ثلاث أساطير حول أزمة الطاقة العالمية
الاثنين / 15 / صفر / 1444 هـ - 21:37 - الاثنين 12 سبتمبر 2022 21:37
ترجمة - قاسم مكي -
مع استمرار أزمة الطاقة العالمية في إيذاء العائلات والشركات واقتصادات بأكملها على نطاق العالم من المهم فصل الحقائق عن الأوهام. هنالك ثلاثة سرديات «روايات» خصوصا أسمعها عن الوضع الحالي وأعتقد أنها خاطئة بل في بعض الحالات خطرة أيضًا.
أول هذه السرديات أن موسكو تكسب معركة الطاقة، روسيا دون شك بلد يصدر كميات ضخمة من موارد الطاقة. والزيادات في أسعار النفط والغاز التي فجرها غزوها لأوكرانيا نتج عنها ارتفاع في دخلها من صادرات الطاقة حتى الآن. لكن مكاسبها من الإيرادات في الأجل القصير تفوقها خسارة الثقة والأسواق التي ستواجهها لسنوات عديدة قادمة.
موسكو تضُرُّ نفسَها في الأجل الطويل بتنفير الاتحاد الأوروبي وهو أكبر زبون لها بما لا يقاس وشريكها الاستراتيجي. وموقع روسيا في نظام الطاقة العالمي يتغير جذريًا في غير صالحها.
هذه السردية تتجاهل أيضا الآثار المهمة في الأجل المتوسط للعقوبات العالمية الأكثر قسوة على قطاع النفط والغاز الروسي. وهي تتعلق خصوصا بقدرتها على إنتاج النفط ونقل الغاز.
تأتي حصة متزايدة من إنتاج النفط الروسي من حقول نفطية أكثر تعقيدا بما في ذلك الحقول البحرية والقطبية أو تلك الموارد التي يصعب استخراجها. غياب الشركات والتكنولوجيا والخدمات الغربية نتيجة للعقوبات يهدد كثيرًا قدرة روسيا على استغلال تلك الموارد.
كانت موسكو تعوِّل على الغاز الطبيعي المسال كوسيلة رئيسية لتنويع (مقاصد) صادراتها والتخلص من الاعتماد الشديد على أوروبا. قبل غزوها لأوكرانيا كان هدف روسيا المعلن تصدير ما بين 120 مليونا إلى 140 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2035 وهو ما يساوي على الأقل أربعة أضعاف صادراتها الحالية.
لكن هذا يبدو احتمالًا بعيدًا بدون شركاء وتقنيات. فالصناعة التي نشأت محليًا في روسيا لتسييل الغاز اكتنفتها المصاعب والتأجيلات. ويلزم روسيا الآن مراجعة خططها للتوسع في الغاز الطبيعي المسال بعد فشل هذه الخطط.
السردية أو الفكرة الخاطئة الثانية هي أن أزمة الطاقة العالمية في هذه الأيام أزمة طاقة نظيفة. هذا ادعاء عبثي. أنا أتحدث إلى واضعي السياسات في كل الأوقات ولم يشكُ أي أحد منهم من الاعتماد الزائد عن الحد على الطاقة النظيفة. بل بالعكس إنهم يتمنون أن يكون لديهم المزيد منها. وهم يتحسرون على عدم إسراعهم في تشييد محطات تدار بالطاقة الشمسية والرياح لتحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني والسيارات أو تمديد العمر الافتراضي لمحطات الطاقة النووية. وكان من شأن توافر المزيد من الطاقة المنخفضة الكربون تلطيف حدة الأزمة. ويمثل الانتقال بسرعة أكبر من الوقود الأحفوري نحو الطاقة النظيفة أفضل طريقة للتخلص منه.
عندما ينسب الناس بشكل مضلل إلى الطاقة النظيفة وسياسات المناخ التسبب في أزمة الطاقة الحالية فإنهم سواء عن قصد أو بدونه يحرِّكون دائرة الضوء بعيدًا عن «الجناة» الحقيقيين. أي شح إمدادات الغاز وروسيا.
السردية الثالثة الخاطئة هي أن أزمة الطاقة القائمة انتكاسة ضخمة ستمنعنا من معالجة التغير المناخي. أنا لا أري الأمور على هذا النحو. هذه الأزمة تذكير صارخ بعدم استدامة نظام الطاقة الحالي الذي تهيمن عليه موارد الوقود الأحفوري.
لدينا الفرصة لجعل هذه الأزمة نقطة تحول نحو نظام لطاقة أنظف ومتاحة بقدر أكبر وأكثر أمنا. وهذا يحدث سلفا.
