الاقتصادية

قانون الأوراق المالية يفتح خيارات واسعة للمستثمرين في بورصة مسقط

تشمل المشتقات والعقود المستقبلية

 
المشتقات عقود بيع وشراء ترتبط بقيمة الأصل الأساسي مثل الذهب أو السلع الغذائية أو النفط أو أدوات مالية مثل الفائدة والعملات

يستفيد المستثمرون من خلال التحوط لتقلبات السوق والاسعار وضمان الحصول على سلع معينة في توقيتات محددة

تشهد بورصة مسقط تقدما ملموسا في ظل استراتيجيتها الجديدة التي تعمل على تعزيز مكانتها على خارطة الاستثمار العالمية

تحليل – أمل رجب

تعد التعاملات الدولية في أسواق المشتقات المالية من بين الأضخم على الاطلاق في الأسواق والبورصات العالمية, وازدهرت هذه النوعية من التعاملات بشكل كبير منذ السبعينيات من القرن الماضي, كما شهدت أحجام الاستثمارات العالمية في أسواق المشتقات المالية ارتفاعا كبيرا خلال العام الجاري, حيث ترصد الاحصائيات زيادة في إجمالي العقود خلال الربع الأول بنحو 22,9 تريليون دولار لتصعد الى ما يزيد عن 200 تريليون دولار بنسبة نمو 12,9 بالمائة, ولهذا كثيرا ما يتم وصف سوق المشتقات بالعملاق المالي في عالم البورصات.

والمشتقات المالية هي عقود بيع وشراء ترتبط قيمتها بقيمة الأصل الأساسي الذي قد يكون الذهب أو السلع الغذائية أو النفط او أدوات مالية مثل سعر الفائدة أو أسعار العملات, ولذلك تسمى بالمشتقات لاعتمادها واشتقاقها من سلع ومنتجات مالية معينة. وهي أدوات مالية معقدة تستخدم لأغراض مختلفة على نطاق واسع للبيع الشراء والمضاربة وتحقيق عوائد محتملة جيدة، ويستفيد منها المستثمرون في التحوط لتقلبات السوق والاسعار وضمان الحصول على سلع معينة في توقيتات محددة خاصة مثل النفط والغاز والسلع الزراعية فضلا عن اتاحة وصول المستثمرين الى أصول وأسواق إضافية للإستثمار فيها, وقد تتغير قيمة الأصل الأساسي تبعاً لظروف وتقلبات السوق, لكن المستثمرين يعتمدون على قدرتهم على توقع حركة السعر المستقبلية للأصل الأساسي. وهناك أنواع مختلفة من المشتقات منها العقود الآجلة أو(Future Contracts) والعقود المستقبلية خارج البورصة (Forward Contracts) وعقود الفروقات (CFD) وعقود الخيارات ( Option Contracts) وعقود السواب أو التبادل (Swap Contracts)

ويعرف خبراء البورصات سوق المشتقات بانها سوق مالية للعقود الاشتقاقية أي أدوات مالية تشتق قيمتها من الأصل الأساسي، ويمكن أن يكون أصلا ماديا وحقيقيا مثل النفط أو ماليا كالأسهم والسندات والذهب واسعار الفائدة وتشكل الاخيرة الجانب الاكبر من هذه النوعية من التعاملات. وهناك تعاملات افتراضية ايضا تتعلق بالشراء مستقبلا, هي عقود الخيارات والعقود الآجلة ويكمن الاختلاف الأساسي بين الخيارات والعقود الآجلة أو المستقبليات في عدم إلزامية التعامل بالنسبة إلى صاحب الخيار الذي يشتري فعليا الحق في الشراء في أجل معين وهو يدفع مقابلا معينا مقابل هذا الحق في الشراء وبالتالي يمكنه التراجع عن الشراء مادام قد دفع بالفعل مقابل امكانية الشراء, وعلى عكس ذلك فالعقود المستقبلية والعقود الآجلة اتفاقيات ملزمة بتنفيذ الشراء لكن المستثمر نفسه يمكنه بيع هذه العقود وعدم استلام السلعة.

