أصول تشكل حكاية "السندباد" في الليالي
مرفأ قراءة...
السبت / 4 / ربيع الأول / 1444 هـ - 16:32 - السبت 1 أكتوبر 2022 16:32
- 1 -
لعل من بين أهم القصص البحري في التراث العالمي كله قصة 'السندباد البحري ورحلاته السبع' التي تضمنتها قصص (ألف ليلة وليلة). في الدورة الأخيرة من ملتقى الراوي الـ 22 بالشارقة طُرح العديد من المعالجات والمقاربات والأوراق البحثية حول 'البحر' وقصصه وحكاياته، واستلفتني غياب هذه الشخصية المحورية عن الأوراق البحثية إلا فيما ندر أو يمكن القول لم تقدم ورقة واحدة حول شخصية 'السندباد'!
حتى الورقة التي قدمها العلامة الدكتور سعيد يقطين من المغرب، والتي عالجت موضوع 'سردية البحر في ألف ليلة وليلة' لم تتوقف أمام قصة السندباد ورحلاته السبع، بل اتخذت من حكاية 'عبد الله البري وعبد الله البحري' نموذجا للمعالجة والتحليل.. ولتجنب الوقوع في التعميم أو الإطلاق المخل، فإنه -وفي حدود ما قرأته وما استمعت إليه من أبحاث وأرواق علمية- لم تطرح ورقة واحدة عن 'سندباد وأسفاره السبعة' على الرغم من أنها ' أعظم أعمال أدب البحر اكتمالًا وتأثيرًا في التراث الشعبي العربي، وفي الأدب العالمي كله'، كما ذكر ذلك نصا المرحوم الدكتور حسين فوزي في «حديث السندباد القديم»، ثم بإجماع الباحثين والدارسين من بعده طيلة العقود التالية!
ومن ها يمكن القول إن الفصول التي خصصها كاتب هذه السطور عن سندباد في الأدب والتاريخ، وسندباد في التراث القصصي العربي، فضلا على استلهاماته في الأدب المعاصر ضمن كتابه «سرديات البحر في التراث العربي»، قد يكون هو التناول الوحيد (أقول وأكرر قد من باب الاحتراز والتحوط!) لحضور السندباد في التراث القصصي البحري العربي (والعالمي) وأيضًا حضوره على مستوى الاستلهام والاستحضار والتمثيل في الأدب المعاصر (الراوية والمسرحية).
- 2 -
وقد حاول كاتب هذه السطور استقصاء تاريخ البحث عن هذه الشخصية المذهلة، عربيا، في تاريخ القصص البحري في التراث الإنساني كله، فلم يبعد أكثر من سنة 1943 وهي السنة التي أنجزت فيها المرحومة الدكتورة سهير القلماوي أطروحتها للدكتوراه عن «ألف ليلة وليلة» (صدرت في كتاب بعد ذلك عن دار المعارف عام 1946)، ففي بحثها الريادي هذا، وهي تحاول تأطير حكايات الليالي تاريخيا واجتماعيا وترجميا، وتتتبع أصولها وروافدها البعيدة، وترسم ما يشبه الخريطة المعرفية والبحثية لتكوناتها ونماء حكاياتها حتى وصلت إلى المجموعات شبه الكاملة التي وصلتنا، أكدت الدكتورة القلماوي أن «ألف ليلة وليلة» من أهم أعمال الأدب الشعبي العربي، بالرغم من نواة أصلها الهندي، وترجمتها الفارسية بعد ذلك، إلا أنها بصياغتها العربية وإضافاتها العربية الكثيرة، وأسمائها العربية للمدن والملوك ووقائعها العربية، وروحها العربية، تعد عملًا من أعمال العبقرية العربية في الأدب الشعبي.
وقد نقل العرب قصص (ألف ليلة وليلة) مرة عن كتب الفرس التي ترجم إليها الأصل الهندي الأول، ثم تعددت الصياغات والإضافات العربية مع تداول القصص التي صارت إلى صورتها المعروفة لدينا.
ومن هنا اجتمع لألف ليلة وليلة ثلاثة مصادر رئيسية تشكل أسلافها البعيدة: الأصل الهندي، والترجمة الفارسية، والإضافات العربية التي تشكل حجمًا كبيرًا، لأن معظمها نقل نقلًا من كتب الأدب العربي، وأخبار الرحالة والتجار العرب. وإلى هذه المصادر العربية ترجع قصص ألف ليلة وليلة البحرية، ومن ضمنها قصة السندباد البحري وأسفاره السبعة.
