نوافذ.. ما الذي يجعل من المرأة موضوعا؟
الاحد / 19 / ربيع الأول / 1444 هـ - 18:05 - الاحد 16 أكتوبر 2022 18:05
الخمسمائة جنيه السنوية التي كانت تصل إلى فرجينيا وولف ولمدى الحياة، منذ وفاة عمتها التي سقطت من على ظهر الحصان، مثلت لها أهمية كبيرة، أعفتها من الارتزاق من وظائف متباينة من قبيل القراءة للنساء المُسنات، فهذه كانت من الوظائف القليلة المتاحة للمرأة قبل عام 1918.
لقد حدثتنا فرجينيا وولف في كتابها 'غرفة تخص المرء وحده' ترجمة: سمية مدبولي، عن التغير في المزاج الذي يُحدثه الدخل المضمون للمرأة، وتؤكد وولف أنّ المرأة إذا أرادت أن تكتب ينبغي أن تحظى بغرفة صغيرة ودخل ثابت مهما بدا ضئيلا، وأكاد أجزم أنّ المرأة في أي مجال من مجالات الحياة -وليس في الكتابة وحسب- لكي تشعر باستقرارها النفسي ينبغي أن تتمكن من تحقيق استقلاليتها المادية التي تنبئ بطريقة ما عن استقلاليتها في اتخاذ قراراتها في شؤون حياتها المختلفة، فمهما بدت القوانين براقة إلا أنّ ضعف خبرتها الحياتية وقلّة تجاربها الشخصية أو سطوة جهل الأقرباء سيُضاعف حياتها سوءا، الأمر الذي قد يدفعها لاحتمال حياة هي في غنى عنها.
لقد شاهدتُ نساء ضعيفات الحيلة مُكرهات على استكمال حياة لا يرغبن بها لأنّ الأهالي يخافون الفضيحة أو يخافون زيارة المحاكم، بينما قد يستمرئ الزوج في تفتيت ذرات الإرادة الصغيرة بداخلها، ولذا فالقوة في اتخاذ القرارات الحاسمة تبدأ من أمرين: تحقق استقلال المرأة المادي أولا، وامتلاكها الوعي الكافي لتحمل النتائج.
عندما استفز أحدهم فرجينيا قائلا: 'إن عبقرية شكسبير تستحيل على امرأة في عصر مضى أو عصر سيأتي'، وضعت افتراضا آخر لتجيب على افتراضه: ماذا لو كانت لدى شكسبير أخت اسمها 'جوديث' بذات الموهبة وعلى القدر نفسه من ملكة الخيال والتوق لرؤية الدنيا والمغامرة، إلا أنّ ذويها لم يذهبوا بها إلى المدرسة، لم يُسمح لها بالتقاط كتاب أو هدر الوقت بمحاولة الكتابة، وحتى لو حاولت ذلك في الخفاء كان سيتوجب عليها باكرا الانكباب على مسؤوليات الزواج والانجاب؟ لقد كان هذا تصورها لامرأة عبقرية في عصر شكسبير، مُوضحة أهمية الرعاية والاحتضان ومنح الفرص على حد سواء، إذ لا يمكن عقد مقارنة عادلة عندما نضع الطرفين في ظرفين مختلفين!
الحياة لكلا الجنسين شاقة ومضنية وتطلب قدرا جيدا من الشجاعة للمضي فيها، إلا أنّها تسأل: فيما لو كانت الأمّ -في زمن ما- والتي انشغلت بإنجاب ثلاثة عشر طفلا دون مقابل أقل أهمية من المحامي الذي قد كسب مائة ألف جنيه؟ فمن الذي يُعطي الأشياء قيمتها؟!
لقد راهنت وولف على أنّ المرأة بعد مائة عام من زمانها لن تكون 'جنسا يجب حمايته'، ورغم أنّ نبوءتها تحققت، فإن المرأة انخرطت في أشكال عديدة من الأعمال والأنشطة، لكنها ربما لم تكن لتتصور أشكالا جديدة من المخاطر التي تحف حياتها، فذهن المرأة المتورط بالضغوط تنخفضُ حيويته بسبب حاجتها لمواجهة عدم الرضا على أدائها لمهامها الإضافية في البيت وتربية الأبناء، ولذا يُفضل بعض المديرين توظيف الرجال من مبدأ أنّهم لا يطالبون بإجازة ولادة أو إجازة أمومة أو رُخصا لمواعيد تطعيم الأطفال دون التفكير بأنّ 'عنف التكاثر أو تحول المرأة إلى معبر أجيال' على حد تعبير الروائية الفرنسية آني إرنو لا يحدث لتشبع رغبتها الفردية بالأمومة، ولكن لتلبي أحد أكثر أشكال الحياة أهمية لبقاء نوعنا البشري على وجه البسيطة.
وكما تقول وولف ساخرة بأنّ تاريخ مقاومة الرجال لتحرر النساء أكثر إثارة من قصة التحرر نفسها!
وقبل أن نظن أنّ المرأة السلحفاة بدأت تستيقظ من غيبوبتها الطويلة بسبب الأيدي التي بدأت تدفع بها، علينا أن نتساءل حول الظروف الاجتماعية والتاريخية التي أحبطت جهود النساء وشوشت رؤيتهن للعالم لقرون.
تفكرُ فرجينيا وولف، لو أنّ المرأة التي أنجبت 13طفلا، لو أنّها آنذاك فكرت في الأركيولوجيا أو علم النبات أو الأنثربولوجيا أو طبيعة الذرة أو الفلك أو الجغرافيا، لو كانت أمّها من قبل ذلك تعلمت فن صناعة الثروة، بالتأكيد كان سيكتب تاريخ النساء بطريقة مختلفة.