يرتقي الاتحاد الأوروبي بأهدافه الخاصة بالموارد المتجددة وتحقيق كفاءة الطاقة ويكرس موارد مهمة لذلك بخطته التي يسعى بها إلى الاستغناء عن الواردات الروسية وحماية المناخ.
أجازت حكومة الولايات المتحدة لتوِّها قانون خفض التضخم معززة بذلك تشكيلة ضخمة من تقنيات الطاقة النظيفة بدءًا بأشعة الشمس والرياح والسيارات الكهربائية وإلى احتجاز الكربون والهيدروجين. يخصص هذا القانون 370 بليون دولار أمريكي لاستثمارات أمن الطاقة وحماية المناخ مع إمكانية استقطاب مبالغ أكبر بكثير من القطاع الخاص.
وتسعى الحكومة اليابانية إلى استئناف وتشييد المزيد من محطات الطاقة النووية والتوسع في تقنيات أخرى منخفضة الانبعاثات وفق خطتها في التحول الأخضر (جي أكس).
من جانبها، تواصل الصين كسر الأرقام القياسية في أحجام الموارد المتجددة وأعداد السيارات الكهربائية التي تضيفها في كل عام. أما الهند فقد اتخذت لتوها خطوة مفتاحية تجاه إنشاء سوق للكربون وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة في المباني والمعدات.
تسعى بلدان أكبر اقتصادات العالم بشدة للانتقال إلى الطاقة النظيفة. ومع كل تقنياتها المتاحة التي تتسم بقدر عالٍ من التنافسية هنالك أسباب وجيهة للتفاؤل بأن البلدان الأخرى ستتبعها في ذلك.
لذلك لا تصدقوا كل السرديات السلبية حول أزمة الطاقة. نعم هنالك تحديات قاسية قادمة خصوصا في هذا الشتاء. لكن ذلك لا يعني أن روسيا تكسب أو أن جهود معالجة التغير المناخي محكوم عليها بالفشل.
بعد الشتاء يأتي الربيع. لقد نتج عن صدمات النفط في سبعينات القرن تقدم كبير في كفاءة استخدامات الطاقة وتوليد الكهرباء من الطاقة النووية والشمس والرياح. ويمكن أن يترتب عن أزمة اليوم أثر شبيه بذلك، وقد تساعد في تسريع الانتقال إلى مستقبل أنظف وأكثر أمانا للطاقة.
فاتح بيرول المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة
المقال مترجم عن الفاينانشال تايمز.
مع استمرار أزمة الطاقة العالمية في إيذاء العائلات والشركات واقتصادات بأكملها على نطاق العالم من المهم فصل الحقائق عن الأوهام. هنالك ثلاثة سرديات «روايات» خصوصا أسمعها عن الوضع الحالي وأعتقد أنها خاطئة بل في بعض الحالات خطرة أيضًا.
أول هذه السرديات أن موسكو تكسب معركة الطاقة، روسيا دون شك بلد يصدر كميات ضخمة من موارد الطاقة. والزيادات في أسعار النفط والغاز التي فجرها غزوها لأوكرانيا نتج عنها ارتفاع في دخلها من صادرات الطاقة حتى الآن. لكن مكاسبها من الإيرادات في الأجل القصير تفوقها خسارة الثقة والأسواق التي ستواجهها لسنوات عديدة قادمة.
موسكو تضُرُّ نفسَها في الأجل الطويل بتنفير الاتحاد الأوروبي وهو أكبر زبون لها بما لا يقاس وشريكها الاستراتيجي. وموقع روسيا في نظام الطاقة العالمي يتغير جذريًا في غير صالحها.
هذه السردية تتجاهل أيضا الآثار المهمة في الأجل المتوسط للعقوبات العالمية الأكثر قسوة على قطاع النفط والغاز الروسي. وهي تتعلق خصوصا بقدرتها على إنتاج النفط ونقل الغاز.
تأتي حصة متزايدة من إنتاج النفط الروسي من حقول نفطية أكثر تعقيدا بما في ذلك الحقول البحرية والقطبية أو تلك الموارد التي يصعب استخراجها. غياب الشركات والتكنولوجيا والخدمات الغربية نتيجة للعقوبات يهدد كثيرًا قدرة روسيا على استغلال تلك الموارد.
كانت موسكو تعوِّل على الغاز الطبيعي المسال كوسيلة رئيسية لتنويع (مقاصد) صادراتها والتخلص من الاعتماد الشديد على أوروبا. قبل غزوها لأوكرانيا كان هدف روسيا المعلن تصدير ما بين 120 مليونا إلى 140 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2035 وهو ما يساوي على الأقل أربعة أضعاف صادراتها الحالية.
