الرأي العام بين الحقيقة والمعتقد
الاثنين / 20 / ربيع الأول / 1444 هـ - 19:42 - الاثنين 17 أكتوبر 2022 19:42
يعرف الرأي العام بأنه ظاهرة اجتماعية نتاج تفاعلات فكرية وسلوكية مرتبطة بمجموعة من الآراء في المجتمع بشأن إحدى الموضوعات أو القضايا التي تهم وتخص أفراده، إذ يعد الرأي العام أحد الظواهر ذات الأبعاد المختلفة كونها مرتبطة بجمهور معيّن أو فئة من فئات المجتمع يشتركون في موقفهم ومصالحهم تجاه الموضوعات التي تثير اهتماماتهم ومشاعرهم وأنماط حياتهم اليومية بالإضافة إلى سلوكياتهم التي تتحول غالبا إلى ممارسات نتيجة معتقدات تولّدت بفكرة عابرة أو نتيجة التعمّق في بعض الأحاسيس أو الحدسيّات، فالملاحظ أن مفهوم الرأي العام أصبح متداولا باستمرار بين الأفراد بالإضافة إلى وجود مفاهيم كثيرة له وتزايدت طرق الإقناع بشأن تكونه وفهم معناه الحقيقي في المجتمع وذلك لأسباب نراها طبيعية لكون الرأي العام ظاهرة اجتماعية تتولد مع الأحداث والمواقف مبنية على جملة من الآراء السطحية غالبا نتيجة تدفق معلومات غير صحيحة وغير دقيقة تداولها الجمهور لتشكيل رأي عام وهمي أدى إلى إرباك منتظري ومترقبي المعلومة الصحيحة.
وفي ظني فإن الرأي العام ليس واقعا نعيشه باستمرار ونستطيع تحديده وإثبات وجوده حتى مع وجود التقنيات الحديثة وذلك لارتباطه بكثير من العلوم الاجتماعية كالعلوم السياسية وعلم النفس وعلم الاقتصاد وعلم الاجتماع والإحصاء التي تتطلب الإلمام بأدوات قياسها دون الاستناد فقط على الطرق الإحصائية، فمثلا ينبغي قياس وجود الأثر وطبيعته وسلوكيات الأفراد بالإضافة إلى الاعتماد على دراسات ذات صلة بالعلوم المرتبطة بتشكّل الرأي العام وتكوّنه والاستفادة من الإسهامات العلمية التي قدّمها علماء النفس والاجتماع والاقتصاد والإحصاء عبر وضع منهجية متكاملة تقوم بدراسة الرأي العام من مختلف أبعاد تشكّله وإثبات ذلك بالأرقام والدلائل الحقيقية العلمية المبنية على مصادر مختلفة ورصينة.
إن ما نشهده في وسائل التواصل الاجتماعي حديثا هو جدلية مستمرة بين إثبات الرأي العام من عدمه عبر الانسياق خلف أهواء وآراء لا تمت بصلة في كثير من الأحيان بتفاصيل الموضوع أو القضية لتحريك العاطفة الفطرية في النفس البشرية تجاه مآرب شخصية أو أفكار غير مفهومة الغاية من التعمّق بالتفكير في دوافعها ومنطلقاتها، إلا أنه من المسلّم به أن الإنسان بطبيعته الفطرية جدلي التفكير خاصة عندما يتعلق الأمر بذاته ودوافعه ومنطلقاته فينطلق من مرحلة الانتباه للأشياء إلى إعطائها قيمة ملموسة أو غير ملموسة ليتكوّن إدراكه المبني على تفعيل حواسه الخمس في إعطاء تلك القيمة ثم يستمر في مرحلة الإدراك ليصل إلى مرحلة الوعي وعندها يتعمّق في مداركه، فالقناعة المنبثقة من منطلقات غير مدروسة وغير دقيقة تدفع الإنسان نحو بناء مواقف ذهنية تجاه القضايا والموضوعات، إلا أن الجدلية في إثبات وجود الرأي العام من عدمه ما تزال مستمرة التي أراها منطقية لعدم معرفة الفرق بين الرأي العام الحقيقي والاتجاه العام، فالاعتقاد بوجود الرأي العام في ظل عدم توضيح الفرق بينه وبين الاتجاه العام أصبح هاجسا لدى كثير من متابعي وسائل التواصل الاجتماعي بحقيقته وصحته فأدى التفاعل في تلك الوسائل -سلوكا مستمرا وبمنهجيات تتخللها- إلى الوقوع في بعض المخالفات الأخلاقية والمساس بالشخوص ومن حولهم وتقزيم إنجازاتهم ليتحول سلوك التفاعل إلى ممارسة دائمة تحت وطأة الوهم والتصورات غير المنطقية بوجود الرأي العام لتوجيه الأشخاص نحو قناعات شخصية غير راسخة المبادئ والقيم.