وفي يوم المرأة علينا أن نصغي لنصيحة وولف الأخيرة: 'تملكنّ ما يكفي من المال كي ترتحلنّ وتشترين وقتا للفراغ، تتأملنّ فيه مستقبل العالم أو ماضيه'.
لقد حدثتنا فرجينيا وولف في كتابها 'غرفة تخص المرء وحده' ترجمة: سمية مدبولي، عن التغير في المزاج الذي يُحدثه الدخل المضمون للمرأة، وتؤكد وولف أنّ المرأة إذا أرادت أن تكتب ينبغي أن تحظى بغرفة صغيرة ودخل ثابت مهما بدا ضئيلا، وأكاد أجزم أنّ المرأة في أي مجال من مجالات الحياة -وليس في الكتابة وحسب- لكي تشعر باستقرارها النفسي ينبغي أن تتمكن من تحقيق استقلاليتها المادية التي تنبئ بطريقة ما عن استقلاليتها في اتخاذ قراراتها في شؤون حياتها المختلفة، فمهما بدت القوانين براقة إلا أنّ ضعف خبرتها الحياتية وقلّة تجاربها الشخصية أو سطوة جهل الأقرباء سيُضاعف حياتها سوءا، الأمر الذي قد يدفعها لاحتمال حياة هي في غنى عنها.
لقد شاهدتُ نساء ضعيفات الحيلة مُكرهات على استكمال حياة لا يرغبن بها لأنّ الأهالي يخافون الفضيحة أو يخافون زيارة المحاكم، بينما قد يستمرئ الزوج في تفتيت ذرات الإرادة الصغيرة بداخلها، ولذا فالقوة في اتخاذ القرارات الحاسمة تبدأ من أمرين: تحقق استقلال المرأة المادي أولا، وامتلاكها الوعي الكافي لتحمل النتائج.
عندما استفز أحدهم فرجينيا قائلا: 'إن عبقرية شكسبير تستحيل على امرأة في عصر مضى أو عصر سيأتي'، وضعت افتراضا آخر لتجيب على افتراضه: ماذا لو كانت لدى شكسبير أخت اسمها 'جوديث' بذات الموهبة وعلى القدر نفسه من ملكة الخيال والتوق لرؤية الدنيا والمغامرة، إلا أنّ ذويها لم يذهبوا بها إلى المدرسة، لم يُسمح لها بالتقاط كتاب أو هدر الوقت بمحاولة الكتابة، وحتى لو حاولت ذلك في الخفاء كان سيتوجب عليها باكرا الانكباب على مسؤوليات الزواج والانجاب؟ لقد كان هذا تصورها لامرأة عبقرية في عصر شكسبير، مُوضحة أهمية الرعاية والاحتضان ومنح الفرص على حد سواء، إذ لا يمكن عقد مقارنة عادلة عندما نضع الطرفين في ظرفين مختلفين!
الحياة لكلا الجنسين شاقة ومضنية وتطلب قدرا جيدا من الشجاعة للمضي فيها، إلا أنّها تسأل: فيما لو كانت الأمّ -في زمن ما- والتي انشغلت بإنجاب ثلاثة عشر طفلا دون مقابل أقل أهمية من المحامي الذي قد كسب مائة ألف جنيه؟ فمن الذي يُعطي الأشياء قيمتها؟!
لقد راهنت وولف على أنّ المرأة بعد مائة عام من زمانها لن تكون 'جنسا يجب حمايته'، ورغم أنّ نبوءتها تحققت، فإن المرأة انخرطت في أشكال عديدة من الأعمال والأنشطة، لكنها ربما لم تكن لتتصور أشكالا جديدة من المخاطر التي تحف حياتها، فذهن المرأة المتورط بالضغوط تنخفضُ حيويته بسبب حاجتها لمواجهة عدم الرضا على أدائها لمهامها الإضافية في البيت وتربية الأبناء، ولذا يُفضل بعض المديرين توظيف الرجال من مبدأ أنّهم لا يطالبون بإجازة ولادة أو إجازة أمومة أو رُخصا لمواعيد تطعيم الأطفال دون التفكير بأنّ 'عنف التكاثر أو تحول المرأة إلى معبر أجيال' على حد تعبير الروائية الفرنسية آني إرنو لا يحدث لتشبع رغبتها الفردية بالأمومة، ولكن لتلبي أحد أكثر أشكال الحياة أهمية لبقاء نوعنا البشري على وجه البسيطة.
وكما تقول وولف ساخرة بأنّ تاريخ مقاومة الرجال لتحرر النساء أكثر إثارة من قصة التحرر نفسها!
وقبل أن نظن أنّ المرأة السلحفاة بدأت تستيقظ من غيبوبتها الطويلة بسبب الأيدي التي بدأت تدفع بها، علينا أن نتساءل حول الظروف الاجتماعية والتاريخية التي أحبطت جهود النساء وشوشت رؤيتهن للعالم لقرون.
تفكرُ فرجينيا وولف، لو أنّ المرأة التي أنجبت 13طفلا، لو أنّها آنذاك فكرت في الأركيولوجيا أو علم النبات أو الأنثربولوجيا أو طبيعة الذرة أو الفلك أو الجغرافيا، لو كانت أمّها من قبل ذلك تعلمت فن صناعة الثروة، بالتأكيد كان سيكتب تاريخ النساء بطريقة مختلفة.
وفي يوم المرأة علينا أن نصغي لنصيحة وولف الأخيرة: 'تملكنّ ما يكفي من المال كي ترتحلنّ وتشترين وقتا للفراغ، تتأملنّ فيه مستقبل العالم أو ماضيه'.