لماذا اختار ابن خلدون مفهوم العصبية؟
الأربعاء / 22 / ربيع الأول / 1444 هـ - 20:33 - الأربعاء 19 أكتوبر 2022 20:33
يزخر التراث العربي الإسلامي بترادف الكلمات العربية واشتقاقها اللغوي، وقد تتقارب في المعنى العام للكلمة، وقد تتنافر معه مع مرور السنين والقرون من الزمن، وربما يختفي بعضها مع الوقت، عندما تكون شائعة في وقت سابق، لكنها بعد قرون عدة قد لا تظهر في التداول والممارسة الفعلية في المجتمعات وقد تحرّف عن معناها، وهذه موجودة في كل الثقافات الإنسانية، قد عرفت في الكتابات الفكرية واللغوية العربية، وحتى في الشعر العربي القديم، تجد الكثير من المفردات لا تتداول، وقد تصبح عسيرة على الفهم عند المتأخرين وقد تفهم بمعنى آخر. وقد انفرد العلامة والفيلسوف ابن خلدون، بإبراز مفهوم «العصبية» باعتباره يقارب ما عاشه في القرن الرابع عشر الميلادي، مع تلك الظروف والتغيرات والإرهاصات التي عاشها، وتم استخدامها بما يبرر طرح هذا المفهوم لكونه عاش تلك الفترة، مع أن مفهوم العصبية، لم يخترعه ابن خلدون، فهو متواجد في القواميس العربية، وتبرز مقاربته لإسقاطها على الواقع المعاش، وتحقق ذلك في تلك الفترة التي ظهرت فيها الممالك العربية/الإسلامية في المغرب العربي، وشمال إفريقيا، من اضطرابات وصراعات، نتيجة لضعف الدولة العربية المركزية، والتي أدت إلى قيام ممالك تتصارع على النفوذ والحكم والاستحواذ على أراض وممالك أخرى، ولذلك فإن ابن خلدون سجل تلك الأحداث على الفترة التي عرفها، وكان قبلها الحكم العربي متفوقا في النهضة والحضارة، خاصة بعد قيامه في الأندلس وشمال إفريقيا.
والغريب أن ابن خلدون، لم يستعمل مصطلح «الشوكة» في مقاربته لما عاشه في بعض الممالك العربية بشمال إفريقيا، وهو ابن تلك الديار العربية العريقة، لكنه اختار العصبية لتناسب الحالة القائمة كما وصفها، وهذه لم تحصل في الشرق العربي الإسلامي في الوقت نفسه، من اضطراب وصراع، وسقوط بعض الممالك، وإحلال ممالك أخرى، وما تبعه من المناصرة والتعاضد والتلاحم، إما عن طريق النسب والقرابة، وإما عن طريق النصرة بسبب العيش المشترك لجماعة تعيش بجوار بعضها البعض في بيئة مشتركة، لمواجهة خطر آخر من خارجها، لكن مصطلح الشوكة، لم يتقارب مع هذه الظروف التي عاصرها العلامة ابن خلدون، وكتب عنها في المقدمة، وبقية الأجزاء الأخرى من كتابه في مجموعه العام، لكن كلمة «الشوكة» التي تحدث عنها الإمام أبي حامد الغزالي (450هـ ـ 505هـ / 1058م - 1111م)، في كتابه (المستظهر)، وإن كانت تتقارب من العصبية في بعض المفاهيم، كما فسرها البعض، لاختلاف الظروف السياسية في المشرق العربي الإسلامي عنه في المغرب العربي، وللفارق الزمني بما يزيد على ثلاثة قرون سبقت ابن خلدون في تلك الظروف كما عاشها، مع أن الأوضاع كانت أيضا صعبة مع اقتراب الغزو الصليبي للبلاد العربية في المشرق، لكن الأمر مختلف كما جرى بعد ذلك في شمال إفريقيا، فالشوكة عند الإمام الغزالي تعني أن الدولة تحتاج للمناصرة من خلال قوة النفوذ، وتأييد الأغلبية لرئيسها وليس للعصبيات، ولا بد من القوة المؤيدة المادية فـ: «لا قيام للإمامة إلا بالشوكة.. والكثرة في الأتباع، والأشياع». تعني الشوكة أيضاً قوة معنوية سياسية تحقق التأييد للدولة والحاكم عند احتياجها.
