مجتمعات الخليج: منظار التغير
السبت / 13 / صفر / 1444 هـ - 18:26 - السبت 10 سبتمبر 2022 18:26
يجدُ المتتبع لأدبيات التغير الاجتماعي في مجتمعات الخليج أنها تعتمد مداخل معينة كنقاط أساس معيارية لتتبع عمليات التغير الاجتماعي التي طرأت على هذه المجتمعات. ومن المهم اليوم تعدد تلك النقاط أو الأبواب التي ننفذ من خلالها إلى قياس ذلك التغير قياسًا بتعقد هذه المجتمعات في بناها الديموغرافية والثقافية وفي فعلها الاقتصادي وتركيبها الطبقي والاجتماعي. فهناك قائمة رحبة من أسئلة التغير الاجتماعي التي تمد أشرعتها للباحثين والراصدين من قبيل: أين دفعت موجات الرقمنة هذه المجتمعات في خارطة التأثير العالمي؟ وهل استطاعت الرقمنة تغيير البنى الثقافية الفعلية داخل هذه المجتمعات أم أن ما حدث هو أن الحمولة الثقافية لهذه المجتمعات انتقلت إلى الفضاءات الافتراضية بكل تجسيداتها وتجاذباتها وعمقها وتأصلها، فأحالت الظاهرة/ الفعل/ العلائق الاجتماعية الطبيعية إلى ظواهر وأفعال وعلائق افتراضية. وما طبيعة تأثير الأهمية السياسية والاقتصادية والجغرافية لدول المنطقة في سمات أفراد هذه المجتمعات وبنى شخصياتهم؟
بعيدًا عن الجدلية التي تفرضها تلك الأسئلة نعتقد اليوم أن هناك منظارًا متاحًا في هذه المجتمعات يُمكن المهتمين والدارسين والراصدين الاجتماعيين من مقاربة وتحليل التغير الاجتماعي في هذه المجتمعات وهو منظار الرؤى الوطنية التنموية. فمع انخراط الدول الخليجية في تبني رؤى تنموية طويلة المدى خلال العقد الأخير أصبح هذا المشترك منظارًا متاحًا ليس لكونهِ يحدد المآلات الاقتصادية والتنموية التي ترنو إليها هذه المجتمعات، ولكن لأنه يعطي ملمحًا عن اعتبارات مهمة منها:
- طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع وحدود التوقعات المرجوة لكلا الطرفين من الآخر.
- الأنماط الجديدة الناشئة من مساحات الفعل الاجتماعي في العمل التنموي وهو ما يترتب عليه ظهور ما نسميه في علم الاجتماع بثقافة العمل أو الأنماط المهنية الجديدة.
- العوائد الاجتماعية للتنمية الاقتصادية وما قد تعيد هيكلته من أوضاع اجتماعية وخاصة على مستوى الحراك الاجتماعي والطبقي.
- ما ستفرضه المشروعات التنموية واتجاهات التنمية الكبرى من معايير جديدة للتراتب والتفاضل الاجتماعي سواء كان ذلك قائمًا على أساس التعليم أو المشاركة الاقتصادية أو المشاركة السياسية.
- المهن الجديدة الناشئة وأنماط التعليم الجديدة المستحدثة وفرص التبادل الدولي التي تتيحها المشروعات التنموية وما يصحبها من أنماط ثقافية وحمولات قد يكون بعضها طارئًا على هذه المجتمعات.
في معرض حديثهِ عن مجتمعات الشبكة وتأثيرها على دول الخليج وانخراط دول الخليج في حراك العولمة المتظافر يقول د.باقر النجار أن مجتمعات الخليج 'باتت عرضة لتحولات تتشكل في عمق المجتمع وعلى أطرافه. وهي تحولات ستقود إلى تغيرات في نمط علاقاتنا الاجتماعية وسياقاتنا الثقافية وهياكلنا الحاكمة لأنماط السلوك وبناءات القوة. فضلًا عن علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين'. ونحن نعتقد أن مشروعات الرؤى الوطنية – بحسب ما نقرأه في نصوصها ونلحظه في التطبيقات الأولى لبرامجها – مدركة بشكل جيد لهذا المعطى. فتكرار التأكيد على الحفاظ على الهوية في أغلبية الرؤى الوطنية وتبني برامج ومشاريع موجهة للقيم والتراث والنموذج الوطني الجامع هو نقطة اتزان في غالبية هذه الرؤى بين مقاصدها التنموية – الاقتصادية الصرفة وبين رعايتها لشكل وصورة المجتمع الناتج عن مجمل العمليات التنموية التي ستنخرط فيها هذه الدولة. وبالتالي فإن رهان المنظور الجديد الذي نقترحه لقياس التغير في المجتمعات الخليجية إنما يكون في مساءلة هذه الرؤى في مدى قدرتها على الوفاء بوعود برامجها المتكاملة في رعاية الثقافة والهوية كما في رعاية بقية المقاصد التي ستؤول إليها.