لقد تشتت العقل البشري منذ سنوات طويلة بكثرة تدفق المصطلحات والمفاهيم التي أربكت قياس الرأي العام ودراسته وذلك لدواع غير مفهومة وغير محكمة عبر إيهام الأشخاص بتكوين رأي عام في وسائل التواصل الاجتماعي للضغط على الحكومات لثنيها عن القرارات والأوامر والتوجيهات والضغط على الأفراد لتغيير قناعاتهم وتشتيت أفكارهم وتوجيههم نحو اللاعقلانية في الطرح والتفاعل مع الأحداث وإثبات صحة الأفكار باستدلالات ومنهجيات غير متكاملة مثل إعطاء أهمية أكبر للجانب التطبيقي مقارنة بالجانب السلوكي للأفراد، أو الحكم على التفاعل مع المواقف والأحداث من منطلقات شخصية أو من زاوية ضيّقة دون التعمّق في التحليل النظري والعلمي، فقياس الرأي العام لا يتم عبر أدوات وأنظمة الرصد والتحليل فحسب بل يجب التأكد من وجوده وتشكلّه من حيث وجود مشكلة أو موضوع مثير للاهتمام ليكون منطلقا يبنى عليه الرأي العام، وطرح مشكلة الموضوع وعرض حقائقه أمام الأفراد بدقة ومصداقية حتى تساعد المتلقين على البحث والتمحيص في الموضوع عبر مناقشة المشكلة لتكون أكثر اتساعا لإضفاء الفاعلية عليها ولتحفيز الجماهير للمناقشة وإبداء الآراء ووجهات النظر بالإضافة إلى دراسة كافة مراحل تكوين الرأي العام من حيث وجود آراء مؤيدة ومعارضة ومحايدة التي تساعد على معرفة أسباب تباين وجهات النظر وردود الأفعال بين المتفاعلين مع الموضوع والتأكد من عدم وجود مؤثرات تسهم في الضغط على الأشخاص المحايدين لتوجيههم والتأثير عليهم لتعديل مؤشرات قياس الرأي العام بجعلهم يتبنون وجهة نظر معيّنة.
من يتابع وسائل التواصل الاجتماعي وما يثار من تفاعل مع الموضوعات والقضايا يعتقد بوجود رأي عام وذلك لسرعة تداول المعلومات سواء كانت صحيحة أو مضللة بالإضافة إلى سهولة إصدار الشائعات وتداولها مما يدفع الأشخاص إلى الاقتناع وتصديق كل ما ينشر فتتكوّن آراء وهمية وبناء حقائق مزيّفة ومضللة لتشكيل رأي عام وهمي، إلا أن الرأي العام الواعي والناضج ينبغي أن يسهم في عملية التطور الاجتماعي للأفراد عن طريق التخلص من المعتقدات النفسية وبناء سلوك مبني على الطرح المتزن والنقد البنّاء، أيضا ينبغي أن يكون الرأي العام مساهما في عملية دعم اتخاذ القرار عبر المشاركة البنّاءة في الاستطلاعات لرسم الخطط التنفيذية وتحسين المسار التنموي وتصحيحه، كذلك المؤمل من الرأي العام الحقيقي والواعي أن يسهم في تعزيز القيم الأخلاقية ورعاية المبادئ والتأكيد على الثوابت التي يستند عليها المربون في تنشئة الشباب ولزيادة درجة الترابط بين أفراد المجتمع بالإضافة إلى دور الرأي العام الإيجابي في تنمية الاقتصاد والتخلص من حجم السلبية التي تغزو بعض الوسائل التي لم تعد مكانا خصبا للتنفيس عن ضغوطات الحياة اليومية، فوسائل التواصل الاجتماعي تعد أداة لتمرير رسائل تربوية وأخلاقية داعمة للمجتمعات لا أداة لهدم ما بناه الآباء والأجداد.
راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي عماني
وفي ظني فإن الرأي العام ليس واقعا نعيشه باستمرار ونستطيع تحديده وإثبات وجوده حتى مع وجود التقنيات الحديثة وذلك لارتباطه بكثير من العلوم الاجتماعية كالعلوم السياسية وعلم النفس وعلم الاقتصاد وعلم الاجتماع والإحصاء التي تتطلب الإلمام بأدوات قياسها دون الاستناد فقط على الطرق الإحصائية، فمثلا ينبغي قياس وجود الأثر وطبيعته وسلوكيات الأفراد بالإضافة إلى الاعتماد على دراسات ذات صلة بالعلوم المرتبطة بتشكّل الرأي العام وتكوّنه والاستفادة من الإسهامات العلمية التي قدّمها علماء النفس والاجتماع والاقتصاد والإحصاء عبر وضع منهجية متكاملة تقوم بدراسة الرأي العام من مختلف أبعاد تشكّله وإثبات ذلك بالأرقام والدلائل الحقيقية العلمية المبنية على مصادر مختلفة ورصينة.
إن ما نشهده في وسائل التواصل الاجتماعي حديثا هو جدلية مستمرة بين إثبات الرأي العام من عدمه عبر الانسياق خلف أهواء وآراء لا تمت بصلة في كثير من الأحيان بتفاصيل الموضوع أو القضية لتحريك العاطفة الفطرية في النفس البشرية تجاه مآرب شخصية أو أفكار غير مفهومة الغاية من التعمّق بالتفكير في دوافعها ومنطلقاتها، إلا أنه من المسلّم به أن الإنسان بطبيعته الفطرية جدلي التفكير خاصة عندما يتعلق الأمر بذاته ودوافعه ومنطلقاته فينطلق من مرحلة الانتباه للأشياء إلى إعطائها قيمة ملموسة أو غير ملموسة ليتكوّن إدراكه المبني على تفعيل حواسه الخمس في إعطاء تلك القيمة ثم يستمر في مرحلة الإدراك ليصل إلى مرحلة الوعي وعندها يتعمّق في مداركه، فالقناعة المنبثقة من منطلقات غير مدروسة وغير دقيقة تدفع الإنسان نحو بناء مواقف ذهنية تجاه القضايا والموضوعات، إلا أن الجدلية في إثبات وجود الرأي العام من عدمه ما تزال مستمرة التي أراها منطقية لعدم معرفة الفرق بين الرأي العام الحقيقي والاتجاه العام، فالاعتقاد بوجود الرأي العام في ظل عدم توضيح الفرق بينه وبين الاتجاه العام أصبح هاجسا لدى كثير من متابعي وسائل التواصل الاجتماعي بحقيقته وصحته فأدى التفاعل في تلك الوسائل -سلوكا مستمرا وبمنهجيات تتخللها- إلى الوقوع في بعض المخالفات الأخلاقية والمساس بالشخوص ومن حولهم وتقزيم إنجازاتهم ليتحول سلوك التفاعل إلى ممارسة دائمة تحت وطأة الوهم والتصورات غير المنطقية بوجود الرأي العام لتوجيه الأشخاص نحو قناعات شخصية غير راسخة المبادئ والقيم.
