في فهم النقص الإنساني!
الأربعاء / 8 / ربيع الأول / 1444 هـ - 22:54 - الأربعاء 5 أكتوبر 2022 22:54
ثمة مسائل فكرية وفلسفية كثيرة، يتصورها الإنسان من حيث تصوره لنفسه كذات أصلية في هذا الكون، ومرجعية مركزية له، فتأتي تلك التصورات ذات طبيعة ناقصة، لكن الإنسان لا يصدق ذلك النقص حيث إن الوهم الذي يتلبسه وهو يفسر الوجود يجعل منه كائناً مغالطاً في صميمه (وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا).
فما يتصوره فلاسفة من أمثال الفيلسوف الألماني «نيتشه» إذا يعكس منطقاً لقوة مجازية حول فكرة «السوبرمان» - الإنسان الخارق - التي تصورها «نيتشه» هي في الحقيقة تصور لا يعكس الحقيقة الإنسانية التي لا يمكن أبداً في يوم من الأيام أن تتجاوز النقص كخاصية أصيلة في الإنسان، لا تقوم صفاته إلا بها!
والحال، أن وهم الإنسان ذاك؛ إذ يذَّوب تلك الحدود التي يتصورها كفيلسوف خلال شبابه أو حتى كهولته، يتغاضى عن حقيقة ذاتية قارة في نفسه ومتصلة بهويته على نحو لا فكاك منه، ونعني بذلك؛ النقص الذاتي للإنسان من حيث هو كائن محتاج، فإذا صح أن كل ناقص محتاج فإن تفسير الحاجة هنا - التي عادةً ما ينفيها الناس في تصوراتهم بوجود المال لديهم - تفسير لا يفيد في فهم حقيقة النقص الإنساني. فالحاجة من حيث كونها نقصا أصيلا في الإنسان تكمن إحدى صورها في حاجته الأصلية للآخرين في حياته، كما تكمن كذلك في حاجته لمقومات خارجة عنه ولا يمكن تصور وجود إنساني بغيرها، كالماء والنبات والحيوان. تلك البديهيات التي يجعلها تصور الإنسان لنفسه وللكون كما لو أنها من لوازم وجوده قد تأتي فيها أحوال يكون فيها الإنسان بالفعل غير قادر على الاستعانة بمقومات حياته التي تعينه على العيش لعقود من السنين على هذه الأرض، فقدرة الإنسان على الصمود بدون ماء لا تتعدى سوى أيام قليلة إن زادت أصبح بعدها ذلك الإنسان في عداد الهالكين. وربما هذا المثال الذي ذكرناه يكشف لنا عن طبيعة الحاجة المتأتية من نقصه الأصلي ستضعنا أمام حقيقة أخرى تتصل بالتفكير في معنى وجود الإنسان.
يتصور الإنسان بعقله حججا تصورية لتفسير وجوده، أما خياله فينطلق إلى الحلم بأحوال يتخيل فيها راحة مطلقةً ونعيماً يفجر جميع حواسه باللذة! وربما تصور الإنسان بفكره تصورات سوداوية متى ما فكر تفكيراً سلبياً عن سر وجوده وعن وجود كل من اللذة والألم في حياته!
نعتقد أن التفكير السوداوي على هذه الشاكلة ينطلق من تصورات ينقصها القياس الموضوعي لحال الإنسان على نفسه. فالتصورات التي يكتسبها الإنسان من تجاربه الذاتية والاجتماعية ومن معرفته، والتي تتأرجح بحسب البُنى التي تشكل سلباً وإيجاباً، هي التي تسيطر عليه.
لكن لو تأمل الإنسان حين التفكير في نفسه وابتلاءاته من زاوية النقص، تحديداً، أي من حيث كونه كائناً محتاجاً بطبع أصلي فيه إلى الغير في الكون والحياة، فإن التفكير الموضوعي قد يفضي به إلى تسوية معقولة لمعرفة حقيقته!
إن نقصنا وحاجتنا يفضيان إلى نتيجة مفادها أن ذلك النقص سيصل إلى حدود تنتهي فيها تماماً قدرتنا حتى أن ننطق ببنت شفه!
وفي الوقوف عند هذه الحقيقة من حقائق الإنسان الأصلية سيعرف الفرد أنه بالفعل من حيث كونه ناقصاً ومحتاجاً فهو شخص بالضرورة متغير.
وبطبيعة الحال فإن كل متغير حادث؛ أي كينونة تبدأ بعد عدم وتنتهي بعد حدوث؛ لذا فإن إدراك الإنسان لحقيقة النقص والحاجة ربما كانت ليس فقط مؤديةً به إلى حالة من التسليم بذلك النقص، بل كذلك بطرد هواجس الاعتراض النظري الكثيرة عن كونه مخلوقاً ليس من حقه الاعتراض على كونه مخلوقاً على هذا النحو من الخلقة التي أصبح عليها في أحسن تقويم.
ذلك أنه؛ متى ما أدرك الإنسان حاجته المزدوجة في اللحظات الحرجة التي تُلم به دون القدرة على دفعها؛ كحالات المرض، والسجن، والضعف، والعجز، فسيكون أكثر قدرةً وتفهماً لجدوى عدم اعتراضه على الخالق مع تمام المعرفة.