إننا نعتقد أن إنسان الخليج ما بعد الرؤى الوطنية طويلة المدى الراهنة لن يكون ذاته ما قبلها وأن أبرز ملامح التغير التي ستطرأ إنما في قدرة هذا الفرد على الانخراط بفاعلية ووعي في تشكيل المجتمع العالمي وفي إدراكه للقيمة الجيو – سياسية والاقتصادية التي تمثلها المنطقة وفي تعامله على هذا الأساس في مختلف اشتغالاته واحتكاكاته بالمجتمعات الأخرى. إلا أن رهانات النجاح لهذه الرؤى في انتاج مجتمعات متوازنة ستظل مشروطة في تقديرنا بعدة اعتبارات أهمها: قدرتها على خلق نقاش عام ومجال اجتماعي حواري حول مآلات القيم وتحولات واستشعاراتها وتنقية تلك القيم من الشوائب الطارئة نتيجة الاندماج الأوسع في المجتمعات العالمية. ومن الاعتبارات كذلك قدرتها على تكييف أنظمتها التشريعية والقانونية لتكون نظمًا مرنة مستجيبة لتحولات متسارعة وحافظة لحقوق متغيرة في عالم يتسم بالديناميكية اللامتناهية.
ومن الاعتبارات الهامة في نظرنا مدى قدرة وسائل الاتصال العام على حشد وتوحيد وجمع الأفراد في هذه المجتمعات (مواطنين – مقيمين) حول المشروع الوطني (القومي) ممثلًا في كل مشروع أو برنامج تتبناه هذه الرؤى بحيث يكونوا على إيمان تام بمقاصده ومستشعرين للقيمة الوطنية التي يخلقها. ومن المهم كذلك تفعيل 'المراصد الاجتماعية' الخليجية سواء القائمة حاليًا أو ما يجب استحداثه من مراصد جديدة ليكون دورها رصد واستشعار الانحرافات الاجتماعية التي قد تنشأ عن أي تحول تنموي ورصد الحراك الاجتماعي والحفاظ على توازنه وتشخيص وضع الطبقة الوسطى باستمرار وما يعترضها كونها الطبقة الضامنة لاستقرار هذه المجتمعات وثباتها والتنبيه إلى أية مخاطر اجتماعية قد تكون ناشئة من داخل هذه المجتمعات أو ناجمة عن انخراطها في مجتمع المخاطر العالمي. فهذه المراصد في تقديرنا لا تقل شأنًا عن الوحدات المعنية بتقييم ومتابعة ومساءلة تحقق الرؤى ومستهدفاتها الكمية. وعلى الجانب الآخر يغدو من الضرورة بمكان إعادة الاعتبار لدور البحث الاجتماعي وتأهيل جيل متمكن من الباحثين القادرين على رصد حركة هذه المجتمعات ومراكمة بحث اجتماعي رصين حول تحولاتها وتغيراتها من خلال تجديد المنظور والعدة والعتاد وانتهاج مقاربات جديدة أقرب إلى واقع هذه المجتمعات وأكثر ملامسة لحقيقتها انطلاقًا من هذه الرؤى الوطنية.
بعيدًا عن الجدلية التي تفرضها تلك الأسئلة نعتقد اليوم أن هناك منظارًا متاحًا في هذه المجتمعات يُمكن المهتمين والدارسين والراصدين الاجتماعيين من مقاربة وتحليل التغير الاجتماعي في هذه المجتمعات وهو منظار الرؤى الوطنية التنموية. فمع انخراط الدول الخليجية في تبني رؤى تنموية طويلة المدى خلال العقد الأخير أصبح هذا المشترك منظارًا متاحًا ليس لكونهِ يحدد المآلات الاقتصادية والتنموية التي ترنو إليها هذه المجتمعات، ولكن لأنه يعطي ملمحًا عن اعتبارات مهمة منها:
- طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع وحدود التوقعات المرجوة لكلا الطرفين من الآخر.
- الأنماط الجديدة الناشئة من مساحات الفعل الاجتماعي في العمل التنموي وهو ما يترتب عليه ظهور ما نسميه في علم الاجتماع بثقافة العمل أو الأنماط المهنية الجديدة.
- العوائد الاجتماعية للتنمية الاقتصادية وما قد تعيد هيكلته من أوضاع اجتماعية وخاصة على مستوى الحراك الاجتماعي والطبقي.
- ما ستفرضه المشروعات التنموية واتجاهات التنمية الكبرى من معايير جديدة للتراتب والتفاضل الاجتماعي سواء كان ذلك قائمًا على أساس التعليم أو المشاركة الاقتصادية أو المشاركة السياسية.