لكن هذا يبدو احتمالًا بعيدًا بدون شركاء وتقنيات. فالصناعة التي نشأت محليًا في روسيا لتسييل الغاز اكتنفتها المصاعب والتأجيلات. ويلزم روسيا الآن مراجعة خططها للتوسع في الغاز الطبيعي المسال بعد فشل هذه الخطط.
السردية أو الفكرة الخاطئة الثانية هي أن أزمة الطاقة العالمية في هذه الأيام أزمة طاقة نظيفة. هذا ادعاء عبثي. أنا أتحدث إلى واضعي السياسات في كل الأوقات ولم يشكُ أي أحد منهم من الاعتماد الزائد عن الحد على الطاقة النظيفة. بل بالعكس إنهم يتمنون أن يكون لديهم المزيد منها. وهم يتحسرون على عدم إسراعهم في تشييد محطات تدار بالطاقة الشمسية والرياح لتحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني والسيارات أو تمديد العمر الافتراضي لمحطات الطاقة النووية. وكان من شأن توافر المزيد من الطاقة المنخفضة الكربون تلطيف حدة الأزمة. ويمثل الانتقال بسرعة أكبر من الوقود الأحفوري نحو الطاقة النظيفة أفضل طريقة للتخلص منه.
عندما ينسب الناس بشكل مضلل إلى الطاقة النظيفة وسياسات المناخ التسبب في أزمة الطاقة الحالية فإنهم سواء عن قصد أو بدونه يحرِّكون دائرة الضوء بعيدًا عن «الجناة» الحقيقيين. أي شح إمدادات الغاز وروسيا.
السردية الثالثة الخاطئة هي أن أزمة الطاقة القائمة انتكاسة ضخمة ستمنعنا من معالجة التغير المناخي. أنا لا أري الأمور على هذا النحو. هذه الأزمة تذكير صارخ بعدم استدامة نظام الطاقة الحالي الذي تهيمن عليه موارد الوقود الأحفوري.
لدينا الفرصة لجعل هذه الأزمة نقطة تحول نحو نظام لطاقة أنظف ومتاحة بقدر أكبر وأكثر أمنا. وهذا يحدث سلفا.
يرتقي الاتحاد الأوروبي بأهدافه الخاصة بالموارد المتجددة وتحقيق كفاءة الطاقة ويكرس موارد مهمة لذلك بخطته التي يسعى بها إلى الاستغناء عن الواردات الروسية وحماية المناخ.
أجازت حكومة الولايات المتحدة لتوِّها قانون خفض التضخم معززة بذلك تشكيلة ضخمة من تقنيات الطاقة النظيفة بدءًا بأشعة الشمس والرياح والسيارات الكهربائية وإلى احتجاز الكربون والهيدروجين. يخصص هذا القانون 370 بليون دولار أمريكي لاستثمارات أمن الطاقة وحماية المناخ مع إمكانية استقطاب مبالغ أكبر بكثير من القطاع الخاص.
وتسعى الحكومة اليابانية إلى استئناف وتشييد المزيد من محطات الطاقة النووية والتوسع في تقنيات أخرى منخفضة الانبعاثات وفق خطتها في التحول الأخضر (جي أكس).
من جانبها، تواصل الصين كسر الأرقام القياسية في أحجام الموارد المتجددة وأعداد السيارات الكهربائية التي تضيفها في كل عام. أما الهند فقد اتخذت لتوها خطوة مفتاحية تجاه إنشاء سوق للكربون وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة في المباني والمعدات.
تسعى بلدان أكبر اقتصادات العالم بشدة للانتقال إلى الطاقة النظيفة. ومع كل تقنياتها المتاحة التي تتسم بقدر عالٍ من التنافسية هنالك أسباب وجيهة للتفاؤل بأن البلدان الأخرى ستتبعها في ذلك.
لذلك لا تصدقوا كل السرديات السلبية حول أزمة الطاقة. نعم هنالك تحديات قاسية قادمة خصوصا في هذا الشتاء. لكن ذلك لا يعني أن روسيا تكسب أو أن جهود معالجة التغير المناخي محكوم عليها بالفشل.
بعد الشتاء يأتي الربيع. لقد نتج عن صدمات النفط في سبعينات القرن تقدم كبير في كفاءة استخدامات الطاقة وتوليد الكهرباء من الطاقة النووية والشمس والرياح. ويمكن أن يترتب عن أزمة اليوم أثر شبيه بذلك، وقد تساعد في تسريع الانتقال إلى مستقبل أنظف وأكثر أمانا للطاقة.
فاتح بيرول المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة
المقال مترجم عن الفاينانشال تايمز.