحركات سعر الصرف يجب أن تحددها قوى السوق. لكن مجموعة السبع تتفق أيضا على أن التقلب المفرط أمر غير مرغوب. ويبدو أن تحركات سعر صرف الين -أو على وجه التحديد انخفاض قيمته بأكثر من 25% مقابل الدولار الأمريكي هذا العام- تلبي هذا الشرط. في الثاني والعشرين من سبتمبر، انخفضت قيمة الين بمقدار 2 من الينات لكل دولار قبل إغلاق يوم العمل، عندما بدأ التدخل. ومع نـمو انحراف سعر الصرف بعيدا عن الاتجاه طويل الأجل، ينمو أيضًا الحافز للتدخل.
مع ذلك، يزعم كثيرون أن محاولات اليابان دعم الين يحبطها بنكها المركزي. يتمثل أحد الأسباب الرئيسية وراء انخفاض قيمة الين في حرص بنك اليابان على الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة للغاية -يبلغ السعر الرسمي 0.1% بالسالب، في حين يبلغ سعر الفائدة على السندات لأجل عشر سنوات 0.25%- حتى في حين ترفع بنوك مركزية أخرى أسعار الفائدة. لذا، كانت رؤوس أموال الـمَـحافِظ تتدفق إلى خارج اليابان باتجاه اقتصادات مثل الولايات المتحدة.
ولا يزال بنك اليابان ملتزما بهذا النهج. ففي يوم التدخل في سوق الصرف الأجنبي -بعد يوم من رفع سعر الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بمقدار 75 نقطة أساس- أعلن محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا أن البنك المركزي «لن يرفع أسعار الفائدة في المستقبل المنظور». يزعم كورودا أن الاقتصاد الياباني لا يزال في وضع التعافي، وأن معدل التضخم «المرتفع» الذي بلغ 3% حالة مؤقتة.
علاوة على ذلك، إذا استثنينا الأغذية الطازجة والطاقة، يصبح معدل التضخم في اليابان أقل كثيرا -1.6% في أغسطس. وهذا أقل من معدل التضخم المستهدف 2% الذي كان ساريا منذ يناير 2013. ما دام معدل التضخم في اليابان مختلفا بشدة عن نظيره في الولايات المتحدة وأوروبا، فسوف تظل هذه أيضا حال سياستها النقدية. يُـعَـد ضمان استقرار سعر الصرف جزءا من تفويض وزارة المالية، وليس بين تفويضات بنك اليابان.
عندما تتدخل وزارة المالية في أسواق الصرف الأجنبي لكبح جماح التقلبات، فإنها بهذا تقوم بوظيفتها، تماما كما يقوم بنك اليابان بوظيفته عندما يعدل أسعار الفائدة لضمان استقرار الأسعار. وتجسد سلطة كل من الهيئتين تقسيما تكميليا للمسؤولية. في كل الأحوال، تقع الدوافع الرئيسية وراء انخفاض قيمة الين خارج نطاق سيطرة كل من وزارة المالية وبنك اليابان. فقد ارتفعت أسعار الطاقة بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، بسبب القرار الذي اتخذته منظمة أوبك بلس بخفض إنتاج النفط. كما تعززت قيمة الدولار الأمريكي مقابل كل العملات الرئيسية بفعل إحكام السياسات النقدية التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. إذا انخفضت قيمة الين على نحو مفاجئ مقابل الدولار -وليكن ذلك بسبب أنشطة المضاربة- فقد تتدخل وزارة المالية مرة أخرى. لكن ما دامت الأساسيات الاقتصادية الحالية والظروف الخارجية قائمة، فسوف تستمر قيمة الين في الانخفاض، وسوف تستمر اليابان في استيراد التضخم. وليس لليابان أن تتوقع عكس اتجاه انخفاض قيمة الين بأي طريقة دائمة، إلا إذا تغيرت الظروف -وخاصة إذا انخفض التضخم في الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، قد يتسنى لليابان أن تجد طريقة لتخفيف آلام التضخم. بوسع الشركات اليابانية متعددة الجنسيات أن تمرر الأرباح التي تجنيها من شركاتها الأجنبية، بفضل ضعف الين، إلى العمال في اليابان.
بهذا، يتحول التضخم الذي يدفع التكلفة إلى الارتفاع إلى تضخم يجتذب الطلب، وقد يقرر بنك اليابان، في الأمد المتوسط، رفع التضخم أخيرًا إلى الهدف 2% بطريقة مستدامة. آنئذ يحين وقت البدء في زيادة السعر الرسمي وسعر الفائدة طويل الأجل، مما يساعد في إبطاء انحدار قيمة الين دون إلحاق الأذى بالاقتصاد المحلي.
تاكاتوشي إيتو - نائب وزير المالية الياباني الأسبق، وأستاذ بكلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا وأستاذ بارز في المعهد الوطني للدراسات العليا للدراسات السياسية في طوكيو.