أفكار وآراء

كتابة الرواية في زمن السوشيال ميديا

ثمة اختلافات كثيرة بين الأمس واليوم طرأت لجهة الطبيعة التي يتعاطى معها طرفا الكتابة الإبداعية (الكاتب والقارئ). وفي تقديرنا أن الثورة المعلوماتية والاتصال، وخصوصًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ قربت كلا من طرفي العملية الإبداعية بصورة غير مسبوقة، فإنها، في الوقت ذاته، عززت أوهامًا كثيرةً حيال إمكانية تغير ما، في طرفي هذه العملية، فبدا لكثيرين أن ما تيسر لهم من وسائط النشر الإلكترونية مثل صفحات الفيسبوك وتويتر وما لقيته «خربشاتهم» من دعم وتأييد من المتابعين، عبر الإعجابات والتعليقات، كما لو أنهم بالفعل يتوفرون على كتابات تستحق النشر، أضف إلى ذلك ترهل شروط الناشرين العرب وأصحاب دور النشر العربية -تحت ضغط الظروف الاقتصادية- والقبول بالنشر لكل من يدفع مبلغًا مجزيًا من المال. هذا إلى جانب تطور آخر انعكس من خلال تداعيات ثورة المعلوماتية والاتصال على كثيرين من الكتاب ذاتهم، وهو توهم الكاتب أنه للحاق بالسوق فعليه أن يعمل بصورة سريعة وينتج كثيرًا من الروايات، مثلاً، لا سيما تحت ضغوط القراء الذين يستحثونه على إنتاج المزيد من خلال التفاعل معه في تلك الوسائط الإلكترونية، فيدخل صاحبنا، تحت وهم اللحاق بالسوق وبالكسب السريع، في وضع يؤثر بالضرورة على مستواه الكتابي ناسياً أن شروط الكتابة الجيدة ليست لها علاقة بقانون النشر السريع ولا الاستجابة إلى القراء.

وهكذا سنرى اليوم كتابًا كثيرين سقطوا في فخ سلق إنتاجهم بعد نجاحات جزئية كانت قد حققتها بعض رواياتهم، فاصبحوا بذلك في عداد الذين خرجوا من شروط الجودة. إن العملية الإبداعية وطرفيها (القارئ والكاتب)هي في الأصل عملية لا تشترط أبدًا أيًا من أنواع الاتفاق المعلن بين الكاتب وقارئه، بل الحقيقة أنها عملية تقوم بالأساس على اتفاق غير معلن بين الكاتب والقارئ، اتفاق منفك حتى عن شروط الزمان والمكان؛ لأن الشرط الإنساني للإبداع هو فقط الذي يسوق لصاحبه. فالكلاسيكيات الروائية التي نقرأها اليوم لدوستوفيسكي مثلاً ستظل كذلك لأجيال وأجيال، مطردةً في إثارة الدهشة العظيمة؛ لأن روائيًا كبيرًا مثل دوستويفسكي امتلك ذلك الشرط الإنساني الإبداعي في تسويق إبداعه العظيم.

ثمة وضع تفتقده المنطقة العربية وهو ما يتصل بطبيعة تقاليد النشر ودور النشر التي تمتلك عراقةً واسماً بحيث يصبح لها تلك السمعة العظيمة فقط من حيث كونها دورًا اطرد إنتاجها بجودة عالية ترفدها تقاليد رصينة في مناخ ديمقراطي عزز من سمعتها التاريخية، إلى جانب المناخ الصحي في مناهج التعليم ووسائط الإعلام يعزز من شروط تلقي المعرفة والإبداع بين طرفي العملية الإبداعية.

لقد أضر غياب هذا الشرط المتصل بتقاليد النشر العريقة (بالرغم من وجود نماذج جنينية له في مصر الأربعينيات والخمسينيات) بقيمة وشروط النشر المتميز في المنطقة العربية حتى إذا جاءت ثورة المعلوماتية والاتصال بدا الأمر أقرب إلى الفوضى نتيجة لغياب التهيئة الضرورية في استيعاب ذلك المتغير الخطير منذ تسعينيات القرن الماضي.

إن خفة بعض الهواة في كتابة الرواية، مثلاً، متأثرين بالمناخ العالمي الذي جعل من الرواية مدونة السرد الأولى في الأزمنة الحديثة، جعل من معايير هذا الفن المعقدة عرضةً للاستنسابية والمزاجية، خصوصًا مع إيديولوجيا فجة تورط فيها البعض من مدمني وسائل التواصل الاجتماعي، تقول: إنه ليس ثمة معايير محددة للكتابة الإبداعية في زمن ثورة المعلوماتية والاتصال، وأن كل من يكتب يستحق أن يقرأ له، وذلك نتيجة لفهم مؤذٍ يجهل الفرق بين عملية التواصل التي يسرتها السوشيال ميديا، وبين شروط المحتوى الكتابي لأي فن من الفنون، أي الشروط الدنيا التي تمسك هويته وتحكم قواعد لعبته!

أليس عجيبًا أن نجد روائيًا خليجيًا شهيرًا لا يحسن الكلام بقواعد النحو الأساسية التي لابد منها للحديث إلى الناس خلال الندوات العامة والملتقيات الجامعية كندوات معارض الكتاب، ربما ظنًا من ذلك الروائي بأن اللغة هي شرط تقني غير لازم للكتابة الروائية التي تقوم على إنتاج المخيلة!

هكذا فيما تبدو لنا ثمة إشكالات أساسية ضرب اختلالها؛ العلاقة الضرورية والمحترمة بين طرفي العملية الإبداعية، يبدو أن الأمر يزداد سوءًا، مرةً بعد مرة، مع الأوهام الكثيرة التي نتجت عن دخول العرب في زمن ثورة المعلوماتية والاتصال دون مقدمات ضرورية لاستيعاب تداعيات تلك الثورة خطيرة المآلات!