الاقتصادية

ما أهمية تنظيم الاستهلاك وسط ارتفاع معدل التضحم والمتغيرات الاقتصادية؟

سوق السيب .. تصوير - خلفان الرزيقي
 
سوق السيب .. تصوير - خلفان الرزيقي
بدر العوفي: وضع الخطط الشهرية لإدارة الاستهلاك في جميع الأوضاع الاقتصادية

خلفان الطوقي: التخطيط المالي يجب أن يكون مبكرا تجنبا للمتغيرات الاقتصادية

طارق الساعدي: الادخار يكون لتفادي المشاكل المالية وموجهة ارتفاع الأسعار

سعيد المشايخي: يؤخر الإنفاق الدائم على الكماليات ولابد من التركيز على الأولويات

وسط ما يشهده العالم من ارتفاع في معدلات التضخم وبعض المتغيرات الاقتصادية المختلفة تتجه بعض الأسر إلى تنظيم استهلاكهم بما يتوافق مع دخلهم الشهرية.

وأوضح بعض المحللين الاقتصاديين إلى ضرورة إسراع الأسرة إلى تحديد أولوياتها من خلال وضع خطط شهرية للإنفاق على حاجياتها، وإعادة النظر في حجم المصروفات، والبحث عن بدائل للمنتجات والسلع التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير، كما يجب عليها التكيف وتنظيم استهلاكها حسب المتغيرات الاقتصادية المختلفة.

وأشاروا إلى ضرورة ادخار مبالغ معينة من الدخل الشهري، فالادخارات تمثل جدار حماية للأسرة من أي مشكلات أو تحديات اقتصادية أو مالية قد تواجههم في أي وقت، سواء نتيجة لازمة اقتصادية أو غيرها من الأزمات الخاصة.

خطط إدارة الاستهلاك

في البداية أوضح بدر بن سيف العوفي محلل اقتصادي أن وضع خطط شهرية لإدارة وتنظيم الاستهلاك لابد أن يكون في جميع الأوضاع الاقتصادية ولا يقتصر على فترات التضخم فقط، إذ أن الفرد أو الأسرة لابد أن تضع قاعدة أساسية، وهي تحديد حجم الادخار الشهري بشكل ثابت وألا تقل هذه النسبة عن 10% من إجمالي الدخل -على أقل تقدير-، وبناء عليها يمكن تحديد المبلغ المخصص للاستهلاك وتقسيمه بشكل تفصيلي حسب المقتضيات، ولكن في حالات التضخم التي يكون فيها ارتفاعات كبيرة في أسعار مختلف السلع والبضائع فلابد من إعادة النظر أولا في حجم المصروفات، والبحث عن بدائل للمنتجات والسلع التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير، بحيث نقلل من تأثير التضخم على المصروفات، وبما يساعد على المحافظة نسبة الادخار المعتادة قدر الإمكان، ولكن هنا لابد من التأكيد على ضرورة المحافظة على عادة الادخار وإن قلت نسبتها بسبب التضخم؛ لأن هذه الادخارات تمثل جدار حماية للفرد والأسرة من أي مشكلات أو تحديات اقتصادية أو مالية قد تواجههم في أي وقت، سواء نتيجة لأزمة اقتصادية أو غيرها من الأزمات الخاصة.

وأضاف: مع العلم أنه في حال توفر مبالغ مناسبة من الادخار فلابد من العمل على استثمار جزء من مبلغ الادخار، وذلك لتعزيز دخل الفرد أو الأسرة وتحسين وضعهم المعيشي بما يحقق أهدافهم المتوسطة والطويلة المدى، واستثمار جزء من المبلغ وليس كامل المبلغ يهدف إلى تقليل المخاطر وعدم خسارة مبلغ الاستثمار، كما أن استشارة الأشخاص المختصين في مجالات الاستثمار لابد أن يكون حاضرا عند اتخاذ قرار الاستثمار، وألا يأخذ بشكل عاطفي أو تقليدا للآخرين.