لكن العصبية التي اهتم لها العلامة ابن خلدون وأسقطها على تلك المرحلة التي عاشها، تختلف عن الظروف السياسية التي تعايش معها الإمام الجويني والغزالي وغيرهما في عصورهم السابقة، ومن هنا جاء الاختلاف في طرح المفاهيم التي تقارب المسائل القائمة فقهياً ولغوياً، لكن ابن خلدون ميّز بين إسقاط مصطلح العصبية على المدن الحضرية، عنها في البوادي غير القريبة من المدن، ففي الحضر ـ كما يرى ابن خلدون ـ تقل العصبيات سواء المناصرة أو المعارضة، وتتقدم القوة العسكرية والسياج للحماية، مع التعاضد مع الدولة عند الغزوات الخارجية وبوجود الاستقرار النسبي لهذه الدول والممالك، لكن الأمر مختلف في البوادي البعيدة عن المدن الحضرية، ويرى ابن خلدون أن العصبيات تكون أكثر قوة وتماسكا من المدنُ، سواء كانت عن طريق النسب أو صلة القرابة، الذي له أهميته في المدافعة والمناصرة، لكن أيضا العصبية تتم بطريق غير النسب والقرابة، خاصة من خلال التعايش الجماعي في البيئة الواحدة وتماسكها، وقد تتم العصبية بصورة أخرى، فقد تكون هناك عصبية معارضة للدولة أو متناقضة مع توجهها السياسي أو الاقتصادي، إما من أجل السعي لإزاحة النظام القائم، وإما لوجود صراع سابق بين عصبيات متنافسة على النفوذ، في ظل ضعف أو غياب الدولة المركزية، وبروز ممالك صغيرة، وهذا ما عاشه العلامة ابن خلدون، وجعله يضع مصطلح العصبية في إطار تلك الظرفية المعايشة الواقعية.
والحقيقة أن النظرية الخلدونية، سواء في علم العمران البشري، أو قوة العصبية في قيام الدولة أو سقوطها، أو في فلسفة التاريخ، كُتبت عنها العشرات من المؤلفات، ومئات من البحوث والدراسات عن ابن خلدون، سواء ممن انبهر بنظرياته التاريخية التحليلية، أو من اختلف مع بعض استنتاجاته فيما وضعه من نظريات وتحليلات، لكن الأمر الذي لا يختلف عليه أحد أن ابن خلدون يعتبر ظاهرة أوعقلية متميزة من حيث الإبداع الفلسفي التاريخي أو التحليلي، أو علم الاجتماع الإنساني، وهي مقدرة استباقية في كتابة التاريخ، وسبق فيه كل المؤرخين القدامى ومنهم المؤرخ اليوناني «هيرودوت» الذي يسمى (أبو التاريخ)، لكن ابن خلدون تفّوق عليه من حيث الأسلوب التحليلي للتاريخ وفلسفته، وما تبعه ممن اعتنوا بفلسفة التاريخ ونظريات علم الاجتماع خاصة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر من الفلاسفة وعلماء الاجتماع من الغربيين.
من هذا المنطلق وضع ابن خلدون دور العصبية في تقوية أو معارضة لعصبيات أخرى، وأن العصائب البشرية، تبرز لكونها من الطبيعة البشرية، لأسباب غير طبيعية تحدث، فتجعل منها قوة لمواجهة قوة منافسة أو عدوانية، ولا شك أن العلامة ابن خلدون، جعل منهجيته، في مسألة العصبية، والتي تعتبر من الركائز المهمة للعلاقات السياسية ـ بمفهوم عصرنا ـ واعتبرها من القوى المؤثرة في الحراك السياسي. يقول ابن خلدون في تحليل مفهوم العصبية: «إن الله سبحانه وتعالى ركّب في طبائع البشر الخير والشر، كما قال تعالى: (وهديناه النجدين)، وقال (فألهمها فجورها وتقواها). والشر أقرب الخلال إليه إذا أهمل في مرعيّ عوائده ولم يهذبه الاقتداء بالدين. وعلى ذلك الجمع الغفير إلا من وفقه الله. ومن أخلاق البشر، فيهم الظلم والعدوان بعضهم على بعض فمن امتدت عينه إلى متاع أخيه امتدت يده إلى أخذه إلا أن يصده وازع، كما قال الشاعر:
والظلم من شيم النفوس إن تجد ذا عفة فلعله لا يُظلم».