لقد تشتت العقل البشري منذ سنوات طويلة بكثرة تدفق المصطلحات والمفاهيم التي أربكت قياس الرأي العام ودراسته وذلك لدواع غير مفهومة وغير محكمة عبر إيهام الأشخاص بتكوين رأي عام في وسائل التواصل الاجتماعي للضغط على الحكومات لثنيها عن القرارات والأوامر والتوجيهات والضغط على الأفراد لتغيير قناعاتهم وتشتيت أفكارهم وتوجيههم نحو اللاعقلانية في الطرح والتفاعل مع الأحداث وإثبات صحة الأفكار باستدلالات ومنهجيات غير متكاملة مثل إعطاء أهمية أكبر للجانب التطبيقي مقارنة بالجانب السلوكي للأفراد، أو الحكم على التفاعل مع المواقف والأحداث من منطلقات شخصية أو من زاوية ضيّقة دون التعمّق في التحليل النظري والعلمي، فقياس الرأي العام لا يتم عبر أدوات وأنظمة الرصد والتحليل فحسب بل يجب التأكد من وجوده وتشكلّه من حيث وجود مشكلة أو موضوع مثير للاهتمام ليكون منطلقا يبنى عليه الرأي العام، وطرح مشكلة الموضوع وعرض حقائقه أمام الأفراد بدقة ومصداقية حتى تساعد المتلقين على البحث والتمحيص في الموضوع عبر مناقشة المشكلة لتكون أكثر اتساعا لإضفاء الفاعلية عليها ولتحفيز الجماهير للمناقشة وإبداء الآراء ووجهات النظر بالإضافة إلى دراسة كافة مراحل تكوين الرأي العام من حيث وجود آراء مؤيدة ومعارضة ومحايدة التي تساعد على معرفة أسباب تباين وجهات النظر وردود الأفعال بين المتفاعلين مع الموضوع والتأكد من عدم وجود مؤثرات تسهم في الضغط على الأشخاص المحايدين لتوجيههم والتأثير عليهم لتعديل مؤشرات قياس الرأي العام بجعلهم يتبنون وجهة نظر معيّنة.
من يتابع وسائل التواصل الاجتماعي وما يثار من تفاعل مع الموضوعات والقضايا يعتقد بوجود رأي عام وذلك لسرعة تداول المعلومات سواء كانت صحيحة أو مضللة بالإضافة إلى سهولة إصدار الشائعات وتداولها مما يدفع الأشخاص إلى الاقتناع وتصديق كل ما ينشر فتتكوّن آراء وهمية وبناء حقائق مزيّفة ومضللة لتشكيل رأي عام وهمي، إلا أن الرأي العام الواعي والناضج ينبغي أن يسهم في عملية التطور الاجتماعي للأفراد عن طريق التخلص من المعتقدات النفسية وبناء سلوك مبني على الطرح المتزن والنقد البنّاء، أيضا ينبغي أن يكون الرأي العام مساهما في عملية دعم اتخاذ القرار عبر المشاركة البنّاءة في الاستطلاعات لرسم الخطط التنفيذية وتحسين المسار التنموي وتصحيحه، كذلك المؤمل من الرأي العام الحقيقي والواعي أن يسهم في تعزيز القيم الأخلاقية ورعاية المبادئ والتأكيد على الثوابت التي يستند عليها المربون في تنشئة الشباب ولزيادة درجة الترابط بين أفراد المجتمع بالإضافة إلى دور الرأي العام الإيجابي في تنمية الاقتصاد والتخلص من حجم السلبية التي تغزو بعض الوسائل التي لم تعد مكانا خصبا للتنفيس عن ضغوطات الحياة اليومية، فوسائل التواصل الاجتماعي تعد أداة لتمرير رسائل تربوية وأخلاقية داعمة للمجتمعات لا أداة لهدم ما بناه الآباء والأجداد.
راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي عماني