تقول الدكتورة سهير القلماوي عن قصص «ألف ليلة وليلة» إنها 'مجموعة من القصص المتفرقة كان القصد من كتابتها تسلية العامة شفاها، وتسميعها، وأنها عاشت قرونًا متتالية يتحكم فيها ذوق السامعين، فلا يجد هذا التحكم من القاص أقل تحرج من التلاعب بالأصل بأقصى ما يمكن أن يكون التلاعب'.
ويدلل بعض الباحثين على هذه الخاصية الحيوية لنص الليالي، من القدرة على التشكل والحضور والانتقال عبر القرون، بسببٍ من طبيعة الأثر نفسه، وأنها (أي ألف ليلة وليلة) عبارة مجموعات مترجمة من القصص الهندية والفارسية، ومجموعات مما روي في اللغة العربية على أنه أخبار، أو قصص قديمة ذكر في بعض مصادر التاريخ أنها كانت كتبًا مستقلة كقصة السندباد، وشماس أو السبع وزراء، بل إن هذه القصص كما يقول أحمد محمد عطية، في بحثه عن أصول الرواية العربية، ما لا يزال نابيًا في المجموعة كلها وتظهر إضافته إليها واضحة قوية، وأنها 'مجموعة من القصص تختلف عصورها وأصولها ومواطنيها، لا شيء يحكم ربط أجزائها على هذا النحو، ولا شيء يحد من مادتها، وكذلك لا نعرف اسم مؤلف واحـد، ولا اسم قاص واحـد، ممن ألفـوا قصصها، أو قصـوها بأسلوبهم'.
- 3 -
ومن الأصل إلى الفرع، ومن مجموع الحكايات والقصص التي شكلت فضاءات وعوالم «ألف ليلة وليلة»، إلى القصص البحري الذي تضمنته الليالي ومن ضمنها حكايتها الأشهر والأمتع والأكثر جاذبية وإلهاما 'حكاية السندباد البحري'. لقد بات من الثابت أن قصص التجار العرب البحرية القديمة كانت هي المهاد الشرعي لظهور قصص 'السندباد' أعظم أعمال أدب البحر اكتمالًا وتأثيرًا في التراث الشعبي العربي، وفي الأدب العالمي كله.
فظهرت 'رحلات السندباد' أولًا ككتابٍ مستقل، وشكَّلت أكثر أعمال أدب البحر العربي العبقرية، فنيا وعلميا. كما أفادت هذه القصص البحرية، بدورها، في تطور أدب البحر عند العرب فيما بعد علي أيدي ابن ماجد (الملاح العربي)، وملاحي الخليج في أدب المرشدات البحرية، أو ما يعرف بـ 'الرهنامج' أو 'الرهماني'، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. ومعظم الباحثين في تاريخ وأصول «ألف ليلة وليلة» يكادون يتفقون على أن قصة السندباد عربية الأصل، وأنها وُجدت في نسخٍ مستقلة، وفي كتاب كامل يحمل اسم (السندباد)، وأنها أضيفت إلى النص الأول لألف ليلة وليلة. بل ويرى البعض، مثل 'رودي باريت'، أن القصص الأخرى الواردة في النص الأول لألف ليلة وليلة ترجع إلى أساطير عربية انتشرت في الهند وفارس قبل ظهور الاسلام. ولعل هذا هو ما يفسر التشابه في الفكر والجوهر في معظم القصص، وترديد الكثير من الأسماء العربية والأحداث العربية بها.
- 4 -
ولم يعد هناك خلاف فيما أظن على اعتبار قصة السندباد ورحلاته السبع أعظم القصص في أدب البحر عند العرب، وأكثرها تعبيرًا عن عالم البحر، أو كما يصفها الدكتور حسين فوزي بـ 'القصة البحرية الكبرى في الأدب العربي، وهي فوق هذا كله واحدة من أهم قصص البحار في آداب العالم'، وأيضا يقول عنها إنها 'قصة جغرافية تلخص المعارف البحرية عند العرب في القرون الوسطى'؛ لأن البحر في قصة السندباد هو الغاية التي تنتهي إليها القصة، فالبحر هو ممثلها الأول أو أنها حوار بين اثنين البحر والسندباد. حوار يتطور من الهدوء إلى العنف، ومن تبادل الود إلى تبادل اللكمات، والمناجزة والصراع'.