فالعصبيات ـ بحسب ابن خلدون ـ التي تتكاتف وتتقارب وتتآلف، يكون تأثيرها قوياً، خاصة عندما تتمتع العصبية بقوة عددية مع قوة الصبغة الدينية، إذ تزيدها قوة مع قوتها، سواء كانت عن طريق النسب، أو التناصر في غير النسب، لكن هذا الأمر لا بد له من تحقق العدل والإنصاف في الحقوق والبعد عن المظالم، فإذا لم تأت هذه الأسس الدافعة للعصبية للمناصرة، وكان الحكم كما يقول ابن خلدون: باطشاً بالعقوبات، منقباً عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم، شملهم الخوف والذل، ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة فتخلقوا بها، وفسدت بصائرهم وأخلاقهم، وربما خذلوه في مواطن الحروب والمدافعات، ففسدت الحماية بفساد النيات، وربما أجمعوا على قتله لذلك فتفسد الدولة ويخرب السياج، وإن دام أمره عليهم وقهره فسدت العصبية، وفسد السياج من أصله بالعجز عن الحماية.
ويسرد ابن خلدون الأثر الديني مع قوة العصبية والملتحمة بالقيم التي وضعها هذا الدين في نفوس أصحابه، فمع أن المسلمين كانوا أقل عددا، لكنهم انتصروا، وهذا حصل في وقائع كثيرة، ويشير ابن خلدون، إلى معركة القادسية واليرموك في العصر الأول الإسلامي، في فترة الفتوحات إذ كانت «جيوش المسلمين بالقادسيّة واليرموك، بضعة وثلاثين ألفا في كلّ معسكر، وجموع فارس مائة وعشرين ألفا بالقادسيّة». وهذه لا شك لعبت دورها في النفوس العربية التي خاضت العديد من الحروب، وجمعت بقوة التناصر والالتحام، مع القوة الروحية الدافعة للتضحية والبذل، لكن مع غياب هذه الروح تضعف النفوس، مع تفشي المظالم والترف والفساد.. ولا شك أن ابن خلدون وضع تحليلا واقعياً، وهذا التحليل، قد لا يكون بعيداً عن واقعنا المعاصر، وقد حصل في بيئات عربية وأجنبية عبر التاريخ، ولذلك الحكم الرشيد والممسك بالعدل وبعيداً عن البطش، تجعل الالتفاف حوله سياجاً وقوة ومناصرة.
