أفكار وآراء

وسائل التواصل الاجتماعي والتحديات الاجتماعية

تعددت التعريفات والمفاهيم التي تطلق على وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن الهدف المرجو منها هو إتاحة القدرة لمستخدميها على التواصل فيما بينهم عبر وضع معلومات وتعليقات ورسائل وصور وغيرها، فوسائل التواصل الاجتماعي كما يعرّفها البعض بأنها مواقع الشبكات الاجتماعية على صفحة الويب التي يمكن أن تسهل التفاعل النشط بين المشتركين في هذه الشبكة الاجتماعية الموجودة بالفعل على الإنترنت بهدف توفير مختلف وسائل الاهتمام والمشاركة المساعدة على التفاعل بين الأعضاء بعضهم البعض عبر المراسلة الفورية والمقاطع المرئية والدردشة وتبادل الملفات ومجموعات النقاش والمدونات والصور، إذ أوجدت هذه الوسائل طرقا تعد إحدى أهم الطرق والأدوات للتبادل الحر للمعلومات في مختلف أنحاء العالم فأصبح الفرد ليس متلقيا للخبر فقط بل مشاركا ومنتجا أيضا له حتى أنشأ عالما افتراضيا يسمى المجتمع الرقمي ضمن شبكة عالمية مفتوحة للجميع، ومع التطور التكنولوجي في شبكات الإنترنت وتزايد عدد مستخدميه أضحى مرتادو وسائل التواصل الاجتماعي ومتابعوها يفوقون الملايين من الأشخاص حول العالم، أما في سلطنة عمان فقد بلغ عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي 4.39 مليون مستخدم في يناير 2022 أي (83.2) في المائة من إجمالي السكان؛ مع زيادة عدد المستخدمين بمقدار 250 ألف مستخدم بين عامي 2021، و2022م وفقا لتقرير حديث نشرته مؤسسة داتا رببورتال للأبحاث على موقعها الإلكتروني، فمنافع وسائل التواصل الاجتماعي كثيرة أبرزها سهولة الحصول على المعلومات من مصادر متنوعة، وهي وسيلة للتعارف وتكوين العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، أيضا توفر مرجعا مهما للطلبة والمهتمين، وتساعد على التواصل رغم بعد المسافات، وسهولة التسوق الإلكتروني والتسويق والإعلانات المختلفة، وتشجع على إبداء الرأي والمشاركة في وضع السياسات والخطط، وتمكننا من الحصول على استشارات ومعلومات في عدة مجالات، إلا أنها باتت تشكّل خطرا ناجما عن سوء استخدامها، إذ أتاحت فرصة نشر أفكار مضللة وبيانات ومعلومات مغلوطة لا تتناسب مع ثقافة المجتمع وقيمه وربما تهدف إلى التأثير على المجتمع العُماني لدفعه إلى سلوكيات معينة وأفكار من شأنها أن تخل بالأمن والاستقرار وإضعاف انتماء الأفراد لوطنهم والتأثير على اتجاهاتهم.

إن أثر مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها على جوانب مختلفة من الحياة قد تحول إلى ظاهرة اجتماعية دفعت العديد من الباحثين في مجال التربية وعلم الاجتماع وعلم النفس إلى دراستها والتعمق في تحدياتها وتأثيراتها المستقبلية على حياة النشء بالإضافة إلى تأثيراتها في أنماط التفكير وسلوك المستخدمين والمتابعين وفي مقدمتهم الشباب، وأيضا دراسة طبيعة التأثير الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي في التنشئة وما تغرسه من قيم وسلوكيات تؤثر في المظهر الخارجي والتوافق الاجتماعي والقيمي مثل نظريات الحتمية التقنية لمارشال ماكلوهان في القرن الماضي التي تفترض أن المختارات التكنولوجية المهمة هي التي تؤثر على تكوين المجتمعات وتحديد العلاقات بين الأفراد والجماعات، ونظرية الحتمية القيمة التي طرحها أستاذ الإعلام الجزائري عبدالرحمن عزي التي تعزي تأثيرات وسائل الإعلام إلى المنظومة القيمية والفلسفية السائدة في المجتمع التي تحاول مناقضة ماكلوهان عن الحتمية التكنولوجية أملا في الوصول إلى تحديد مدى التأثيرات الفعلية لوسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية والاجتماعية.