فإذا ثبت للإنسان قطعياً، أنه لم يخلق نفسه، وأن وجوده ليس من لا شيء، وأنه سيختفي - ككتلة - بعد حدوث، فإن دعوى اعتراضه على الخالق على أي من أحواله - خيراً أو شراً - سيكون في حاجة إلى حُجة يفهم بها معنى وجوده، ومتى ما فهم ذلك تصالح الإنسان مع ذاته!
فما يتصوره فلاسفة من أمثال الفيلسوف الألماني «نيتشه» إذا يعكس منطقاً لقوة مجازية حول فكرة «السوبرمان» - الإنسان الخارق - التي تصورها «نيتشه» هي في الحقيقة تصور لا يعكس الحقيقة الإنسانية التي لا يمكن أبداً في يوم من الأيام أن تتجاوز النقص كخاصية أصيلة في الإنسان، لا تقوم صفاته إلا بها!
والحال، أن وهم الإنسان ذاك؛ إذ يذَّوب تلك الحدود التي يتصورها كفيلسوف خلال شبابه أو حتى كهولته، يتغاضى عن حقيقة ذاتية قارة في نفسه ومتصلة بهويته على نحو لا فكاك منه، ونعني بذلك؛ النقص الذاتي للإنسان من حيث هو كائن محتاج، فإذا صح أن كل ناقص محتاج فإن تفسير الحاجة هنا - التي عادةً ما ينفيها الناس في تصوراتهم بوجود المال لديهم - تفسير لا يفيد في فهم حقيقة النقص الإنساني. فالحاجة من حيث كونها نقصا أصيلا في الإنسان تكمن إحدى صورها في حاجته الأصلية للآخرين في حياته، كما تكمن كذلك في حاجته لمقومات خارجة عنه ولا يمكن تصور وجود إنساني بغيرها، كالماء والنبات والحيوان. تلك البديهيات التي يجعلها تصور الإنسان لنفسه وللكون كما لو أنها من لوازم وجوده قد تأتي فيها أحوال يكون فيها الإنسان بالفعل غير قادر على الاستعانة بمقومات حياته التي تعينه على العيش لعقود من السنين على هذه الأرض، فقدرة الإنسان على الصمود بدون ماء لا تتعدى سوى أيام قليلة إن زادت أصبح بعدها ذلك الإنسان في عداد الهالكين. وربما هذا المثال الذي ذكرناه يكشف لنا عن طبيعة الحاجة المتأتية من نقصه الأصلي ستضعنا أمام حقيقة أخرى تتصل بالتفكير في معنى وجود الإنسان.
يتصور الإنسان بعقله حججا تصورية لتفسير وجوده، أما خياله فينطلق إلى الحلم بأحوال يتخيل فيها راحة مطلقةً ونعيماً يفجر جميع حواسه باللذة! وربما تصور الإنسان بفكره تصورات سوداوية متى ما فكر تفكيراً سلبياً عن سر وجوده وعن وجود كل من اللذة والألم في حياته!
نعتقد أن التفكير السوداوي على هذه الشاكلة ينطلق من تصورات ينقصها القياس الموضوعي لحال الإنسان على نفسه. فالتصورات التي يكتسبها الإنسان من تجاربه الذاتية والاجتماعية ومن معرفته، والتي تتأرجح بحسب البُنى التي تشكل سلباً وإيجاباً، هي التي تسيطر عليه.
لكن لو تأمل الإنسان حين التفكير في نفسه وابتلاءاته من زاوية النقص، تحديداً، أي من حيث كونه كائناً محتاجاً بطبع أصلي فيه إلى الغير في الكون والحياة، فإن التفكير الموضوعي قد يفضي به إلى تسوية معقولة لمعرفة حقيقته!
إن نقصنا وحاجتنا يفضيان إلى نتيجة مفادها أن ذلك النقص سيصل إلى حدود تنتهي فيها تماماً قدرتنا حتى أن ننطق ببنت شفه!
وفي الوقوف عند هذه الحقيقة من حقائق الإنسان الأصلية سيعرف الفرد أنه بالفعل من حيث كونه ناقصاً ومحتاجاً فهو شخص بالضرورة متغير.
وبطبيعة الحال فإن كل متغير حادث؛ أي كينونة تبدأ بعد عدم وتنتهي بعد حدوث؛ لذا فإن إدراك الإنسان لحقيقة النقص والحاجة ربما كانت ليس فقط مؤديةً به إلى حالة من التسليم بذلك النقص، بل كذلك بطرد هواجس الاعتراض النظري الكثيرة عن كونه مخلوقاً ليس من حقه الاعتراض على كونه مخلوقاً على هذا النحو من الخلقة التي أصبح عليها في أحسن تقويم.
ذلك أنه؛ متى ما أدرك الإنسان حاجته المزدوجة في اللحظات الحرجة التي تُلم به دون القدرة على دفعها؛ كحالات المرض، والسجن، والضعف، والعجز، فسيكون أكثر قدرةً وتفهماً لجدوى عدم اعتراضه على الخالق مع تمام المعرفة.
فإذا ثبت للإنسان قطعياً، أنه لم يخلق نفسه، وأن وجوده ليس من لا شيء، وأنه سيختفي - ككتلة - بعد حدوث، فإن دعوى اعتراضه على الخالق على أي من أحواله - خيراً أو شراً - سيكون في حاجة إلى حُجة يفهم بها معنى وجوده، ومتى ما فهم ذلك تصالح الإنسان مع ذاته!