والغريب أن ابن خلدون، لم يستعمل مصطلح «الشوكة» في مقاربته لما عاشه في بعض الممالك العربية بشمال إفريقيا، وهو ابن تلك الديار العربية العريقة، لكنه اختار العصبية لتناسب الحالة القائمة كما وصفها، وهذه لم تحصل في الشرق العربي الإسلامي في الوقت نفسه، من اضطراب وصراع، وسقوط بعض الممالك، وإحلال ممالك أخرى، وما تبعه من المناصرة والتعاضد والتلاحم، إما عن طريق النسب والقرابة، وإما عن طريق النصرة بسبب العيش المشترك لجماعة تعيش بجوار بعضها البعض في بيئة مشتركة، لمواجهة خطر آخر من خارجها، لكن مصطلح الشوكة، لم يتقارب مع هذه الظروف التي عاصرها العلامة ابن خلدون، وكتب عنها في المقدمة، وبقية الأجزاء الأخرى من كتابه في مجموعه العام، لكن كلمة «الشوكة» التي تحدث عنها الإمام أبي حامد الغزالي (450هـ ـ 505هـ / 1058م - 1111م)، في كتابه (المستظهر)، وإن كانت تتقارب من العصبية في بعض المفاهيم، كما فسرها البعض، لاختلاف الظروف السياسية في المشرق العربي الإسلامي عنه في المغرب العربي، وللفارق الزمني بما يزيد على ثلاثة قرون سبقت ابن خلدون في تلك الظروف كما عاشها، مع أن الأوضاع كانت أيضا صعبة مع اقتراب الغزو الصليبي للبلاد العربية في المشرق، لكن الأمر مختلف كما جرى بعد ذلك في شمال إفريقيا، فالشوكة عند الإمام الغزالي تعني أن الدولة تحتاج للمناصرة من خلال قوة النفوذ، وتأييد الأغلبية لرئيسها وليس للعصبيات، ولا بد من القوة المؤيدة المادية فـ: «لا قيام للإمامة إلا بالشوكة.. والكثرة في الأتباع، والأشياع». تعني الشوكة أيضاً قوة معنوية سياسية تحقق التأييد للدولة والحاكم عند احتياجها.
لكن العصبية التي اهتم لها العلامة ابن خلدون وأسقطها على تلك المرحلة التي عاشها، تختلف عن الظروف السياسية التي تعايش معها الإمام الجويني والغزالي وغيرهما في عصورهم السابقة، ومن هنا جاء الاختلاف في طرح المفاهيم التي تقارب المسائل القائمة فقهياً ولغوياً، لكن ابن خلدون ميّز بين إسقاط مصطلح العصبية على المدن الحضرية، عنها في البوادي غير القريبة من المدن، ففي الحضر ـ كما يرى ابن خلدون ـ تقل العصبيات سواء المناصرة أو المعارضة، وتتقدم القوة العسكرية والسياج للحماية، مع التعاضد مع الدولة عند الغزوات الخارجية وبوجود الاستقرار النسبي لهذه الدول والممالك، لكن الأمر مختلف في البوادي البعيدة عن المدن الحضرية، ويرى ابن خلدون أن العصبيات تكون أكثر قوة وتماسكا من المدنُ، سواء كانت عن طريق النسب أو صلة القرابة، الذي له أهميته في المدافعة والمناصرة، لكن أيضا العصبية تتم بطريق غير النسب والقرابة، خاصة من خلال التعايش الجماعي في البيئة الواحدة وتماسكها، وقد تتم العصبية بصورة أخرى، فقد تكون هناك عصبية معارضة للدولة أو متناقضة مع توجهها السياسي أو الاقتصادي، إما من أجل السعي لإزاحة النظام القائم، وإما لوجود صراع سابق بين عصبيات متنافسة على النفوذ، في ظل ضعف أو غياب الدولة المركزية، وبروز ممالك صغيرة، وهذا ما عاشه العلامة ابن خلدون، وجعله يضع مصطلح العصبية في إطار تلك الظرفية المعايشة الواقعية.
والحقيقة أن النظرية الخلدونية، سواء في علم العمران البشري، أو قوة العصبية في قيام الدولة أو سقوطها، أو في فلسفة التاريخ، كُتبت عنها العشرات من المؤلفات، ومئات من البحوث والدراسات عن ابن خلدون، سواء ممن انبهر بنظرياته التاريخية التحليلية، أو من اختلف مع بعض استنتاجاته فيما وضعه من نظريات وتحليلات، لكن الأمر الذي لا يختلف عليه أحد أن ابن خلدون يعتبر ظاهرة أوعقلية متميزة من حيث الإبداع الفلسفي التاريخي أو التحليلي، أو علم الاجتماع الإنساني، وهي مقدرة استباقية في كتابة التاريخ، وسبق فيه كل المؤرخين القدامى ومنهم المؤرخ اليوناني «هيرودوت» الذي يسمى (أبو التاريخ)، لكن ابن خلدون تفّوق عليه من حيث الأسلوب التحليلي للتاريخ وفلسفته، وما تبعه ممن اعتنوا بفلسفة التاريخ ونظريات علم الاجتماع خاصة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر من الفلاسفة وعلماء الاجتماع من الغربيين.