ترشيد الاستهلاك

وتحدث العوفي حول أهمية ترشيد الاستهلاك في الوقت الحالي، قائلا: من الضروري التأكيد على أن ترشيد الاستهلاك مهم جدًا في جميع الأوقات، وليس في الوقت الحالي فقط، وذلك لأن التقلبات الاقتصادية واردة الحدوث في جميع الأوقات ولأسباب قد لا تكون مأخوذة بعين الاعتبار أو متوقعة، وكما شهدنا خلال الفترة الماضية فإن ظهور وانتشار جائحة كورونا 'كوفيد 19' على مدى عامين كاملين تسبب في العديد من الأزمات الاقتصادية منها ارتفاع الأسعار نتيجة تأثر وتوقف الكثير الصناعات وسلاسل الإمداد، بالإضافة إلى إغلاق العديد من الأنشطة والأعمال الاقتصادية الأمر الذي تسبب في تسريح الكثير من العمال وخسارة مئات الملايين من قبل الشركات والمؤسسات في مختلف الأنشطة الاقتصادية، عليه فإن مبدأ ترشيد الاستهلاك الهدف منه شراء الضروريات والحاجيات الفعلية من السلع والخدمات وترتيبات الأولوية حسب القدرة المالية، وبناء على خطة واضحة تحدد مقدار الادخار ومقدار الاستهلاك، وفي الوقت نفسه التقليل إلى أقل حد ممكن من الكماليات، عليه فإننا نؤكد على أن الاستهلاك الرشيد لابد أن يكون عادة وممارسة يومية لدى الأفراد والأسر وفي جميع الأوقات؛ لأن ذلك من شأنه تحسين الظروف المالية ويضع برامج واضحة للاستفادة من المدخرات الناجمة من الاستهلاك الرشيد.

أولويات الإنفاق

وحول أولويات الإنفاق، قال العوفي: أولويات الإنفاق تنقسم إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول 'الضروريات' وهي السلع التي تعد ضرورية لحياة الفرد والأسرة كالطعام والشراب والملابس والصحة وغيرها، والقسم الثاني 'الحاجيات' وهي التي يحتاجها، ولكنه يمكن أن يعيش بدونها كوسائل النقل والإنترنت وغيرها، والقسم الثالث 'الكماليات' مثل: المجوهرات السفر والسلع الفاخرة والباهظة الثمن، وبناء على هذا التقسيم وعلى المقدرة المالية للفرد أو الأسرة يمكن تحديد أولويات الإنفاق؛ فالأسر ذات الدخل البسيط سيتركز الجزء الأكبر من إنفاقها على الضروريات ومن ثم الحاجيات، والأسر ذات الدخل المتوسط ستتمكن من الحصول على بعض الرفاهية والسلع الكمالية، أما الأسر عالية الدخل فإنها قد ترى أن بعض السلع الكمالية هي أساسية بالنسبة لهم ولا تعاني من اقتنائها بسبب قدرتها المالية، وعليه فإن المستهلك الرشيد يجب على يحدد أولوياته في الإنفاق بناء على الأهداف متوسطة وطويلة المدى التي لديه ووفق التوزيع المذكور لأولويات الإنفاق من ضروريات وحاجيات وكماليات، بحيث يستطيع الموائمة فيما بينهما، وهنا لا يمكن القول إن أنماط تحديد الأولوية للمستهلكين في الإنفاق يمكن أن تكون واحدة للجميع، وإنما لكل مستهلك نمط خاص به مبني على ذكرناه من الأهداف والأولويات لكل مستهلك بالإضافة إلى حجم الدخل.

تنظيم الاستهلاك

من جانبه، قال خلفان بن سيف الطوقي كاتب ومحلل في الشؤون الاقتصادية: في ظل التضخم الذي شهده العالم، يجب علينا كأفراد أن نكيف أنفسنا وننظم استهلاكنا حسب المتغيرات الاقتصادية المختلفة، وعلينا أن نخطط لحياتنا المالية، ويجب أن يكون التخطيط المالي مبكرًا، وعلى كل شخص أن يركز على زيادة إنتاجه ويقلل من استهلاك. وأضاف: تنظيم الاستهلاك يعتبر من السلوكيات؛ فإذا استطاع الإنسان أن يغير من سلوكياته الاستهلاكية سيتكيف مع دخله الشهري.

وتحدث حول كيفية تحديد الأولويات في الإنفاق، قائلا: يجب على كل شخص أن يضع جدولا يضم بنودًا لصرف الدخل الشهري، كالترفية، والمصروفات الأساسية، والكماليات، والادخار، ومصروفات الوقود، وغيرها من البنود بناء على الطبيعة الاستهلاكية لكل شخص. مؤكدًا على ضرورة إدخال ما يقارب 20% من الدخل الشهري.

وأوضح الطوقي بأن مسؤولية تنظيم الاستهلاك تكون على رب الأسرة، ويجب عليه تعليمها لأولاده، ويغرس فيهم روح التكافل والتعاون على بعض المصاريف. وقال: إذا تركنا الاستهلاك بدون خطة وبلا تفكير في الإنفاق لن يكفي الدخل الشهري في سد احتياجات الأسرة.