إن شخصية 'سندباد'، كما تقول الدكتورة رؤى قداح في بحثها المقارن بين رحلات السندباد ورحلة ابن بطوطة، هي 'نتاج قاص مبدع انتقى من قراءاته في كتب الجغرافيا والعجائب والرحلات جملة من المعارف المشرقية التي تتصف بالغرابة والإثارة ليؤلف منها القصة البحرية الكبرى في تاريخ الأدب العربي'.
عبر ما يقرب من تسع وعشرين ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة (من نهاية الليلة 528 حتى نهاية الليلة 557) احتلت حكاية السندباد وأسفاره السبعة موقعها من كتاب الليالي. وزخرت الحكاية أو الرحلات السبع التي استهلتها شهرزاد بحكايةٍ إطار تتمثل في لقاء السندباد الحمال الفقير بسندباد الثري صاحب القصر الفخيم الكبير (ستعرفه القصة فيما بعد باسم السندباد البحري).. سيكون هذا اللقاء هو الممهد للحكاية والعتبة التي ستنطلق منها الأحداث لسرد ما جرى مع السندباد في رحلاته السبع العجيبة الغريبة المشوقة.
- 5 -
ونرى في حكاية السندباد كلها، عبر رحلاتها السبع التي سردت وقائعها خلال ما يقرب من ثلاثين ليلة، كل التقنيات التي اعتمدها 'مؤلف/ راوي' الليالي وعكف على استخلاصها وتحديدها عشرات بل مئات الباحثين والمتخصصين في العالم أجمع.
فنرى خاصية القطع أو 'التقطيع' في الحكايات، وهو إحدى السمات المميزة للأداء الفني في الليالي كلها، وذلك طبعا للتشويق وشد المتلقي وجذبه لمتابعة الحكاية حتى نهايتها. أما زمن الحكاية فتحدده شهرزاد، شأنه شأن زمن الكثير من القصص والحكايات الأخرى، بأن الحكاية 'وقعت في زمن الخليفة هارون الرشيد'... (وللحديث بقية).
لعل من بين أهم القصص البحري في التراث العالمي كله قصة 'السندباد البحري ورحلاته السبع' التي تضمنتها قصص (ألف ليلة وليلة). في الدورة الأخيرة من ملتقى الراوي الـ 22 بالشارقة طُرح العديد من المعالجات والمقاربات والأوراق البحثية حول 'البحر' وقصصه وحكاياته، واستلفتني غياب هذه الشخصية المحورية عن الأوراق البحثية إلا فيما ندر أو يمكن القول لم تقدم ورقة واحدة حول شخصية 'السندباد'!
حتى الورقة التي قدمها العلامة الدكتور سعيد يقطين من المغرب، والتي عالجت موضوع 'سردية البحر في ألف ليلة وليلة' لم تتوقف أمام قصة السندباد ورحلاته السبع، بل اتخذت من حكاية 'عبد الله البري وعبد الله البحري' نموذجا للمعالجة والتحليل.. ولتجنب الوقوع في التعميم أو الإطلاق المخل، فإنه -وفي حدود ما قرأته وما استمعت إليه من أبحاث وأرواق علمية- لم تطرح ورقة واحدة عن 'سندباد وأسفاره السبعة' على الرغم من أنها ' أعظم أعمال أدب البحر اكتمالًا وتأثيرًا في التراث الشعبي العربي، وفي الأدب العالمي كله'، كما ذكر ذلك نصا المرحوم الدكتور حسين فوزي في «حديث السندباد القديم»، ثم بإجماع الباحثين والدارسين من بعده طيلة العقود التالية!
ومن ها يمكن القول إن الفصول التي خصصها كاتب هذه السطور عن سندباد في الأدب والتاريخ، وسندباد في التراث القصصي العربي، فضلا على استلهاماته في الأدب المعاصر ضمن كتابه «سرديات البحر في التراث العربي»، قد يكون هو التناول الوحيد (أقول وأكرر قد من باب الاحتراز والتحوط!) لحضور السندباد في التراث القصصي البحري العربي (والعالمي) وأيضًا حضوره على مستوى الاستلهام والاستحضار والتمثيل في الأدب المعاصر (الراوية والمسرحية).