واتجهت العديد من البورصات العربية خلال السنوات القليلة الماضية لمواكبة تطور الأدوات المالية في الأسواق والبورصات العالمية, والسماح بتداول الأدوات المالية الجديدة التي يقبل عليها المستثمرون ومن بينها المشتقات المالية ويتضمن ذلك المملكة العربية السعودية والامارات والكويت ومصر, وجاء ذلك في إطار استهداف زيادة جاذبية البورصات الوطنية لدى المستثمرين المحليين والأجانب ورفع أحجام التداول وصولا الى زيادة حجم الاقتصاد ورفع مساهمة أسواق المال في النمو الاقتصادي عبر اتاحة مصادر جديدة لتمويل خطط التنمية وانشطة القطاع الخاص.

ويأتي الاعلان الأخير عن تفاصيل قانون الاوراق المالية في سلطنة عمان, والاستعداد لاصدار لائحته التنفيذية خلال عام ليواكب مستهدفات سلطنة عمان في تنويع الاقتصاد وتعدد روافد الدخل الوطني وتمكين القطاع الخاص من دوره كمحرك للنمو الاقتصادي, ويفتح القانون الباب للمرة الاولى في سلطنة عمان لتداول بعض من الادوات المالية العالمية وتوسيع خيارات التمويل من خلال تنظيم منتجات وخدمات جديدة مثل إيصالات المستودعات والمشتقات والمستقبليات وغيرها. كما يعالج القانون جانبا مهما لتطوير سوق رأس المال والمتمثل في تشجيع قيام مؤسسات مستقلة تمارس أنشطة بنوك الاستثمار، تعنى بتقديم الخدمات الاستشارية المرتبطة بخيارات التمويل والاستحواذ والسيطرة وغيرها من الخدمات. وتواكب هذه التطورات المهمة ما تشهده بورصة مسقط من تقدم في ظل تنفيذ استراتيجيتها الجديدة التي تعمل على تعزز مكانة البورصة على خارطة الاستثمار العالمية وتلبي التطلعات والطموحات وتحقق الأهداف المرجوة. وتركز الاستراتيجية على تنمية الاقتصاد الوطني وزيادة جاذبية البورصة وتعزيز انشطة التكنولوجيا المالية والأداء التجاري للبورصة وتطوير البنية الأساسية والداخلية للبورصة, ومن أهم الأهداف التي تأمل بورصة مسقط تحقيقها قريبا هي ترقية البورصة من بورصة حدودية إلى ناشئة حسب وكالات التصنيف المعتمدة، ولهذا يتم العمل على رفع سيولة الأسهم المدرجة والقيم السوقية والتركيز على تسهيل دخول الاستثمارات الأجنبية وتفعيل بعض خصائص التداول كالبيع على المكشوف واقراض واقتراض الأوراق المالية وغيرها من المبادرات التي تمكن البورصة من ترقيتها في المؤشرات العالمية.

كما يندرج التطور التشريعي في سوق المال من خلال قانون الأوراق المالية ضمن جهود واسعة لتطوير تشريعات بيئة الاعمال في سلطنة عمان ورفع التنافسية بما يوفر متطلبات المستثمرين ويتيح تواجد بيئة استثمارية تساهم في انجاح وتنفيذ الأولويات الاستراتيجية لرؤية عمان 2040 والمتمثلة في دعم المبادرات التي تسهم في التنويع الاقتصادي وضمان الاستدامة المالية، ودعم القطاع الخاص والاستثمار والتعاون الدولي، بالإضافة إلى توفير بيئة أعمال تنافسية وجاذبة للاستثمار تمارس فيها الحكومة الدور التنظيمي عبر الكفاءة والقيادة الاقتصادية الفاعلة.