إن الدور الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية أسهم في ظهور تساؤلات واستفسارات بشأن حجم تحريك وسائل وبرامج التواصل الاجتماعي الجمهور بما يتداول فيها تجاه القضايا المختلفة بالإضافة إلى معرفة مدى اعتماد الجمهور على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى على ما يتداول فيها لمعرفة انجذابهم للتفاعل مع مختلف الموضوعات والقضايا، فالدور المرجو من وسائل التواصل الاجتماعي هو إثراء المجتمعات معرفيا وفكريا وتوعية الأشخاص بحقوقهم وواجباتهم عبر انتهاج الدول سياسات وأطر قانونية للتعامل مع هذه الوسائل شريطة التوازن بين مساحة الحرية التي يمتلكها الجمهور في وسائل التواصل الاجتماعي والضوابط التي تحكّم عملية استخدامها لتجنب عدم تحولها لأداة تهدد أمن المجتمعات واستقرارها، وفي الجانب الاجتماعي أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في مستوى الوعي والدور المهم في التربية والتنشئة واكتساب العادات الصحيحة عبر سهولة التواصل وتبادل وجهات النظر بشأن المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالإضافة إلى ذلك فإن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت الأشخاص الذين يعانون من الخجل والانطوائية وصعوبة التواصل مع الآخرين بالتغلب على تلك الصفات، إلا أن هناك مشاكل اجتماعية نشأت من سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أثّرت سلبا على المجتمعات مثل انتشار الفتن والزعزعة الأمنية واكتساب العادات غير الحميدة.

فالأدوار الملقاة على عاتق أولياء الأمور والمعنيين في المؤسسات التربوية وغيرها من المؤسسات المعنية بتنشئة الشباب وتنمية مهاراتهم وصقلها تعد أدوارا كبيرة جدا عبر توجيه أفراد المجتمع للاستخدام العقلاني لوسائل التواصل الاجتماعي وأهمية استخدامها إيجابيا من خلال التعبير عن الآراء والمنطلقات الشخصية في حدود الأدب والذوق العام بالإضافة إلى إثراء الحوارات الهادفة عبر مناقشة الأطروحات بأسلوب علمي وحضاري مستند على الحقائق والاستدلالات الدقيقة والعلمية لمنع تدفق الأفكار المنحرفة ثقافيا وأخلاقيا واجتماعيا ولن يتحقق ذلك إلا بتكاتف جهود مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية بالتعاون مع مختلف فئات المجتمع لتعزيز الاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي وكيفية الاستفادة منها إيجابيا وبشكل فاعل مدعوما بتفعيل القوانين والتشريعات الرادعة للاستخدام الضار لتلك الوسائل الذي يعظم من حجم السلبية والتذمر في المجتمع، وأيضا الاستخدام الداعم لنشر السموم والأفكار الهدامة لإضعاف تماسك المجتمعات والتقزيم من جهود أفرادها.

أرى من الضروري إجراء مزيد من البحوث والدراسات عن وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيراتها الاجتماعية على الفرد والمجتمع بالإضافة إلى التحديات الناجمة عنها في عرقلة مسارات تنشئة الشباب بالتعاون مع الاختصاصيين في مجال العلوم الاجتماعية والإحصائية بالتعاون مع المهتمين بمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي ورصد التفاعل فيها للوقوف على كافة الموضوعات المتداولة ودراسة أثرها على المجتمع ووضع الحلول والمقترحات لكافة التحديات الاجتماعية لتصحيح مسار تنشئة الشباب وغرس العادات الحميدة والأخلاق الفاضلة في أفراد المجتمع.