- 2 -
وقد حاول كاتب هذه السطور استقصاء تاريخ البحث عن هذه الشخصية المذهلة، عربيا، في تاريخ القصص البحري في التراث الإنساني كله، فلم يبعد أكثر من سنة 1943 وهي السنة التي أنجزت فيها المرحومة الدكتورة سهير القلماوي أطروحتها للدكتوراه عن «ألف ليلة وليلة» (صدرت في كتاب بعد ذلك عن دار المعارف عام 1946)، ففي بحثها الريادي هذا، وهي تحاول تأطير حكايات الليالي تاريخيا واجتماعيا وترجميا، وتتتبع أصولها وروافدها البعيدة، وترسم ما يشبه الخريطة المعرفية والبحثية لتكوناتها ونماء حكاياتها حتى وصلت إلى المجموعات شبه الكاملة التي وصلتنا، أكدت الدكتورة القلماوي أن «ألف ليلة وليلة» من أهم أعمال الأدب الشعبي العربي، بالرغم من نواة أصلها الهندي، وترجمتها الفارسية بعد ذلك، إلا أنها بصياغتها العربية وإضافاتها العربية الكثيرة، وأسمائها العربية للمدن والملوك ووقائعها العربية، وروحها العربية، تعد عملًا من أعمال العبقرية العربية في الأدب الشعبي.
وقد نقل العرب قصص (ألف ليلة وليلة) مرة عن كتب الفرس التي ترجم إليها الأصل الهندي الأول، ثم تعددت الصياغات والإضافات العربية مع تداول القصص التي صارت إلى صورتها المعروفة لدينا.
ومن هنا اجتمع لألف ليلة وليلة ثلاثة مصادر رئيسية تشكل أسلافها البعيدة: الأصل الهندي، والترجمة الفارسية، والإضافات العربية التي تشكل حجمًا كبيرًا، لأن معظمها نقل نقلًا من كتب الأدب العربي، وأخبار الرحالة والتجار العرب. وإلى هذه المصادر العربية ترجع قصص ألف ليلة وليلة البحرية، ومن ضمنها قصة السندباد البحري وأسفاره السبعة.
تقول الدكتورة سهير القلماوي عن قصص «ألف ليلة وليلة» إنها 'مجموعة من القصص المتفرقة كان القصد من كتابتها تسلية العامة شفاها، وتسميعها، وأنها عاشت قرونًا متتالية يتحكم فيها ذوق السامعين، فلا يجد هذا التحكم من القاص أقل تحرج من التلاعب بالأصل بأقصى ما يمكن أن يكون التلاعب'.
ويدلل بعض الباحثين على هذه الخاصية الحيوية لنص الليالي، من القدرة على التشكل والحضور والانتقال عبر القرون، بسببٍ من طبيعة الأثر نفسه، وأنها (أي ألف ليلة وليلة) عبارة مجموعات مترجمة من القصص الهندية والفارسية، ومجموعات مما روي في اللغة العربية على أنه أخبار، أو قصص قديمة ذكر في بعض مصادر التاريخ أنها كانت كتبًا مستقلة كقصة السندباد، وشماس أو السبع وزراء، بل إن هذه القصص كما يقول أحمد محمد عطية، في بحثه عن أصول الرواية العربية، ما لا يزال نابيًا في المجموعة كلها وتظهر إضافته إليها واضحة قوية، وأنها 'مجموعة من القصص تختلف عصورها وأصولها ومواطنيها، لا شيء يحكم ربط أجزائها على هذا النحو، ولا شيء يحد من مادتها، وكذلك لا نعرف اسم مؤلف واحـد، ولا اسم قاص واحـد، ممن ألفـوا قصصها، أو قصـوها بأسلوبهم'.
- 3 -
ومن الأصل إلى الفرع، ومن مجموع الحكايات والقصص التي شكلت فضاءات وعوالم «ألف ليلة وليلة»، إلى القصص البحري الذي تضمنته الليالي ومن ضمنها حكايتها الأشهر والأمتع والأكثر جاذبية وإلهاما 'حكاية السندباد البحري'. لقد بات من الثابت أن قصص التجار العرب البحرية القديمة كانت هي المهاد الشرعي لظهور قصص 'السندباد' أعظم أعمال أدب البحر اكتمالًا وتأثيرًا في التراث الشعبي العربي، وفي الأدب العالمي كله.