في الوقت الحالي يتعامل المستثمرون في بورصة مسقط بشكل رئيسي عبر الادوات المالية التقليدية من اسهم وصكوك وسندات, وربما قد لا يعرف الكثيرون ما هي المشتقات المالية, ويمكن تعريفها ببساطة من خلال الممارسات التي اعتادها المزارعون ومربو الماشية طوال القرون الماضية من خلال بيع محاصيلهم مقدما من خلال اتفاق شفهي او كتابي مع المشتري يتضمن سعرا للمحصول بناء على الخبرة الفعلية لتوقع حجم وسعر المحصول, وتتسم هذه العملية بشكل اساسي بانها لا تتم فعليا بشكل فوري بل بشكل آجل حين يحل وقت الحصاد. وهو ما يجعل منها اتفاقا مستقبليا على البيع بما يتضمنه ذلك من عوامل متغيرة تؤثر على الصفقة مثل ظروف مناخية قد تسبب قلة المحصول أو زيادة مفاجئة في حجم الطلب وبالتالي تراجع او ارتفاع القيمة. وعلى مدار الزمن تعددت هذه الممارسات التجارية واتخذت شكلا منظما للتداولات في البورصات, واحد هذه الاشكال حاليا هو تداولات عقود النفط الآجلة لخام نفط عمان في بورصة دبي والتي تتضمن بيع النفط للمستثمرين والمشترين بسعر محدد في الوقت الحالي على ان يتم استلام الشحنات فعليا مستقبلا, وعلى سبيل المثال يتم الآن بيع شحنات النفط للتسليم في شهر نوفمبر. وحين حلول وقت الاستلام هناك الكثير من المتغيرات التي قد تطرأ مثل انخفاض الاسعار او ارتفاعها, لكن فيما يتعلق بالبائع فهو يضمن السعر المحدد الذي تم الاتفاق عليه, وفيما يتعلق بالمشتري فهو يقبل المخاطرة لاسباب متعددة منها ضمان الحصول على السلعة بسعر محدد بعد فترة قد تكون ايام او اشهر, وفي حال كون المشتري يستهدف الربح والمضاربة فقد يعتمد على تحليله لوضع هذه السلعة متوقعا ارتفاع الاسعار في المستقبل ويكون ربحه هو الفارق بين سعر الشراء الفعلي ومقدار ارتفاع السعر بحلول موعد التسليم الاصلي.

وتاريخيا, عرف العالم المشتقات المالية عبر بورصة شيكاغو التجارية 'شيكاغو ميرك'، والتي تأسست في عام 1898 لتنظيم التجارة في الزبد والبيض، والسلع الزراعية. وفي نفس التوقيت الزمني كانت عديد من دول العالم لديها بورصات لسلع زراعية محددة من اشهرها القطن.

وفي البداية كانت بورصة شيكاغو بمثابة كيان تجاري غير هادف للربح, وفي السبعينيات من القرن العشرين، شهدت اسواق المال تغيرا جذريا مع إطلاق العقود الآجلة للأدوات المالية في بورصة شيكاغو بدءا من عقود الفرنك السويسري والين الياباني, ثم عقود الأسهم والسندات وأذون الخزانة الأمريكية. ومع الشعبية الكبيرة التي اكتسبتها المشتقات لدى المستثمرين توسعت بورصة شيكاغو بشكل كبير, وأصبحت ميرك شركة بورصة مساهمة عامة في عام 2000 وتم طرحها للاكتتاب العام في ديسمبر عام 2002، وتم دمجها في مجلس شيكاغو للتجارة لتصبح سوقًا للاتفاقيات المحددة لمجموعة بورصة شيكاغو التجارية، وفي عام 2008 وافق المساهمون على الاندماج في بورصة نيويورك التجارية نايمكس وبورصة السلع كومكس واليوم، تتداول ميرك عدة أنواع من الأدوات المالية منها أسعار الفائدة، والأسهم، والعملات والسلع الأساسية. وتوفر أيضًا التداول في الاستثمارات البديلة، مثل حالة الطقس والمشتقات العقارية، ولديها عدد من عقود الخيار والعقود الآجلة والعقود المفتوحة (العقود المعلقة) يزيد حجمها عن أي بورصة للعقود الآجلة في العالم, كما دخلت اسواق ناشئة هذا المجال خلال السنوات الماضية ومنها الهند التي اصبح لديها واحدة من اكبر اسواق المشتقات المالية في العالم, كما تعد سنغافورة موطنا لحجم كبير من تعاملات عقود المشتقات المالية.