من هذا المنطلق وضع ابن خلدون دور العصبية في تقوية أو معارضة لعصبيات أخرى، وأن العصائب البشرية، تبرز لكونها من الطبيعة البشرية، لأسباب غير طبيعية تحدث، فتجعل منها قوة لمواجهة قوة منافسة أو عدوانية، ولا شك أن العلامة ابن خلدون، جعل منهجيته، في مسألة العصبية، والتي تعتبر من الركائز المهمة للعلاقات السياسية ـ بمفهوم عصرنا ـ واعتبرها من القوى المؤثرة في الحراك السياسي. يقول ابن خلدون في تحليل مفهوم العصبية: «إن الله سبحانه وتعالى ركّب في طبائع البشر الخير والشر، كما قال تعالى: (وهديناه النجدين)، وقال (فألهمها فجورها وتقواها). والشر أقرب الخلال إليه إذا أهمل في مرعيّ عوائده ولم يهذبه الاقتداء بالدين. وعلى ذلك الجمع الغفير إلا من وفقه الله. ومن أخلاق البشر، فيهم الظلم والعدوان بعضهم على بعض فمن امتدت عينه إلى متاع أخيه امتدت يده إلى أخذه إلا أن يصده وازع، كما قال الشاعر:
والظلم من شيم النفوس إن تجد ذا عفة فلعله لا يُظلم».
فالعصبيات ـ بحسب ابن خلدون ـ التي تتكاتف وتتقارب وتتآلف، يكون تأثيرها قوياً، خاصة عندما تتمتع العصبية بقوة عددية مع قوة الصبغة الدينية، إذ تزيدها قوة مع قوتها، سواء كانت عن طريق النسب، أو التناصر في غير النسب، لكن هذا الأمر لا بد له من تحقق العدل والإنصاف في الحقوق والبعد عن المظالم، فإذا لم تأت هذه الأسس الدافعة للعصبية للمناصرة، وكان الحكم كما يقول ابن خلدون: باطشاً بالعقوبات، منقباً عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم، شملهم الخوف والذل، ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة فتخلقوا بها، وفسدت بصائرهم وأخلاقهم، وربما خذلوه في مواطن الحروب والمدافعات، ففسدت الحماية بفساد النيات، وربما أجمعوا على قتله لذلك فتفسد الدولة ويخرب السياج، وإن دام أمره عليهم وقهره فسدت العصبية، وفسد السياج من أصله بالعجز عن الحماية.
ويسرد ابن خلدون الأثر الديني مع قوة العصبية والملتحمة بالقيم التي وضعها هذا الدين في نفوس أصحابه، فمع أن المسلمين كانوا أقل عددا، لكنهم انتصروا، وهذا حصل في وقائع كثيرة، ويشير ابن خلدون، إلى معركة القادسية واليرموك في العصر الأول الإسلامي، في فترة الفتوحات إذ كانت «جيوش المسلمين بالقادسيّة واليرموك، بضعة وثلاثين ألفا في كلّ معسكر، وجموع فارس مائة وعشرين ألفا بالقادسيّة». وهذه لا شك لعبت دورها في النفوس العربية التي خاضت العديد من الحروب، وجمعت بقوة التناصر والالتحام، مع القوة الروحية الدافعة للتضحية والبذل، لكن مع غياب هذه الروح تضعف النفوس، مع تفشي المظالم والترف والفساد.. ولا شك أن ابن خلدون وضع تحليلا واقعياً، وهذا التحليل، قد لا يكون بعيداً عن واقعنا المعاصر، وقد حصل في بيئات عربية وأجنبية عبر التاريخ، ولذلك الحكم الرشيد والممسك بالعدل وبعيداً عن البطش، تجعل الالتفاف حوله سياجاً وقوة ومناصرة.