فظهرت 'رحلات السندباد' أولًا ككتابٍ مستقل، وشكَّلت أكثر أعمال أدب البحر العربي العبقرية، فنيا وعلميا. كما أفادت هذه القصص البحرية، بدورها، في تطور أدب البحر عند العرب فيما بعد علي أيدي ابن ماجد (الملاح العربي)، وملاحي الخليج في أدب المرشدات البحرية، أو ما يعرف بـ 'الرهنامج' أو 'الرهماني'، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. ومعظم الباحثين في تاريخ وأصول «ألف ليلة وليلة» يكادون يتفقون على أن قصة السندباد عربية الأصل، وأنها وُجدت في نسخٍ مستقلة، وفي كتاب كامل يحمل اسم (السندباد)، وأنها أضيفت إلى النص الأول لألف ليلة وليلة. بل ويرى البعض، مثل 'رودي باريت'، أن القصص الأخرى الواردة في النص الأول لألف ليلة وليلة ترجع إلى أساطير عربية انتشرت في الهند وفارس قبل ظهور الاسلام. ولعل هذا هو ما يفسر التشابه في الفكر والجوهر في معظم القصص، وترديد الكثير من الأسماء العربية والأحداث العربية بها.
- 4 -
ولم يعد هناك خلاف فيما أظن على اعتبار قصة السندباد ورحلاته السبع أعظم القصص في أدب البحر عند العرب، وأكثرها تعبيرًا عن عالم البحر، أو كما يصفها الدكتور حسين فوزي بـ 'القصة البحرية الكبرى في الأدب العربي، وهي فوق هذا كله واحدة من أهم قصص البحار في آداب العالم'، وأيضا يقول عنها إنها 'قصة جغرافية تلخص المعارف البحرية عند العرب في القرون الوسطى'؛ لأن البحر في قصة السندباد هو الغاية التي تنتهي إليها القصة، فالبحر هو ممثلها الأول أو أنها حوار بين اثنين البحر والسندباد. حوار يتطور من الهدوء إلى العنف، ومن تبادل الود إلى تبادل اللكمات، والمناجزة والصراع'.
إن شخصية 'سندباد'، كما تقول الدكتورة رؤى قداح في بحثها المقارن بين رحلات السندباد ورحلة ابن بطوطة، هي 'نتاج قاص مبدع انتقى من قراءاته في كتب الجغرافيا والعجائب والرحلات جملة من المعارف المشرقية التي تتصف بالغرابة والإثارة ليؤلف منها القصة البحرية الكبرى في تاريخ الأدب العربي'.
عبر ما يقرب من تسع وعشرين ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة (من نهاية الليلة 528 حتى نهاية الليلة 557) احتلت حكاية السندباد وأسفاره السبعة موقعها من كتاب الليالي. وزخرت الحكاية أو الرحلات السبع التي استهلتها شهرزاد بحكايةٍ إطار تتمثل في لقاء السندباد الحمال الفقير بسندباد الثري صاحب القصر الفخيم الكبير (ستعرفه القصة فيما بعد باسم السندباد البحري).. سيكون هذا اللقاء هو الممهد للحكاية والعتبة التي ستنطلق منها الأحداث لسرد ما جرى مع السندباد في رحلاته السبع العجيبة الغريبة المشوقة.
- 5 -
ونرى في حكاية السندباد كلها، عبر رحلاتها السبع التي سردت وقائعها خلال ما يقرب من ثلاثين ليلة، كل التقنيات التي اعتمدها 'مؤلف/ راوي' الليالي وعكف على استخلاصها وتحديدها عشرات بل مئات الباحثين والمتخصصين في العالم أجمع.
فنرى خاصية القطع أو 'التقطيع' في الحكايات، وهو إحدى السمات المميزة للأداء الفني في الليالي كلها، وذلك طبعا للتشويق وشد المتلقي وجذبه لمتابعة الحكاية حتى نهايتها. أما زمن الحكاية فتحدده شهرزاد، شأنه شأن زمن الكثير من القصص والحكايات الأخرى، بأن الحكاية 'وقعت في زمن الخليفة هارون الرشيد'... (وللحديث بقية).