تفادي المشاكل المالية

وتحدث طارق بن حميد الساعدي حول خطته الشهرية في الاستهلاك، قائلا: أوزع راتبي إلى مستلزمات شهرية وأسبوعية، حيث تتمثل المستلزمات الشهرية في فواتير الكهرباء والمياه والإيجار السكني ومشتريات المنزل، أما المستلزمات الأسبوعية فتتمثل في المصاريف الشخصية والمصاريف المنزلية وغيرها من المستلزمات الجديدة اليومية.

وأضاف: يجب الادخار من الراتب ولو مبلغ بسيط، وذلك لتفادي المشاكل المالية أو لموجهة ارتفاع الأسعار غير المتوقع، فالادخار مهم جدًا سواءً كان عن طريق الجمعيات الأهلية أو الادخار الشخصي. وأكد أن الإدخال في الجمعيات الأهلية يكون لبناء منزل وشراء سيارة أو عقار للانتفاع منه مستقبلا. وحول أهمية ترشيد الاستهلاك، قال الساعدي: يعتبر ترشيد الاستهلاك الأساس في الاستقرار المالي والحفاظ على المال واستخدامه فقط لضروريات، كما يجب تدريب الأسرة على الإدارة المالية الصحيحة في التحكم في الميزانية، لتجنب التعرض للمشاكل المادية والمعنوية.

الأولويات والكماليات

من جانب آخر، تحدث سعيد بن مسلم المشايخي حول الأولويات والكماليات في الإنفاق، قائلا: الأولويات هي الحاجات الأساسية والمهمة في حياتنا، والتي لا يمكن لنا الاستغناء عنها كالطعام والشراب وفواتير الكهرباء والمياه وغيرها، أما الكماليات فهي الحاجات التي يمكن الاستغناء عنها وشرائها بعد فترات زمنية كالملابس والزينة وطلب الطعام من الخارج والتنزه.

مؤكدًا أنه يمكن للمستهلك تحديد أولوياته في الإنفاق من خلال متطلبات الحياة المختلفة، فالأولويات تختلف من شخص لآخر. وقال: يؤخر الإنفاق الدائم على الكماليات ولابد من التركيز على الأولويات والضروريات. وقال المشايخي: يمكن أن يكون الإنفاق على الكماليات مسموحا به إذا كان الدخل الشهري للفرد أكبر بكثير مما تقتضيه أولوياته.

تحسين الاستهلاك

وذكرت وزارة الاقتصاد في منشور أن الخطوة الأولى لتحقيق الاستقرار المالي هي إعداد الميزانية، لأن الميزانية هي خطة لما سيفعله المستهلك بكل أمواله، فالإنفاق بشكل عشوائي في ظل غياب الميزانية يؤدي غالبًا لزيادة الاستهلاك وعدم القدرة على ضبطه؛ فالميزانية الجيدة هي الميزانية التي تناسب المستهلك بكل بساطة، وتسمح له بتلبية احتياجاته والتخطيط لأهدافه.

وحددت الوزارة إجراءات إعداد الميزانية الناجحة، كتحديد الهدف المالي، وتتبع جميع النفقات الشهرية، وتقييم والمكافئة. فوجود الهدف المالي سيغير نظرة المستهلك إلى أمواله، فمثلا إذا لم يكن لديه أهداف مالية، فستكون عملية شراء كوب قهوة كل يوم أو التسوق لشراء الكماليات كل نهاية أسبوع عملية غير مخططة، ويمكن أن يساعده وضع سقف صرف لفاتورة الهاتف المحمول أو الإنترنت أو حتى الكهرباء في تعزيز التزامه بما يخصصه من ميزانية لهذه الاستخدامات.

كما أن تتبع النفقات يعني أن يدرك المستهلك أين تذهب أمواله حينما ينفقها خلال الشهر، فيبدأ في إدراك أن كل معاملة، بغض النظر عن حجمها أو صغرها، إما أن تساهم في تحقيق الهدف الذي وضعه لإعداد الميزانية أو تبتعد عنه، وسيلاحظ أنه من خلال تتبع إنفاقه فإنه يقوم أيضًا بتتبع جهوده وتنشئ سجلا لتقدمه جنبًا إلى جنب مع سجل مصاريفه الشهرية. ومكافأة النفس تعني تشجيع المستهلك والاحتفال بتقدمه، وتخلق عادات مالية أكثر استدامة، تعد المكافآت أمر مهم لضمان استمرارية التقدم في وضع الميزانية، حيث أنها تسلط الضوء على إنجازات المستهلك وتجدد التزامه؛ فالحصول على المكافأة والاستمتاع بها يخلق شعورًا جيدًا بحيث يجعل العقل يرغب بالحصول عليه مجددًا ويدفعه لمزيد من الإنجاز لتكراره.