أعمدة

نوافذ: ومن لا يحب السياحة

 
منذ الطفولة كنا نردد بيت أبي القاسم الشابي وتحفيزه للهمم نحو حب الحياة باستعارته صعود الجبال ككناية عن الطموح والشغف، ولم أكن أعي آنذاك أن ما كان يقصده الشابي في قوله:

ومن لا يحب صعود الجبال

يعش أبد الدهر بين الحفر

كان يقصد به حرفيا مغامرات صعود الجبال أو ما يسمى اليوم «بالهايك» أو المشي الجبلي وتسلق الجبال بكافة أشكال هذا التسلق وألوانه ابتداء من صعود المبتدئين للجبال للهواة ومن على شاكلتهم مرورا باكتشاف الجبال والأدوية وقيعانها والصعود والنزول باستخدام الحبال وانتهاء بالمغامرات الكبرى المتمثلة في المستوى المحترف في تسلق أعلى القمم الجبلية في العالم التي يزيد ارتفاعها عن ثمانية آلاف متر.

لم أعِ معنى كلمة مغامرة ولم أقرنها بالسياحة إلا في السنوات الأخيرة وتحديدًا خلال انتشار وباء كورونا الذي كما يقول المثل «رب ضارة نافعة» حين أتاحت الجائحة للناس الفرصة في تجريب المغامرة بكافة أشكالها وألوانها والعودة إلى الطبيعة حيث لا حدود للمغامرة ولا حدود لإخراج الطاقات الدفينة للإنسان إلا في الطبيعة وبين ربوعها فانتشرت الكثير من الرياضات القائمة على المغامرة في البر والبحر والسماء فوق الجبال وتحت السهول وفي أعماق البحار وعلى ضفاف الأودية واقترنت المغامرة بالسياحة والسياحة بالمغامرة وبات الجميع ينشد تجريب المغامرة في بلد حباه الله بكل مقومات السياحة بكافة امتيازاتها منتشرة في كل بقعة ورقعة في محافظات سلطنة عمان المختلفة.

«إعادة التفكير في السياحة» شعار رفعته منظمة السياحة العالمية كبرهان على الحاجة إلى التفكير في السياحة كمورد مهم من موارد الدول ليس فقط كمورد مالي يدر أرباحًا على الدول والمؤسسات والأفراد وإنما أيضًا التفكير في الجوانب الصحية والنفسية والمعرفية والعلاجية وهي التي عددها الإمام الشافعي بخمس فوائد كتفريج الهم واكتساب العيش وطلب العلوم والمعرفة والآداب وصحبة الماجدين والأخيار من الناس وزاد العصر الحديث على هذه الفوائد فوائد أخرى منها تعلم الشجاعة وحب المغامرة والتعرف على الثقافات والعادات والتقاليد وغيرها من الفوائد.

لم تعد السياحة مجرد رفاهية للفرد والمجتمعات وإنما غدت صناعة لها من الأساليب التصنيعية والتسويقية ما يؤهلها لأن تنافس الموارد الأخرى في الدخل فعلى سبيل المثال فرنسا استقبلت قبل الجائحة أكثر من 90 مليون سائح واستقبلت المكسيك وإسبانيا 31 مليون سائح كلا منهما على حدة في حين أن تركيا استقبلت حوالي 30 مليون شخص، وعلى صعيدنا المحلي فإن الأرقام المعلنة من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بأن السياحة ساهمت بما نسبته 2.4 في المائة خلال عام 2021 ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 10 بالمائة بحلول عام 2040 وهو ما يبشر بالخير بأن الطريق إلى صناعة السياحة في سلطنة عمان ماض نحو الأمام وبطرق يستفاد بها من التجارب الدولية في السياحة.

برؤية شخصية من خلال تجوالي في كثير من المناطق السياحية في سلطنة عمان ومقارنتها بعدد من الدول الأخرى التي قمت بزيارتها فإنه يمكن التنبؤ بالفرص والإمكانات التي يستطيع القطاع السياحي تحقيقها من خلال منظومة واستراتيجية موحدة للسياحة تعمل على تطوير وتحسين وتجويد الخدمات والمرافق السياحية في كافة الولايات ويمكن خلال المستقبل القريب أن تكون سلطنة عمان وجهة سياحية عالمية ينشدها الجميع خصوصا في سياحة المغامرات وهذه ما ننشده جميعا.