- المهن الجديدة الناشئة وأنماط التعليم الجديدة المستحدثة وفرص التبادل الدولي التي تتيحها المشروعات التنموية وما يصحبها من أنماط ثقافية وحمولات قد يكون بعضها طارئًا على هذه المجتمعات.
في معرض حديثهِ عن مجتمعات الشبكة وتأثيرها على دول الخليج وانخراط دول الخليج في حراك العولمة المتظافر يقول د.باقر النجار أن مجتمعات الخليج 'باتت عرضة لتحولات تتشكل في عمق المجتمع وعلى أطرافه. وهي تحولات ستقود إلى تغيرات في نمط علاقاتنا الاجتماعية وسياقاتنا الثقافية وهياكلنا الحاكمة لأنماط السلوك وبناءات القوة. فضلًا عن علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين'. ونحن نعتقد أن مشروعات الرؤى الوطنية – بحسب ما نقرأه في نصوصها ونلحظه في التطبيقات الأولى لبرامجها – مدركة بشكل جيد لهذا المعطى. فتكرار التأكيد على الحفاظ على الهوية في أغلبية الرؤى الوطنية وتبني برامج ومشاريع موجهة للقيم والتراث والنموذج الوطني الجامع هو نقطة اتزان في غالبية هذه الرؤى بين مقاصدها التنموية – الاقتصادية الصرفة وبين رعايتها لشكل وصورة المجتمع الناتج عن مجمل العمليات التنموية التي ستنخرط فيها هذه الدولة. وبالتالي فإن رهان المنظور الجديد الذي نقترحه لقياس التغير في المجتمعات الخليجية إنما يكون في مساءلة هذه الرؤى في مدى قدرتها على الوفاء بوعود برامجها المتكاملة في رعاية الثقافة والهوية كما في رعاية بقية المقاصد التي ستؤول إليها.
إننا نعتقد أن إنسان الخليج ما بعد الرؤى الوطنية طويلة المدى الراهنة لن يكون ذاته ما قبلها وأن أبرز ملامح التغير التي ستطرأ إنما في قدرة هذا الفرد على الانخراط بفاعلية ووعي في تشكيل المجتمع العالمي وفي إدراكه للقيمة الجيو – سياسية والاقتصادية التي تمثلها المنطقة وفي تعامله على هذا الأساس في مختلف اشتغالاته واحتكاكاته بالمجتمعات الأخرى. إلا أن رهانات النجاح لهذه الرؤى في انتاج مجتمعات متوازنة ستظل مشروطة في تقديرنا بعدة اعتبارات أهمها: قدرتها على خلق نقاش عام ومجال اجتماعي حواري حول مآلات القيم وتحولات واستشعاراتها وتنقية تلك القيم من الشوائب الطارئة نتيجة الاندماج الأوسع في المجتمعات العالمية. ومن الاعتبارات كذلك قدرتها على تكييف أنظمتها التشريعية والقانونية لتكون نظمًا مرنة مستجيبة لتحولات متسارعة وحافظة لحقوق متغيرة في عالم يتسم بالديناميكية اللامتناهية.
ومن الاعتبارات الهامة في نظرنا مدى قدرة وسائل الاتصال العام على حشد وتوحيد وجمع الأفراد في هذه المجتمعات (مواطنين – مقيمين) حول المشروع الوطني (القومي) ممثلًا في كل مشروع أو برنامج تتبناه هذه الرؤى بحيث يكونوا على إيمان تام بمقاصده ومستشعرين للقيمة الوطنية التي يخلقها. ومن المهم كذلك تفعيل 'المراصد الاجتماعية' الخليجية سواء القائمة حاليًا أو ما يجب استحداثه من مراصد جديدة ليكون دورها رصد واستشعار الانحرافات الاجتماعية التي قد تنشأ عن أي تحول تنموي ورصد الحراك الاجتماعي والحفاظ على توازنه وتشخيص وضع الطبقة الوسطى باستمرار وما يعترضها كونها الطبقة الضامنة لاستقرار هذه المجتمعات وثباتها والتنبيه إلى أية مخاطر اجتماعية قد تكون ناشئة من داخل هذه المجتمعات أو ناجمة عن انخراطها في مجتمع المخاطر العالمي. فهذه المراصد في تقديرنا لا تقل شأنًا عن الوحدات المعنية بتقييم ومتابعة ومساءلة تحقق الرؤى ومستهدفاتها الكمية. وعلى الجانب الآخر يغدو من الضرورة بمكان إعادة الاعتبار لدور البحث الاجتماعي وتأهيل جيل متمكن من الباحثين القادرين على رصد حركة هذه المجتمعات ومراكمة بحث اجتماعي رصين حول تحولاتها وتغيراتها من خلال تجديد المنظور والعدة والعتاد وانتهاج مقاربات جديدة أقرب إلى واقع هذه المجتمعات وأكثر ملامسة لحقيقتها انطلاقًا من هذه الرؤى الوطنية.